اشتدّت التوترات النووية بين إيران والغرب بشكل ملحوظ مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة لعام 2015 على طهران في أيلول 2025. وجاء هذا التطور نتيجةً لقيام الدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - بتفعيل آلية العودة السريعة للعقوبات snapback (آلية قانونية لاستعادة العقوبات المتفق عليها مسبقًا في الأمم المتحدة) التابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) قبل شهر
الكاتب: Giorgio Cafiero نقلا عن المجلس الاطلسي / واشنطن.
مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
ترجمة: د. حسين احمد السرحان
تشرين الثاني-نوفمبر 2020
اشتدّت التوترات النووية بين إيران والغرب بشكل ملحوظ مع إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة لعام 2015 على طهران في أيلول 2025. وجاء هذا التطور نتيجةً لقيام الدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة - بتفعيل آلية العودة السريعة للعقوبات snapback (آلية قانونية لاستعادة العقوبات المتفق عليها مسبقًا في الأمم المتحدة) التابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) قبل شهر.
ونتيجةً لذلك، من المرجح أن تتعمق شراكة إيران مع روسيا، التي تعتبر إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة هذه غير شرعية. ومن المتوقع أن يُسرّع هذا التطور من تحوّل طهران الاستراتيجي شرقًا، وهو تحوّل اكتسب زخمًا بعد انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فترة رئاسته الأولى من خطة العمل الشاملة المشتركة في أيار 2018.
على الرغم من انعدام الثقة المستمر، تُعدّ إيران وروسيا طرفين براغماتيين للغاية. وطالما استمرّ الغرب في انتهاج سياسات العزلة، فإنّ تعميق التعاون الاقتصادي بين طهران وموسكو يُعدّ نتيجةً منطقية. وبفضل رغبتهما في مواجهة النفوذ الأميركي، تستعد إيران وروسيا لتعميق تعاونهما الثنائي والمتعدد الأطراف.
موقف روسيا المتطور من آلية العودة السريعة للعقوبات " snapback "
من المفارقات أن روسيا اقترحت في الأصل آلية " snapback " المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 2231 خلال المفاوضات التي أدت الى إقرار خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 (JCPOA ). في ذلك الوقت، اعتبرت موسكو هذا البند حلاً عمليًا لأي أزمة دبلوماسية محتملة، إذ يوفر آلية لا مانع فيها من استخدام حق النقض لإعادة فرض العقوبات في حال انتهاك إيران للاتفاق. وقد ضمن هذا التصميم، من وجهة نظر روسيا، إمكانية إنفاذ خطة العمل الشاملة المشتركة مع الحفاظ على توافق الآراء بين القوى الكبرى.
مع ذلك، روسيا اليوم تُعارض تفعيل هذه الآلية. فبعد أن أطلقت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث آلية "العودة السريعة snapback " في 28 /آب 2025، استنكرت موسكو هذه الخطوة "المعيبة" قانونيًا، مُجادلةً بأن الدول الأوروبية نفسها انتهكت خطة العمل الشاملة المشتركة، وبالتالي تفتقر الى الصفة القانونية اللازمة لتفعيل مثل هذا الإجراء. كما اكدت روسيا أن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة على إيران عام 2015 لن يكون لها أي قوة قانونية دولية مُلزمة، على الرغم من تأكيد مجموعة الدول الأوروبية الثلاث على حقها "الواضح" في اعادة فرض العقوبات.
بالعودة الى عام 2020، عندما سعت إدارة ترامب الأولى الى تفعيل آلية "العودة السريعة للعقوبات snapback" من جانب واحد، انضمت روسيا والصين الى معارضة هذه الخطوة رسميًا، على أساس أن انسحاب واشنطن من خطة العمل الشاملة المشتركة حرم الولايات المتحدة من أي مبرر قانوني لتطبيق آلية العودة السريعة للعقوبات. ولدعم قضيتهما بالقانون الدولي، استشهدت موسكو وبكين برأي استشاري صادر عن محكمة العدل الدولية في حزيران 1971 بشأن الوجود الجنوب أفريقي في ناميبيا، وطبقته على حظر الأسلحة المفروض على إيران، وكذلك على العودة السريعة للعقوبات snapback ". ووفقًا لهذا الرأي الاستشاري، لا يمكن لأي طرف يتنصل من التزاماته بموجب اتفاقية ما أن يطالب في الوقت نفسه بالحقوق الناشئة عن تلك الاتفاقية.
بعد أن أوضحت موسكو أنها لن تعترف بالعقوبات التي أُعيد فرضها قبل عام 2015 على طهران ولن تمتثل لها، حاولت تأخير وتقويض وعرقلة جهود مجموعة الدول الأوروبية الثلاث لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة. لكن قرار مجلس الأمن الدولي - الذي صاغته روسيا والصين للحفاظ على تخفيف العقوبات على إيران - فشل في الإقرار في 26 ايلول 2025، اذ صوتت ضده تسعة أعضاء، من بينهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، وأيدته أربع دول فقط - روسيا والصين والجزائر وباكستان - وامتنعت دولتان عن التصويت.
قال ديمتري بوليانسكي، نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، في اجتماع مجلس الأمن: " كنا نأمل أن يفكر الزملاء الأوروبيون والولايات المتحدة مرتين، وأن يختاروا مسار الدبلوماسية والحوار بدلاً من ابتزازهم الأخرق الذي لا يؤدي إلا الى تصعيد الوضع في المنطقة ".
ومع عدم اعتماد قرار بديل بحلول الموعد النهائي في أواخر ايلول الماضي (2025)، دخلت آلية "العودة السريعة للعقوبات" حيز التنفيذ رسميًا. وتُبرز هذه الحادثة مفارقة دبلوماسية أوسع نطاقًا، فالآليات القانونية التي طالما دافعت عنها دولة معينة، يمكن أن تصمد لمدة أطول بكثير من التوافق السياسي الذي أدى الى ظهورها - مما يُلحق أحيانًا ضررًا استراتيجيًا بتلك الدولة نفسها.
وعلى الرغم من أن موسكو لم تتمكن من منع إعادة فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات ما قبل عام 2015 على إيران، إلا أنها تحتفظ بقدرة كبيرة على عرقلة إنفاذها. ومن الأمثلة الرئيسة على ذلك قدرتها على منع إعادة تفعيل لجنة العقوبات 1737 (التي أُنشئت في الأصل في كانون الاول 2006 للإشراف على تطبيق عقوبات الأمم المتحدة على طهران وإنفاذها) أو تعطيل تعيين خبراء في هيئتها. وبما أن تفويض اللجنة يتطلب توافقًا داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمكن لروسيا الاستفادة من موقفها لدعم إحيائها. إن رفض موسكو لـ"إعادة فرض العقوبات" ليس مجرد أمر رمزي - بل يعكس استراتيجية تهدف الى تخفيف أثر تجديد عقوبات الأمم المتحدة على إيران. ومع ذلك، وحتى مع تقويض روسيا والصين لآلية إنفاذ العقوبات، يبدو من الصعب تجنب الاستنتاج بأن آلية " العودة السريعة للعقوبات" من جانب مجموعة الثلاث، سوف يكون لها تأثير مزعزع للاستقرار على الاقتصاد الإيراني، وسوف تؤدي الى تفاقم التوترات بين الشخصيات النخبوية في الدولة والمواطنين العاديين.
توطيد العلاقات بين إيران وروسيا في ظل العقوبات
سيساعد رفض روسيا الامتثال لعقوبات الأمم المتحدة التي أُعيد فرضها مؤخرًا على طهران إيران على مواجهة هذا الضغط الاقتصادي المتزايد، الى حد ما على الأقل. ومن المرجح أن يتعمق التعاون التجاري الثنائي في مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة النووية، مع مضي البلدين قدمًا في تنفيذ معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة، التي وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في موسكو قبل تسعة أشهر. في غضون ذلك، يُمكن الاعتماد على روسيا للدفاع عن مصالح إيران في مجلس الأمن الدولي، مع تزايد انتقادها لسياسات الغرب تجاه طهران.
سيعزز تحالف روسيا والصين وباكستان وإيران ضد إعادة تفعيل آلية "العودة السريعة للعقوبات" وما يترتب عليها من عقوبات الأمم المتحدة قناعة لدى المسؤولين الإيرانيين بأن انضمام البلاد لى مؤسسات غير غربية مثل مجموعة "بريكس+" ومنظمة شنغهاي للتعاون، كان القرار الأكثر حكمة. وتماشياً مع ركيزة "التوجه شرقاً" في السياسة الخارجية الإيرانية، تعتقد القيادة في طهران أن مصير البلاد الجيوسياسي يكمن في روسيا والصين وقوى أخرى غير غربية مثل باكستان وجمهوريات آسيا الوسطى وكوريا الشمالية.
من وجهة نظر طهران، تُؤكد خطوة مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (E3) وجهة نظرها الراسخة بأن القوى الغربية غير جديرة بالثقة، مما يجعل التنازلات النووية تبدو عقيمة. علاوة على ذلك، فان الدعم الأوروبي، وخاصة الألماني، لإسرائيل خلال حرب الأيام الاثني عشر الأخيرة - ناهيك عن الضربات العسكرية الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية - ساهم في تعميق هذا التصور، مما قوّض بشدة الأصوات في طهران التي سعت الى إيجاد "تفاهم جديد" مع العواصم الغربية.
مع ذلك، ستُبقي إيران الباب مفتوحاً للمحادثات مع الغرب، وإن كانت تُعطي الأولوية للردع على التنازلات الدبلوماسية. وعلى الرغم من تنامي التوافق، لا تزال هناك عقبات رئيسة تحول دون تحويل الشراكة بين طهران وموسكو الى تحالف كامل. من أبرز هذه العوامل علاقة روسيا المتينة والبراغماتية مع إسرائيل، والتي تعززت بقيادة بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. كما تُشكل رغبة الكرملين في الحفاظ على علاقات قوية مع دول الخليج مصدر توتر. ولا تزال العديد من دول الخليج تشك في النوايا الإيرانية - لا سيما فيما يتعلق برعاية الجمهورية الإسلامية لبعض الجهات الفاعلة غير الحكومية في العالم العربي، فضلا عن أنشطتها الصاروخية والطائرات المسيرة - على الرغم من حالة الانفراج العام في علاقات الرياض وأبو ظبي مع طهران.
زيادة على ذلك، أوضح موقف روسيا من حرب الأيام الاثني عشر رغبة موسكو في الحفاظ على التوازن بين إسرائيل والدول العربية وإيران. وخيبة أمل طهران بموسكو، ان الاخيرة أدانت الهجمات الإسرائيلية على إيران ودعت الى خفض التصعيد، لكنها لم تتخذ أي خطوات ملموسة تدعم إيران بشكل ملموس. وقد ساهمت التصورات الإيرانية عن مساعدة روسيا لإسرائيل وسط ذلك الصراع في مزيد من تآكل الثقة في العلاقات الثنائية. على سبيل المثال، زعم محمد صدر، عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، أن "روسيا زودت إسرائيل بمعلومات حول مواقع الدفاع الجوي الإيرانية" خلال الحرب.
لكن طهران ستظل تسعى الى التقرب من روسيا سعياً لتلبية احتياجاتها الاقتصادية والعسكرية، في ظل تزايد الضغوط الدولية والخوف من انهيار محتمل لوقف إطلاق النار المبرم في حزيران 2025 مع إسرائيل. ومع رفض موسكو تطبيق عقوبات الأمم المتحدة التي فُرضت قبل عام 2015، ستلجأ إيران إلى حكومة بوتين لمزيد من التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية والدعم الفني والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، مع الاعتماد على روسيا في تسهيل التعاون الدفاعي بين إيران ومختلف جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، من طاجيكستان إلى بيلاروسيا.
وبناءً على ذلك، سيُقوّض تنامي التوافق الإيراني الروسي الجهود الغربية لعزل طهران. فبينما تُعمّق الدولتان تنسيقهما، اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً، لا تعملان فقط على إضعاف فعالية العقوبات الغربية، بل أيضاً على تحدي البنية الأوسع للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. ورغم أن احتمالات إحياء الاتفاق النووي أو التوصل الى اتفاق نووي جديد تماما تظل ضئيلة للغاية، فأن فشل الغرب في إشراك إيران بشكل هادف في برنامجها النووي والصاروخي، فضلا عن الجوانب الأكثر إثارة للجدل في سياستها الخارجية الإقليمية، من المرجح أن يؤدي الى تسريع انجراف طهران بشكل أكبر نحو مدار موسكو.



اضافةتعليق