الاقتصاد العراقي: التطورات الاقتصادية الاخيرة والتوقعات والمخاطر

شارك الموضوع :

أبرز ما جاء في بيان البعثة والذي وافقت عليه الحكومة العراقية وهو يعبر عن وجهات خبراء الصندوق ولا تمثل بالضرورة اراء المجلس التنفيذي للصندوق. ان البيئة العالمية التي تفتقر إلى اليقين إلى حدٍّ كبير، وأسعارِ النفط الآخذة في الانخفاض، والضغوطِ التمويلية الحادة على النشاط الاقتصادي؛ وتُفاقم جميعُ هذه العوامل التحديات التي تواجه العراق حاليا، الأمرُ الذي يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي والخارجي في هذا البلد

اجتمعت بعثةٌ من صندوق النقد الدولي، بقيادة السيد جين-غويلوم بولَيْن، مع السلطات العراقية في عمَّان وبغداد، خلال المدة من 4 الى 13 أيار 2025 لإجراء مشاورات المادة الرابعة للعام 2025. ويصفُ البيان الختامي الاستنتاجات المبدئية التي يخلُص إليها خبراء الصندوق في ختام زيارة (أو "بعثة") رسمية تتم الى بلد عضو في معظم الحالات. وتُوفَد البعثاتُ كجزء من المشاورات المنتظمة (السنوية في العادة) بمقتضى المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، في سياق طلب من البلد العضو لاستخدام موارد الصندوق (الاقتراض منه)، كجزء من المناقشات بشأن البرامج التي يتابعها خبراء الصندوق، أو في إطار ما يجريه الخبراء من عمليات متابعة أخرى للتطورات الاقتصادية.

أبرز ما جاء في بيان البعثة والذي وافقت عليه الحكومة العراقية وهو يعبر عن وجهات خبراء الصندوق ولا تمثل بالضرورة اراء المجلس التنفيذي للصندوق. ان البيئة العالمية التي تفتقر إلى اليقين إلى حدٍّ كبير، وأسعارِ النفط الآخذة في الانخفاض، والضغوطِ التمويلية الحادة على النشاط الاقتصادي؛ وتُفاقم جميعُ هذه العوامل التحديات التي تواجه العراق حاليا، الأمرُ الذي يستدعي اتخاذ تدابير عاجلة للمحافظة على الاستقرار المالي والخارجي في هذا البلد. وتشمل هذه التدابير احتواءَ العجز في المالية العامة عن طريق تعبئةِ الإيرادات الضريبية غير النفطية، وكبح جماحِ فاتورة الأجور العامة، واستكمال عملية إعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة، وتعزيز نمو القطاع الخاص، وذلك عن طريق إصلاح سوق العمل، وتحسين بيئة أنشطة الأعمال، وتعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد. وبالبناء على التقدم الذي تمّ إحرازه في الآونة الأخيرة، ينبغي على البنك المركزي العراقي مواصلة تحديث النظام المصرفي، ودعم المصارف الخاصة في توسيع نطاق علاقاتها المصرفية مع البنوك المراسلة.

- بعد تحقيق نمو قوي جدًّا بنسبة 13.8 في المئة في العام 2023، من المتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعراق قد تراجع إلى نسبة 2.5 في المئة في العام 2024، بسبب التباطؤ في الاستثمار العام، وفي قطاع الخدمات، فضلًا عن ازدياد الضعف في الميزان التجاري.

- أثَّر انخفاض إنتاج النفط على النمو الكلي، الذي انكمش بنسبة 2.3 في المئة خلال العام. كما انخفض التضخم إلى نسبة 2.7 في المئة بحلول نهاية العام 2024، وسْط انخفاض تضخُّم أسعار المواد الغذائية، وامتصاص السيولة النقدية من قِبَل البنك المركزي العراقي.

- قدَّرُ العجز المالي للعام 2024 بنحو 4.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بنسبة 1.1 في المئة في العام 2023، مما يعكس حجم الإنفاق الآخذ في الارتفاع على الأجور والرواتب ومشتريات الطاقة. وقد أدّت القيود المفروضة على التمويل إلى عودة نشوء المتأخرات، ولا سيّما في قطاع الطاقة والانفاق الرأسمالي. وعلى الصعيد الخارجي، تقلّص الفائض في الحساب الجاري بشكل حاد من 7.5 في المئة الى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب الارتفاع الكبير في استيراد السلع.

- الى جانب التأثير على آفاق النمو الذي يقوده القطاع الخاص، فإن سياسات التوظيف المعمول بها حاليًّا في القطاع العام، وتكاليف الأجور المترتبة عليها غير مستدامة، وذلك نظرًا إلى تدني حجم الوعاء الضريبي غير النفطي لدى العراق. وتبعًا لذلك، فقد تفاقم الاعتماد على عائدات النفط، وازداد سعر برميل النفط المطلوب لتصفير العجز في الموازنة، إلى حوالي 84 دولارًا في العام 2024، مرتفعًا من 54 دولارًا للبرميل في العام 2020.

