من أبرز التحديات الحالية التي يواجهها العراق هو التهديد المتكرر بتوسيع العقوبات الاقتصادية، مما يثير قلق الجميع سواء متخذ القرار او المجتمع. غالباً ما تفرض العقوبات تحت ذرائع مختلفة كتهديد السلم والامن الدوليين أو دعم جماعات مسلحة او غيرها وفي حالة العراق فان التهديد يرتبط بملفات سياسية وامنية واقتصادية. إذ يمكن للعقوبات ان تعرقل تدفق رؤوس الاموال، وتضعف قيمة العملة، وتؤدي لارتفاع البطالة والتضخم، فضلاً عن اضعاف الثقة بالبيئة الاستثمارية
عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية ضمن النشاط الذي يقيمه ملتقى الحوار الأسبوعي في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وذلك في الساعة الخامسة من عصر يوم السبت الموافق 13/9/2025 وحضر هذه الحلقة النقاشية عدد من الباحثين المختصين والأكاديميين ومدراء المراكز البحثية، حيث قدم الباحث في مركز الفرات الأستاذ حامد الجبوري ورقة بحثية بعنوان (التداعيات الاقتصادية للتهديد بتوسيع العقوبات على العراق) وقد جاء في هذه الورقة:
يُعد الاقتصاد العراقي واحداً من أكثر الاقتصادات هشاشةً في المنطقة، نتيجة اعتماده شبه الكامل على النفط، بالتزامن مع ضعف التنويع الاقتصادي.
هذا الاعتماد جعل العراق عرضة للتقلبات الخارجية، سواء تلك المتعلقة بأسعار النفط او بالضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارس من قبل المنظمات الدولية أو الدول الكبرى. بمعنى ان العراق رهن اقتصاده بالعالم الخارجي وأصبح تابعاً ومتأثراً به أكثر من تأثر العالم الخارجي به.
ومن أبرز التحديات الحالية التي يواجهها العراق هو التهديد المتكرر بتوسيع العقوبات الاقتصادية، مما يثير قلق الجميع سواء متخذ القرار او المجتمع. غالباً ما تفرض العقوبات تحت ذرائع مختلفة كتهديد السلم والامن الدوليين أو دعم جماعات مسلحة او غيرها وفي حالة العراق فان التهديد يرتبط بملفات سياسية وامنية واقتصادية. إذ يمكن للعقوبات ان تعرقل تدفق رؤوس الاموال، وتضعف قيمة العملة، وتؤدي لارتفاع البطالة والتضخم، فضلاً عن اضعاف الثقة بالبيئة الاستثمارية.
ومن هنا تأتي أهمية دراسة الموضوع ليس فقط لفهم طبيعة المخاطر، وانما ايضاً لاستشراف ما قد تؤول آلية الاوضاع في حال جرى تطبيق هذه العقوبات فعلياً.
المحور الاول
مفهوم العقوبات واهدافها دوافعها
التعريف
العقوبات، هي اجراءات تتخذ ضد دولة أو مجموعة من الافراد والمؤسسات بهدف الضغط عليه لتغيير سياسات أو ممارسات معينة، وتكون على اشكال متعددة مثل تجميد الاصول، او حظر التعاملات المصرفية او تقييد التجارة وحظر السفر او فرض حصار شامل.
الأهداف
في العادة الهدف المعلن من العقوبات هو دفع الدولة المستهدفة للالتزام بالقوانين الدولية أو قرارات مجلس الأمن، بينما الهدف غير المعلن قد يكون لأجل مكاسب سياسية واقتصادية للدول الفارضة للعقوبات.
الدوافع
دافع سياسي:
اي ميل حكومي نحو الدول المتخاصمة مع الدول الكبرى يعد تجاوزاً لمصالح الدول الكبرى قد يستغل لفرض العقوبات.
دافع أمني:
أي ان العراق ضعيف في السيطرة على السلاح خارج الدولة، او يتم استخدام أراضية لاستهداف مصالح دولية.
دافع اقتصادي
مخاوف من استخدام العراق كأداة للالتفاف على عقوبات مفروضة على دول اخرى كإيران او روسيا او غيرها.
المحور الثاني
التداعيات المباشرة وغير المباشرة
إذا ما تحولت التهديدات الى خطوات فعلية ملموسة على ارض الواقع ستكون هناك تداعيات مباشرة وأخرى غير مباشرة يمكن تناولها أهمها في الآتي:
أولاً: التداعيات المباشرة
1- قطاع النفط والغاز
العراق يعتمد بشكل شبه كامل على صادرات النفط لتمويل موازنته. أي عقوبات قد تشمل :
- تقييد الصادرات النفطية عبر منع استيراده من قبل بعض الدول او صعوبة التحويلات المالية المرتبطة به.
- انخفاض الايرادات النفطية، حتى التهديد وحده قد يؤدي لخصومات سعرية على النفط العراقي بسبب ارتفاع المخاطر.
- تراجع الاستثمارات النفطية، شركات الطاقة العالمية تقد تؤجل او تلغي مشاريع تطوير الحقول اذا ما شعرت بمخاطر العقوبات.
هذا يعني ان الموازنة العراقية ستواجه عجزاً مالياً مستمراً، وقد تضطر الحكومة لتقليص الانفاق العام او اللجوء للاقتراض الداخلي والخارجي.
2- العملة الوطنية والاحتياطي الأجنبي
ويشمل:
- تراجع قيمة الدينار العراقي، مع انخفاض تدفق الدولار من عائدات النفط او من التحويلات الخارجية.
- ارتفاع السوق الموازي، سيظهر فرق كبير بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق الموازي.
- استنزاف الاحتياطي الاجنبي، البنك المركزي سيستخدم احتياطاته لدعم العملة، لكن ذلك غير مستدام على المدى الطويل.
3- التجارة الخارجية
وتشمل:
- صعوبة الاستيراد، يعتمد العراق على الاستيراد لتغطية أكثر من 70% من احتياجاته الغذائية والصناعية، أي ان العقوبات ستجعل الحصول على هذه السلع أصعب وأكثر كلفة.
- تراجع التصدير غير النفطي وان كان محدوداً.
- تعقيد النقل والشحن، قد تواجه السفن العراقية او المتعاملة معها صعوبات في التأمين او الرسوم، مما يرفع كلفة النقل.
4- الاستثمار
- انسحاب الاستثمار الاجنبي، لان أي تهديد بالعقوبات يجعل بيئة العراق الاستثمارية طاردة، لأن الشركات لا تفضل المخاطرة بسمعتها او مواجهة غرامات.
- ضعف القطاع الخاص المحلي، حيث انه سيواجه صعوبة في الحصول على العملة الصعبة وصعوبة في الاستيراد وارتفاع اسعار المواد الخام.
- توقع المشاريع الاستراتيجية، مشاريع الكهرباء والمواصلات وغيرها ستتأثر سلباً بسبب توقف التمويل او انسحاب الشركات الاجنبية.
ثانياً: التداعيات غير المباشرة
1. البطالة والفقر
العراق يعاني اساساً من ارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً بين الشباب والخريجين الجدد، ومع عقوبات جديدة يعني تفاقم البطالة والفقر بشكل أكبر وذلك بسبب:
- انكماش النشاط الاقتصادي يقلل من فرص العمل، خصوصاً في القطاع الخاص.
- توسيع دائرة الفقر بسبب التضخم وارتفاع اسعار السلع الاساسية.
2. المناخ الاستثماري
- ان تصاعد المخاطر السياسية والاقتصادية يضعف ثقة المستثمرين المحليين والاجانب.
- انتقال رؤوس الاموال الى الخارج بحثاً عن بيئة أكثر أماناً.
- تراجع الثقة، حتى بعد رفع العقوبات مستقبلاً، سيظل المستثمرون مترددين خوفاً من عودة الأزمة.
3. الامن الغذائي
- العراق يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتغطية احتياجاته الغذائية.
- اي تقييد للتجارة سيؤدي الى ازمات في السلع الاساسية وزيادة الاسعار.
- تفاقم الاعتماد على السوق السوداء ما يفتح المجال امام الاحتكار والفساد.
4. القطاع المصرفي والمالي
- صعوبة التحويلات البنكية، عزل البنوك العراقية عن النظام المالي العالمي سيجعل من الصعب تمويل التجارة او استقبال الاستثمارات.
- انتعاش الاقتصاد الموازي، مع تقييد النظام الرسمي، ستزدهر السوق السوداء وشبكات التهريب والتحويلات غير الرسمية.
ثالثاً: آثار طويلة الأمد
1. تعميق الاعتماد على النفط
حيث ان العقوبات ستضعف فرص تنويع الاقتصاد، لان المشاريع الصناعية والزراعية تحتاج لاستثمارات كبيرة، ونظراً لحرمان العراق من هذه الاستثمارات بسبب العقوبات مما يعني بقاء العراق رهينة لتقلبات اسعار النفط.
2. توقف المشاريع الاستراتيجية
ان غياب التمويل كنتيجة للعقوبات سيؤدي لتوقف المشاريع الاستراتيجية مثل محطات الكهرباء والطرق والمطارات وغيرها.
3. زيادة المديونية الخارجية
مع عجز الموازنة ستضطر الحكومة للجوء للاقتراض الخارجي او الداخلي، وهو ما يزيد من حجم الديون ويضع اعباءً على الاجيال القادمة.
المحور الثالث: سبل المواجهة
اولاً: التنويع الاقتصادي
1. الزراعة أي استثمار الاراضي الخصبة لتحسين الامن الغذائي وتقليل الاستيراد.
2. الصناعة الخفيفة اي تشجيع الصناعات الخفيفة الاغذية والنسيج ومواد البناء) لتوفير فرص العمل وتقليل التبعية.
3. الطاقة المتجددة اي استثمار الطاقة الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الوقود المستورد.
ثانياً: اصلاح النظام المالي
1. تعزيز الشفافية، أي مكافحة الفساد وتطبيق انظمة مالية صارمة.
2. رقمنة التحويلات، أي تقليل الاعتماد على النقد وتطوير نظام مصرفي رقمي أكثر أماناً.
3. اعتماد موازنة البرامج والاداء بدلاً من موازنة البنود.
ثالثاً: تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية
1. بناء شراكات متوازنة، مع قوى دولية متعددة وذلك لتقليل الاعتماد على طرف واحد.
2. تقديم اصلاحات ملموسة على مختلف المجالات لتجنب العقوبات.
3. تعزيز الدور الاقليمي، اي استثار موقع العراقي ليلعب دور الوسيط لا ساحة للصراع.
رابعاً: دعم القطاع الخاص المحلي
1. تشجيع الاستثمار المحلي عبر تقليل البيروقراطية.
2. تسهيلات ضريبية وقروض ميسرة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
3. حماية المنتج الوطني من الاغراق بالسلع المستوردة.
في النهاية، يمكن القول ان مواجهة التهديد بالعقوبات ليست مسألة اقتصادية فحسب، بل هي قضية سيادية واستراتيجية تتطلب تكاملاً بين السياسة والاقتصاد والمجتمع. فبدون رؤية شاملة وادارة رشيدة، سيبقى العراق معرضاً لمخاطر الضغوط الدولية التي قد تقيد مسيرته التنموية وتضعف استقراره الداخلي.
ثم طرح مقدِّم الورقة السؤالين التالين على الحاضرين للاستئناس بآرائهم وهما:
س1/ لماذا يتعرض العراق بين مدى وأخرى للعقوبات والتهديد بتوسيعها؟
س2/ هل يمكن تفادي تلك العقوبات وتهديداتها وتداعياتها الاقتصادية؟
المداخلات:
-الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
للاختصار نجيب حول السؤالين، أنا أعتقد بأن هذا التهديد بالعقوبات الاقتصادية ضد العراق، والذي استمر من عام 90/ 91 ولحد الآن، مستمر هذا الشبح، حتى أن العراقيين كما لاحظتم قبل الضربة لإيران، بدأوا يجمعون السلات الغذائية ويخزنوها في بيوتهم، لأنهم يتوقعون أن الوضع الاقتصادي سوف ينهار في العراق، السبب في ذلك هو ليس نتيجة قرارات اقتصادية خاطئة في العراق، فهذا التهديد بالعقوبات أو استمرار العقوبات أو ظهور العقوبات في حياة العراقيين ليس ناجما عن قرارات اقتصادية خاطئة، وإنما ناجم عن قرارات سياسية خاطئة.
هذه القرارات السياسية وهيمنة الفضاء السياسي على جميع الفضاءات الأُخَر، فاليوم نلاحظ أن بلدنا لا يديره رجال اقتصاد، وفي حقيقة الأمر أن القرارات الاقتصادية تصنع سياسيا قبل أن تصنع اقتصاديا، وكذلك الحال حتى مع القرارات القانونية وحتى مع الفضاء التعليمي ومع كل شيء في حياتنا، ولذلك ما لم يوضع حد لتغوّل الفضاء السياسي في مجال الفضاء العراقي، أعتقد أننا لا يمكن أن نمنع أنفسنا أو نمنع دولتنا أن تتعرض للعقوبات.
ليس قدرا أن يتعرض العراق للعقوبات، لماذا لا تتعرض بقية دول العالم لها، القضية هي أن هناك قادة سياسيين يعرفون كيف يحافظون على مصالح بلدانهم، وكيف يحافظون على نهضتها، فواحد من الأشياء التي تمكننا أن نتجنب العقوبات هو أننا نحتاج إلى سياسي رجل دولة، يستطيع أن يتخذ القرار السياسي بناء على القرارات او بناء على رؤية شاملة، حتى في قضية الشورى في الإسلام (وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله).
بعض المسلمين أو بعض فقهاؤنا ذهبوا إلى أنه الشورى غير ملزِمة، بالنتيجة يستأنس الحاكم برؤية الشورى، وبالنتيجة إذا ذهبنا وراء هذا الرأي أن الشورى لا قيمة لها، هذا ما نراه (فإذا عزمت فتوكل على الله) بالنتيجة إن الحاكم هو الذي يتخذ القرار أما الشورى فلا قيمة لها عند هذا الحاكم، ولكن الرأي الأخر ويتفق عليه جمهور كبير من فقهاؤنا، أشكلوا عليه فالورى يجب أن تكون ملزِمة للحاكم.
بمعنى فإذا عزمت فتوكل على الله، تعني إذا ما عزمت على ما انتهى إليه أمرك في الشورى، يعني بعدما تشاور المختصين، وبعد أن تطلع على رأيهم، وبعد أن تفهموا كيف يكون القرار الصائب، في هذا الحالة يتم اتخاذ القرار بعد التوكل على الله. فيكون القرار ليس فرديا وإنما هو قرار جماعي، قرار مجتمع وقرار مختصين.
أعتقد نحن نحتاج إلى أن يقوم الفضاء السياسي الحالي على قاعدة عدم تفرّد رجل الدولة أو السياسي لدينا باتخاذ القرارات، وإنما يحتاج الأمر إلى رجال دولة يستطيعون ويفهمون أهمية التشاور عند اتخاذ القرار، حتى نمنع العقوبات، ولا يمكن منع الحاكم عن التفرد من دون أن تكون هناك مؤسسات دولة قوية، نقصد مؤسسات دستورية قوية تستطيع أن تجعل القرار ليس قرار الحاكم بأمره، وإنما القرارات هي قرارات مؤسسات دولة ومجتمع.
وبالنتيجة يمكن أن نتجنب أن تكون القرارات السياسية خاطئة، يحتاج اليوم الحاكم لكي يتخذ قراره، يحتاج أن تكون عنده قراءة دقيقة للبيئة الإقليمية والبيئة الدولية التي يتحرك فيها، ويتجنب المغامرات السياسية، يتجنب تقاطع المصالح المهمة، اليوم العراق هو ليس الدولة الوحيدة في العالم، ولا هي الدولة التي تتحكم بكل شيء في إقليمها أو في العالم.
وإنما هنالك دول كبرى ودول لديها قدرات هائلة، وهي دول لها مصالحها، وعندما تواجه مصالح هذه الدول، وتقول (أنا بالنسبة لي لا يهمني تهديدهم، أنا أوجههم وأنا اٌقاومهم) ولكن عليك أن تأخذ بنظر الاعتبار هل أنت قادر على المقاومة فعلا أم غير قادر؟، إذا كنت تعرف نفسك بانك غير قادر على المقاومة، عليك أن لا تذهب باتجاه الاستفزاز، وباتجاه أن تحول التقاطع إلى مواجهة، حتى الإمام علي عليه السلام يقول: (إذا عجزت عن العدو فدارِه)، بمعنى إذا لم تستطع مواجهة العدو عليك أن تعامله بالمداراة.
بالنتيجة عليك أن تداري عدوك وتتجنب استفزازه، حتى تحافظ على مصلحتك وتحافظ على مجتمعك.
الشيء الآخر نقول نعم ليس بالضرورة أن المجتمع يبقى على مسار واحد، ربما في يوم ما تتعرض إلى عقوبات، الإمام علي عليه السلام يقول: (من تنبّأ بالعواقب سلِم من النوائب)، هذا ما نسميه اليوم في صناعة القرار بالتنبوء الاستراتيجي، أي أنك تمتلك رؤية أنه من الممكن في يوم ما أن تواجه أعداءك، وليفرض هؤلاء الأعداء عقوبات عليك.
فماذا عليك أن تفعل؟، أن تكون مستعدا لذلك (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة)، يجب أن تكون مستعد اقتصاديا، ولا يكون اعتمادك على النفط فقط، تبيع النفط وتملأ خزينة دولتك وتدّعي وتعلن بأنك قادر على مواجهة العقوبات الاقتصادية، عليك أن تمتلك سياسة اقتصادية جيدة تستطيع في هذه الحالة أن تنوّع مواردك، وتكون عندك حالة من حالات الاكتفاء الذاتي تواجه بها العقوبات، ولديك شراكات اقتصادية خارجية جيدة.
نتذكر قضية مصر بعد العدوان الثلاثي سنة 1956 حين فرضوا عليها الحصار، استطاعت أن تكسر هذا الحصار من خلال الاتحاد السوفيتي، فعلاقاتها مع الاتحاد السوفيتي أجبرت الدول التي فرضت عليها العقوبات تستطيع أن تواجهها، لكن ليس كحالتنا الآن في العراق في التسعين من القرن الماضي، جعلنا العالم كله ضدنا، ونحن نعاني من اقتصاد ضعيف.
فهذا الموضوع حقيقة يحتاج إل دراسة متأنية، ويحتاج إلى صناع قرار ومتخذي قرار من نوع خاص، نحن محتاجون إلى قراءة جيدة للبيئة الت نتحرك فيها ومحتاجون أيضا إلى أن نهيئ أنفسنا لمواجهة أية عقبات ومشاكل.
-حسين علي حسين باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحضور الكرام مع حفظ الألقاب والمسميات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نشكر مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية والأستاذ حامد الجبوري على إعداد هذه الورقة القيّمة.
الإجابة عن السؤال الأول باختصار هناك مجموعة محاور أو جوانب تلخص أسباب استمرار هذه التداعيات وتوسعتها؟
الجانب الأول: ضعف الدولة
إن الدولة العراقية لديها ضعف في نواحي عديدة منها:
الجانب الأول: الضعف في صناعة القرارات ومن ثم الضعف في مواجهة التحديات أيضا، فما هي الأسباب التي جعلت من الدولة تكون ضعيفة في هذه المجالات، أول هذه الأسباب تعدد مراكز صناعة القرار العراقي، فالجانب الأول في توسعة هذه التداعيات على العراق هي عدم مركزية القرار.
الجانب الثاني: ضعف اقتصاد الدولة، حيث أن الإيرادات التي يحصل عليها العراق تأتي بنسبة عالية من النفط، وكذلك قوة القطاع العم تعمل على إضعاف
القطاع الخاص، فمثلا الخريج الذي يتخرج من الجامعات العراقية، أول هدف يفكر فيه هو الحصول على وظيفة في دائرة حكومية وليس في شركات ومعامل القطاع الخاص، لكي يساهم في تقوية هذا القطاع في العراق.
الجانب الثالث: عدم مركزية القرار الاقتصادي بسبب تعدد صانعي القرار في داخل العراق، وهنا ستكون المركزية في اتخاذ القرار في العراق مستحيلة.
الجانب الرابع: هو السمة الريعية للاقتصاد العراقي، وهنا يتبادر في ذهني سؤال مفاده، متى يمكن تفعيل الاقتصاد الإنتاجي، سواء كان صناعيا أو زراعيا داخل العراق، حتى نستطيع أن نواجه هذه التحديات التي تأتي في القطاع الصناعي للنفط.
أما الإجابة عن السؤال الثاني، أقول متى ما استطاعت الدولة، أن تكون ذات قوة ذاتية عالية، وقادرة على بناء علاقات متعددة، سوف تستطيع تفادي العقوبات، وهذا يحتاج إلى تغيير السياسة الاقتصادية للعراق، وأن يتغير من الإنتاج الريعي إلى الإنتاج الصناعي والزراعي المتنوع، ويمكن كذلك التحكم ذاتيا بأموال العراق مع تأمين مركزية واستقلال العراق.
ويمكن أن نعالج كل هذه الأمور من خلال الدراسات الاستراتيجية، وحينئذ سوف نستطيع ردع ومواجهة جميع التهديدات التي نتعرض لها.
-الأستاذ علاء الكاظمي باحث وأكاديمي
أعتقد إذا ذكرنا التداعيات الاقتصادية، كأننا نقول نحاول أن نتنبأ ما ستؤول إليه الأوضاع، إذا حدث توسيع بالعقوبات الاقتصادية، ولكن في الواقع لو أننا نرجع خطوة إلى الوراء، سوف نلاحظ بأننا كنا نعيش هذه التداعيات، وعشنا هذه الأزمات، إذا عدنا إلى أو ضاع العراق بعد حرب الكويت، نحن في الواقع عشنا أقصى أنواع العقوبات، بالنتيجة نحن عشناها.
أما العقوبات في الوقت الحاضر، فنحن نلاحظ أن إيران تعيش الآن أزمة العقوبات، ولكن تنويعها للاقتصاد خفف عليها تداعيات العقوبات نوعما، وأبعد عنها بعض المشاكل التي حدثت للعراق في سنة 1991 وما تلا لك، عموما فهذان المثالان كأنهما يقفان أمامنا، المثال العراقي حاليا إذا توسعت العقوبات على العراق أعتقد سوف نعود إلى نفس الأزمة التي عشناها سابقا، وإذا حاولنا تنويع اقتصادنا وتوسيع العلاقات الدبلوماسية مع الدول المناوئة للدول التي تفرض العقوبات، هذا من الممكن أن يجعلنا مثل إيران الآن.
عموما أعتقد أن الحل رسمته المرجعية الدينية مرارا وتكرارا، كما جاء في خطبِها، والآن لو أننا ننظر لها خصوصا ولنكن صريحين أن القرار السياسي الإسلامي هو الذي في الواقع يجلب العقوبات لنا، الآن لو دققنا في الفصائل التي لها نفس تجاه إيران تقريبا هي السبب الأساس، وكلما تذهب باتجاه إيران أكثر كلما تعرّض نفسك للعقوبات أكثر وأكثر.
فلو أننا نرجع كجهة دينية مثلا، حيث تقول المرجعية مرارا وتكرارا نحن وفق المقدرات والأهلية العائدة لنا، ووفق الوضع العراقي نختلف عن إيران، فلا أنت بحجم إيران واقتصاد إيران، فلا أنت بحجم قدرات إيران حتى تستطيع أن تدخل في خط المواجهة، أنت إمكانياتك معروفة، لا تمتلك قوة عسكرية قادرة على المواجهة، كما لاحظنا في بعض الأمثلة التي تحدث، طلعة جوية واحدة كفيلة بأن تفني كل شيء.
