ممر خور عبد الله: اتفاق ملاحي أم تنازل حدودي؟

شارك الموضوع :

تعد مسألة الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت حساسة للغاية. اذ يرى كثير من العراقيين أن ترسيم الحدود فُرض عليهم بشكل غير عادل من قبل مجلس الأمن بعد إخراج جيش صدام حسين من الكويت عام 1991، مستغلاً ضعف العراق آنذاك. أما الكويتيون فيعتبرون المسألة حساسة أيضًا؛ بسبب غزو 1990 وما خلّفه من مخاوف بشأن التمدد العراقي

سنان محمود نقلا عن The National

ترجمة هبة عباس 

مراجعة: ميثاق مناحي العيسى

مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

آب-أغسطس 2025


منذ توقيع اتفاقية عام 2012 بين العراق والكويت لتنظيم الملاحة في خور عبد الله المشترك، احتدم الجدل داخل العراق، إذ حذّر معارضون من أنها تسيء لترسيم الحدود البحرية وتهدد السيادة الوطنية. طالبت بعض الأطراف بإلغاء الاتفاق، فيما دعت اخرى إلى إعادة التفاوض لضمان حقوق العراق. في المقابل، تؤكد الكويت، أن حدودها البحرية مع العراق، بما في ذلك حقوق الملاحة في خور عبد الله، ثابتة بموجب القانون الدولي. وشددت مرارًا على أن أي محاولة لإلغاء الاتفاق من جانب واحد تُعتبر باطلة وغير مقبولة. وقد اعترضت وزارة الخارجية الكويتية رسميًا وطالبت العراق بالالتزام بتعهداته بموجب المعاهدات الدولية الملزمة، مؤكدةً سيادة الكويت على مياهها الإقليمية وحقها في الملاحة المشتركة.

تعد مسألة الحدود البرية والبحرية بين العراق والكويت حساسة للغاية. اذ يرى كثير من العراقيين أن ترسيم الحدود فُرض عليهم بشكل غير عادل من قبل مجلس الأمن بعد إخراج جيش صدام حسين من الكويت عام 1991، مستغلاً ضعف العراق آنذاك. أما الكويتيون فيعتبرون المسألة حساسة أيضًا؛ بسبب غزو 1990 وما خلّفه من مخاوف بشأن التمدد العراقي. وضع هذا الخلاف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في مواجهة الرأي العام، إذ اتهمه منتقدون بالتفريط بحقوق العراق لصالح الكويت لكسب دعم إقليمي وهو يسعى لولاية ثانية في انتخابات تشرين الثاني المقبلة. بل ووصل الأمر ببعضهم إلى اتهام مسؤولين عراقيين بالحصول على رشاوي من الكويت، من دون أدلة ملموسة.

يدعي الجانبان ملكية حصرية للقناة الضيقة التي تحيط بجزر بوبيان ووربة الكويتية من جهة، وشبه جزيرة الفاو العراقية من جهة أخرى. يقول العراقيون إنها سُمّيت على اسم صياد بصري شهير "عبد الله التميمي"، بينما الكويتيون ينسبونها إلى الحاكم الثاني للكويت الشيخ عبد الله بن صباح (1762-1814). ويذكر أن في عام 2022، أنهى العراق ملف تعويضات الكويت، مسددًا آخر دفعة من التعويضات البالغة 52.4 مليار دولار عن غزو 1990.

ما الاتفاق وما هدفه؟

بعد ثلاث سنوات من غزو العراق للكويت عام 1990، أصدر مجلس الأمن القرار 833 لترسيم الحدود البرية، بينما ترك الحدود البحرية للدولتين. في عام 2012 وقّعت بغداد والكويت الاتفاقية، وصادق عليها البرلمان العراقي عام 2013. وكان الهدف تنظيم حركة الملاحة وحماية البيئة وضمان السلامة في الممر باعتباره المنفذ البحري الوحيد للعراق على الخليج العربي. ينص الاتفاق على أن لكل طرف حق مراقبة الملاحة وتطبيق إجراءات السلامة. كما ينص على أن الاتفاقية "تبقى سارية إلى أجل غير مسمى" ولا يمكن إنهاؤها أو تعديلها إلا باتفاق الطرفين مع إشعار قبل ستة أشهر.

حجج المعارضين 

يقول المنتقدون – من نواب وسياسيين مستقلين وخبراء – إن نصوص الاتفاق ترسم حدودًا ضمنية، مما قد يؤثر على المفاوضات المستقبلية ويضع قيودًا على السفن العراقية عبر اشتراط موافقة ورسوم من الكويت. يعد وزير النقل العراقي الأسبق عامر عبد الجبار (2008–2010) من أبرز المعارضين، مؤكدًا أن الاتفاق يرسّم الحدود أكثر مما ينظم الملاحة. رغم أن الاتفاقية تنص على أنها "لا تمس الحدود" المرسمة وفق قرار مجلس الأمن 833 عام 1993، إلا أنها تمنح الكويت نفوذًا أوسع داخل الخليج، حسب قوله. وأضاف أن المادة الثانية من الاتفاقية عرّفت "الممر المائي" على انه " المنطقة من النقطة التي تلتقي فيها القناة البحرية عند خور عبد الله بالحدود الدولية بين النقطتين ١٥٦ و١٥٧ متجهة جنوبًا الى النقطة 162 التي حددها القرار الأممي ٨٣٣ ومن ثم الى بداية القناة البحرية عند مدخل خور عبد الله “. اما المادة الرابعة تنص على أن "يمارس كل طرف سيادته على الجزء الواقع ضمن مياهه الإقليمية"، ما اعتبره عبد الجبار خطرًا على حقوق العراق المستقبلية في المياه العميقة وموارده الطبيعية ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة.

وقد رفع عبد الجبار دعوى ضد السوداني متهمًا إياه بعرقلة تنفيذ قرار المحكمة بعدم إرسال نسخ منه إلى الأمم المتحدة والمنظمة البحرية الدولية.

الحكم القضائي والجدل

في سبتمبر 2023، قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق بعدم دستورية القانون الذي صادق على الاتفاق؛ لأنه أُقر بالأغلبية البسيطة وليس بأغلبية الثلثين كما يشترط الدستور للمعاهدات الدولية. لاحقاً، أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة بيانًا مشتركاً طالبتا فيه الحكومة العراقية بضمان استمرار سريان الاتفاقية. وقد طمأنت الحكومة العراقية الكويت بالتزامها بجميع اتفاقياتها الدولية. وبعدها حاول السوداني والرئيس عبد اللطيف رشيد إلغاء قرار المحكمة، لكن الطلبات سُحبت وأُعيد الملف إلى البرلمان للتصويت بأغلبية الثلثين.

هذا أعاد الأمل للمعارضين الذين يطالب بعضهم الآن برفض الاتفاق نهائيًا داخل البرلمان، فيما يدعو آخرون لإعادة التفاوض بمشاركة خبراء. تستمر التظاهرات في العراق ضد الاتفاق بصيغته الحالية، مع إطلاق حملة لجمع تواقيع لرفع عريضة إلى مجلس الأمن. وقد أكد فادي الشمري، مستشار السوداني السياسي، أن الاتفاق خاص بالملاحة فقط ولا علاقة له بترسيم الحدود. وأضاف ان "الأرض العراقية مقدسة، ولن يكون هناك أي تنازل عن شبر واحد منها تحت أي ظرف"، معتبرًا حملات المعارضين، ذات دوافع سياسية وانتخابية. وبهذا نرى ان الآراء العراقية منقسمة، لكن كثيرًا من الأحزاب والفصائل المدعومة من إيران تتبنى موقف الحكومة.

وفي مقابلة تلفزيونية، حمّل قيس الخزعلي (زعيم عصائب أهل الحق) حزب البعث مسؤولية تشويه صورة الاتفاق عبر تصويره كتنازل عن الحدود. وقال: "صدام هو من باع الحدود حين اعترف بالقرار 833". لم يتضح بعد هل سيصادق البرلمان على الاتفاق أم يترك الأمر للبرلمان القادم بعد انتخابات تشرين الثاني. ولاسيما أن هناك خلاف بين الكويت وإيران، بشأن حدودها البحرية وحقول الغاز في حقل الدرة المشترك، إذ تؤكد الكويت والسعودية ملكيتهما الحصرية له، فيما تعتبر إيران اتفاق تطوير الحقل بين الكويت والسعودية غير قانوني.


رابط المقال الاصلي:

اضغط هنا

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية