نتائج الانتخابات والخطوات القادمة

نتائج الانتخابات والخطوات القادمة

إذا أصر تحالف الفتح على الاشراف على عملية تشكيل الحكومة وأعاد توجه بغداد السياسي نحو طهران، فقد تعود العلاقات إلى أيام الاضطرابات خلال الإدارة الأمريكية الأولى لترامب، عندما كان العراق ساحة معركة فعلية بين إيران والولايات المتحدة، وكانت الشركات الأمريكية تفضل الابتعاد عن البلد

بقلم: جيمس جيفري، وديفيد شينكر – معهد واشنطن

ترجمة: هبـــه عباس محمد علي

مراجعة: ميثاق مناحي العيسى

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

تشرين الثاني-نوفمبر 2025


بدت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 11 تشرين الثاني مشجّعة، بما في ذلك على صعيد العلاقات مع الولايات المتحدة. فعلى الرغم من مقاطعة التيار الصدري ذي النفوذ، ارتفعت نسبة المشاركة إلى 55%، بزيادة قدرها 12 نقطة عن أدنى مستوى سُجّل في انتخابات 2021، الذي بلغ 43%. ومع ذلك، فإن ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي جاء في الصدارة حصل على 15% فقط من مقاعد البرلمان (46 مقعداً من أصل 329). وبناءً على ذلك، من المرجّح أن يشهد العراق فترة طويلة ومرهقة من المساومات والخلافات السياسية، قبل تشكيل حكومة جديدة، على غرار ما حدث بعد الانتخابات التشريعية السابقة (ثمانية أشهر في 2010، وأحد عشر شهرًا في 2021–2022).

النتائج

 يعد السوداني هو الفائز في الانتخابات؛ اذ حصل ائتلافه على 1.3 مليون صوت من أصل 11 مليون صوت، متقدّماً على ائتلاف دولة القانون بفارق 370 ألف صوت. وقد اختلفت استراتيجية السوداني بشكل كبير عن انتخابات 2021، حين فازت كتلته بمقعدين فقط، لكنه وصل في نهاية المطاف إلى رئاسة الوزراء بدعم من الإطار التنسيقي الموالي لإيران، الذي تقوده فصائل شيعية صنّفتها الولايات المتحدة كمنظمات إرهابية. أما هذا العام، فقد خاض السوداني حملته الانتخابية مستنداً إلى إنجازاته المحلية، ومن دون دعم واضح من طهران أو وكلائها.

وبالنسبة للقوى المتنافسة الأخرى، جاء حزب تقدّم السُّني في المرتبة الثانية بحصوله على 28 مقعداً، فيما حصل الحزب الديمقراطي الكردستاني على 26 مقعداً، وحصل حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على ١٥ مقعداً. وفي الجانب الموالي لإيران حصل كل من ائتلاف دولة القانون وكتلة الصادقون التابعة لعصائب أهل الحق على 27 مقعداً لكل منهما. وينضوي الحزبان تحت مظلة الإطار التنسيقي إلى جانب منظمة بدر وتحالف قوى الدولة الوطنية وعدد من الفصائل الأصغر. وعلى الرغم من التقدم الذي حققه السوداني، لا يزال هذا التكتل المقرّب من إيران يشكّل الكتلة الأكبر داخل البرلمان بعدد مقاعد يكاد يمكّنه من تشكيل حكومة بمفرده.

لماذا كان أداء السوداني جيدا على الرغم من الانتقادات؟

عندما تسنم السوداني رئاسة الوزراء، اعتقد كثير من العراقيين المحبَطين أنه سيكون خاضعاً لرعاة ائتلافه الإيرانيين، ولن يقدّم شيئاً يُذكر للشعب. لكن يبدو ان أداءه منذ ذلك الحين لاقى قبولا، ولا سيما لدى الناخبين العرب السنّة الذين شاركوا بشكل كبير في الانتخابات. ويبدو أن هذا العامل الى جانب تدني نسبة مشاركة الناخبين الشيعة وفقاً للتقارير، قد دعمه في الانتخابات.

 أظهر استطلاع ما قبل الانتخابات، أن السوداني حظي بأعلى مستويات الثقة بين المرشحين، إذ عبّر 58% من العرب السنّة والشيعة عن تأييدهم له، كما حصل رجل الدين الشيعي السيد مقتدى الصدر على ٦٢% لكنه اختار عدم الترشيح. فيما نال السوداني تقييمات جيدة من السنّة، بشأن الخدمات. وتمثلت ابرز انجازاته في مشاريع البنية التحتية في بغداد، إذ ارتبطت حكومته ببناء الطرق والمباني، وشهدت العاصمة "طفرة عمرانية".

 عزّز السوداني موقع العراق الإقليمي من خلال توطيد التعاون مع تركيا، وإعادة فتح خط أنابيب كردستان–تركيا، وتوقيع اتفاق مائي جديد، فضلًا على تحسين علاقات العراق العربية والدولية وتقليل اعتماده على إيران في مجال الطاقة. لكنّ يرى معارضيه، أنه فشل في مواجهة الفساد، وكرّس نظام المحاصصة الطائفية، ومنح عقودًا ضخمة لشركة مرتبطة بفصائل مصنّفة بأنها إرهابية. كما اتُّهم بتقليص تمويل المحافظات لصالح مشاريع بغداد، وتوسيع التوظيف الحكومي على نحو أثقل الميزانية، وأثار جدلاً بعد تمرير قانون يخفض سن الزواج إلى تسع سنوات »قانون الاحوال الشخصية الجعفري« أو ما تسمى بـ »المدونة الشيعية«.

 تعزيز التهدئة 

سعى السوداني إلى تهدئة الساحة الأمنية بعد تولّيه السلطة في 2022، إذ نجح بضغط أميركي وتهديدات إسرائيلية في إيقاف هجمات بعض الفصائل التابعة للحشد الشعبي على إسرائيل والقوات الأميركية، مما جنب العراق الانخراط في صراع إقليمي. كما رفض دعوات طرد القوات الأميركية، مفضلاً إعادة انتشار تدريجية، وأُلغي خلال ولايته أمر القبض على ترامب. ورفض أيضًا توقيع قانون جديد كان سيُشرعن الفصائل ويعزز حضورها المؤسسي داخل الدولة. أسهمت هذه الخطوات في توليد قدر كبير من حسن النية في واشنطن، وتحسين الوضع الأمني، وتعزيز استقرار العراق. وبفعل هذا المناخ المتحسّن، بدأت المزيد من الشركات الأميركية بالاستثمار هناك مثل (including ExxonMobil, Chevron, and KBR) التي امتنعت طويلاً عن التقدم بعطاءات للمشاريع العراقية، لكنها وقّعت صفقات طاقة كبيرة مع بغداد في عام 2025.

الخطوات المقبلة لتشكيل الحكومة العراقية مقابل الواقع

تملك الحكومة السابقة صلاحيات محدودة خلال فترة تصريف الأعمال، التي قد تستمر حتى عام بسبب طبيعة النظام البرلماني متعدد الأحزاب والحاجة لتشكيل ائتلافات، فضلًا على احكام دستورية وتعاطي السياسيين العراقيين مع الحكم. تبدأ العملية الرسمية بالمصادقة على نتائج الانتخابات، ثم دعوة البرلمان الجديد للانعقاد خلال 15 يومًا، إذ يتم انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه بالأغلبية. بعدها يتم اختيار رئيس الجمهورية (بأغلبية الثلثين) أو يتم تمديد ولاية الرئيس الحالي.

أهم خطوة تالية خلال 15 يومًا من انتخاب الرئيس، هو تكليف الكتلة الأكبر في البرلمان بتشكيل الحكومة" برئيس وزراء "ترشحه هذه الكتلة". ويُتوقع أن يكون المرشح هو السوداني، على الرغم من وضوح الترشيحات في البداية، إلا أن الصراعات والمناورات السياسية قد تعيد تشكيل المشهد. امام المرشح لرئاسة الوزراء 30 يومًا لاختيار الوزراء وتقديمهم للبرلمان للتصويت على منح الثقة، وإذا فشل التصويت، يختار الرئيس مرشحًا جديدًا. لكن الواقع السياسي في العراق بعد 2005 معقد، فالمناصب القيادية توزع طائفيًا (رئاسة البرلمان للعرب السنة، ورئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة الوزراء للشيعة)، ويعمل النظام السياسي وفق شمولية حزبية تمنح معظم الأحزاب حصصًا في الحكومة بدلاً من حكومة أغلبية ومعارضة رسمية. غالبًا ما يختار الأكراد والعرب السنة مرشحيهم مسبقًا، بينما ينقسم الشيعة إلى فصائل متنافسة على رئاسة الوزراء، ما يجبرهم على كسب أصوات العرب السنة والأكراد لتأمين الثقة. نتيجة لذلك، تتحول عملية تشكيل الحكومة إلى لعبة معقدة من المفاوضات والتبادل السياسي قبل بدء الإجراءات الدستورية، وقد تستغرق شهورًا، مع انتهاك متكرر للتوجيهات الدستورية، رغم الطعون القضائية السابقة.

الملخص 

 على الرغم من أداؤه الانتخابي المثير للإعجاب، من المرجح أن يواجه السوداني صعوبة كبيرة في تشكيل ائتلاف يضمن له ولاية ثانية. فبعد ان دعمه في 2021، يشعر تحالف "الفتح" المدعوم من إيران الآن بالندم ولن يؤيد عودته، ويشكل هذا الامر عقبة كبيرة بالنظر إلى الحصة الكبيرة التي يسيطر عليها في البرلمان الجديد، بما في ذلك نحو 10% من المقاعد التي تحتلها منظمات مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. نسبيًا، كانت السنوات الثلاث الماضية جيدة بالنسبة للعراق وعلاقاته مع الولايات المتحدة. فعلى الرغم من أن السوداني كان غالبًا حريصًا على شركائه في الائتلاف المدعوم من إيران، إلا أنه سعى أيضًا لموازنة بعض سلوكياتهم الأكثر إشكالية وتحسين العلاقات مع واشنطن.

 إذا أصر تحالف الفتح على الاشراف على عملية تشكيل الحكومة وأعاد توجه بغداد السياسي نحو طهران، فقد تعود العلاقات إلى أيام الاضطرابات خلال الإدارة الأمريكية الأولى لترامب، عندما كان العراق ساحة معركة فعلية بين إيران والولايات المتحدة، وكانت الشركات الأمريكية تفضل الابتعاد عن البلد.


رابط المقال الأصلي في معهد واشنطن

https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iraqs-election-outcomes-and-next-steps 

جيمس جيفري، وديفيد شينكر

جيمس جيفري، وديفيد شينكر

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!