ليست مصلحة نظامنا التعليمي الجامعي في إخفاء الحقائق، أو تجاهلها، أو اتهام من يسلط الضوء عليها، بل مصلحته في الحرص على بحث مشكلته بجميع أبعادها، وتلافي الأخطاء التي ارتكبت أو لا زالت ترتكب، فمصير التعليم يتوقف عليه مصير الوطن بكامله، ولا نهوض لوطن تكون سياسته التعليمية فاشلة أو جامدة وعصية على التغيير نحو الأفضل..
ومع دخول عام 2020 يبدو ان العراق سيستمر بمفاجئة الجميع بمجرياته احداثه، لذا تبرز تساؤلات ملحة عديدة حول ما يحمله العام الجديد له من توقعات، لاسيما ان محيطه الإقليمي يغلي على صفيح ساخن، مدعوما بتقاطع مصالح وسياسات واضح بين القوى الكبرى الرئيسة المؤثرة في الشرق الأوسط..
ما لم تعيد طهران حساباتها في سياساتها المحلية والدولية، وتلتفت بعناية أكبر الى ميدان حربها الحقيقي، لاستعادة ثقة الناس بها، وانجذابهم الى انموذجها، فان الثورة الخفية لن تلبث طويلا حتى تتحول الى ثورة علنية حقيقية تطيح بكل ما يمثله النظام هناك وفي الشرق الأوسط..
خرجت واشنطن وطهران منتصرتين من التصعيد الأخير بينهما؛ لكونهما ادارى اللعبة بمنطق الدولة، ووحدة القرار السياسي والعسكري، وخرج العراق مهزوما مأزوما وأكثر انقساما؛ لكونه أدارها بمنطق السلطة والانقسام والفوضى، وستبقى بغداد تحصد الهزائم والمآسي طالما ان مشروع الدولة خارج سياق تفكير نخبها السياسية والعسكرية والدينية والمدنية..
الرد الذي حصل بدخول الخضراء ومحاولة اقتحام السفارة الامريكية يُظهر بدرجة كبيرة لا تقبل الجدل ضعف حكمة الحكومة العراقية والقوى الرئيسة المهيمنة عليها، فهو الى جانب كونه خطأ لا يُغتفر، فأن له تداعيات وعواقب وخيمة على سمعة الدولة العراقية، ومستقبل قياداتها السياسية..
لقد برز التأثير السيء الناتج عن كل ما تقدم من خلال النقمة الشعبية المستمرة، التي اظهرتها معظم الاطياف الاجتماعية العراقية – بين فينة وأخرى-وتجسدت، أخيرا، في شكل انتفاضة شعبية، واسعة وناقمة، في مناطق الوسط والجنوب، منذ الأول من تشرين الأول-أكتوبر 2019 والى الوقت الحاضر، قادت الى اسقاط حكومة السيد عادل عبد المهدي، وتهدد بتغيير موازين القوى بشكل قد يغير كامل المعادلة لما سمي بالعملية السياسية التي جاءت عقب الاحتلال الأمريكي..
ان نجاح الحكومة في جميع او بعض ما أعلنته من حزم إصلاحية لا يعفيها من مسؤولية ما حصل اطلاقا، بل قد يُرتب نجاحها المزيد من المسؤولية عليها تحت طائلة أسباب تقاعسها عن القيام بمثل هذه الإجراءات قبل اندلاع موجة الاحتجاجات الأخيرة ووقوع هذا العدد الكبير من الضحايا..
يخطأ كثيرا من يظن ان العراق فقد تأثيره العالمي، فهو لا زال وسيبقى لديه هذا التأثير، من خلال ما يمتلكه من رصيد زاخر من القوة الناعمة، الا ان هذا الرصيد سيبقى مجرد قوة محتملة وكامنة تحتاج الى بشر اذكياء لديهم الإرادة والتصميم والقدرة على تحويلها الى قوة حقيقية تنتج دولة تمثل بشعبها وحكامها ونظام ادارتها أنموذجا جذابا للعالم..
إذا أراد العراق أن يكون رائدا في محيطه، آمنا على مستقبله، ومؤثرا على مستوى العالم، فعليه توفير المرتكزات اللازمة لترسيخ ديمقراطيته، وفي مقدمتها تعزيز المواطنة الفعالة لمواطنيه؛ لأنه بين خيارين لا ثالث لهما: إما النجاح في تجربته الديمقراطية، وإما الاستسلام لدكتاتورية جديدة قصيرة العمر تعقبها الفوضى العارمة التي قد تهدد وجوده السياسي بالكامل..
ليست مشكلة العراق اليوم بالسيد عادل عبد المهدي كشخص، انما مشكلته الحقيقية في عدم وجود مشروع وطني جامع تلتف حوله القوى السياسية، فالظاهر الدستوري للدولة شيء، والواقع التنفيذي لها شيء آخر، اذ لا توجد رغبة لدى معظم اللاعبين الأساسيين في احترام القانون وسيادة الدولة، ويرون انهم فوق القانون والسيادة، بل انهم أصحاب السيادة بأنفسهم واحزابهم وولاءاتهم..
الحشد الشعبي هو قوة ردع عراقية حاسمة وفاعلة لا يمكن التفريط بها أو إهمالها، ولكن إذا لم تلتفت قياداته إلى المخاطر الإستراتيجية المحدقة بها، وتتعامل معها بحكمة وذكاء لمنع توريط نفسها في مواقف فردية غير محسوبة العواقب، فلا يوجد ما يمنع تحوله إلى قنبلة موقوتة سيقود انفجارها إلى زعزعة وحدة واستقرار العراق لوقت طويل..
ان استمرار وتصاعد نسب الفقر ينذر بضياع الديمقراطية العراقية الهشة، وانهيار الثقة بمشروعها ورجالها وقيمها، كما يبذر البذور المنتجة لكل التهديدات السياسية والاجتماعية والأمنية-الان وفي المستقبل-فالفقر هو الكلمة الملخصة للفشل الحكومي التام، وهو صندوق باندورا الذي ستخرج منه كل الشرور..
ان الحسين عليه السلام هو ثائر عالمي قبل ان يكون ثائرا إسلاميا، وان استيعاب ثورته بشكل صحيح وبلوغها اهدافها، سيجلب الخير لكل البشرية، وسيوقظ الضمير الإنساني بشكل فاعل يسمح بتحرير الانسان من قيود عبوديته، ليعيش حرا كريما وبسعادة وسلام مع أخيه الانسان..
الموقف الشعبي من علماء الدين، يعكس خللا عميقا في البنية الثقافية لدى العراقي، تدل على عدم نضجه السياسي لاستيعاب المتطلبات القيمية والسلوكية للعيش في دولة حديثة، كما تدل على اتكاليته وتحميله الآخرين مسؤولية أخطائه، أو أخطاء حكامه..
الفضاء السياسي لم يعد حكرا على السلطة، فالتطور التكنلوجي الحديث كسر قيود السلطة، والتمدد المدني المستمر سيكسر احتكار الوعي، وستنمو تدريجيا ثقافة عراقية متحررة من القيود، رافضة للتسلط والاستعباد، راغبة في تحمل المسؤولية من رحم الثقافة التقليدية الحالية. وسيأتي جيل جديد من المواطنين أكثر قوة ومهارة في توظيف قدراته الذاتية وقدرات بلده، لتقرير مصيره بحرية، عندها سيلتزم العراقيون بجمهوريتهم، وسيعملون على بناء دولتهم المنشودة، بعد وضعها على المسار الصحيح نحو التقدم الحضاري..
الديمقراطية ليست مؤسسات دستورية ديمقراطية شكلا ودكتاتورية ثقافة وسلوكا، كما انها ليست انتخابات دورية يسهل التحايل على المواطن الضعيف فيها من قبل المتنفذين بالترغيب ام بالترهيب ليقبل مستسلما بحكم السراق والجلادين، وانما هي قيم وتقاليد يترعرع عليها الفرد منذ نعومة اظفاره، ويمارسها في علاقته مع افراد اسرته وأصدقائه وجيرانه والمختلفين معه في المعتقد والرأي والاثنية والجنس..