فلا نحن نمتلك قدرة عسكرية للمواجهة، ولا قدرة على المناورة الدبلوماسية والسياسية، ولا لدينا قدرة اقتصادية بحيث نستطيع أن نناور في المجال الاقتصادي، فالحل كما رسمته المرجعية هو تجنبوا هذه الحرب، الحرب ليس لنا قدرات كافية لخوضها، لذلك دعوا العراق يخرج خارج هذه المعادلة، ويتخذ موقف الحياد.
أما التنويع الاقتصادي فهو في الواقع يحل جزء من الأزمة وتقليل الآثار فقط، وإلا نحن لا نستطيع ان نتجنب العقوبات الاقتصادية، فقضة كيف يمكن أن نتفادى تداعيات العقوبات، أتصور أن المزاج الأمريكي الآن هو الذي يتحكم بكل القرارات، الهند الآن مثلا كم كانت علاقتها مع أمريكا قوية، لكن مجرد مجيء شخص ترامب واختلفوا قليلا لم يمنع من تعريضها للعقوبات، فكل الدول الآن تقريبا مرتبطة بالمزاج الأمريكي.
سابقا كانت المؤسسات الأمريكي هي التي كانت تقود المعادلة، أما الآن ترامب يقوم بذلك وكأن أمريكا أخذت تتحول إلى دكتاتورية وهذا ما يفعله ترامب، الآن أنت لا تستطيع أن تتنبأ بقرارات ترامب، فكيف يمكن أن تتجنب العقوبات مع شخصية بهذا الشكل، نرجسية، مزاجية، في لحظة تنقلب ضدك، لذا عليك أن تقدم فروض الولاء وفروض الطاعة للحاكم الأمريكي حتى تتفادى العقوبات نهائيا وإلا ليس هناك حل آخر.
-الشيخ مرتضى معاش باحث وكاتب ومفكر اسلامي
بالنسبة للعقوبات تعد من أسوأ الأسلحة التي يستخدمها الأقوياء لضرب الضعفاء، وهو سلاح أخطر من سلاح الحرب، لأنه سلاح طويل المدى وشامل ويؤذي الناس في اقتصادهم ومعيشتهم، والغرب يدركون أن هذا السلاح قاسي جدا، وبالنسبة لهم أقل تكلفة من الحرب لأن الاقتصاد العالمي بيدهم، وكذلك المؤسسات الاقتصادية العالمية.
بالنتيجة الدول التي تُحسَب على هامش الاقتصاد العالمي، لا تستطيع مواجهة المهمة إذا فُرضَت عليها العقوبات مثل العراق أو إيران، مثلا الآن روسيا أو الين إذا فرضت عليها أمريكا عقوبات لا تؤثر كثيرا لأنها لها تأثير كبير في النظام العالمي.
لذلك فالعقوبات سلاح سيّئ جدا، ويوجد لديهم مصطلح معروف في مفاهيم القوة (القوة الناعمة، القوة الصلبة) وأضافوا مفهوما آخر هو (القوة بالإرغام) والمقصود به هو استخدام العقوبات، ولذلك هو سلاح سيئ جدا.
بالنسبة للعراق أنا أتصور إن العقوبات لا تزال مستمرة عليه، فالعراق لم يخرج من العقوبات، ربما هو الآن تحت البند السادس، لا زال تمويل العراق والموارد النفطية تأتي عن طريق البنك الفيدرالي الأمريكي لأنه لا تزال هناك دول بمجرد أن يخرج المال العراقي من البنك الفيدرالي فهي تستولي على الأموال العراقية.
لذلك لا تزال العقوبات مستمرة، والعقلية العراقي لا زالت لا تفهم هذا الشيء، وإنما تعيش في اللحظة الآنية، نقصد صانع القرار يعيش في اللحظة الآنية، وصانع القرار الآن لا يفكر إلا في طريقة التعامل مع الانتخابات، فتجده على عجالة في كل شيء، في تأسيس المشاريع وتكون مشاريع فاشلة، وفي الإعمار والبناء وفي كل شيء تجده متعجلا لكي يحصل على الصوت الانتخابي، وحتى قضية العقوبات فصانع القرار لا تهمه العقوبات بل المهم أن أفعاله وأعماله توصله إلى السلطة.
هذه القضية خطيرة جدا بالنسبة إلى مستقبل العراق، لأن صانع القرار لا يفكر سوى بمصلحته الذاتية، ليس لديه تفكير في المصلحة العامة، ولا في بناء الدولة ولا تهمه المصالح العراقية بعيدة المدى.
نحن لسنا تحت السيطرة الأمريكية، وإنما نحن تحت سيطرة فشلنا، أما أمريكا فليس لديها مشكلة مع العراق، ولا لديها مشكلة مع العراقيين، وإنما لديها مشكلة مع ناس لا يفهمون السياسة، ولا يعرفون أين مصلحتهم وقضيتهم، ولا يعرفون معنى الاقتصاد، وليس لديهم رؤية اقتصادية ولا رؤية سياسية.
يعني لاحظ أن العراقيين الآن لديهم قوة هائلة في العالم، وهي قوة الجاليات، مطلوب من صانع القرار العراقي أن يشتغل على الجاليات العراقية بحيث تصبح قوة تدافع عن العراق في بناء التحالفات، والعلاقات، واللوبيات، وسوف أتطرق للموضوع الأخير، هل تعلم أن العراقيين الموجودين في الدول الأخرى أصبحوا وزراء، أحدهم كان مرشحا ليكون رئيس وزراء بريطانيا، لأنهم أناس اٌقوياء جدا ومحبون للعراق.
فهذا الإهمال الموجود، وتعيين سفراء ضعفاء بسبب المحاصصة أساءت للدبلوماسية التي هي أساس حماية الوطن وحماية العراق من العقوبات، وبناء التواصل الصحيح والسليم مع أصحاب النفوذ والقوة في العالم، هذه كما أتصور هي من أكبر المشكلات التي نعيشها.
نحن مشكلتنا تكمن في صانع القرار السياسي والاقتصادي، لأن المستقبل لا يهمه، أو كيف سيكون، كذلك لدينا جماعة الضغط، لماذا لا تكون عقلانية، لكن لدينا جماعات ضغط خاصة بالأحزاب، كل حزب لديه جماعة ضغط خاصة به، لا يفكر يبني جماعات ضغط لحماية مصالح العراق، لذا يساهم هذا الشيء في تطوير الصورة النمطية الموجودة للعراق في الخارج.
كذلك نفتقد لقوة الإعلام، وقوة الدعاية بالنسبة للعراق، بالإضافة إلى قوة التحالفات، وهذه النقطة الأخيرة، أن العقوبات خطيرة جدا ليس من ناحية فرضها من الخارج، وإنما من ناحية أنها تؤدي إلى المزيد من الفساد وتدمير الموارد داخليا بسبب هذا الفساد، هل تعلم أن الطفيليات تنمو بقوة في ظل العقوبات، تنمو وتواصل النمو إلى أن تصبح مدمِّرة جدا وتأكل الأخضر واليابس في الداخل.
لذلك لابد أن نتنبه إلى هذا الأمر، وأن تكون لدينا رؤية استراتيجية، ولا يصح أن ندخل في مواجهات عاطفية ليس فيها أية فائدة، ولا تقف وراؤها أية غاية، لذلك لابد أن يكون لدينا تعقّل في هذا الجانب.
-الأستاذ أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
حينما كانت الأمم المتحدة فيها أكثر من طرف خاصة في مجلس الأمن، كان لـ أوربا صوت مسموع، وروسيا أو للاتحاد السوفيتي صوت مسموع، كانت هناك قرارات تتخذ في مجلس الأمن حسب المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، يتم اتخاذ العقوبات إا لم ينفع الفصل السادس، ثم إلى الفصل السابع، كما استخدموا ذلك مع العراق في قضية الكويت وصولا إلى استخدام القوة المسلحة.
العقوبات الآن هي إجراءات قسرية يتم فرضها على الدول، نجدها تُفرض من الولايات المتحدة دائما، مثلا فرضت عقوبات على روسيا وعلى إيران، أي تُفرَض العقوبات من طرف واحد من دون الرجوع إلى مجلس الأمن، وتفرض عقوبات على أشخاص أو على شركات أيضا وعلى بنوك بهذه الطريقة، لكن الذي مرنا بنا في تسعينات القرن الماضي كان حصارا اقتصاديا وليس عقوبات تشبه ما تفرضه الولايات المتحدة الآن.
العقوبات الآن فيها مجال للاختراق، وكان الدولار هو أكثر شيء تمت ملاحقته، كونه سيد الأموال في العالم، فالقضية خاضعة للمزاج الأمريكي، لكن العقوبات إذا تم فرضها فإنها لا تُفرض على الحكام أو السلطة، يعني لا تلحق الضرر بهم، وإنما يقع الضرر على الشعوب أي على المواطن العادي، على العكس فالحاكم أو السلطة كما لاحظنا ذلك في التسعينات تغوَّلوا وصنعوا في حينها ثروات وهم أنفسهم أصبحوا تجارا على حساب مصالح وحقوق الناس.
وبالتالي الضرر المباشر كان على المواطن، سواء بالنسبة للدواء والغذاء وغيره، فالعقوبات تُفرض على الناس البسطاء ويبقى الحاكم في عرشه، بل هذه العقوبات تقوّي من سلطة الحاكم، الدول واعية لهذا الشيء كالولايات المتحدة ولكن تقوم بها كي تعبر مرحلة وتؤجل ملفا معينا وبالتالي إلى أن تصل مرحلة معينة تفتح هذا الملف.
أسباب المشاكسة والسياسة العامة للعراق، أصبحت في بعض الأحيان مشاكسة للسياسة الدولية، خاصة للسياسة الأمريكية، يعني بدلا أن يكون حليفا للولايات المتحدة التي خلّصته من حكم دكتاتوري، حاله جال القواعد الموجودة في اليابان وفي ألمانيا وغيرها من دول العالم، يعني يكون بلدا حليفا مع الولايات المتحدة ويسير في هذا المسار ويتخلص من هذه الأمور.
أو يتخذ سياسة عدم افتزاز هذه الدول على الأقل، السيادة اليوم في دول العالم للقوي وليس للقانون، اليوم يمكن أن تضعك في قائمة الإرهاب، وغدا حسب مزاجها ومصالحها ترفعك من قائمة الإرهاب، وهذا لاحظناه مع حاكم سوريا الجديد ومع السعودية التي كانت على القائمة السوداء وفيما بعد وضعتها عضوا في مجلس حقوق الإنسان.
هذه هي التناقضات في السياسة الدولية ويُفترَض بالسياسي العراقي أن يعي هذه الأمور، وحتى المواطن أيضا، مشكلتنا اليوم أن السياسة العامة للدولة والمواطن لا يفهم المعادلات الدولية، لذلك تجدهم يصرخون ويتذمرون لأنه غير فاهم للمعادلة ويريد من القائد أن يكون مقاوم وفي نفس الوقت يوفر له علاقات جيدة مع دول العالم أو تنمية وهاتان الحالتان لا يمكن جمعهما معا في ظل هذا الوضع العالمي.
فأما أن تكون بلدا قويا بالفعل، وتمتلك جميع الموارد والاحتياجات، وكتف ذاتيا ولا تحتاج لأية دولة، ولا توجد اليوم دولة لا تحتاج إلى دولة معينة، هذا محال، وبالتالي هذه القضايا والمصالح الدولية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، من قبل صانع القرار العراقي.
-الأستاذ علي حسين عبيد كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية
بالنسبة للسؤال الأول لماذا يتعرض العراق للعوبات والتهديد بها أو توسعتها، الحقيقة إن الأسباب واضحة وضوح الشمس، والسبب الأكثر وضوحا هو ضعف الدولة العراقية، والمشكلة أن هذا الضعف اقترن بالغنى، يعني العراق دولة غنية وضعيفة في وقت واحد.
وهذه القضية أو الصفة تشكل مصدر طمع بالعراق من قبل جميع الدول، وهذا الاهتمام الذي يحظى به العراق وهو اهتمام سلبي طبعا، واهتمام معادي، بمعنى أن جميع الدول المحيطة بالعراق، تنظر له كلقمة سائغة أو فريسة يمكن افتراسها أو ابتلاعها في أي وقت، ولابد أن يحدث هذا لأنها دولة غنية فيها نفط كثير وموارد كثيرة.
ويمكن للدول الأخرى لاسيما المجاورة أن تحصل على حصة من ثروات هذه الدولة الضعيفة والغنية في نفس الوقت، الكل يعي هذه الحقيقة إلا السياسي العراقي الذي يتربع على كرسي السلطة لقيادة هذا البلد، وهو أيضا يعرف ويعي هذا الأمر، لكن هنالك أسباب وهي ذاتية بحتة تماما ومصلحية تماما تمنع هذا السياسي من اتخاذ القرارات الصحيحة.
وإلا فإن الأحزاب الموجودة الآن في العراق وبعضها أحزاب عريقة، وأحزاب مهمة، كحزب الدعوة مثلا، وغيره من الأحزاب الأخرى، فهذه أحزاب محترمة لها تاريخها العريق من ضمن تاريخ الشعب العراقي السياسي، فلماذا هذه الأحزاب القوية المتمكنة فكريا وتنظيميا وتمتلك رؤية سياسية تقرأ الواقع وتقرأ السياسة العالمية، وأيضا هي تؤثر في الجمهور فيما لو أرادت أن تؤثر من خلال احترام مصالح الجمهور.
لماذا لا تتخذ القرارات التي تعالج مشاكل الشعب، وتعالج حالة الضعف السياسي التي يمر بها العراق، مثلا لماذا لا نستطيع أن نواجه تركيا التي تمتنع عن إطلاق الحصة المائية المخصصة للعراق، وهناك هجمة عطش شرسة على القرى العراقية وجميع ساكنيها أخذوا يهاجرون إلى المدن، والثروة الحيوانية أخذت تتعرض للموت وغيرها، لماذا نسمح لهذا الشيء بالحدوث.
عشرون مليار دولار أو أكثر مبالغ تجارتنا مع تركيا، أقطع أو أقلص مبالغ هذه التجارة إلى 15 مليارا، ونسمح للتجارة بخمسة مليارات فقط، وحينها سنرى كيف ستتصرف تركيا في فضية الإطلاقات المائية للعراق، لكن توجد لدينا جهة أخرى أو مكون آخر من ضمن الأحزاب العراقية، ولا نريد أن نذكرها بالاسم توالي دولة تركيا وتؤثر أيضا في القرار السياسي العراقي لذا فهي تعرقل القرارات التي تعاقب من يؤذي شعب العراق.
وهذا المثال ينطبق على جميع الدول التي تريد أن تُلحق الأذى بالعراق وشعبه وهي في نفس الوقت مستفيدة من ثرواتنا، على العموم نحن جميعا نعرف الأسباب ونعرف الحلول أيضا وهي يمكن تلخيصها بالتالي: إذا حصلنا على أحزاب سياسية وقيادية سياسية تعمل بشكل حقيقي وتخاف على العراق وتعمل على حماية مصالحه يمكن أن تعالَج هذه المشكلة.
-الدكتور منتصر العوادي كاتب وأكاديمي جامعة بابل
إن الاقتصاد يمثل عصب الدولة، وعصب الحياة في الدولة، وقوة هذا العصب وضعفه يعود إلى قوة الدولة وضعفها، وعادة ما يقوى هذا العصب لتكامل السياستين الداخلية والخارجية، أي أن هذا الاقتصاد يعتمد على السياسة الداخلية للبلد والسياسة الاقتصادية للبلد، والتكامل بين هاتين السياستين الداخلية والخارجية.
ما نراه في واقعنا الحالي هو ضعف السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، بمعنى أن اقتصادنا في الداخل من دون عقوبات هو يتعرض للانهيار بين فترة وأخرى، وسبب هذا الانهيار هو ضعف السياسة الداخلية، والمشكلة لدينا إيرادات كثيرة غير النفط، بمعنى العراق لا يضم النفط فقط، وإنما لدينا إيرادات كثيرة تذهب إلى غير مكانها الصحيح، منها إيرادات المنافذ الحدودية، وإيرادات الضرائب إلى غير ذلك.
وكل إيراد من هذه الإيرادات هو بمثابة قوة اقتصادية للبلد، لأنه أيضا يوازي أو يساوي قوة الإيرادات النفطية، لكن الدولة لم تستغل هذه الإيرادات بما يقوي اقتصادها الداخلي، ولذلك نجد أن هناك ضعف في السياسة الداخلية في إدارة هذه الموارد، فضلا عن ضبط السياسة الخارجية التي أشار إليها المشاركون، فليس لدينا حليف قوي يحمي مصالحنا أو يدافع عنها أمام أي تداعيات لأي عقوبات اقتصادية محتملة.
الأمر الآخر الذي أرغب بالتنويه عنه قضية الكفاءات، بمعنى كيف يمكن أن نقوي الاقتصاد داخليا وخارجيا؟، يمكن ذلك من خلال الاعتماد على أهل الكفاءة وأهل الخبرة في إدارة الملف الاقتصادي، وللأسف هذه الحالة غير موجودة في العراق، توجد لدينا كفاءات اقتصادية لكن لا يُعتمَد عليها ولا يؤخذ برأيها.
رأينا مثلا في فترة الحصار الاقتصادي، عندما فُرضت علينا عقوبات اقتصادية، تم الاستعانة بأهل الاختصاص وتم إيجاد البطاقة التموينية التي أنقذت الشعب العراقي من كارثة العقوبات الاقتصادية، ولا زالت البطاقة التموينية هي عصب الحياة بالنسبة للمواطن العراقي الذي يعتمد عليها بشكل كبير جدا وهذا الملف يحتاج إلى إدارة أيضا، وإلى سياسة وإلى حكمة لإعطاء هذه المسؤولية لأهل الاختصاص لإنقاذ البلد من هذا التدهور الاقتصادي العام.
وقد رأينا تجارب كثيرة لدول متعددة كانت منهارة اقتصاديا، لكنها أعطت الأمور وسلمتها بأيدي أهل الاختصاص فأنقذتها من الركود الاقتصادي إلى قمة التطور الاقتصادي، فهذا أيضا محور أساسي في إدارة مثل هذه الأزمات.
-الأستاذ حسين شاكر باحث وأكاديمي في جامعة كربلاء المقدسة
هناك بالمحصلة أشياء متفق عليها، أولا إن نظامنا السياسي في العراق نظام غير محدَّد، فلا هو مع المعسكر الشرقي ولا مع الغربي، لا هو إسلامي ولا هو علماني، لا هو دكتاتوري ولا هو برلماني ديمقراطي حقيقي، فلا توجد هوية محددة لهذا النظام، وقد جعل مؤسسات الدولة بصورة عامة وحتى الشعب العراقي لحد الآن بلا بوصلة توجيه.
أبسط مثال حين تسأل العراقي ماذا تريد؟، لا يعرف ذلك، ليس لديه نقطة انطلاق، هذا يوجب أن تكون لدينا قيادة للمؤسسة، ونظامنا لم يقم على القيادة الشخصية، يعني ليس لدينا شخص قائد، نظامنا هذا يجعل القيادة للمؤسسات، مثلا ترامب يريد أن يجعل من القيادة شخصية لكن النظام الأمريكي القيادة فيه للمؤسسات، لذلك توجد لدينا المحكمة الاتحادية العليا إذا أعطي لها دورها الحقيقي بلا مضايقات فسوف تقود وتحل الكثير من الأمور.
وقد حلّت الكثير من العقبات من دون إعلان أو تصريح معين لمسؤول، وهذا أبسط مثال، طبعا حدث هذا بسبب التراكمات السابقة، هنا برأيي المتواضع، ربما تكون آثار النظام الدكتاتوري هي السبب وربما بعد مرور مئة سنة قد نتخلص من هذا المأزق، وهذا هو الواقع، فكل الشعوب وكل الأمم التي عانت سابقا من الدكتاتوريات عانت من هذه التراكمات غير السهلة.
لحد الآن نحن ندفع بشكل مباشر آثار حرب إيران التي مضى عليها أربعون سنة تقريبا، وحرب الخليج التي مضى عليها 35 سنة، وآثار داعش نعيشها لحد الآن، فالحروب تأكل الأخضر واليابس، أما أوربا فهي تعاني لحد الآن من آثار الحرب العالمية الثانية التي انتهت قبل ثمنين سنة تقريبا.
هذا الأمر طبعا ولد لنا فسادا وجهلا، وعدم وجود بنا ولا نهض بسبب الفساد والجهل، إضافة إلى أن الاقتصاد في بلدنا خاضع للقرارات السياسية، وكل دول العالم تخضع سياستها للاقتصاد، فتغير سياستها تبعا لاقتصادها، إلا نحن فأول الضحايا هو الاقتصاد، وهذه مشكلة خطيرة جدا، لذا يعود السبب إلى افتقادنا للهوية، وليس لدينة تعريف لفلسفة الدولة.
المسألة السلبية الأخرى، كلما اشتد التوتر في المنطقة، مع وجود الخطر المحدق وهو قاب قوسين أو أدنى، أحد الأشخاص أخبرني وهو مسؤول في الدولة، خلال سنة ربما نواجه أزمة كبيرة، فلا الحكومة لديها حل، ولا فكرت بهذا الأمر، فقط يهيمن علينا الخوف ولا نفعل شيئا، فلا أحد ينقذ الحكومات كالحلفاء وخير مثال ما حدث لقطر.
أمس قرأت خبرا يقول بأن المنظومات الدفاعية الجوية متأهبة على مدار الساعة وفي مصر كذلك، بمعنى الضربة قادمة، وإسرائيل أعلنت هيمنتها، هذا الخطر يطال الجميع، حتى المتحالفين مع الأقوياء، أما نحن، فلا نحن مع الأصدقاء ولا مع الحلفاء فهذه الهلامية تعد مشكل، فما هو الحل؟
أما بخصوص السؤال الثاني، كيف نتفادى العقوبات؟، نحاول أن نقلل الخطر، أما أن نتفاداها ولا أريد أن أكون متشائما، لكن هناك صعوبة في تفادي العقوبات، فلابد من وجود العقوبات بصورة رسمية أو غير رسمية، قد تكون عبار عن إجراءات بسيطة شكلية، لكنا في الحقيقة بعدة فترة نستشعر الخطر ونستشعر تعطيل مؤسسات اقتصادية مثل شركة سومو وسواها.
أما الحلول فهذه مسألة مهمة، إذا لم نتحرك، وأعني هنا النخب، الطبقة الثقافية، وحتى الطبقة الشعبية، وتكون لدينا همّة، سوف نغرق جميعا، لأ هذا الموضوع يشملنا جميعا ولا يستطيع أحد النأي بنفسه ويقول أنا لا أتأثر، واستطعت أن أكوّن ثروة وليحدث ما يحدث، هذا الكلام ضرب من الخيال، لذلك علينا جميعا واجب التصدي وعلينا أن نتحرك جميعا وإلا فإن الخطر محدق بنا.
أخيرا بالنسبة للحل أول خطوة تكمن في حث الناس على المشاركة في الانتخابات، صحيح هناك شراء ذمم، لكن الجانب الأهم والذي هو أننا إذا ما صدرنا كمجتمع شخصيات للبرلمان، وهذه الشخصيات تعمل بشكل صحيح، وتبدأ بالحد الأدنى في تقليل الخطأ، فالبرلمان حقيقة كأنما هو سوق تستطيع أن تربح فيه وهذا هو الواقع.
خاصة بالنسبة للكتل التقليدية التي تسيطر على الحكم ومتهمة بالفساد وهي ضالعة بالدم، فالأفضل أن نقوم بتوعية المجتمع، والمشكلة التي نعاني منها حاليا الجهل الاجتماعي، قبل فترة هناك أحد الأساتذة رح مع إحدى الكتل المعروفة، فتكلم معي كثيرا كي انتخبه، فقلت له استمر بالكلام، لكنه لم يقل شيئا جديدا وكان عليه أن يبعد نفسه عن هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه، تعب من الكلام فقلت له لحد الآن لم أقتنع بكلامك فكيف أنتخبك؟
المشكلة أن الناس العراقيين يجب أن يتخلصوا من الجهل الاجتماعي، ولابد للناس أن تكون أكثر وعيا، لمواجهة الخطر الاقدم، وأول خطوة يجب أن نقوم بها هي دفع هذا الخطر وهذه مسؤوليتنا جميعا.
-الدكتور خالد الأسدي أكاديمي وباحث في مركز الإمام الشيرازي
هناك سبب سوف أذكره وأنا مقتنع بأنه السبب الرئيس في ضعف الاقتصاد، وهو فتح مكاتب اقتصادية للأحزاب، فهذه الأحزاب صارت تعمل على أن كل الاقتصاد العراقي يتحرك من خلالهم، لذلك لا يمكن للاقتصاد العراقي أن يتطور إلا بفصل الاقتصاد عن الأحزاب، فكما مطلوب فصل الدين عن السياسة مطلوب فصل الاقتصاد عن الأحزاب.
ولتكن الدولة هي الداعمة للاقتصاد، كيف تطور الاقتصاد الأمريكي؟، الإدارة الأمريكية أخذت تدعم اقتصادها وأصبحت تصنع مشاكل في الشعوب الأخرى وتأتي بالشركات الأجنبية وتشغّلها، فحتى لو دعمت السياسة الاقتصاد لا تشتغل فيه ولا تتدخل في إدارة شؤونه، هناك إبعاد للاقتصاد عن السياسة، لذلك لا يمكن أن يتطور الاقتصاد إلا بفصله عن أصحاب القرار السياسي.
أما بالنسبة للإجابة عن السؤال الثاني، فكما أتوقع من الممكن أن يتحقق الهدف من خلال تنويع الاقتصاد، ونحن نعرف طبيعة اقتصادنا الريعي الذي يعتمد على بيع النفط، وإذا حدثت مشكلة للتصدير عن طريق الخليج فتصديره يقتصر أما على ميناء جيهان أو يقومون باعتماد سياسة النفط مقابل الماء.
كذلك نحتاج إلى تطور الرؤية الاقتصادية، فالرؤية الاقتصادية لدينا غامضة جدا، لا نعرف هويتها وما هو انتماؤها، أما الذي يدير الاقتصاد أما من الأحزاب أو غير المختصين لذلك يجب تحسين بيئة الاستثمار وإصلاح السياسة النقدية، وهذه هي المعضلة التي لا يمكن حلها في العراق، لأنها متداخلة بين السياسة وبين الاقتصاد وبين الدين وبين كل شيء.
-الدكتور لطيف القصاب أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية
نحن في الحقيقة بوصفنا كعراقيين، نعيش هاجس العقوبات، لاسيما هذا الجيل الذي عاش وكابد الحصار في تلك السنوات العجاف، ولكن حصارنا (حصار التسعينات على العراق) كان حصارا عالميا، وليس مجرد عقوبات، ولا يمكن المقارنة بين العقوبات الحالية على أيران وبين الحصار على العراق لأن العراق مر بظرف عصيب جدا، والآن هل هناك مواطن إيراني باع شبابيك بيته مثلا، أو هناك برفسور يضع (جنبر) في الرصيف ويبيع السجائر؟، نحن عشنا فترة عصيبة، فحصارنا هو أوج ما تكون عليه العقوبات، ليست هناك ظاهرة تم تطبيقها على دولة ما مثلما تم تطبيقه على العراقيين ولاسيما الضعفاء منهم.
ويمكن أن تُعاد تلك العقوبات على العراق بسبب السياسيين، فهؤلاء أبعد ما يكون عن الحزبية الصحيحة، فأنا أتصور لا يوجد شخص منهم قرأ كتاب الأحزاب مثلا، أو متمثلا له تمثلا حقيقيا، كذلك هم لم يطّلعوا حتى على كتاب فلسفتنا للسيد محمد باقر الصدر، على أية حال فإن شبح العقوبات يمكن أن يحل بنا في أي لحظة، ونحن لحد الآن صحيح لسنا دولة مارقة أو معتدية وأصبحنا دولة صديقة لحد ما ولكن شبح العقوبات قائم كما هو.
هناك قضية مهمة لهذا الإطار الفكري الذي ينضم العملية السياسية، الآن لدينا مثلا قطر ومصر وغيرهما، عندما ننظر إلى رئيس الوزراء القطري وهو نفسه وزير الخارجية، وطريقتهم بالتعامل مع أمريكا التي يختلقون لها الأعذار، فالقضية تقف وراءها أمريكا في النهاية، ولكن قطر دولة صغيرة وتعرف إمكانياتها وتريد أن تعيش.
لذلك لابد من الاسترضاء وتفعيل الخط الدبلوماسي، لكن بالمقابل لدينا دولة كبيرة مثل مصر، فتلاحظ الخطاب المصري الآن، من سنوات طويلة حتى في حكومة حسني مبارك، موقف متخاذل مستسلم وخانع وخاضع، لكن الآن نرى الانتفاضة على المستوى الدبلوماسي والعسكري أيضا، الان 40 ألف مقاتل من جيش النخبة يقفون على الحدود الإسرائيلية المصرية، لماذا؟
أنا في الحقيقية بقيت محتارا، أريد أن أفهم ما هو الموضوع، هل هذه حركة سينمائية أم تمثيلية من السيسي، يبدو هناك إجماع وهناك دولة عميقة في مصر فعلا، وهناك دولة مؤسسات، فنحن أولويتنا الأمن المصري وليس الأمن الفلسطيني.
أما ساستنا الأعزاء لا توجد لديهم هذه الأولوية، لذلك أنا أطلب من الأخ الباحث حتى تكون الورقة البحثية ثرية بالجانب العلمي أيضا أن يضيف قية التحايل على العقوبات، فكل الدول التي تتعرض للعقوبات ثمة ملف تحت الكواليس هو التحايل على العقوبات، كيف يمكن لهذه الدولة سواء كانت العراق أو سواها أن تتحايل على العقوبات وأن تخرج منها بأقل الخسائر.
-الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث
هناك مشكلتان حول هذا الموضوع، المشكلة الأولى إن القضية تتعلق بنا وليس بالدول الأخرى، فنحن اليوم نقع تحت وطأة أشخاص بيدهم الحكم، وبالنتيجة أي صوت معارض نحن نقطعه وليس الحكومة، لماذا؟، فأي شخص يمكن أن يُقال بأنه بعثي وقد يُطارَد، بينما الحادثة التي حدثت في أمريكا ولا أريد أن أقول بأنها مثالية حول قضية مقتل الشرطي، لأن جميع الشرطة رفعوا شعار (أنا القادم، أنا الضحية القادمة) وتضامنوا معه.
وعرفت الحكومة بأن المجتمع واحد، ونسبة الانتخابات اليوم لا تتجاوز 30 إلى 35%، وبحسب أرقام الحكومة، وليس المفوضية، ولنقل أنها تصل إلى 40%، حسنا الباقون 60% ماذا نسميهم، لماذا ليس لهم تأثير، ولماذا هناك مجموعة صغيرة متحكمة بالمهد السياسي وهي التي تدير الملف بحسب ما تريده؟
إذن القرار داخلي عراقي، القوة الخارجية والأمريكان ليس لديهم مشكلة، الحرب لا تدور فوق أرضهم، ولا على اقتصادهم ولا على أملاكهم، وسوف لا يعيدوا سلسلة العقوبات الغبية كما أسموها، وإنما سوف يقومون بعقوبات على أشخاص وعلى أحزاب وجهات سياسية، وهم يعرفون الأمور والمشهد أمامهم واضح تماما.
