مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط في ظل نزعة العسكرة والصراعات الإقليمية

شارك الموضوع :

حلقتنا النقاشية هذه تدور حول موضوع نراه مهما في هذه المرحلة، وهو يتعلق بالأوضاع التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يختلف أحد على أن هذه المنطقة هي من مناطق الأزمات في العالم، وتكاد تكون الأولى على العالم بحيث تأتي بعدها جنوب شرق آسيا والنفوذ الصيني، كلا المنطقتين، تصارع النفوذ سواء كان الدولي أو الإقليمي هو السبب في موضوع وجود بعض التوترات التي قد ترتقي إلى بعض الصراعات

عقد مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية حلقته النقاشية الشهرية في يوم السبت الموافق 12/7/2025، وقد ألقى الأستاذ الدكتور الباحث في مركز الفرات حسين السرحان ورقة بحثية حملت عنوان (مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط في ظل نزعة العسكرة والصراعات الإقليمية).  

وقد بدأ الدكتور السرحان هذه الحلقة بالقول: حلقتنا النقاشية هذه تدور حول موضوع نراه مهما في هذه المرحلة، وهو يتعلق بالأوضاع التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، حيث لا يختلف أحد على أن هذه المنطقة هي من مناطق الأزمات في العالم، وتكاد تكون الأولى على العالم بحيث تأتي بعدها جنوب شرق آسيا والنفوذ الصيني، كلا المنطقتين، تصارع النفوذ سواء كان الدولي أو الإقليمي هو السبب في موضوع وجود بعض التوترات التي قد ترتقي إلى بعض الصراعات.

ولذلك نقول إنه في ظل استخدام القوة والقوة الصلبة في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن نقول بأن الشرق الأوسط هو أكثر منطقة متأزمة على مستوى العالم، وعلى مستوى النظام الدولي، أما موضوع الدولة الوطنية كمتغير أساسي، في هذه الورقة إذا أردنا أن نرجع له بشكل مختصر نقول، لقد مرت الدولة في تطورات عديدة.

يعني نحن لا نريد أن نخوض في كل تفاصل نشأة الدولة وموضوعها، لكن سنشير إلى نظريات لاحقة تتعلق بموضوع وجود الدولة، مبدئيا قبل معاهدة ويستفاليا 1948، كان هناك نوع من الصراع في أوربا وكان هناك نوع من التكتلات، أو مجموعات بشرية وامبراطوريات، كانت تمارس القوة وتستحوذ على الأراضي وتحتلها.

بمعنى أننا نريد أن نقول لما جاءت معاهدة ويستفاليا 1948 لما تبنّت موضوع الدولة القومية، لا يعني هذا أنه كان هناك نوع من التنظيم السياسي، بل كان هناك نوع من التنظيم السياسي لكنه ليست بنفس المحتوى الذي أحدثته معاهدة ويستفاليا، باعتبار أن جوهر هذه المعاهدة هو تقسيم مناطق النفوذ وفتح أبواب للعلاقات بين الامبراطوريات وبين الدول، من خلال مندوبين أو ممثلين لهذه الدول وهذه الامبراطوريات.

ولذلك تطور المفهوم بشكل كبير، يعني حدثت انتقالة كبيرة في موضوع مفهوم الدولة كتنظيم سياسي قانوني بعد هذه المعاهدة، هناك عدة نظريات تفسر لنا موضوع الدولة حتى الأوربيون بشكل أساسي وهم الغرب، كانوا هم أصحاب الريادة في هذا الموضوع، وفي إيجاد أولى لبنات التنظيم السياسي في الدول والتنظيم السياسي للمجتمعات، والذي يعبر عن الإرادة الجمعية للمجتمع.

إذن هناك عدة نظريات تبحث في مفهوم الدولة وهي كما يلي:

النظرية الأولى: هي نظرية النشأة المقدسة

هذه النظرية التي تم طرحها من بعض الكهنة والقساوسة تقول إن الله هو الذي خلق الدولة، وبالتالي هو الذي يختار الملوك ويمنحهم السلطة، وهذا يعني أنه يمنحهم السلطة إذا كان راضيا عنهم، وينتزعها منهم إذا كان غاضبا عليهم، هذه النظرية تؤكد أن الدولة نشأت في مرحلتين، أو مرت في مرحلتين هما:

المرحلة الأولى: إنها مرت بالخلق الإلهي المقدس.

