ان استمرار استغلال موارد الدولة من قبل الاحزاب والنافذين، لأجل الدعاية والفوز بالانتخابات، يعني استمرار شكلية الديمقراطية، ما لم يتم على منع ذلك الاستغلال ومكافحته من خلال اعتماد التوصيات أعلاه
يشهد العراق هذه الايام حملات الدعاية الانتخابية للانتخابات البرلمانية القادمة المقرر اجرائها في 11/ 11/2025.
ونظراً لضخامة الدعاية الانتخابية الكبيرة بشكل عام ولأحزاب السلطة بشكل خاص، مما أثار جدالاً واسعاً بين المواطنين عن مصادر تمويل هذه الحملات.
وتجب الاشارة الى ان المقصود من موارد الدولة ليس فقط المال بل كل ما يعود للدولة اي المكان والموارد البشرية والصلاحيات الادارية وغيرها.
فالاستغلال لا يقصد به التمويل وحسب بل يشمل كل ما يعود للدولة ويتم استخدامه من قبل الاحزاب السياسية والمرشحين النافذين لأجل الدعاية الانتخابية الخاصة بهم.
ان استغلال موارد الدولة من قبل بعض الاحزاب السياسية والمرشحين النافذين ينطوي على مخاطر كبيرة واثار عديدة على كل المستويات وفي مختلف المجالات.
ان غياب مبدأ تكافؤ الفرص الناجم عن استغلال موارد الدولة للدعاية الانتخابية من قبل البعض، وخصوصاً من بيدهم السلطة؛ لأجل الدعاية الانتخابية يعني حرمان البعض الآخر، الذين لا يملكون سلطة؛ من الفوز بالانتخابات، والنتيجة ضياع الاستحقاق الانتخابي.
ان استغلال موارد الدولة بحد ذاته هو مبدأ غير اخلاقي، ومن يفوز بالاستغلال حتماً سيستغل السلطة لتحقيق اهدافه الخاصة كما استغل موارد الدولة للفوز بالانتخابات.
وفي الوقت ذاته سيحرم البلد من طاقات جديدة ممكن أن ترفد البلد برؤى ومشاريع جديدة يمكن أن تساهم في تحسين الواقع الاقتصادي والخدمي.
هذا الاستغلال ستمتد آثاره لكل مفاصل الدولة سواء من حيث تشريع القوانين او من حيث الرقابة، لان الاستغلال سيكون قابع في صميم القوانين التي ستشرع او الرقابة التي ستمارس.
وبذلك فإن استغلال موارد الدولة للدعاية الانتخابية والفوز بها، لا يمثل مخالفة قانونية وحسب؛ بل يشكل تهديداً مباشراً للديمقراطية والاقتصاد والخدمات.
لان الاستغلال يعني لاحقاً تحويل الانفاق العام والفرص الاقتصادية لصالح الاحزاب الضيقة، لا الاقتصاد الوطني؛ مما يؤدي لانخفاض الاستثمار في القطاعات الحيوية وتراجع بيئة الاستثمار والخدمات واستمرار النمط الريعي واستمرار استنزاف الثروة والنتيجة بقاء الاقتصاد ضعيفاً.
من الصعب الحصول على بيانات ولو تقديرية عن مبالغ الدعاية الانتخابية للأحزاب المشاركة لكن طبيعة الدعاية من حيث حجمها وكثرتها تشير ان المبالغ بملايين الدولارات ان لم تكن بالمليارات.
وبهذا الصدد اوضحت المفوضية العليا للانتخابات عدد شكاوى الحملات الانتخابية لعام 2021 هو 195 شكوى، شكّل استغلال المال العام وموارد الدولة والمنصب الوظيفي والمؤسسة العسكرية أكبر نسبة (31%) بعدد 31 شكوى.
كما واعلنت عن لسان وكالة الانباء العراقية “ ان عدد المخالفات للحملات الانتخابية بلغت 292 مخالفة” في حملة الدعايات الجارية.
وما يثير الجدل حول مصادر هذه الدعاية، هو ان هذه الاحزاب صاحبة الدعاية الكبيرة لم تكن معروفة لا هي ولا اعضاؤها ولم يُعرف عنها بالثراء، مما يتطلب من الجهات المعنية اخذ دورها بالسؤال عن مصدر اموال هذه الاحزاب.
جذور استغلال موارد الدولة للدعاية الانتخابية
لا تخلو مشكلة استغلال موارد الدولة من جذور عديدة يمكن الاشارة لبعضها أدناه:
اولاً: الجذر الفكري
حيث تعتقد نسبة معينة من المجتمع العراقي ونخبه، ان الدولة غير شرعية كونها دولة غير اسلامية وبالتالي لا اشكال من استغلال مواردها لأجل الدعاية الانتخابية او غيرها.
ثانياً: الجذر السياسي
2- بعد عام 2003 جرى توزيع السلطة على أساس محاصصاتي طائفي- عرقي، رئاسة الجمهورية للأكراد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة البرلمان للسنة، واصبحت هذه السلطات تدر الاموال لصالح احزابها ودعاياتها الانتخابية (السلطة ملكية حزبية).
ثالثاً: الجذر الاقتصادي
ان الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل كبير، وبما ان النفط تسيطر عليه الدولة من جانب والاحزاب تسيطر على الدولة من جانب ثانٍ؛ إذن الاحزاب هي من تسيطر على النفط وتعمل على توظيفه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لمصالحها الضيقة ودعاياتها الانتخابية.
رابعاً: الجذر المؤسسي
أي ضعف الجهات المؤسسية كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومفوضية الانتخابات في منع استغلال موارد الدولة في الدعاية الانتخابية.
خامساً: الجذر القانوني
على الرغم من وجود قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020 الذي يحظر ويعاقب على استغلال موارد الدولة للداعية الانتخابية إلا انه لم يتم تطبيقه على ارض الواقع.
حيث نص القانون في العديد من موادّه على حظر العديد من الانشطة للحفاظ على نزاهة الانتخابات وشفافيتها ويمكن ذكر منها المادة 25 والمادة 28.
إذ تنص المادة 25 من هذا القانون على “ يُمنع استغلال أبنية الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة وأماكن العبادة لأي دعاية أو أنشطة انتخابية للكيانات السياسية والمرشحين”
كذلك المادة 28 التي تنص على " يحظر ممارسة أي شكل من أشكال الضغط أو الاكراه او منح مكاسب مادية او معنوية او الوعد بها بقصد التأثير على نتائج الانتخابات"، ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو اعلان رئيس الوزراء حملته الانتخابية في ملعب كربلاء الدولي، وهو مرفق حكومي تابع لوزارة الشباب والرياضة!
الاصلاح المطلوب
ولأجل منع استغلال موارد الدولة للدعاية الانتخابية وضمان حريتها ونزاهتها لابد من العمل على مجموعة من النقاط يمكن الاشارة لبعضها أدناه.
اولاً: الحوار الفكري
أي فتح حوار فكري شامل حول الدولة والدين والوصول لرؤية موحدة تعتمد من الجميع، مما يقلل من استغلال موارد الدولة.
ثانياً: الاصلاح السياسي
أي العمل على اعادة توزيع السلطة على اساس الهوية الوطنية والكفاءة والنزاهة لتصبح السلطة ملكية وطنية بدلاً من ملكية حزبية مما يعني تجفيف امكانية استغلال موارد الدولة للدعاية الانتخابية.
ثالثاً: الاصلاح الاقتصادي
أي العمل على اعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد العراقي وتشجيع القطاع الخاص وتحفيزه واعادة توجيه النفط نحو البنية التحتية والتعليم والصحة والبيئة.
رابعاً: الاصلاح المؤسسي
أي لابد من العمل على تعزيز استقلالية وفاعلية المؤسسات ذات العلاقة حتى تستطيع تجذير شفافية الانتخابات ونزاهتها ومنع ومكافحة استغلال موارد الدولة لأجلها والفوز بها.
خامساً: تقوية انفاذ القانون
أي العمل على تقوية سلطة انفاذ القانون كالداخلية والدفاع وذلك من خلال العمل على استقلالها عن الحكومة.
سادساً: تعزيز الاعلام
أي قيام الاعلام بتعزيز الوعي الانتخابي ومحاربة استغلال موارد الدولة لأجل الدعاية الانتخابية من خلال الكشف عنها لتأخذ الجهات ذات العلاقة دورها، وهذا يتحقق من خلال العمل على استقلالية الاعلام.
الخلاصة
ان استمرار استغلال موارد الدولة من قبل الاحزاب والنافذين، لأجل الدعاية والفوز بالانتخابات، يعني استمرار شكلية الديمقراطية، ما لم يتم على منع ذلك الاستغلال ومكافحته من خلال اعتماد التوصيات أعلاه.
مصادر تم اعتمادها
- قانون الانتخابات رقم 9 لسنة 2020
- موقع المفوضية العليا المستقلة للانتخابات
- موقع وكالة الانباء العراقية
اضافةتعليق