قد تفاقمت مشكلة ندرة المياه بشكل لافت للنظر بسبب التغير المناخي والذي أصبح يمثل تحدياً خطيراً وتهديداً كبيراً، الى جانب ذلك، فقد تأثر العراق كثيراً بسبب السياسات المتبعة من البلدان المتشاطئة على حوضي دجلة والفرات وغياب التنسيق المشترك وتوسع استثمار الموارد المائية على الأنهار التي ترد إلى العراق وإقامة مشاريع الخزانات والسدود في كل من تركيا وسوريا (خلافاً لمبادئ التنسيق والتعاون المشترك في اقتسام موارد المياه للدول المتشاطئة)، مما أدى بالمحصلة النهائية إلى نقص واضح في مجمل متحصلات العراق من الموارد المائية لتنخفض الواردات المائية بشكل كبير
ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية ندرة الموارد المائية في العراق، وذلك في ملتقى الحوار الأسبوعي بمقر مؤسسة النبأ للإعلام والثقافة، عصر السبت الموافق (11/10/ 2025)، وحضر هذه الحلقة مجموعة من الباحثين والأكاديميين ومدراء المراكز البحثية، حيث قدم الدكتور سلطان النصراوي أستاذ أكاديمي في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة كربلاء المقدسة، ورقته البحثية التي حملت عنوان (ندرة الموارد المائية في العراق: ازمة مركبة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية) وقد جاء في هذه الورقة:
على المستوى العالمي، زاد استخدام المياه بمقدار ستة أضعاف خلال 100 عام الماضية وما زال ينمو بشكل منتظم بمعدل يبلغ نحو 1% سنوياً بسبب تزايد عدد السكان والتطورات الاقتصادية والاجتماعية وتغير أنماط الاستهلاك، وتٌشير توقعات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي الى زيادة الطلب على المياه بنسبة 55% على الصعيد العالمي بين عامي 2000 و2050 نتيجة الطلب المتزايد عليها من قطاعات الصناعة وتوليد الطاقة الحرارية والاستخدام المنزلي، ومن المتوقع أن يواجه العالم عجزاً عالمياً في المياه بنسبة 40% بحلول عام 2030 في إطار سيناريو بقاء الأمور على حالها.
وقد ترتب على ذلك بروز أزمة حادة وخانقة في الموارد المائية ونقص حاد في المياه الآمنة والنظيفة والصالحة للشرب أصبح يعاني منها الملايين من البشر، الامر الذي ترتب عليه تحديات بيئية واجتماعية واقتصادية اثرت بشكل غير متناسب على الفئات السكانية المختلفة.
هذه الازمة ناتجة عن عدة عوامل متداخلة سواءً تلك المتعلقة بالتغير المناخي أو المتعلقة بالسياسات المتبعة من دول المنبع او النمو السكاني والتحضر الى جانب الإدارة السيئة للموارد المائية.
ويعد التغير المناخي أحد ابرز العوامل التي أسهمت في تفاقم الازمة، إذ يؤثر التغير المناخي على الموارد المائية بطرق متعددة وله أنماط زمانية ومكانية ارتدادية وتفاعلات بين العمليات المادية والبشرية معقدة، ومن شأن هذه الآثار أن تضيف تحديات للإدارة المستدامة للموارد المائية التي تتعرض لضغوط شديدة وتخضع لتقلبات مناخية عالية وظواهر جوية قصوى وهو يؤثر بالفعل على توافر المياه وكميتها لتلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية مما قد يعرض الملايين من الافراد لمخاطر شتى.
الموارد المائية في العراق: أزمة بحاجة الى حل
في العراق، ارتبطت هوية العراقيين وحياتهم وسبل معيشتهم ارتباطاً وثيقاً بالوصول الى المياه، فعلى ضفاف نهري دجلة والفرات ازدهرت الحضارات وقامت المدن وانتشرت الزراعة حتى سُمي بأرض السواد، وكان جزءً من الهلال الخصيب (سلة الخبز للعالم القديم).
قد تفاقمت مشكلة ندرة المياه بشكل لافت للنظر بسبب التغير المناخي والذي أصبح يمثل تحدياً خطيراً وتهديداً كبيراً، والذي أضاف عوامل خطورة إضافية على إدارة موارد المياه، إذ إن هناك علاقة مباشرة وسببية وباتجاهين بين التغير المناخي وندرة المياه، فالارتفاع المتزايد في درجات الحرارة والاضطرابات في المناخ والاحداث المناخية المتطرفة ادى الى حدوث ندرة في المياه وانخفاض في الموارد المائية، بالمقابل فإن عدم توفر الموارد المائية أثر وسوف يؤثر بشكل مباشر على فقدان الأراضي الزراعية وزيادة التصحر والتي تؤثر في حدوث تغيرات مناخية.
الى جانب ذلك، فقد تأثر البلد كثيراً بسبب السياسات المتبعة من البلدان المتشاطئة على حوضي دجلة والفرات وغياب التنسيق المشترك وتوسع استثمار الموارد المائية على الأنهار التي ترد إلى العراق وإقامة مشاريع الخزانات والسدود في كل من تركيا وسوريا (خلافاً لمبادئ التنسيق والتعاون المشترك في اقتسام موارد المياه للدول المتشاطئة)، مما أدى بالمحصلة النهائية إلى نقص واضح في مجمل متحصلات العراق من الموارد المائية لتنخفض الواردات المائية بشكل كبير (بلغت بحسب بعض الإحصاءات ما يقارب 45%)، ومن المتوقع ان يفقد البلد مزيداً من الواردات المائية قد تصل الى 80% بغضون عام 2025 مما سيفاقم من حدة الأثر البيئي، فضلاً عن ذلك التراجع، فإن الموارد الذاتية المتحققة من داخل العراق تراجعت هي الأخرى بسبب ظروف الجفاف وشملت الروافد والمياه الجوفية ومعدلات الخزن في السدود والخزانات وذلك للعلاقة الوثيقة بين سقوط الأمطار وتوفر المياه من هذه المصادر، وبحسب البيانات فقد خسر العراق بسبب سياسات دول المنبع نحو 60%من الثروة المائية خلال 100 عام، وتدهور مستوى انهاره التاريخية نحو عشرة أضعاف من 1350 م3/ ثانية في 1920 الى أقل من 150 م3/ ثانية في العام 2021.
وقد أصبح العراق خلال السنوات الأربعة الماضية في المرتبة الخامسة في مؤشر الجفاف العالمي، اذ فقد نحو 53 مليار م3 من مخزونه المائي ليصل الى نحو 7.5 مليار م3 للمرة الأولى في تاريخه بحسب ما أشارت اليها وزارة الموارد المائية.
ويتراوح معدل اجمالي استهلاك المياه لكافة الاحتياجات ما بين 50-60 مليار م3، وبينما يستمر العجز المائي يواصل الطلب على مياه الاستهلاك المنزلي الارتفاع ليصل الى 5.3 مليار م3 سنوياً في عام 2020، ومن من المتوقع ان يصل إلى 10.94 مليار م3 سنوياً عند 2035 (أي نحو الضعف)، وستتفاقم الفجوة بين العرض والطلب لتصل إلى ما يقارب 11 مليار م3 سنوياً، وسيصل العجز المائي الى نحو 37%.
وفي عام2020 تدنى التدفق القياسي لإيرادات دجلة والفرات من دول المنبع والمغذيات المحلية الى مستويات قياسية لتبلغ 49.59 مليار م3 فقط، بيّنما سجل تقرير المحاسبة البيئية الاقتصادية للمياه نحو 39.64 مليار م3 (وهو ما يمثل انخفاضاً يبلغ 50% بالمقارنة مع 2019) ومن ثم انخفض ليصل الى نحو 22.07 مليار م3 .
وبحسب دراسة معهد الطاقة العراقي من المتوقع أن يتراجع نهري الفرات ودجلة بنسبة 50% و25% على التوالي بحلول عام 2025، كما من المتوقع ان يصل حجم التراجع في الواردات المائية من الدول المتشاطئة الى نحو 35% في 2035، اذ سينخفض نهر الفرات بما يقارب 50% في عام 2035 ليصل الى 9.9 مليار م3 في عام 2035 بالمقارنة مع 18.3 مليار م3 في عام 2015، في حين سيفقد نهر دجلة نحو40% من واردته بحلول عام 2035 ليصل الى 9.822 مليار م3 في عام 2035 بالمقارنة مع 15.919 مليار م3 في عام 2016، ويوضح الجدول الاتي ذلك.
انخفض نصيب الفرد من الموارد المائية العذبة الداخلية ليصل الى 799 متر مكعب بالمقارنة مع 1277 متر مكعب في عام 2005 أي بمقدار انخفاض بلغ 428 متر مكعب وبمقدار 2231 متر مكعب بالمقارنة مع عام 1975
ومن المتوقع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول عام 2030 - وهو مقدار بعيد كل البعد عن معيار منظمة الصحة العالمية البالغ 1700 متر مكعب سنوياً، مما يهدد الأمن الغذائي والحياة والتنمية
ونتيجة للزيادة السكانية العالية والتطورات الاجتماعية والحاجة المتزايدة للمياه فقد ارتفعت المسحوبات السنوية من المياه العذبة لتصل الى نحو 161% في عام 2020 بالمقارنة مع 115% في عام 1975.
اما فيما يتعلق بالمسحوبات السنوية من المياه العذبة لأغراض الصناعة فقد ارتفعت هي الأخرى لتشكل نحو 10% في عام 2020 بالمقارنة م 1% في عام 1975، على الرغم من التراجع الحاد الذي شهده القطاع لصناعي بعد عام 2003.
وبالنسبة لمسحوبات المياه لأغراض الزراعة فقد انخفضت وهو ما يؤشر تراجع خطير وكبير في أداء وانتاجية القطاع، اذ بلغت نحو 78% في عام 2020 بالمقارنة مع 82% في عام 2005 97% في عام 1975.
يُعد الأمن المائي أساسياً لجزء كبير من الناس لاسيما للأُسر ذات الدخل المنخفض والأشخاص الذين يكسبون عيشهم من الزراعة وتربية الماشية وصيد الأسماك فهو يمثل عنصر حاسم لهم، ذلك أن ضعف وصول إمدادات مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي يقوض صحة الإنسان ورفاهيته.
والأمن المائي هدف شامل يكون فيه كل شخص قادراً على الحصول على مقدار كاف من المياه الآمنة بتكلفة معقولة ليعيش حياة نظيفة وصحية ومنتجة، مع ضمان حماية البيئة وتحسينها.
شهد الامن المائي والاجهاد المائي في العراق في ظل التغيرات المناخية ضغوطات كبيرة وتحديات كبيرة من أجل تحقيق الكفاية والضمان عبر الزمان والمكان، أي تلبية الاحتياجات المائية المختلفة كماً ونوعاً مع ضمان استمرارية هذه الكفاية دون تأثير من خلال حماية وترشيد استخدام المتاح من المياه، وتطوير أدوات وأساليب هذا الاستخدام، الى جانب تنمية الموارد المائية والبحث عن موارد جديدة وتطويرها واستغلالها.
إن الحاجة إلى الموارد المائية في العراق في تزايد مستمر نتيجة للنمو السكاني الكبير وقد أدى ذلك الى زيادة الضغط وبشكل كبير على موارد المياه وتعرض المجتمع لمستويات عالية من الاجهاد المائي Water Stress Index والذي يقيس ندرة كمية المياه العذبة المتجددة المتوفرة لكل شخص سنوياً من إجمالي الموارد المائية المتاحة للسكان، ووفقاً للمؤشر إذا كانت كمية المياه المتجددة في دولة ما أقل من 1700م3 للشخص الواحد في السنة فإن الدولة تعاني من الإجهاد المائي، اما اذا قلت عن 1000م3 فإنها تعاني من ندرة المياه، واذا قلت عن 500 متر مكعب تكون الدولة في ندرة المياه المطلقة، وهي الأخطر.
من جانب آخر، يقع العراق كأكثر منطقة تعاني ضعفاً وهشاشة بيئية في المرتبة 129 من أصل 181 دولة في مؤشر ND Gain – 6، والذي يُلخص مدى تعرض الدولة لتغير المناخ والتحديات العالمية الأخرى الى جانب الاستعداد لتحسين المرونة، ويهدف إلى مساعدة الحكومات والشركات والمجتمعات على تحديد أولويات الاستثمارات بشكل أفضل من أجل استجابة أكثر كفاءة للتحديات العالمية المباشرة المقبلة. ويتكون مؤشر ND-GAIN القطري من بعدين رئيسيين للتكيف هما (الضعف والاستعداد).
لندرة المياه انعكاسات سلبية على كافة أوجه النشاط البشري الصحي والاجتماعي والسياسي.. الخ، ولكن يبقى الأثر الاقتصادي هو الأكثر خطورةً والأكثر تأثيراً وعلى كافة القطاعات الاقتصادية لا سيما القطاع الزراعي الذي يرتبط بشكل مباشر بما متوفر من موارد مائية.
تفضي الصدمات المناخية الى زيادة أوجه الهشاشة الأساسية سوءً، وهو ما يزيد من تفاقم تأثيرهما على الاقتصاد وعلى رفاهية الناس، وترجع الخسائر المتزايدة من جراء الظواهر المناخية على القطاع الزراعي، والذي يٌشكل جزءً رئيساً من الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العراق، إذ يسهم بنحو 6% من الناتج المحلي الجمالي، ويمثل مصدر رزق لنحو 25% من سكان العراق، وتبلغ مساحة أراضيها الصالحة للزراعة بحدود11.1 مليون هكتار (نحو 33 مليون دونم) والتي تشكل 26.2% من مساحة البلد الإجمالية، وتقع نصف الأراضي الصالحة للزراعة تقريباً ضمن المناطق المتاحة للإرواء من نهري دجلة والفرات وروافدهما وفق المنظور الفني والاقتصادي، إلا إن كمية الموارد المائية المتاحة من هذه المصادر المائية لا تكفي إلا لإرواء مساحة بحدود 3.3مليون هكتار، أما النصف الآخر من الأراضي الصالحة للزراعة فإن ما نسبته%15 منها تقع ضمن المناطق المطرية المضمونة الأمطار (معدل هطول المطر السنوي اكثر من450 ملم/سنة)، وما نسبته 23 % منها يقع ضمن المناطق شبه مضمونة الأمطار(معدل الهطول المطر السنوي يتراوح بين 350-450 ملم/سنة) أما الباقي والذي تصل نسبته الى%62 فأنها يقع ضمن المناطق غير مضمونة الأمطار( والذي يتراوح الهطول المطري فيها بين50-350 ملم/سنة) وبحسب الموقع الجغرافي وتوزيع الخطوط المطرية.
وقد بدأ تدهور القطاع الزراعي نتيجة التغير المناخي واضحاً من خلال فقدان الأراضي الصالحة للزراعة وخسائر الإنتاجية وانتشار التصحر بسبب الجفاف، إذ انخفضت الأراضي المزروعة من 12.2% الى 8.3% من كامل المساحة خلال المدة 1970- 2010.
ويشكل محصولي الحنطة والشعير الجزء الأساسي للزراعة المطرية في العراق، اذ تبلغ النسبة المئوية للمساحات المزروعة بالمحصولين ضمن المناطق المطرية الى المجموع الكلي للمساحة المزروعة بكليهما في البلد بحدود 30% للحنطة و50% للشعير (أي80% لإنتاج الحبوب و20% لإنتاج الخضروات).
ويستهلك العراق نحو 65% من مياهه على القطاع الزراعي وفي سنين القحط الهيدرولوجي كالعام 2020، استهلك زراعياً 32 مليار م3، خسر منها كضائعات مُطلقة نحو 7.1 مليار م3، و10مليارات م3 أخرى كمياه بزل متملحة عديمة الفائدة، ما يؤشر الى هدر مائي لا تقابله وفرة إنتاجية. فناتج الدونم العراقي 350 كيلوغرام فقط مقارنة بالمعدل العالمي الذي يصل الى ثمانية اضعاف، وانخفض الإنتاج الزراعي بنحو 40% خلال المدة 2014-2021، وفقد نحو ثلثي مُزارعي العراق قدرة الوصول الى مصادر الري.
إن تناقص المراعي الطبيعية يسهم بشكل فعال بالتأثير على الثروة الحيوانية المعتمدة على الرعي كمصدر للغذاء والتي تقدر بنحو 50% للجِمال، 36% للماعز، 34% للأغنام، 25% للجاموس و 23% للأبقار من مجمل الثروة الحيوانية في العراق، وقد اشار تقرير المسح الوطني للثروة الحيوانية 2008 لوزارتي الزراعة والتخطيط بيًن إن انحسار الغطاء النباتي وتدهور الأراضي وقلة التشجير ومشاكل الملوحة الناتجة من التغاير المناخي ساهمت في زيادة ظاهرة التصحر التي يعاني منها العراق لما تشكله من مشاكل بيئية كبيرة وفي مقدمتها زحف الكثبان الرملية والأراضي الصحراوية على الأراضي الزراعية وعلى البنى التحتية للزراعة والطرق وغيرها، ويمكن ايجاز تأثر هذا القطاع بتداعيات التغاير المناخي بعدة عوامل أبرزها:
• أ- تناقص مساحة الأراضي المزروعة بالأعلاف.
• ب- التأثيرات السلبية على صحة الحيوان الناجمة من ظهور امراض جديدة.
• ج. التأثيرات السلبية على إنتاجية الحيوانات نتيجة الاجهاد الحراري.
وبحسب بعض الدراسات يخسر العراق 100 ألف دونم سنوياً نتيجة التصحر وتملح التربة، وفي عام 2020 باتت الأراضي المهددة بالتصحر تُشكل نحو 94.3 مليون دونم، فضلاً عن تصحر 27.2 مليون دونم فعلي
وبالنسبة لتمدد اللسان الملحي والذي يحدث نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مناسيب المياه وتراجع كميات الامطار ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة تمدد اللسان الملحي في شط العرب، اذ تُشير بعض الإحصاءات الى وصول نسبة الملوحة الى مستوى قياسي وتجاوزت الحد المسموح به، اذ بلغت نسبة الملوحة في شط العرب نحو 5500 TDS، في حين بلغت نحو 30 ألف في الفاو و19 ألف في مركز مدينة البصرة مما شكل خطراً على حياة المواطنين وصحتهم بشكل مباشر وينذر بحدوث كارثة بيئة تؤثر على كافة أوجه الحياة والنشاط الاقتصادي.
وفي هذا السياق، أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في عام 2019 أن 21314 عراقيا نزحوا داخليا في 145 منطقة في محافظات جنوب ووسط العراق بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، وفي عام 2020 باتت منظمة الهجرة الدولية (IOM) تُنتج مصفوفات هجرة مُستقلة على اساس التغيّر والنُدّرة. وفي آذار/ مارس 2022، أعلنت المنظمة أن 20148 فرّداً نزحوا منذ أواخر 2021، من بينها 25 عائلة نزحت نتيجة قتال قبلي على المياه، فضلاً عن حركة سكانية ضخمة ناجمة عن جفاف الأهوار بما نسبته 81% في ذي قار و33% في ميسان و12% في البصرة، وأوردت المنظمة الأممية أن ذي قار وميسان كانتا من ضمن المناطق الأكثر تضررا، مستشهدة بأعداد النازحين الضخمة من المنطقتين باتجاه المدن الكبيرة في البلاد، وفي الديوانية هناك 120 قرية باتت تعتمد بشكل شبه شامل على شحنات المياه المنقولة بالصهاريج، في حين كان عدد تلك القرى 75 خلال الصيف الماضي، وإن حوالي 100 أسرة غادرت خلال العامين الماضيين، واليوم لا تزال هناك 170 أسرة فقط مدرجة في السجل البلدي ويعتمد أولئك الذين بقوا على إمدادات المياه غير الكافية التي تصل بواسطة الصهاريج.
في حين تُشير دراسة صدرت عام 2021 عن مركز رصد النزوح الداخلي IDMC والمجلس النرويجي للاجئين في العراق NRC الى أنها وجدت من بين 14 عائلة عراقية أن فرداً واحداً من كل عائلة هجر منطقته بسبب التغير المناخي والجفاف وانتقل إلى منطقة أخرى بحثاً عن عمل، وأشارت الدراسة ان السبب الرئيس للهجرة يتمثل بندرة المياه كما في الشكل الاتي.
وللهجرة المرتبطة بالمناخ دور في زيادة مخاطر النزاعات في المناطق المستقبلة وقد يؤدي الجفاف وشح المياه محرك أساسي للنزاع المسلح والقتال على الأراضي الزراعية وعلى المياه، فمثلاً قدرت منظمة الأغذية والزراعة العالمية للأمم المتحدة ان المناطق التي اشتد فيها القتال في العراق خسرت 75% من انتاجها من الحبوب بسبب فقدان المياه واستهداف المجاميع الإرهابية المسلحة للموارد المائية من خلال نهب وتدمير انابيب المياه والمضخات والقنوات.
أولاً: سيناريو البنك الدولي:
تطوير وتحليل مجموعة من السيناريوهات البديلة التي تصوّر الاقتصاد العراقي في ظل سيناريوهات مختلفة لندرة المياه وتأثيرات المناخ على المحاصيل (عبر استخدام نماذج التوازن العام المحسوب المتعدّد الأقاليم) وتضمن عمليات المحاكاة ستة سيناريوهات، وقدم التقرير ثلاثة منها وهي:
السيناريو الأول: انخفاض إمدادات المياه بنسبة 20%.
السيناريو الثاني: انخفاض إمدادات المياه بنسبة 20% وتأثيرات درجة الحرارة على المحاصيل.
السيناريو الثالث: انخفاض إمدادات المياه بنسبة %20% وتأثيرات الحرارة على المحاصيل، وتحسّن بنسبة 20% في كفاءة استخدام المياه.
قد ينخفض توافر المياه في العراق بنسبة تصل إلى 20% بحلول عام 2050 بسبب تغير المناخ (استراتيجية موارد المياه والأراضي في العراق)، يتراوح الانخفاض المتوقع من 13 إلى 28% تبعاً للسيناريو المعتم، وسيواجه العراق قيوداً كبيرة للحفاظ على إنتاج المحاصيل أو توسيع الإنتاج في المستقبل، وقد أدى استغلال الموارد المائية بشكل مكثف وتجاوز مستوى السحب المستدام للمياه، ويواجه حالياً عجزاً في المياه.
وستؤثر درجات الحرارة المتزايدة سلباً على المحاصيل في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن يشهد العراق آثاراً سلبية أكثر من معظم البلدان الأخرى. ويؤثر ارتفاع درجة الحرارة سلباً على بعض المحاصيل.
سيناريو الوضع الحالي: هو استمرار حصول العراق على قدر من المياه اقل من الاحتياج الفعلي كما في السنوات القليلة الماضية وتماشياً مع التغيرات المناخية التي يشهدها البلد، وقد تم افتراض حصول العراق على 40 مليار م3 (وهو ما يمثل متوسط عامي 2020 و2021 من الإيرادات المائية) وإن نسبة 78% ستذهب الى القطاع الزراعي اي ما يعادل 31.2 مليار م3، الى جانب بقاء الارتفاع في درجات الحرارة عند مستوياتها الحالية (ما بين 1.5-2 درجة مئوية سنوياً) وارتفاع نسب التبخر، وهذا يعني خروج نحو 7000 دونم من الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة لتصل الى 8112 ألف دونم بالمقارنة مع عام 2019 والذي بلغت فيه مساحة الأراضي الصالحة للزراعة نحو 15.590 مليون دونم، وبنحو 10000 دونم بالمقارنة مع عام 2018 والتي بلغت فيه الأراضي الصالحة للزراعة بنحو 18.500 مليون دونم.
ويترتب على ذلك انخفاض انتاج المحاصيل الزراعية (لاسيما القمح والشعير والرز) وكذلك انخفاض غلة الدونم من الأراضي المزروعة وارتفاع معدلات البطالة في القطاع الزراعي، مما يؤدي الى فقدان الامن الغذائي والتوجه نحو الاستيرادات من الخارج لتغطية احتياجات السوق الداخلية وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على موارد الميزانية العامة للبلد، وفي المحصلة النهائية انخفاض مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي ليصل الى نحو 4% بالمقارنة مع ما يقارب 6% خلال السنوات الماضية.
سيناريو الوضع التشاؤمي: يفترض هذا الوضع استمرار الدول المجاورة في سياساتها المائية الحالية والاستمرار في بناء السدود وعدم حصول البلد على حصته المائية، الى جانب عوامل التغير المناخي (ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع نسب الملوحة والتبخر والتصحر) فإن انخفاض بنسبة 10% عن الوضع الحالي سوف يؤدي ذلك الى ان يكون ما يحصل علية العراق من مياه هو 30 مليار م3.
سيناريو الوضع التفاؤلي: تفترض هذه الحالة ارتفاع حصة العراق من الايرادات المائية نتيجة لزيادة اطلاقات المياه من الدول المجاورة او زيادة معدلات الامطار خلال السنوات القادمة، فإن ارتفاع في موارد العراق المائية بنسبة 10% عن الوضع الحالي يعني ذلك ان حصة العراق ستكون بما يقارب 45 مليار م3 (وهي ادنى من الوضع الطبيعي وادنى من الاحتياجات الفعلية للبلد) مع ذلك هذا الوضع سيؤدي الى ارتفاع مساحة الاراضي المزروعة لتصل الى حوالي 8923 الف دونم وسيرفع ذلك نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي الى 5%.
وإن ارتفاع 20% عن الوضع الحالي يعني ذلك ان حصة العراق ستكون بنحو 50 مليار م3 من المياه وهذا الوضع سيؤدي الى ارتفاع مساحة الاراضي المزروعة لتصل الى حوالي 10140 ألف دونم وسيرفع ذلك نسبة مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي في حين إن ارتفاع موارد العراق المائية بنسبة 40% عن الوضع الحالي وهو الوضع الذي يقترب جداً من الوضع القياسي فإن العراق سيغطي من احتياجه من المياه، ومع ذلك قد لا يصل العراق الى مستويات الإنتاج القياسية بسبب عدم الكفاءة في إدارة موارده المائية وعدم استخدام الطرق الحديثة في الري وفي الزراعة.
بعد الانتهاء من الورق البحثية طرح الباحث السؤالين التاليين على الحاضرين في هذه الحلقة:
السؤال الأول: ما هي الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها وتفرضها ندرة الموارد المائية؟
السؤال الثاني: ما هي السيناريوهات المحتملة لندرة المياه وما هي الحلول المقترَحة؟
المداخلات:
الأستاذ خليفة التميمي كاتب سياسي
مشكلة الماء في العراق مشكلة خارجية ومشكلة ذاتية داخلية، الذاتية أو الداخلية حتى عندما يريد أحدنا أن يتوضأ، لا يحترم الماء مع العلم هي نعمة من الله تعالى وربما يفرط في الماء ما يعادل ثلاثة أو أربعة اشخاص.
اما الحلول فمتى نجد الإنسان الأمين كيوسف، ومتى نجد الإنسان المخلص، يوجد لدينا في العراق حاليا رئيس الجمهورية هو دكتور في الموارد المائية، ورئيس الوزراء خبير بالهندسة الزراعية، ولو أنكم تلاحظون الحالة النفسية للقرويين بالات حيث هاجرنا نحن من ديالى وتركنا أراضينا في زمن عبد الكريم قاسم، استولوا على الأراضي وفي نفس الوقت كانت إيران تقطع علينا الماء، وتهددنا بقطع نهر ديالى، وحاليا نهر العظيم، وثم نهر الكارون في الوقت الحاضر.
فنلاحظ أن الماء لا يكفينا حتى لشرب الماء، لذلك بما أننا دولة محتلة الولايات المتحدة الأمريكية فعلينا أن نستنجد بها لكي تجد لنا طريقة معينة لمعالجة هذه المشكلة ويمكنهم تزويدنا بالخبراء لأننا لا نمتلك المعرفة الكافية لإدارة المياه، فيمكن أن يديروا مياهنا، والشيء الآخر الذي سأختم به، أن المستقبل ستكون هناك حرب مياه وليست حرب كلاسيكية.
الشيخ الدكتور علاء الشمري كلية القانون جامعة أهل البيت
الملاحظات والمسائل التي سأذكرها هي مجرد عرض:
المسألة الأولى: بحسب المعلومات التي امتلكها، هي أن الماء لا يزيد ولا ينقص في جميع العالم، حتى تقول المنظمات الدولية المختصة بأن المطر لا يزيد قطرة واحدة، في كل عام تمطر السماء نفس الكمية، ولكن في مكانات مختلفة.
المسألة الثانية: يوجد لدينا أصدقاء خبراء أحدهم قال لي سأخبرك بقضية سرية ولا تنقلها عني، اكتشاف أكبر احتياطي للمياه الجوفية في العراق، وتحديدا في النخيب، بحيث تم منع استخراجه واستعماله، بسبب ضغوط دول معينة.
المسألة الثالثة: ترشيد حفظ واستهلاك الماء، وحول دجلة والفرات قال بعض الشعراء، نحن أمناء بحيث تلقي الماء في البحر، لكن احبس ماء جلة والفرات في صحراء الأنبار، قم بتشييد سد ترابي واحفظ هذه المياه، وقد قال لي معاون الوزير الذي زارنا للجامعة، لقد باشرنا بمشروع إعادة الماء للنهر، ويبقى الماء في دجلة والفرات بدل الذهاب إلى البحر.
المسألة الرابعة: أنا أتصور التجربة الكورية إذا مرت عليكم، بخصوص حفر الآباء، لأنه كوريا الشمالية أو غيرها كما يبدو منعت حفر الآبار، لكن الجنوبية حفرت الآبار، ففاض الماء حتى صدر قرار جمهوري منهم بمنع الحفر، لأن النهر فاض بالمياه.
مسألة حفر الآبار مسألة طبيعية لكن تدخل دول الجوار بالمنع، لأن نحن تحت وهم فوق، فشيء أوتوماتيكي حين تحفر يخرج لك الماء.
المسألة الخامسة: هناك أمطار صناعية كما قمت الصين باستعمالها وغير الصين، قنابل يتم تفجيرها في الجو ثم تمطر السماء.
المسألة السادسة: بالنسبة لزحف الصحراء وزراعتها، أي إيقاف التصحر كما أوضح تقرير أظهرته العتبة الوثائقية، فقيل أن هذا النبات عجيب، يحتفظ بالماء ويتم سقيه من المطر ولا يحتاج سقي من الأنهار.
المسألة السابعة: هناك دراسات وجدانية تقريبا، ملموسة أن العراق آخر من يعطش من دول العالم، هذا للعرض فقط.
النقطة الأخيرة: معالجة الجفاف إضافة للوسائل العلمية، باستعمال الدعاء، يعني بصلاة الاستسقاء مجربة من السنة والشيعة، صلاة الصحراء يخرج المصلون إلى الصحراء بنسائهم وأطفالهم وأغنامهم، يصلون ركعتين، وهناك نقطتان أذكرها عن الاستسقاء.
آية الله الخنساري رضوان الله عليه، في فترة حدث جفاف في إيران، وفي قم فخرجوا للاستسقاء، ففاض النهر اليابس في قم، حتى هدم الضريح، والسيد المرعشي النجفي رحمة الله عليه قال لي شخصيا لبسنا إحرامات وأعدنا بناء قبر المعصومة الذي انهدم بسبب فيضان النهر وهناك قصة مفصلة عن ذلك، صلاة الاستسقاء ركعتان بهذه الصورة حتى النبي صلى الله عليه وآله قام بذلك، ورجعوا إل بيوتهم فوجدوها قد تعرضت للتلف من المطر، لأن الدعاء يخلق الماء ولا يرسله أو يوجد ماء، فقالوا اللهم حوالينا لا علينا. فصارت السحابة كحلقات، ونحن طبعا خلقنا الله فهل يميتنا بالعطش؟
الدكتور خالد الأسدي أكاديمي وباحث في مركز الإمام الشيرازي
هذه تنذر بوجود أزمة مائية في العراقي وهذه مشكلة، لكن المشكلة الرئيسة، أن كل المسؤولين الذين يخرجون للناس هم يعرفون الخلل، حسنا أنتم شخصتم الخلل فما هي الإجراءات التي اتخذتموها، لا يوجد حل فماذا نفعل؟، عندما نُخبر الناس بأن الماء غدا سوف ينقطع عن البيوت، يقومون بملء كمية كافية من الماء للاحتياط.
سد أليسو قبل أن ينوه، أخبروا العراق بأنهم بعد سنة سوف يكملون السد، خذوا احتياطكم، لكن العراق لم يتخذ أي إجراء، ولم نر الحلول، لم يفتح خزانات مائية، لدينا خزانان كبيران في العراق الرزازة والثرثار، جف فيهما الماء وظهرت الأملاح ولم نستفد منهما بخزن الماء.
المشكلة التي نعاني منها تكمن بالسياسيين التجار، يأتي إلى منصبه ويقضي فترته أما العراق فلا يشكل بالنسبة له أي مشكلة، ولا أي مسؤولية، لذلك نحتاج إلى دولة مؤسسات، فإذا أصبح العراق دولة مؤسسات سوف نجد حلا لهذه الأزمة، غير ذلك لن نجد الحل.
الأستاذ حامد عبد الحسين الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
النقطة الأولى: نشير مبدئيا إلى الأسباب ومؤكد هي أسباب عالمية كما أشار الدكتور الباحث في ورقته، باعتبار هناك تغير مناخي عالمي، وهذا مؤكد يؤثر على المياه وندرتها.
النقطة الثانية: تتعلق بالدول المتشاطئة، لا يوجد عندنا انسجام مع دول المنبع، في تقاسم المياه وهذا يؤثر على الاقتصاد المحلي، والحياة بشكل عام من دول المصب، والعراق يستقبل المياه من إيران ومن تركيا بشكل رئيس.
النقطة الثالثة: لا توجد إدارة حقيقية لملف المياه في العراق، على سبيل المثال، الآن مسألة الزراعة، لا يوجد توجه نحو الانتقال للوسائل الحديث من حيث الري بالرش أو التقطير، وهذا يقلل كثيرا من الطلب على المياه ويحقق نوعا من التوازن بين العرض والطلب الامائي.
النقطة الرابعة: تتعلق بالنمو السكاني، فكلما ازداد عدد السكان سوف يزداد الطلب على المياه، وكذلك بالنسبة للزراعة يزداد الطلب على المياه وهذا أيضا يؤثر في موضوع ندرة المياه.
باختصار بخصوص الحلول، أعتقد هناك حل يتعلق بالاقتصاد، أي يوجد حل اقتصادي لهذه القضية وهو تسعير المياه، كما يحدث في الضرائب حيث يوجد حد معين وبعد هذا الحد يتم فرض ضريبة على الفائض إذا تم تجاوز الحد المسموح، بعد ذلك يتم فرض ضريبة تصاعدية، مثلا أول ألف لتر على مستوى الاستخدام المنزلي أو الزراعي تكون مسموحة او متاحة بدون ضريبة أو بدون أجور، وهكذا سوف يقلل هذا الإجراء من استخدام المياه ويؤدي إلى نوع من الترشيد في العراق.
الأستاذ علاء لدين الكاظمي باحث وأكاديمي
بداية نحن جميعا لدينا فكرة عن الندرة المائية، تطرح الورقة البحثية حقائد لابد أن نطلع عليها لكنها جعلتنا نستشعر الأزمة، أعتقد إذا دخلنا في التفاصيل نجد أن أمورا غير مرئية يمكن الإشارة إليها، لكن الأزمة هي عالمية واقتصاديا يعتمد نقل البضائع على الوسائط البحرية أكثر من سواها، والنقل البحري الآن يعاني من انخفاض مناسيب بعض الممرات المائية، لذلك تضطر السفن لتقليل الحمولة إلى النصف تقريبا.
وهذا يعني سفن إضافية وتكاليف إضافية تُضاف على البضاعة والعراق بلد مستورد أكثر مما هو مصدّر، وهذا التكاليف يتحملها المواطن بشكل أو بآخر.
نقطة ثانية، القضايا غير المرئية، الهجرة سوف تتركز على المناطق التي يوجد فيها عمل، على سبيل المثال في كربلاء، الهجرة ماذا ستولد، سيكون هناك طلب على العقار، وهذا يجعل الجيل الشاب الآن لا يستطيع أن يتكيف مع الواقع وقضايا الزواج سوف تتأخر، وبسبب قلة السكن سوف تعيش عوائل كثيرة في بيت واحد، وهذا سيؤدي إلى مشاكل منها كثرة الطلاق، ومشاكل بسبب الفقر، ثم السرقة تزداد والطلاق كذلك، ومختلف الجرائم، وكل هذا يحدث بسبب الضغوطات، فالمشكلة كبيرة جدا، حتى ممكن تؤثر على عملية الإنجاب، وهناك دول الآن مهددة بالانقراض كاليابان وكوريا الجنوبية. هذه القضية خطرة، وحتى لو وضعنا الحلول فإن المشكلة تكمن في من الذي يطبق هذه الحلول؟، وهذه هي القضايا التي نعاني منها.
الأستاذ محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات
الباحث لم يترك لنا ما نخوض به، لكنني أحببت أن أنوه عن قضية تتعلق بالتغير الناخي خصوصا في جنوب العراق، أعتقد بعض تأثيرات ندرة المياه تستفيد منها جهات أخرى، والدليل أننا نلاحظ الحكومة وجهات أخرى وقد قرأت تقارير أجنبية، أن هذه الجهات مستفيدة من موضوع ندرة المياه وجفاف الأهوار لتحويل هذه المناطق إلى مناطق آبار نفطية كي يستفيدوا مما موجود تحت هذه الأراضي الزراعية من ثروة نفطية.
السياسة المعتمدة من قبل الحكومات المتعاقبة هي الاعتماد على النفط، وهو المورد الأساسي والوحيد، لذلك ليس مهم بالنسبة لهم المشاكل الكبيرة في الجانب المناخي، وقد ذكر الدكتور الباحث الأرقام المخيفة بخصوص انخفاض مساحات الأراضي الزراعية، لكن بالنتيجة الحكومة تبحث عن تمويل وهو موجود في صادرات النفط.
إذن هناك تحول كبير بالنسبة لهذه الأراضي الزراعية وكيف يتم تحويلها والناس تسكنها ومتمسكة بها وهؤلاء السكان بالآلاف، أو ربما عشرات الآلاف من السكان، فالطريقة الوحيدة للتخلص منهم والدفع بهم باتجاه المدن هي تتم بتجفيف هذه الراضي والقضاء على الزراعة تماما فيبح السكان بلا أي خيار آخر سوى الهجرة، وهكذا تكون الأراضي النفطية من السهل السيطرة عليها في هذه الحالة وهذا الشيء مذكور في تقارير أجنبية.
حتى أن الجانب الإيراني عندما قام بتغيير مجرى نهر الكارون، ودفع به نحو أراضي وسط إيران، كانت نفس السياسة، لأنه الأراضي النفطية في الجانب الإيراني تقع كذلك في هذه المنطقة الزراعية، هذه واحدة من السيناريوهات التي أرى أنها من الممكن العمل عليها خلال السنوات القريبة جدا.
الانعكاس الآخر كذلك إن الأراضي الزراعية في وادي الرافدين هي أراض طينية، يكثر فيها الطين، والأراضي الطينية كما يعرف المختصون بالزراعة تحتاج إلى مياه باستمرار، لغسلها لكي لا تكثر فيها نسبة الأملاح، وعدم وصول الماء لها باستمرار يجعل منها أراض بور وغير صالحة للزراعة، وهذه كانت منذ آلاف السنين بحيث يسمى العراق بالوادي الخصيب لأن المياه تنزل عليه، لكن منذ أن أصبحت المياه تُقطَع عنه من أراضي المنبع، فالنتيجة الجفاف.
أما بخصوص السياسات السائدة بوزارة الموارد المائية فهي قديمة، وتعتقد الآن بأن الماء يجب أن يجري بحيث يدفع اللسان الملحي الذي يوجد في البصرة، ويعتقدون ليس هناك حل آخر لهذا الموضوع، ويمكن أن يحلون هذا الموضوع من خلال محطات التصفية أو التحلية وينقذون البصرة ويعزلونها عن المناطق الملحية ومن الممكن أن تكون أراضي دجلة والفرات أو المياه تحتبس وتفتح عند الحاجة، هذا هو الحل، وذكرته تقارير منها في البي بي سي وغيرها.
وركزت على موضوع أن البصرة لابد أن تُعزَل تماما والمياه تندفع نحو شط العرب لكن هذا الشيء غير ممكن مع الضغوطات الموجودة.
الدكتور منتصر العوادي أكاديمي وباحث في مركز الإمام الشيرازي
لا شك أن الماء هو عصب الحياة، ولأهميته فقد جعله الله يشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وربع لليابسة، ورغم هذه الكثرة مقارنة باليابسة إلا أن هناك آية في القرآن الكريم تشير إلى المخاطر التي نعيشها اليوم، وهي (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ)، سورة الملك، الآية 30.
بمعنى إذا صار الماء غائرا من الذي يعطيكم ماءً معينا، في ذلك الوقت كان القرآن يشير إلى أنه من الممكن أن يحدث لكم أزمة في المياه رغم وفرتها في الأرض، ولا شكا أن هذه الأزمة نعيشها في الوقت الحاضر بسبب، التغيّر المناخي والسياسات الخاطئة، ومنها في بلدنا العراق، القضية التي سببت هذه الأزمة ليس فقط التقصير والإهمال الحكومي، بل المواطن له دور رئيسي في خلق هذه الأزمة على الرغم من كوننا مسلمين.
وهناك حديث للرسول صلى الله عليه وآله يقول: (لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جاري)، في الوضوء عليك أن تتقيد باستعمال الماء، وخذ من النهر الجاري ما تحتاجه فقط من الماء، لكن نحن لا نمتلك ثقافة الترشيد، بحيث أن الاستهلاك البشري الذي نلاحظه يعادل التقصير والإهمال الحكومي.
نلاحظ أن الغرب يسترشدون باستعمال الماء، ويقتصد الغربي بالماء ولا يسرف، المقصود إن التقصير الذاتي للأفراد وللناس بصورة عامة هو أيضا نظير التقصير الحكومي، وسياسات خاطئة وإهمال حكومي حيث لا توجد هناك سياسة مائية في العراق، وليس لدينا سلطة على الدول المتشاطئة معنا، ليس لنا سلطة على تركيا ولا على إيران.
وهذا هو الأمر الذي فاقم الأزمة لدى الشعب العراقي، وسوف نعيش أزمات تالية إذا بقيت الأمور على حالها.
حسين علي حسين باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
بعد المداخلات الكثيرة التي استمعنا إليها من الأساتذة الحاضرين في هذه الحلقة النقاشية المهمة، وتم طرح مجموعة من الانعكاسات ومجموعة من الحلول لمعالجة أزمة ندرة المياه، تبادر في ذهني سؤال:
يوجد في دول العالم وعددها تقريبا 195 دولة، من المحتمل جدا أن عددا من هذه الدول التي يتشكل منها العالم قد تعرضت لمشكلة قلة الموارد المائية، فما هي الحلل التي وضعتها هذه الدول، وكيف يمكن لدولة العراق أن تستفيد من تلك الحلول الخاصة بمعالجة ندرة الماء؟
هل هناك دول قريبة من العراق تعرضت لهذه الندرة وهذه الأزمة، كذلك ما هي البرامج والخطوات التي اتخذتها لمعالجة هذه الأزمة، مما يجعل بالإمكان أن يطبقها العراق لكي يستفيد منها لمعالجة هذه المشكلة التي تشكل خطرا على حياة العراقيين، وهذا الأسلوب في معالجة الأزمات معتمد بين الدول في جميع الأزمات وليس ندرة الماء فقد.
لهذا من الممكن للعراق أن يعتمد تلك الحلول ويستفيد من خبرات وتجارب الدول والمجتمعات الأخرى التي عانت في السابق ما يعاني منه العراق في الوقت الحالي.
الأستاذ محمد علي جواد تقي إعلامي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية
هذه المحاضرة مهمة قدمت أرقاما ومعلومات لم نكن نعرفها، ما يتعلق بالآثار الاقتصادية والاجتماعية، لكنني أبدي استغرابي من الجانب الحكومي السياسي، أن هناك نوع (ليس غياب أو فشل السياسة المالية في الدولة)، وإنما في التعامل المريب، أنا أطرح هذا التساؤل كمواطن عادي فيما يتعلق بإدارة المياه، مثلا الحكومة التركية فرضت على العراقيين قضية تبطين الجداول، لم تكن معمول بها سابقا في العراق، ألم يكن في الدولة العراقية فكرة من هذا النوع، ولا تترك الجداول طينية، هذا الشيء غريب، يشي بنوع من التغافل، ما أراه باعتقادي وقد يكون نوع من التكهن، هناك نوع من التواكل يمكن أن اشبهه بقضية البترول، هذا هو الواقع فعندما نطالع الوضع السياسي والاقتصادي، نلاحظ أن البترول العراقي وهو نعمة إلهية والماء أيضا نعمة إلهية ومادة اقتصادية حيوية تخرج من باطن الأرض.
حتى قبل سنوات قليلة فهم الشعب العراقي بأن أموال النفط العراقي تذهب إلى البنك الفدرالي الأمريكي، هذا الأمر لم يكن واضحا في الإعلام، لكن الآن بات أمرا واضحا ومعروفا، وما يتعلق بالمياه أيضا يبدو لي ان الحكومة العراقية مطمئنة، قرأت بعض التقارير التي تتعلق بالمياه، ان الحرص الكبير عند الحكومة الآن، أن تتوفر المياه التي تصل للناس عبر الأنابيب هذا فقط، غير معنية كثيرا بالزراعة.
على الصعيد الداخلي هناك إهمال متعمّد أيضا، وإسراف واضح، أحيانا نشكو من قلة الماء لكن حين يحدث كسر في أنبوب الماء يبقى الماء يتدفق منه أياما لا توجد رقابة، هناك بحيرات من المياه العذبة موجودة في الأحياء، الشيء الذي أحب أذكر به أن الحكومة العراقية كما بعلت بجباية الكهرباء يجب أن تفرض قانون على كل بيت يجب أن يكون لديه اشتراك بالماء، لكن أنا بنفسي ذهبت إلى دائرة الكهرباء ودمت معاملة حتى يكون عندي اشتراك بالماء، البيوت السكنية القريبة من بيتي كلها لا توجد لديها اشتراكات بالماء.
إذن الدولة ليست حريصة كما يجب على الإسراف في المياه، يمكن بتلفون من تراب إلى أردوغان يحثه على إطلاق المياه بسبب الشحة وتحل المشكلة، الماء بالأنابيب موجود، أما الزراعة والأنهار والمناظر الجميلة التي كنا نراها أيام زمان والبساتين والنخيل هذه ليست ضرورة نحن لا نحتاج لها بحسب تفكير الدولة، طالما الماء موجود في الأنابيب والسلع المستوردة موجود بالأسواق وتوجد لديكم الأموال، والحمد لله.
الدكتور لطيف القصاب، أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية
كانت ورقة علمية جميلة رائعة ومتماسكة، وفيها جوانب إيجابية كثيرة، وأيضا أطل على الجوانب السلبية وهي كثيرة أيضا، لكننا بصراحة بحاجة إلى بصيص أمل، على أية حال بقدر ما يتعلق الأمر بي قبل فترة ترجمت مقالا حول السياسات المائية من الميدل ستيوشن، مركز المستقبل، وتبدو ندرة المياه فعلا ظاهرة عالمية، لكن أيضا توجد معالجات بحسب كل دولة، وأشار السيد الباحث إلى تقصير واضح من الحكومات بهذا الصدد.
لكن توجد معالجات، سمعت أحد المهندسين يقول توجد مناطق في شمال العراق لو اتخذت موقعا للحفر الارتوازي من الممكن أن تهشم حتى السدود التي بنتها تركيا حديثا، لماذا؟، لأن العراق منطقة منخفضة، أما الثقافة الإسلامية غائبة عن المشهد الاجتماعي، وبالمناسبة أعلنت جائزة نوبل بدورتها الحالية، دكتور عمر مادي المسلم أو العربي من أصل أردني، أطروحته تتلخص بتجميع المياه من الهواء، هذه هي الأطروحة المركزية له ونال عليها جائزة نوبل.
ليس من باب الخيال، نحن أناس مؤمنون مسلمين (وقدر أقواتها في أربعة أيا) الله سبحانه وتعالى لا يخلق الإنسان لكي يموت عطشا، لكن هناك تقصير منا نحن، وحينما يقول وزير الموارد المائية نحن نحتاج كذا وكذا فهو من ذوي الاختصاص، توجد معالجات لكن لا يُلتفَت إليها، مع تسييس الموضوع وتركيا متعنتة هذا أمر واضح جدا والسياسيون عندهم تقصير، لكن بالأخير نحتاج إلى إشراقة وطلة متفائلة حتى لا نعيش بقلق.
الأرقام التي ذكرها الدكتور الباحث فعلا مخيفة، لكن نحن عملنا في الصحافة لسنوات طويلة، فليس كل ما يصدر صحيح بالنسبة للبيانات، حتى التي تصدر من مصادر رسمية هي غير دقيقة.
الأستاذ علي حسين عبيد كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية
هذه المحاضرة التي استمعت لها اليوم أعادتني إلى ما يقرب من ثلاثين أو أربعين سنة، عندما كنت أحضر محاضرة أحد المدرسين في ثانوية الحي الحسيني، وكان المحاضر كل كلمة ينطقها تُزرع في أذهاننا نحن الطلبة وحتى في قلوبنا، إضافة إلى شخصية الأستاذ آنذاك الجميلة جدا والتي ذكرنا بها المحاضر الدكتور سلطان النصراوي الآن.
هذه المحاضرة أنا شخصيا شعرت بتأثيرها الحاد والقوي على الرغم من أننا نعيش هذه الأزمة بشكل لحظوي، وسبب هذا التميّز طريقة العرض، طريقة التناول، طريقة أو أهمية المعلومة المطروحة في هذه المحاضرة، فأنت الآن دكتور وضعتنا أمام مسؤولية كبيرة جدا، فنحن كنا نعيش هذه الأزمة ونسمع بها لكن الآن كأننا نتعرض إلى معركة حربية أمامك جيش يريد أن يهجم عليك فما هي الإجراءات التي تتخذها.
أنا الآن أعتبر من خلال هذه المحاضرة ندرة المياه وكأنها حرب تُخاض ضد العراق وشعبه، وعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية لمعالجة هذه الأزمة تعني لنا الموت والهزيمة.
هناك جانبان يتعلقان بهذه القضية وهما:
الجانب الأول: يتعلق بالمواطن العراقي، فهو لحد هذه اللحظة بما فيهم الواعين والمثقفين وحتى النخبة، يتعاملون مع الماء المتوفر لديهم بطريقة عادية جدا، تبذير بطريقة ليست طبيعية، في الحي الذي أسكنه أحد جيراني جعلني أعيش هذه الحالة (حالة تبذير المياه)، أخرج من البيت صباحا أراه مشمرا عن أردانه ويرش الما دون شعور بالمسؤولية، أعود ظهرا أراه في نفس الحالة، اخرج عصرا وهو على نفس الحالة. هذه مشكلة الناس الآن والإهمال منقطع النظير في هذه القضية.
الجانب الثاني: لقد ذكرت بأننا نتعرض إلى حرب، وزارة الموارد المائية يجب أن يقودها كادر، (وزير دفاع مائي)، له قدرة وخبرة على خوض معركة ندرة المياه، إضافة إلى الكوادر الأخرى من الموظفين ومدراء عامين وغيرهم هؤلاء يجب أن يكونوا نخبة متخصصة في مجال معالجة ندرة المياه وهذه المسألة يجب أن تؤخَذ بنظر الاعتبار.
الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث
بحكم عملي أرى أن نسبة عالية من المعلومات التي طرحتها الورقة البحثية دقيقة، في السنتين الأخيرتين بدأت الأزمة تضغط أكثر، في السنة الماضية كان المخزون المائي للعراق 8 مليار متر مكعب، هذه السنة وصل إلى مليارين، والنتيجة أن الموارد المائية تحاول أن تدفع بثلاثة اتجاهات: تأمين الحصة المائية المنزلية، والحفاظ على بذور بعض النباتات من المزروعات، يزرع لكي تتواصل الزراعة، ومعالجة السن الملحي في شط العرب حتى لا تتعرض أجهزة التصفية في البصرة إلى الضرر والعطل.
هذه المهمة صعبة جدا، وشاقة وتكاد تكون قريبة من الخطورة إلى درجة كبير جدا، لماذا؟، لأنه لأن قضية الماء حالها حال الفساد المستشري في أغلب المفاصل، فبعض الحيتان، يستخدمون المياه لأغراض الانتفاع الخاص ولقضية المسطحات المائية الخاصة بهم، ويمكن أكبر خطر بحسب معلوماتي كان يفترض أن شركات النفط تحقن حقول النفط من مياه البحر ولم تقم بذلك لأن هذا الأمر يكلفها مد أنابيب وتتعرض لكلف باهظة وبالنتيجة هذا ينعكس على سعر التعاقد معها. هذه النقاط الثلاث أثرت كثيرا في تفاقم الأزمة.
هناك نقط مهمة أخرى، وهي تتعلق بتصريف بعض المياه الثقيلة الخاصة بالمجاري إلى غير محلها، وأظن أن محافظة كربلاء متقدمة في هذا الجانب في قضية معمل المعالجة، حيث تصل نسبة المعالجة فيها إلى 75%، ويتم تغذية بحيرة الرزازة بهذا الماء، ولولا هذه التغذية لكانت الرزازة في خطر.
أعتقد أن ندرة المياه هي مشكلة عالمية، لكن نحن الآن نواجه صعوبة خاصة لأن سياساتنا المائية عيفة، مع عدم وجود قرار سياسي لاتخاذ قرارات حاسمة مع دول المنبع، ولا نمتلك مفاوضين متمكنين في هذا الجانب، وكذلك المياه التي تصل إلى أراضينا لا نحافظ عليها بالشكل الصحيح، الشيء الآخر لدينا مناطق خضراء واسعة جدا تم تجريفها ولا نعوضها بالشكل الصحيح، فقد كانت قريبة من أحياء المدن، وكان علينا أن نعوضها بطريقة أخرى ولكن هذا الشيء لم يحدث.
أما المشكلة الأساسية، فإن المفاوض العراقي في موضوع المياه ما زال ضعيفا جدا، ولحد الآن، والسيطرة على المياه التي تدخل إلى العراق لحد الآن لم يتم بشكل جيد، والآن لو أنك تذهب إلى الخط السريع سوف ترى خطوطا كاملة من المرشات التي ترش الشارع وأقصد غسيل السيارات، مع العلم أن تبذير الماء كبير جدا ويتم تسريبه في الشوارع.
هذا كلها هدر مركب للماء وسوء مفاوضات، وخزن غير صحيح، وبالنتيجة تفاقمت هذه المشكلة علينا، يحتاج لهذه الأزمة (ندرة المياه) شخص قوي له القدرة على اتخاذ قرار سياسي قوي، وكادر حكومي وحكومة قوبة في هذا الجانب، وأهم شيء لا نفكر بنتائج الانتخابات وننشغل بها، بل نفكر بكيفية بناء دولة.
الدكتور حسين السرحان أكاديمي وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
تميزت هيه الورقة بالعلمية والحيادية في الطرح وهي صفة ليست جديدة على الدكتور الباحث، وزير الموارد المائية الموجود حاليا كان أحد المدراء العامين في الدوائر الفنية بالوزارة، وهو شخص متخصص جدا، أنا أختلف مع الحكومة السياسية اقتصاديا وفي كل شيء، ولكن هذا الشخص متخصص ومن داخل الوازرة، وهو قديم جدا في وزارة الموارد المائية.
وعندما كان مديرا عاما منذ سنة 2018 و19 و20، كنت مقتنع بقضية السدود وسواها، لكن الوزير طرح بالأرقام وكان الإيرادات المائية في ذلك الوقت أقل من الآن، فقال الوزير وفق هذه الإيرادات المائية التي تدخل للعراق نحن لا نحتاج إلى بناء سدود، نحن توجد لدينا مشكلة أساسية في تنظيم الاستهلاك المائي، نحن لدينا وفق الإحصاء السكاني وفق مسوحات البنك الدولي لدينا تسعة ملايين وحدة سكنية، مسجلة وفق المسوحات.
يعني ليس إحصاء دقيقا وإنما وفق مسوحات ميدانية، وهذه لا تكون دقيقة، فنحن في العراق لدينا ما لا يقل عن عشرة مليون وحدة سكنية، هذه العدد من الوحدات السكنية إذا تبذر يوكيا عشرة لترات يكون لدينا 100 مليون لتر في اليوم، وإذا ضربنا هذا الرقم في 365 يوم بالسنة يخرج لنا ناتج 36 مليار لتر. لذا ذكر الوزير التدفقات المائية ليست هي مشكلتنا، وهذا يعني أننا نعاني من تبذير أكثر من 100 مليون م مكعب من الماء.
السبب بهذا التبذير هو الإجراءات الحكومية، نحن اليوم مثلا ربطوا لنا في البيوت عدادات الماء، نلاحظ أنها لا تمنع التبذير، فبعد ستة شهور من استخدامي للماء سجل العدد مبلغ 6ز ألف دينار فقط، وهذا مبلغ قليل لو أردنا منع التبذير بالماء في السابق كان هناك أنبوب ينقل الماء الخابط للسقي، أي غير مضاف له الكلور وهذا في صالح النبات طبعا.
أنا هنا أنقل كلام وزير الموارد المائية، وهو متخصص جدا، وذكر قضية اللسان الملحي ودفعه بعيد هي مشكلة معقدة في البصرة، نحن لا نشعر بها هنا في الوسط والجنوب لكنها في البصرة مشكلة، لذا يقول الوزير المشكلة ليست في قلة السدود، وإنما مشكلتنا تكمن في طريقة استهلاكنا للمياه، سواء في الزراعة أو في الاستخدام المنزلي أو الاستخدام الصناعي.
كذلك ذكر الدكتور الباحث النصراوي أننا سنتحول إلى دولة من دون أنهار، ولكن السعودية هي دولة من دون أنهار، وهناك دول أفريقية عديدة من دون أنهار، فهل هي دول ميتة؟، كلا طبعا، هناك تقنيات خاصة بالتحلية، ولكن تريد حكومات قوية وقرار سياسي، وليس من أجل الانتخابات يصرف 9 ترليون دينار يبني بها جسور لكي يفوز بالانتخابات.
بمعنى ساستنا يقومون بالإنجازات فقط من أجل الانتخابات، وليس فيه مديات طويلة، فالمشكلة معقدة، ولا نتوقع من ساسة بهذا النوع يقومون بمعالجة مشكلة مصيرية كمشكلة ندرة المياه، رغم أننا في العراق لا مشكلة لدينا من الاحتباس الحراري، أي أننا لا نساهم بهذه المشكلة، فنحن ليست لنا محروقات ولا نحن دولة صناعية أو نصنع الفحم، فنحن لا نشبه الدول الصناعية الكبيرة التي هي من دمرت طبقة الأوزون، أي أننا لسنا كالصين وأمريكا ودول أوربا الغربية وغيرها، يعني العراق لم يساهم في خلق هذه المشكلة إلا بنسبة قليلة.
ومع ذلك سافر رئيس الجمهورية واصطحب معه 5 شخصا للمشاركة في طرح الحلول لمعالجة الاحتباس الحراري، لذا فإن القضية تتعلق بالاستهلاك وتنظيمه، أما الإيرادات المائية فمن الممكن أن تكون هناك إدارة جيدة والتفاوض مع تركيا بشكل جيد حول هذا الموضوع هناك خبراء طرحوا قبل فترة من الممكن فتح قناة من الخليج وتصل إلى الأنبار، من خلال صحراء الجنوب وتغذيها مياه البحر وتكون هناك محطات تحلية وتعالج ندرة المياه في المستقبل.
هناك تقرير قمنا بعرضه في مركو الفرات، في سنة 2023 أصدره البنك الدولي وعنوانه الاقتصاد والمناخ أو المناخ والتنمية عملنا له عرض وهو وثيقة تتكون من 270 صفحة، فأوصيتُ في نهاية العرض أن يكون هذا التقرير أمام مكتب رئيس الوزراء يعني أمام الحكومة، ويصبح وثيقة استراتيجية للدولة، موجود فيه كل التفاصيل وكل الحلول التي تتعلق بالطاقة والفضاء والمياه والزراعة وكل التفاصيل الخاصة بالبلد، عمل عليها البنك الدولي وقدمها لنا بشكل مجاني وميسور ومتاح. لكن نحن مشكلتنا تكمن في القرار السياسي.
نبيل خالد مخلف - باحث سياسي
تمثل ندرة المياه في العراق تحدياً وجودياً لا يقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل يمتد ليشكل أزمة مركبة تمس ركائز الاقتصاد الوطني وتؤثر في النسيج الاجتماعي، ويمكن تحليل هذه الانعكاسات على مستويين رئيسيين:
1- الانعكاسات الاقتصادية:
* تراجع القطاع الزراعي: أدى شح المياه إلى انكماش المساحات المزروعة، لاسيما محاصيل الحبوب الاستراتيجية كالقمح والشعير، والمحاصيل النقدية مثل التمور والقطن التي شكلت تاريخياً مورداً مهماً للدخل الوطني، كما تدهورت الثروة الحيوانية بفعل جفاف المراعي وندرة مياه الشرب، ما دفع العديد من مربي الماشية إلى هجر مهنتهم، الأمر الذي انعكس سلباً على الأمن الغذائي والصادرات الزراعية.
* ارتفاع تكاليف الإنتاج: لجأ المزارعون إلى حفر الآبار العميقة لتعويض نقص مياه الري، مما رفع تكاليف الإنتاج نتيجة استهلاك الوقود وصيانة المعدات، وإضافة إلى ذلك، فإن استخدام مياه جوفية مالحة نسبياً في بعض المناطق ساهم في تدهور خصوبة التربة.
* تهديد الأمن الغذائي: أصبح العراق عاجزاً عن تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من السلع الغذائية الأساسية، مما زاد اعتماده على الاستيراد، وأدى إلى استنزاف الاحتياطيات النقدية الأجنبية وتعريض الاقتصاد الوطني لتقلبات الأسعار العالمية.
* تأثر الصناعات المرتبطة بالمياه: الصناعات الغذائية والمشروبات، فضلاً عن تعبئة المياه، تعرضت إلى خسائر كبيرة نتيجة انخفاض كميات المياه وتراجع الإنتاج الزراعي المحلي.
* تآكل رأس المال الطبيعي: يشكل الماء والتربة الخصبة رأس مال طبيعياً جوهرياً، واستنزافهما يعني خسارة أحد أهم مرتكزات الثروة والتنمية المستدامة.
2- الانعكاسات الاجتماعية:
* النزوح الداخلي (التهجير البيئي): أدت ندرة المياه إلى نزوح آلاف الأسر من الأرياف في محافظات الجنوب والوسط نحو المراكز الحضرية، مما تسبب في ضغوط كبيرة على البنى التحتية والخدمات الأساسية في المدن، وأسهم في تفاقم ظواهر السكن العشوائي والبطالة.
* اتساع دائرة الفقر وعدم المساواة: فقدان الفلاحين ومربي الماشية والصيادين لمصادر رزقهم حول شرائح اجتماعية منتجة إلى فئات هشة، الأمر الذي عمّق الفجوة بين الحضر والريف، وبين الفئات الميسورة والقادرة على استثمار بدائل مائية والفقراء المعتمدين على الموارد الطبيعية المتناقصة.
* تدهور الصحة العامة: ساهم تلوث المياه وقلة تدفقها في تفشي الأمراض خاصة بين الأطفال، كما أدى تملح المياه في مناطق مثل البصرة إلى مشاكل صحية جديدة.
ثانياً: السيناريوهات المستقبلية لندرة المياه والحلول المقترحة
إن معالجة أزمة المياه في العراق مرهونة بتبني سيناريوهات متعددة، ويمكن تلخيصها كالتالي:
1- سيناريو استمرار الوضع الراهن: يقوم على استمرار التراجع في تدفقات المياه الواردة من دول الجوار، وغياب إصلاحات جذرية في إدارة الموارد المائية، وتفاقم آثار التغير المناخي.
2- سيناريو إدارة الأزمة: يعتمد على إجراءات حكومية جزئية مثل تحسين أنظمة الري بشكل محدود، إبرام اتفاقيات غير ملزمة مع دول الجوار، وإنشاء بعض محطات التحلية.
3- سيناريو تحويل الأزمة إلى فرصة: يقوم على تبني نهج شامل وجذري في إدارة الموارد المائية، بهدف تحقيق الأمن المائي على المدى المتوسط والبعيد.
* الحلول المقترحة لتحقيق السيناريو الطموح:
1- على مستوى السياسات والدبلوماسية: تفعيل الدبلوماسية المائية مع تركيا وإيران للوصول إلى اتفاقيات عادلة وملزمة وفق القانون الدولي، وتعزيز التعاون الإقليمي في إدارة الأحواض المشتركة عبر مشاريع تعاونية.
2- على مستوى الإدارة الداخلية: سن قانون وطني حديث للمياه يحدد حقوق الاستخدام والتوزيع، وتطبيق سياسات إدارة الطلب من خلال تحديث أنظمة الري.
3- على المستوى التقني والتكنولوجي: بناء محطات متطورة لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، وإنشاء محطات تحلية على شط العرب والخليج، وتوظيف التقنيات الذكية لمراقبة الاستهلاك والحد من التجاوزات.
4- على المستوى البيئي والاستراتيجي: إعادة تأهيل الأهوار باعتبارها نظاماً بيئياً داعماً للتوازن المائي، وتنفيذ مشاريع مكافحة التصحر عبر الأحزمة الخضراء، مع دمج سياسات التكيف مع التغير المناخي في الخطط الوطنية.
الاستاذ صادق الطائي
الماء وما يشكله من ثروة اقتصادية مهمة وحساسة في هذا الوقت ويترك انعكاسات اقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية، مثلا نظام قائم على تشغيل وإسكان الملايين من البشر في الزراعة والاعتماد على الثروة المائية وهناك قائمة عريضة من النشاطات الاقتصادية قائمة على وفرة الماء.
البلدان التي تعاني من شحة المياه لديها تعاني من اضطرابات سياسية وبطالة عامة وهجرة كبيرة للعقول وكل هذه المظاهر السلبية تعطي للبلد حالة من الاضطراب السياسي والتمزق الاجتماعي.
هناك مجموعة من التصورات والمقترحات لمعالجة ندرة المياه مثلا بناء السدود لحجز مياه الأمطار من البعثرة والضياع أو الاعتماد على الابار والمياه الجوفية أو تثقيف الشعب على استهلاك حاجته من الماء وعدم التبذير
علينا ان نعرف ان الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان ورزقه من الماء ما يحتاجه فلا يسرف فيه ويتلاعب فيه بلا هدف أو حاجة عندها يكون مصداق الآية (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) سورة الإسراء، الآية 27.
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!