تصاعد الدور التركي ودلالات إعادة تشكيـــل خارطة النفوذ في الشرق الاوسط الجديد

شارك الموضوع :

أن ما حصل في سوريا مؤخرًا، قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد، قد أبرز بشكل كبير الدور التركي في المنطقة، وأعطى مؤشرات كبيرة على دور أنقرة المتوقع، ودلالات إعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الاوسط الجديد

يبدو بأن فشل المساعي التركية في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، أتاح لها أدوار إقليمية في الشرق الاوسط، إذ برزت تركيا كفاعل رئيسي في صياغة القضايا الإقليمية، ولاسيما خلال العقدين الاخيرين. وعلى ما يبدو أيضًا بأن تعاظم الدور التركي في الشرق الاوسط، خلال هذين العقدين، جاء بعد تراجع دور العراق وسوريا كلاعبين رئيسيين في المنطقة. إذ تولي تركيا برئاسة رجب طيب اردوغان، أهمية كبيرة لمنطقة الشرق الأوسط، باعتبارها العمق الإستراتيجي لأمنها القومي العسكري والاقتصادي، وقد عززت الجمهورية التركية من دورها الشرق اوسطي بأدوات سياسية ودبلوماسية مرنة، فضلًا عن خيارتها العسكرية؛ لضمان مصالحها الحيوية الجيوسياسية في المنطقة، ولاسيما مع حزب العمال الكردستاني ومناطق تواجده في حدودها مع العراق وإيران. 

إنَّ المتتبع لأحداث المنطقة وتطوراتها السياسية، ولاسيما بعد حرب غزة، يدرك تمامًا بأن تركيا اليوم، أخذت تلعب دورًا كبيرًا في صياغة أحداث المنطقة، وقد تعاظم دورها الإقليمي بأبهى صوره، بعد الحرب، والتطورات السياسية التي شهدتها المنطقة جراء الحرب الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، وتراجع الدور الإيراني فيها؛ الامر الذي استغلته تركيا في الساحة السورية قبل أن تتمكن من الإطاحة بنظام بشار الأسد؛ مما وضعها في وضع إقليمي جديد، قد تتمكن من خلاله الجمهورية التركية من خلق وضع إقليمي جديد. فبعد سقوط نظام الأسد، برزت تركيا كفاعل رئيسي في الملف السوري، إذ أصبحت محطة مهمة للنقاشات الدولية والإقليمية. ومع دورها المحوري في الملف السوري، ولاسيما في تحقيق الاستقرار الداخلي وملف اللاجئين وإعادة الإعمار، مما دفع الأنظار إلى أنقرة باعتبارها حجر زاوية للحل السوري المرتقب. وفي ظل الحراك الدبلوماسي المتزايد، أصبحت الاتصالات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والقادة الغربيين، خطوة لا غنى عنها؛ لمناقشة القضايا السورية العالقة. فأنقرة تُعتبر الآن حلقة وصل حاسمة بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في هذا الشأن. إذ استغلت تركيا تراجع دور القوى التقليدية في المنطقة، وعلى رأسها إيران، بالتزامن مع تراجع الالتزامات الدولية اتجاه قضايا المنطقة، كتراجع الدور الروسي في سوريا بعد الحرب ضد أوكرانيا، وانشغال الولايات المتحدة الأمريكية بالانتخابات الرئاسية، وبوضعها الداخلي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. فضلًا عن حرب غزة وما افرزتها من نتائج، انعكست بشكل مباشر وغير مباشر على إيران ودورها الإقليمي في المنطقة، ولاسيما في سوريا ولبنان. وهذا ما يفسره بعض المحللين بأنه تفوق لصالح المشروع التركي على المشروع الإيراني في المنطقة. فهناك من يبرز تفوّق النموذج التركي على المشروع الإيراني، ولاسيما في قدرته على التكيّف مع المتغيرات الدولية دون الانجرار إلى صراعات طائفية؛ مما يجعل من تركيا مرشحة رئيسية لقيادة مرحلة "الشرق الأوسط الجديد" وفق تصورات تجمع بين الأمن والتنمية والاستقرار. ولاسيما أن تركيا اليوم تسعى جاهدة إلى تطوير علاقاتها مع دول الشرق الأوسط على مختلف المستويات، إذ تجمع بين السعي لإحلال السلام من خلال مساهمتها في تخفيف حدة المشاكل بينها وبين دول المنطقة، بموازاة طرحها للشراكات الاستثمارية بشتى المجالات، إذ تطرح نفسها كشريك استثماري يمكن الوثوق بقدراته، بما يجعل من بوابة مشاريع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط، ولاسيما الإقليمية منها، مفتاح النجاح في تمكينها من الولوج إلى العالم كقوة مركزية اقتصادية هائلة. وقد يتعاظم دورها بشكل أكبر، إذا ما نجحت في إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما في ظل الإدارة الأمريكية الحالية. فمن المرجح أن يوفر سقوط نظام الأسد لأردوغان فائدة أخرى والمصالحة مع واشنطن.

بالمجمل، يبدو بأن ما حصل في سوريا مؤخرًا، قبل وبعد سقوط نظام بشار الأسد، قد أبرز بشكل كبير الدور التركي في المنطقة، وأعطى مؤشرات كبيرة على دور أنقرة المتوقع، ودلالات إعادة تشكيل خارطة النفوذ في الشرق الاوسط الجديد، وهو أمر حظي باهتمام كبير من قبل مراكز الابحاث والدراسات الإستراتيجية الأمريكية والغربية، فضلًا عن مؤسسات صنع القرار. كذلك شكل وضع ما بعد الأسد، خارطة طريق جديدة لعلاقات أنقرة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسهم السعودية والإمارات وقطر. ومن المتوقع جدًا أن تحتل تركيا دور أكبر في المنطقة ودول والخليج، ولاسيما في ظل المعطيات والتطورات والاحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة، وتغيير الواقع الجيوسياسي فيها، المتمثل بإنهاء الدور الإيراني في سوريا وتقويضه بشكل كبير في لبنان، ومحاصرته في اليمن والعراق؛ الأمر الذي سيؤدي إلى انحسار مشروع طهران الإستراتيجي في المنطقة، ويرجح كفة أنقرة بشكل كبيرة. ولاسيما أذا ما أخذنا الدور التركي في الشرق الأفريقي والسودان وليبيا؛ مما يضعها كفاعل اساسي في هذه الملفات على المستوى الإقليمي والعالمي ويعزز من مكانتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية أمام الدول العالمية الفاعلة كالولايات المتحدة الامريكية وروسيا والصين، فضلًا عن الدول الأوروبية.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية