مستقبل الاقتصاد العراقي بين تزايد السكان وتراجع النفط

شارك الموضوع :

ان تجنب مخاطر تراجع النفط مستقبلاً بالتزامن مع زيادة التعداد السكاني، يتطلب العمل على تقوية الاقتصاد من الان وتوعيه المجتمع بضرورة التركيز على التعلم وبناء المهارات لضمان مستقل أفضل لهم

يواجه مستقبل الاقتصاد العراقي تحديات كبيرة أهمها استمرار تزايد السكان بالتزامن تراجع النفط مستقبلاً.

ان فهم تلك التحديات التي ستواجه الاقتصاد العراقي لابد أولاً معرفة واقع الاقتصاد العراقي مروراً بالتحديات والانتهاء بأهم الخطوات الواجب اتباعها لتجنب او التخفيف من تلك التحديات.

اولاً: واقع الاقتصاد العراقي  

 الاقتصاد العراقي ادارياً وقطاعياً   


ادارياً:

 على الرغم من اتجاه العراق نحو اللامركزية الاقتصادية وتبني نظام السوق والقطاع الخاص إلا ان الدولة لازالت تقود الاقتصاد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. إذ لازالت الدولة تملك النسبة الأكبر من عناصر الانتاج من ناحية ولم تعمل على بناء بيئة اعمال جاذبة ومشجعة للاستثمار المحلي والاجنبي من ناحية أخرى. وما زاد من سوء الأمر هو تصلب الثقافة الاقتصادية بحكم تطبع المجتمع بثقافة الدولة قبل عام 2003 واستمرت بعد 2003 بحكم فقدان فاعلية المؤسساتية واحلال النفط محل الدولة. بمعنى ان النفط وبحكم فقدان فاعلية المؤسساتية؛ أخذ دور الدولة ليجعل المجتمع تابعاً للدولة استكمالاً لدورها الذي كان سائداً قبل2003.

أي ان المجتمع لم يقود نفسه بنفسه اقتصادياً وظل تابعاً للدولة في تسيير شؤونه الاقتصادية.


قطاعياً

حيث يهمن النفط على الاقتصاد في مجمل مؤشراته الانتاجية والمالية والنقدية والتجارية والعّمالية.

- الناتج المحلي الاجمالي:

إذ تتراوح نسبة مساهمة النفط لوحدة بين 40 و60% في الناتج المحلي الاجمالي، والنسبة المتبقية تشمل كل النشاطات الاخرى، مما يعني استحواذ النفط على الحصة الأكبر في الانتاج.

- الايرادات العامة

حيث تشكل الايرادات النفطية نسبة كبيرة حوالي 90% من الايرادات العامة، وتشكل الايرادات الاخرى 10%.

- الصادرات النفطية

تشكل الصادرات النفطية نسبة كبيرة جداً بما لا يقل عن 98 من الصادرات السلعية، وهذا ما يعكس احادية الاقتصاد العراقي.

ثانياً: تراجع النفط عالمياً

من هذه المؤشرات يتضح ان العراق يفتقد لإدارة النفط بالشكل السليم، لان الادارة السليمة تعمل على توظيف النفط بما يسهم في تنويع الاقتصاد انتاجياً وتجارياً ومالياً في حين هذا التنويع لم يتحقق بل لازال الاقتصاد العراقي شديد الاعتماد على النفط كما اتضح في المؤشرات اعلاه.

ما يُعقّد الأمر أكثر، هو انخفاض اهمية النفط مستقبلاً، التي بدأت بوادر هذا الانخفاض من الان، وما يؤكد انخفاض أهمية النفط مستقبلاً هو تطور انتاج السيارات الكهربائية في الدول المستهلكة للنفط بشكل كبير.

علماً ان جذور التقليل من اهمية النفط تعود لعام 1974 عندما تأسست وكالة الطاقة الدولية كردة فعل على استخدم النفط كسلاح من قبل الدول العربية ضد الدول الغربية الداعمة لإسرائيل في حرب اكتوبر عام 1973، مما تسبب في ازمة نفط عالمية عُرفت بالصدمة النفطية الاولى.

وبدأت نتائجها تتضح في السنوات الاخيرة، حيث أنتج العالم 2 مليون سيارة كهربائية عام 2020 وارتفع ليصل الى 9.5 مليون سيارة عام 2024ومن المتوقع أن يصل الانتاج الى 28 مليون سيارة عام 2030، وكما موضح في الشكل أدناه. ومن المتوقع ان تحل المركبات الكهربائية محل أكثر من 5 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2030. بعبارة اخرى انه سيتم الاستغناء عن 5 مليون برميل عام 2030 مما يعني حصول فائض في العرض النفطي العالمي ومن ثم انخفاض اسعار النفط الى من 71 دولار عام 2026 الى 58 دولار عام 2028 وايراداته بشكل تلقائي مما سيجعل الاقتصادات النفطية الاحادية كالاقتصاد العراقي في موقف حرج جداً.

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

ثالثاً: تزايد التعداد السكاني

   حيث نشرت وزارة التخطيط، على موقعها ان التعداد السكاني في العراق سيزداد من35.2 مليون نسمة عام 2015 الى 51.2 مليون نسمة عام 2030. وكما موضح في الشكل أدناه.

المصدر: وزارة التخطيط.

ان زيادة عدد سكان العراق بهذا الرقم يعني ان العراق بحاجة لبذل مزيد من الجهود لمواجهة متطلبات هذا الزيادة السكانية القادمة وإلا فإن الازمة ستكون أمر واقع لا محاله.

حيث ان زيادة السكان تتطلب المزيد من خدمات البنية التحتية من طرق معبدة وماء وكهرباء وصرف صحي واقتصاد قادر على خلق فرص عمل للأيدي العاملة التي ستدخل لسوق العمل.

وبحكم ان التطور المتسارع في شتى المجالات، أصبح الاقتصاد لا يكتفي بتوفر الايدي العاملة وحسب بل يتطلب ايدي عاملة ماهرة، مما يحتم على الدولة الاهتمام بالتعليم بشكل مركز للارتقاء بجودة التعليم وتسليح مخرجاته بالمهارات النوعية المطلوبة في سوق العمل. كما يتطلب ذلك، التعداد السكاني المتزايد؛ الاهتمام بالجانب الصحي والبيئي، لان الاهتمام بهما يعني رفد الاقتصاد بمجتمع معافى صحياً اضافة الى انهما جزء اساسي من حقوق الانسان.

في ضوء ما تقدم، يمكن القول ان مستقبل الاقتصاد العراقي ليس كما يرام بل سيواجه مستقبلاً صعباً بحكم تراجع النفط الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد العراقي من ناحية، وزيادة الحاجة للتمويل بسبب التعداد السكاني المتزايد من ناحية اخرى الى جانب ضعف الاقتصاد المحلي من ناحية ثالثة.

إذن ما المطلوب فعله من الآن لتجنب المستقبل الصعب؟

يتطلب العمل بشكل جدّي على الكثير من النقاط ويمكن القول من أهمها هي الآتي:

اولاً: رسم رؤية اقتصادية واضحة من شأنها تجعل الجميع يعرف اتجاه الاقتصاد العراقي ليتفاعل الجميع على اساسها.

ثانياً: العمل على تفعيل دور المؤسساتية بشكل حقيقي لضمان سير الاقتصاد بشكل آمن.

ثالثاً: توظيف الايرادات النفطية باتجاه البنية التحتية والتعليم والصحة والمجالات التي لا يقدم عليها القطاع الخاص.

رابعاً: بناء مناخ استثماري محفز للاستثمار المحلي وجاذب للاستثمار الاجنبي.

خامساً: توعية المجتمع بمدى أهمية الاعتماد على الذات من ناحية والاهتمام بالتعليم من ناحية ثانية وذلك من خلال الاعلام بكل اشكاله.

الخلاصة، ان تجنب مخاطر تراجع النفط مستقبلاً بالتزامن مع زيادة التعداد السكاني، يتطلب العمل على تقوية الاقتصاد من الان وتوعيه المجتمع بضرورة التركيز على التعلم وبناء المهارات لضمان مستقل أفضل لهم.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية