ليست مشكلة العراق اليوم بالسيد عادل عبد المهدي كشخص، انما مشكلته الحقيقية في عدم وجود مشروع وطني جامع تلتف حوله القوى السياسية، فالظاهر الدستوري للدولة شيء، والواقع التنفيذي لها شيء آخر، اذ لا توجد رغبة لدى معظم اللاعبين الأساسيين في احترام القانون وسيادة الدولة، ويرون انهم فوق القانون والسيادة، بل انهم أصحاب السيادة بأنفسهم واحزابهم وولاءاتهم..
لا تستبعد فرضية سحب الثقة من السيد رئيس الوزراء، لاسيما في ظل التلكؤ الكبير في تطبيق البرنامج الحكومي واصرار السيد رئيس الوزراء على بعض القضايا التي تعدها بعض الكتل السياسية قضايا مخالفة للاتفاق السياسي الذي جاء بالسيد عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة..
هناك قاعدة في النظام الديمقراطية تقول انه ( لا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة سياسية فعلية) (ولا ديمقراطية حقيقية بدون تعددية حزبية)، وهذه القاعدة وللأسف الشديد لم ترتقي الى مستوى التطبيق الفعلي في العراق ما بعد (2003)، بالتالي فان المعارضة السياسية هي جزء مهم من الممارسات السياسية، وهي اطار تقويمي مهم وضروري للنظام السياسي، لاسيما في اطاره البرلماني أو النيابي، كذلك هي مؤشر اكيد على أن هذا النظام السياسي بلغ من الرقي والتطور الكثير، خصوصا ومع وجود اليات لتصحيح المسار أو الانحراف عن الخط العام، لكن ما يلاحظ بشكل مؤسف فعلا أن هناك عدم اكتراث بموضوع المعارضة السياسية..
الخلل تمثل في غياب المعارضة السياسية التي هي ركن من الاركان الاساسية لبناء النظام البرلماني، والسبب في عدم اختيار المعارضة السياسية في الغالب ناجم عدم رغبة جميع الاطراف السياسية، إن تخسر مكانها في السلطة لسببا او اخر، وبعد هذه المدة الطويلة من التجربة السياسية التي امتدت إلى (16) عام، وجدنا أن الاحزاب السياسية تتكلم عن المعارضة السياسية وهو خيار جيد بطبيعة الحال، لكنه وللأسف الشديد ناجم عن عدم رغبة الفرقة السياسيين في تحمل مسؤولية الفشل، أو عدم رغبتهم في ابداء الخلل الجوهري الذي عانت منه العملية السياسية العراقية..
على الأحزاب الشيعية أن تدرك جيداً، بأن تجربتها الحاضرة في العراق تمثل قمة التطور في العقل السياسي الشيعي، بغض النظر عن آليات هذا التطور وطبيعة الوصول إليه، وأن الفشل فيها، سيؤدي إلى نتائج عكسية وخيمة، ربما لا تقل خطورة عن تلك النتائج التاريخية التي اسهمت في تحجيم دور الشيعة في الابتعاد عن السلطة عبر التاريخ..
على الاحزاب الشيعية أن تفتح حوار مع الاخر حول اداءها، اهم نقطة يمكن أن تحسب للأحزاب الشيعية هو الذهاب نحو المستقبل والتخلص من الاستبداد ومن العنف.الاستبداد هو عائق اساسي امام التطور والتغيير، النقطة الثانية عندما يؤمن بالعنف المسلح والعنف اللفظي والانشطار، فالعسكرة تصبح مشكلة عندما تريد أن تثبت وجودك، فاذا لم نتخلص من الاستبداد ومن العنف فالأداء السياسي دائما يكون كارثي..
مارست اغلب القوى السياسية في الانتخابات وما بعدها قدرا من الخداع لإرادة الناخبين وتحريف اصواتهم المحدودة تجلى بصور عدة بعثت برسائل سلبية للجمهور ولجمت الضوء في نهاية النفق في امكانية تحقيق التغيير والاصلاح بعد أكثر من عقد ونيف من التدمير..
القوى الدينية التقليدية والمتمثلة بالتيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الاعلى وتيار الحكمة الجديد وحزب الدعوة اضافة الى الحزب الاسلامي السني ربما تخوض مضمار الانتخابات بشقين : الاول يجمع رئيس الوزراء الحالي السيد العبادي مع التيار الصدري وتيار الحكمة الوطني الى جانب قوى اخرى تتكون من شخوص تكنوقراط الى جانب قوى سنية اخرى ، اما الشق الثاني من القوى التقليدية الدينية يتوقع منها ان تتكون من ائتلاف دولة القانون بزعامة السيد المالكي الى جنب الحزب الاسلامي فضلاً عن قوى اخرى صغيرة وعشائرية..
فهل تتمكن القوى السياسية المعارضة لقانون سانت ليغو المعدل بنسبته (1.7) من توحيد هدفها السياسي والاندماج في مشروع وطني جامع يمّكنهم من منافسة القوى السياسية التقليدية التي سيطرت على المشهد السياسي العراقي بعد العام 2003 أم أنها ستبقى مشتتة في برامجها السياسية والحزبية؟..