- على المدى القصير جدًا، ينبغي للسلطات مراجعة خطط الإنفاق الجاري وخطط الإنفاق الرأسمالي للعام 2025، والحدّ من جميع النفقات غير الأساسية أو تأجيلها. وقد يتوافرُ، في الوقت نفسه، مجالٌ لزيادة الإيرادات غير النفطية عن طريق مراجعة الرسوم الجمركية، إلى جانب فرض ضرائب انتقائية على الاستهلاك أو زيادتها. وينبغي للسلطات أيضا أن تستكشف الخيارات المتاحة لتنويع قاعدة الدائنين من أجل زيادة توافر التمويل. ويجب تجنُّب التمويل النقدي للعجز لأنه يُمكن أن يعمل على زيادة التضخم واستنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، وإضعاف الميزانية العمومية للبنك المركزي العراقي.

- ينبغي لتوسيع الاستثمار غير النفطي، لا سيّما في البنية التحتية للتجارة والنقل، أن يُساعد على التنويع الاقتصادي. وتقتضي الحاجةُ أيضًا تنفيذ استثمارات جوهرية لتحديث قطاع الكهرباء، وتنمية موارد الغاز الطبيعي؛ فكلاهما ضروري لتحسين أمن الطاقة وتقليص الاعتماد على الغاز المستورد. ومن شأن تحسين المشتريات وإدارة الأموال العامة للدولة، ومكافحة الفساد أن تعمل كلها على تعزيز فعّالية أي استثمار عام إضافي. 

- في حين أحرز البنك المركزي العراقي تقدُّمًا على صعيد امتصاص فائض السيولة، فإن من شأن التعديلات الإضافية أن تعزّز فعالية هذا الإطار. وتشمل التدابير الرئيسية، على هذا الصعيد، زيادة إصدار الأُذونات من البنك المركزي العراقي، مع التركيز على الأُذونات ذوات الاستحقاق القصير الأجل (14 يومًا) بسعر الفائدة الأساسي على أدوات السياسة النقدية، وتعديل الحدود المُقيِّدة لأحجام العروض المقدّمة من فرادى البنوك، وتحسين أدوات وممارسات التنبؤ بالسيولة النقدية. ولأجل قيام البنك المركزي العراقي بحماية ميزانيته العمومية والمحافظة على المصداقية، يجب على البنك الاستمرار في تفادي تمويل العجز لدى الحكومة. 

- المصارف التجارية تقوم الآن بمعالجة معاملات تمويل التجارة بالكامل من خلال علاقاتها مع البنوك المراسلة. فقد عملت هذه الجهود أيضًا على دعم الانخفاض الأخير في الفارق بين أسعار الصرف الرسمية وأسعار الصرف الموازية. ومع ذلك، فهناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود للحد من هذا الفارق، بما في ذلك عن طريق فرض استخدام الدينار العراقي في تنفيذ معاملات السيارات والعقارات، وتحسين الضوابط الجمركية للحد من التهريب، وتبسيط الحصول على العملات الأجنبية.

- ينبغي الانتهاءُ من خطة إعادة هيكلة المصارف المملوكة للدولة دون تأخير، وذلك يشمل معالجة القروض المتعثرة وتعزيز رأسمال المصارف.

- ينبغي أن تشمل الإصلاحات تعزيز الحوكمة المؤسسية، والبنية التحتية الرقمية، والأمن السيبراني، مع تعزيز قيام المصارف الخاصة بدور أقوى ممّا تقوم به حاليًا. وينبغي مواصلة الجهود الرامية إلى تعزيز تدابير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال معالجة أوجه القصور المُحدَّدة في تقرير التقييم المشترك لفرقة العمل للإجراءات المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا فاتف). 

- يعد معالجةُ أوجه القصور في قطاع الكهرباء أمرٌ مهمٌّ لاستدامة المالية العامة ولتحسين الإنتاجية. ففي العام 2024، بلغت نسبة الفقد في عمليات توزيع الكهرباء 55 في المئة، مدفوعةً بالسّرقات والتوصيلات غير القانونية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة. وتقوم السلطات في الوقت الحاضر بنشر عدَّادات ذكية، وقد وضعت موضع التنفيذ تدابير أخرى لتعزيز عمليات الجباية.

- ما زال الفساد يُشكّل عقبةً كبيرة في تحقيق النمو. ويُعتبر تعزيزُ أُطر المساءلة لتشغيل الشركات المملوكة للدولة، والشركات الخاصة في قطاعات النفط والكهرباء والتشييد أمرًا بالغ الأهمية، ويجب إعطاء الأولوية للامتثال الشامل لمعايير مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وسنّ قانون الشفافية والحصول على المعلومات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مواءمةَ الأُطر القانونية لمكافحة الفساد مع المواثيق الدولية والممارسات الفُضلى، وتعزيزَ استقلال القضاء مسألتان أساسيتان للإنفاذ الفعَّال للقوانين، ولحماية الحقوق الاقتصادية.

- ينبغي تعزيز الجهود لمواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل. وبشكل أكثر عمومية، فإن تبسيط اللوائح/الأنظمة والحد من المعوّقات البيروقراطية في تسجيل أنشطة الأعمال، أو إدارة الضرائب، على سبيل المثال، من شأنه أن يزيد من المشاركة في الاقتصاد الرسمي/النظامي، ويساعد على تنمية القطاع الخاص.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية