الفجوة الكهربائية في العراق... من أزمة مزمنة الى قطاع قائد

شارك الموضوع :

ان تحويل الكهرباء الى قطّاع قائد لا يُعالج فقط الفجوة الكهربائية، بل يعيد تشكيل الهيكل الاقتصادي نحو تنويع حقيقي، واستدامة مالية، واستقلال تدريجي عن الريع النفطي

يُعد قطاع الكهرباء احد التحديات التي تواجه البلاد، اذ رغم التخصيصات المالية لهذا القطاع الا ان الفجوة بين العرض والطلب على الكهرباء مازالت كبيرة.

ان حجم الفجوة الكهربائية لا تحتاج لأرقام احصائية لتؤكدها، لان عدم تمتع المواطن بها وسعيه لتوفيرها من خلال المولدات الخاصة او مولدات السحب لهو دليلٍ كافٍ عليها.

ان بقاء الفجوة كبيرة يعني استمرار التأثير السلبي على اداء الاقتصاد والمجتمع واستمرار تراجع البلد ككل.

وبصرف النظر عن توصيف المشكلة هل هي سياسية ام اقتصادية ام فنية أم ادارية، بالنتيجة هناك فجوة كهربائية لابد من ردمها لمعالجة التأثير السلبي على الاقتصاد والمجتمع.

الكهرباء .. من فجوة الى قطاع قائد

وفي ظل الفجوة الكهربائية يبرز التساؤل الاتي: هل يمكن أن تكون الكهرباء قطّاعاً قائداً؟

قد يبدو للوهلة الاولى ان هذا أمر غير مقبول وذلك لوجود عجز كبير في تلبية الطلب على الكهرباء بالتزامن مع ضعف التخصيصات المالية خصوصاً مع تراجع الايرادات النفطية التي تمثل العمود الفقري للنفقات العامة، وضعف الجهاز الاداري في تحصيل الجباية الكهربائية إلى جانب زيادة الربط غير الرسمي.

يمكن القول، ان فتح باب أمام الموطنين في هذا القطاع يمكن أن يسهم بشكل كبير في معالجة مشكلة الكهرباء وتعزيز مكانتها في الاقتصاد العراقي لتكون قطاعاً قائداً ولكن كيف؟

يُشكّل الاكتناز النقدي 87% من المعروض النقدي حسب تصريح المستشار المالي لرئيس الوزراء الدكتور مظهر محمد صالح (1)؛ نتيجة لأسباب عديدة وأهمها فقدان الثقة بالجهاز المصرفي وهذا له تبعاته على الاقتصاد برمته.

أي ان المواطنين يمتلكون الاموال ولكن بسبب الفساد وسوء بيئة الاعمال ورداءة البنية التحتية ومنها نقص الكهرباء، يحجمون عن الاستثمار في مختلف النشاطات الاقتصادية والنتيجة حرمان الاقتصاد من التحسن.

فتح باب الاستثمار 

ان فتح باب الاستثمار في قطاع الكهرباء أمام المواطنين سيساهم في معالجة الفجوة الكهربائية وتشغيل النقود بدلاً من تعطيلها في الاكتناز وتعزز اداء الاقتصاد الوطني ككل، لان الكهرباء تمثل عنصر مهم في الاقتصاد لا يمكن تجاوزه.

ولأجل ضمان استثمار المواطنين لأموالهم المكتنزة في قطاع الكهرباء لابُد من وجود دور اقتصادي للدولة في الأجل القصير وتنظيمي في الاجل المتوسط وحيادي في الأجل الطويل.

القمح كأنموذج 

حيث تقوم الدولة بشراء الحبوب من المزارعين وبالخصوص القمح وبسعر محدد ومُحفز مما شّجعهم للاهتمام بزراعة القمح انعكس على تحقيق الاكتفاء الذاتي منه وتحقيق أمن غذائي جيد نوعاً ما.

حيث اختتم العراق موسم تسويق القمح لعام 2025 بمخزون استراتيجي يبلغ 6.5 مليون طن، يكفي لتغطية حاجات الاستهلاك في البلاد لمدة 16 شهراً المقبلة (2).

النشاط والامن الغذائي

بالتأكيد، ان عمل الدولة هذا لا يخلو من مشاكل تكتنفه سواء من حيث الادارة أو من حيث الاقتصاد، ولا يُمكن أن تستمر طويلاً بهذا الدور من الناحية الاقتصادية خصوصاً مع التوجه الاقتصادي نحو اقتصاد السوق، لكن المرحلة الراهنة، الانتقالية؛ العراق بحاجة لهذا الدور لسببين:

 الاول، تشجيع الموطنين على مباشرة النشاط الاقتصادي لان الموطنين أكثر ايماناً بالدولة من القطاع الخاص بسبب تركة الحقبة السابقة.

الثاني، موضوع الأمن الغذائي موضوع مهم وذلك لأبعاده العديدة مما يستلزم الاهتمام به خصوصاً في ظل عالم متغير.

النقطة المهمة، أن الدولة استطاعت أن تضع طريقة لتشجيع المواطنين على النشاط الاقتصادي في مجال معين وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، ومن الأهم أن تضع خطة للانسحاب شيئاً فشيئاً بالتزامن مع زيادة قدرة الموطنين في الاعتماد على الذات.

الطاقة الشمسية كحل استراتيجي

وهكذا بالنسبة للكهرباء من المهم جداً أن يتم العمل على ترتيب واضح من شأنه أن يُشجع الموطنين على انتاج الكهرباء لتلبية طلبهم منها ويتم بيع الفائض منها لمَن لم ينتجها بوساطة الدولة وضمانها ويتم تصدير الفائض للدول المجاورة في حال تلبية الطلب المحلي بالكامل.

ما يُعزز جدوى هذا الرأي عاملان رئيسيان:

الاول، زيادة الطلب العالمي على الكهرباء لأسباب عديدة وأهما التلوث والاحتباس الحراري المرافق للوقود الاحفوري واتجاه العالم نحو الطاقة النظيفة. 

الثاني، ان العراق يمتلك مصادر عديدة للطاقة الكهربائية وأهمها الطاقة الشمسية التي يمكن أن تكون البوابة الرئيسية لجعل قطاع الكهرباء قطاعاً قائداً.

حيث يمكن لكل بيت، خصوصاً في المناطق الوسطى والجنوبية باعتبارها أكثر تعرضاً وتركزاً للشمس؛ أن يقوم بشراء منظومة الطاقة الشمسية وبتمويل مصرفي تحفيزي(بقروض ذات فائدة منخفضة أو صفرية) ليقوم بإنتاج الكهرباء واشباع حاجته منها ويبيع الفائض عن حاجته للدولة.

ثم تقوم الدولة ببيع الطاقة الفائضة عن الطلب المحلي للدول المجاورة خصوصاً وان العراق على موعد للربط الكهربائي مع بعض دول الجوار.

تقليل الفاقد

بالمناسبة ان تفعيل الطاقة الشمسية سيعالج بنسبة كبيرة موضوع فاقد الطاقة الكهربائية، الذي يشمل الفاقد في عملية النقل بين مصادر التغذية ونقاط التوزيع، وفي عملية التوزيع الى المستهلكين، بما في ذلك السرقات.

إذ توضح بيانات البنك الدولي ان نسبة فاقد الطاقة الكهربائية في العراق كبيرة وان الاتجاه العام نحو الارتفاع، حيث ارتفعت من 6% عام 2004 الى 59% عام 2022، وهذه نسبة كبيرة جداً مقارنة بنسبة الفاقد العالمي التي لم تتجاوز 9% للمدة ذاتها (3).

جدير بالذكر، ان هذا المشروع سيسهم في تحقيق المساواة القانونية، أي لايمكن حرمان أي موطن منه؛ والعدالة الاقتصادية، أي توزيع فرص الاستثمار في الطاقة بين مختلف المحافظات.

ان جعل الكهرباء قطاعاً قائداً، كما هو حال النفط حالياً؛ يعني جعل الاقتصاد أكثر قوةً، كونه سيسد الفجوة الكهربائية من ناحية، وسيُفعّل النشاط الاقتصادي برمته من ناحية ثانية، وسيولد العملة الاجنبية من ناحية ثالثة، لذلك العمل على جعله قطّاعاً قائداً يحتل أهميةً قصوى للمجتمع والاقتصاد العراقي معاً، من المهم العمل عليه.

ختاماً وباختصار، ان تحويل الكهرباء الى قطّاع قائد لا يُعالج فقط الفجوة الكهربائية، بل يعيد تشكيل الهيكل الاقتصادي نحو تنويع حقيقي، واستدامة مالية، واستقلال تدريجي عن الريع النفطي. 


مصادر تم الاعتماد عليها

1 - منصة الجبال، مقال متاح على موقعها أدناه: 

https://aljeebal.com/posts/4793 

2 - موقع مجلة مطاحن الشرق الاوسط وشمال افريقيا، متاح على الرابط أدناه:

https://millingmea.com/tag/iraq 

3 - البنك الدولي، متاح على الرابط أدناه: 

https://data.albankaldawli.org/indicator/EG.ELC.LOSS.ZS?locations=IQ-1W 

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية