تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل رفع سعر الدولار تحسباً لتفادي انهيارها مستقبلاً ولمواجهة آثار انخفاض العملات الإقليمية هو أشبه ما يكون بالخطة الإستراتيجية لإعادة التوازن النقدي الإقليمي وإعادة تنظيم الاقتصاد العراقي..
تبدو بعض المؤشرات إن حكومة الكاظمي تسير إلى حد ما بالشكل المطلوب داخلياً وخارجياً سياسياً واقتصادياً، سينعكس هذا السير بشكل ملموس على ارض الواقع إن عاجلاً أو آجلاً ومع ذلك سيبقى هذا السير محفوفاً بالمخاطر، مما يتطلب الحذر دائماً لأي محاولات تريد الانزلاق به نحو الهاوية..
يجب أن تعمل الدولة في العراق على تقوية الاقتصاد العراقي، من خلال تفعيل قوى السوق؛ ليكون قادراً على العمل بشكل ذاتي وتلقائي، ويستطيع أن ينتج منتجاته وخدماته بتكاليف وأسعار منخفضة حتى تؤدي إلى انخفاض سعر صرف العملة الوطنية ليزداد الطلب الدولي عليها وتزداد صادراته ويتحسن النمو الاقتصادي وخلق المزيد من فرص العمل وتخفيض البطالة التي يعاني منها في الوقت الراهن بشكل كبير..
لو كانت الإدارة في العراق لم تتسم بالاستبداد وتتحلى بالمشورة والمناقشة وتقبل النقد البنّاء وتبتعد عن تلبية الطموحات والرغبات الذاتية وتعمل وفقاً لمصلحة الاقتصاد السلمي والشعب. هل سيكون واقع الاقتصاد العراقي كما هو عليه الآن، من اقتصاد منهك يعاني الأحادية والتبعية والتذبذب والبطالة والفقر؟!..
الاقتصاد العراقي يعاني من الضعف ما لم يعمل على ترسيخ الحرية الاقتصادية والسماح للقطاع الخاص بممارسة النشاط الاقتصادي بيسر وسهولة من خلال العمل على محاربة ومنع الفساد وتهيئة بيئة الأعمال الجاذبة والمشجعة للقطاع الخاص على الاستثمار..
العلاج بالصدمة في الغالب لا يجدي نفعاً خصوصاً في المجتمعات الريعية كالمجتمع العراقي، كونها اعتادت النمط الريعي -الاستهلاكي ولا يمكن تغييره بسهولة ما لم يتم اعتماد الأسلوب التدريجي في تغيير هذا النمط والاتجاه به نحو النمط الإنتاجي-الاستهلاكي..
من أجل تحقيق الإصلاح المالي بالاتجاه الصحيح في العراق بعيداً عن الاتجاه المعاكس لا بُد من العمل وفق بديهية الإصلاح المالي التي تم الابتداء بها، أي العمل على تخفيض النفقات العامة أكثر ما يمكن والاقتصار على الضروريات فقط وزيادة الإيرادات العامة أكبر ما يمكن على أن لا تؤدي هذه الزيادة إلى آثار عكسية تضر بذات الإصلاح المالي كما في حال زيادة الضرائب بنسبة 100% تؤدي إلى تخفيض الحصيلة الضريبية إلى الصفر..
بعد تشخيص الأزمة الحالية المتمثلة بتدني الإيرادات العامة مقابل ضخامة النفقات العامة، وتشخيص أسبابها، أصبح بالإمكان تلافي الأزمة المالية المُرتقبة من خلال تطبيق الحزمة المالية المتمثلة بسلم رواتب جديد وإحصاء موظفي الدولة وأتمتة إيرادات الدولة ونفقاتها وأخيراً اعتماد موازنة البرامج والأداء بدلاً من موازنة البنود السائدة..
يترك النفط آثاره السلبية على الاقتصادات التي تعتمد عليه بشكل كبير خصوصاً إذا ما كانت هذه الاقتصادات تعاني من غياب الاستقرار السياسي كما هو حال العراق. حيث يتصف الاقتصاد العراقي بالاعتماد الشديد على النفط ماليةً وإنتاجاً وتجارةً، بحكم امتلاكه كميات كبيرة منه انعكست على الإنتاج والتصدير النفطيين وعلى الاقتصاد برمته..
من أجل جعل الاقتصاد العراقي يتمتع بالقوة فلا بد من العمل على اعتماد اقتصاد السوق بشكل حقيقي وجعل القطاع الخاص يأخذ الدور الرئيس والعمل أيضاً على استثمار الثروة النفطية بما يسهم في تحقيق التنويع الاقتصادي لا ترسيخ احادية الاقتصاد، كلا الأمرين سينعكسان بشكل إيجابي على التجارة الخارجية ويجعلانها مُعبرة عن قوة الاقتصاد لا ضعفه..
إن المالية العامة والاقتصاد العراقي سيظلان يعانيان التذبذب وغياب الاستقرار خصوصاً مع غياب الإدارة الكفوءة وسوء الوضع العام، ما لم يتم العمل على فصل الثروة النفطية عن الدولة وإدارتها بشكل مستقل لصالح الشعب بعيداً عن الدولة والمالية العامة..