ويعرفون مع من يرتبط هذا الشخص، ولصالح من يعمل، وهذا أين يذهب وإلى أين يجيء، كما لو أن كاشف السماء والأرض مسلط عليهم، ولكن أي المشكلة، إنها تكمن بالزمن، تقادم بالخدمات وتعثر في تقديمها، ولا يحدث إنتاج مثل الطاقة الكهربائية، فنحن نحتاج إلى 48 ألف ميكا واط، بينما ننتج الآن 27 ميكا واط،
وإذا فقدنا الكهرباء هذا يعني عدم وجود إنتاج صناعي، وإذا لا يوجد ماء هذا يعني لا توجد زراعة، الصحة في حالة تراجع، كل الملفات يحدث فيها تراجع لكننا لا نشعر بها، نشعر بالقضايا التي يحدث فيها احتكاك يومي، وهذا موت سريري للحكومة وللدولة الخائفة التي لا تمتلك رؤيا واضحة، الأمريكيون ينتظرون وليس لديهم مشكلة في ذلك.
يعاقبون هذا المصرف، يعاقبون هذه الشخصية أو تلك، منع سفر أو تجميد أموال، هذه هي العقوبات، ولن تحدث عقوبات كما في المستقبل، لماذا؟ لأن العراق دولة هم أنتجوها، وهم يمتلكون الصبر الاستراتيجي، ينتظرون إلى أن ينضج جيل جديد ويحركون السياسة كما يريدون في فترة زمنية تحدث لنا فيها خسائر، فمن 2003 إلى 2025 كم خسرنا أموالا وأرواحا؟
كم صرفنا أموال على ملفات وقد أكلها الفساد، الأمريكان لا مشكلة لديهم، يمكنهم الانتظار عشرين سنة أخرى، وهذا الرئيس يأتي غيره ويكمل الطريق، لكن الخسارة في البنى التحتية بالبلد يؤدي إلى تراجع الثقة بالديمقراطية، من يضمن أن شبابنا سيبقون على نفس ما هم عليه الآن، بعضهم يقول نريد قائدا مثل السيسي ويأتي بشركات تعمل ويقضى على المشكلات الاقتصادية وعلى الفساد.
بالنسبة للدكتاتورية في بدايتها جميلة، لكن بعد أن تبدأ سوف تظهر مساوئها، فبدلا من أن أحكم على الفاسد كذا سنة ومن ثم يخرج بكفالة، يجب أن يعلّق على الأعمدة، في البداية يكون الأمر صعب، لكن الديمقراطية الضعيفة لا تجعل المواطن آمنا في بلده، العقوبات مستمرة بهذه الطريقة، الامريكان صبرهم طويل، الأخوان يتوقعون أن الموت حق على الآخرين.
كل منهم يتوقع أن أمريكا سوف تضرب الآخرين وهو الذي يبقى وحده في المشهد، وهو سوف يستأثر بالأمور، لكن هم جميعا تحت المتابعة، ولكن هناك مراتب ألف وباء وجيم، لكن بالنتيجة سوف يجدون أنفسهم كلهم خارج اللعبة، بعد أن أنتجوا جيلا ربما ينتهجون منهجا آخر وسياسة مغايرة، وبعد فترة مرت على البلاد وقد صرفت المليارات على البنى التحتية، مع فقدان المجتمع للثقة بالحكومة، هذا هو المشهد بشكل عام.
أكثر من هذا لن يفعل الأمريكان، لأنهم لن يحصروا العراق في دائرة ضيقة ويدفعون به باتجاه إيران أبدا، هم لديهم الآن مشكلة مع إيران، والعراق ليس صعبا عليهم، باستطاعتهم الآن من خلال انهيار خط من الشبكة الكهربائية أن يخرجوا التظاهرات في الشارع والحكومة تحتار بزمانها، أو يحركون مجموعة من المجموعات فتسد الشوارع وتحتار الدولة بالأوضاع. لذلك لا يحتاجون إلى فرض عقوبات أو يذهبون إلى مجلس الأمن.
-الأستاذ محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي:
بما أن الموضوع يخص العراق، فالعقوبات تأتي من جانب واحد، فهي دائما تأتي من أمريكا، ليس منطقيا أن تفرض روسيا عقوبات على العراق، فالعقوبات تأتي من الكبير وتُفرض على الأقل قوة، هذه القضية معروف، فلكي تتحاشى شر الكبير حاول أن تتفاوض معه، هذا هو الموضوع ببساطة.
لماذا تفرض عليك عقوبات؟، طبعا ليس لمصلحتك وإنما لمصلحتها، هذا شيء واضح، في السابق انتهج العراق سياسة الحروب وعدم احترام الجيران وتحدي القرارات والقوانين الدولية، والشعب العراقي هو الذي دفع الثمن، من سنة 1980 إلى 2003، بعد هذا التاريخ وضعت أمريكا يدها على العراق وأنشأت عملية سياسة جديدة ونظام جديد.
وعلى أثر ذلك بدأت العقوبات تتجمد وتتلاشى شيئا فشيئا، وحاليا لا يوجد مؤشر عن وجود عقوبات على العراق، صحيح هناك بعض الأمور وهذا يتطلب متابعة الحكومات لها، مثلا لماذا توجد عقوبات على جانب معين، يجب معالجة ذلك في قضايا تنموية حتى تدخل في اللعبة الاقتصادية في العالم.
أما العقوبات فإنها تأتي من الجانب الأمريكي، وإذا أراد الجانب العراقي أن يُعاقَب الآن سوف تُستهدَف القطاعات المصرفية بالدرجة الأولى، وقد لاحظنا أن الموضوع كله يتمحور حول تهريب العملة، ومزاد العملة وكل الإجراءات كانت تركز على هذا الموضوع، لوكان الأمريكان يريدون فرض عقوبات شاملة على العراق كانوا فعلوا ذلك.
والدليل أن مجال التهريب اليوم مفتوح عبر بوابات أخرى، كذلك تستخدم مزاد العملة والبنك المركزي عن طريق عمليات شراء بضائع وتفاصيل كثيرة، مثلما نعرف موضوع غسيل الأموال الذي أصبح اغلب الشعب العراقي يعرف ما هو غسيل الأموال، وكيف تتم عمليات شراء عقارات، ومشاريع، من قبل أناس لم يكن لهم أي وجود قبل اربع أو خمس سنوات، أصبحوا اليوم من أكبر الأثرياء.
وهذه الأموال بدأت تتداول في الداخل وبعضها قد يواجه صعوبة بالخروج من البلد لكن في الداخل موجودة هذه الأمور، ولكن لحد الآن أعتقد شخصيا أن أمريكا غير جادة في فرض عقوبات على العراق بل تعتبره غير مهم حاليا بالنسبة للمتغيرات في المنطقة إلا إذا حدث شيء كبير وتوجهت الأنظار مرة أخرى إلى العراق من الممكن تفرض عقوبات كما أرى.
أما كيف نتخلص من تداعيات العقوبات، فلا أعتقد أننا قادرون على التخلص من العقوبات إذا تم فرضها علينا، لأننا لا نمتلك سياسة خارجية متزنة وثابتة على مدى حكومات، ود لاحظنا عدم وجود حكومة تكمل ما بدأته الحكومة التي سبقتها، فلا توجد لدينا سياسة واضحة.
حتى قضية التركيز على أن يبقى العراق حياديا، وبعيد عن سياسة المحاور، أنا أعتقد أن هذا الشيء قد انتهى، فاليوم أصبح الموقف على الحياد لدولة ضعيفة غير مؤثرة في المنطقة غير منطقي، فاليوم لابد عليك أن تختار، أما أن تكون مع الشرق أو مع الغرب، وتتحمل تبعات هذا الخيار، فأنت لا تمتلك القوة الكافية بحيث تعتمد على نفسك.
لكي تكون في الوسط لابد أن تكون محميا من جهة معينة، مقابل الآخرين كما لاحظنا في القية التي حدثت مع الهند وباكستان، فلابد أن تكون هناك جهة معينة تسند ظهرك، أما أن تكون وحدك اليوم فلا يمكنك أن تصمد أمام المتغيرات الدولية.
اضافةتعليق