 والمباشر حيث سادت سلطة الملوك المطلقة، واعتبر الملوك أنفسهم مختارون من الله مباشرة، وبالتالي هذا يمنحهم السلطة المطلقة في التعامل وإدارة شؤون المجتمع والإقليم الجغرافي للتنظيم السياسي والمجتمعات التي تسيطر عليها، وتغيرت هذه المرحلة وطبعا يوجد تعاون بين هذا التنظيم السياسي سواء كان الملك أو الامبراطور مع الكنيسة. هذه المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية: مرحلة خلق إلهي غير مباشر للملوك.

هنا بعدما تمكنت الكنيسة من أخذ دور ديني واجتماعي وسياسي أكبر مقارنة بالملك، وبدأت توازي سلطة الملوك وتغلب عليها، أصبح يتم اختيار الحاكم من قبل الكنيسة، أو بمباركة من الكنيسة، ولذلك يتم إذا لاحظتم مثلا هنري الثامن كان القس أو رجل الدين الأساسي في الدولة هو الأساسي في موضوع تزكية الملك.

وهو الذي يرعى تنصيبه كملك أو امبراطور، وأصبحت الكنيسة هي حلقة الوصل بين الرب أو بين الخالق وبين الامبراطور، ولذلك اصبح هذا التنظيم السياسي هو أسير لهذه الكنيسة، واغلب القرارات السياسية أو قرارات الحروب يتم التنسيق فيها مع الكنيسة، وفي بعض المرات يمكن للكنيسة أن توقف بعض القرارات السياسية.

هذه النظرية بشكل عام تقوم على عدة فرضيات، بأن وجود هذه الدولة وهذا التنظيم السياسي، مرتبط بإرادة إلهية، وإن الحكام والملوك هم مختارون من قبل الله، وهم مسؤولون أمام الله وليس مسؤولين أمام الناس، ولذلك لم يكن في التنظيم السياسي سلطة تشريعية ممكن تراقب أو تحاسب على تصرفات أو سلوكيات الملك.

وقبل هذا الموضوع كان هناك يوجد مجلس تشريعي ومجلس شيوخ في روما، وكان هذا موجودا قبل الميلاد، وقبل أن يظهر موضوع الكنيسة والسيد المسيح.

النظرية الثانية: نظرية العقد الاجتماعي.

ويرون أن الدولة هي كيان بشري والبشر هم الذين أو جدوا هذا التنظيم السياسي، ولا علاقة للآلهة به، وتعود هذه القضية إلى الفلسفة اليونانية وخاصة كتابات سانتوس وتوماس الإكويني والفيلسوف البريطاني هوبز وهو أو من بلور وأنضج هذه الفكرة بشكل واضح، وتعاقب كثير من المفكرين فيما بعد على تطوير هذه النظرية منهم جان جاك روسو وإيمانوئيل كانت وكثيرين غيرهم.

هنا فرضية هذه النظرية هي أن المجتمع انتقل من الفطرة إلى الدولة، بمعنى لا يمكن أن تكون هناك النزعة الفطرية بالإنسان، أو للأفراد لا يمكن أن تكون هي الحاكم لسلوكياتهم، أو هي الضابطة لسلوكياتهم تجاه الآخرين، لأنه يكون هناك نوع من استخدام القوة ونوع من الفوضى واللانظام، فالمجتمع انتقل من الفطرة إلى الدولة.

بمعنى إنه لا يمكن للفطرة أن تحكم أو تضبط سلوكيات أو تضبط النظام العام وأن الدولة هنا هي الضابطة لهذا النظام العام، ونقصد بالدولة هو هذا التنظيم السياسي القائم على وجود الإمبراطور أو وجود الملك ووجود الوزير الأول ومجموعة وزراء وبعض التنظيمات السياسية، مثل المنظومة البريطانية والفرنسية أيضا كانت تعتمد نوعا من اللامركزية أو قريب منها، وكان هناك حكام للمقاطعات وحكام للولايات.

فهو نوع من الفيدرالية للتنظيم، وتختلف من امبراطورية إلى أخرى، وهنا تؤكد هذه النظرية أيضا أن تقوم على فرضية أخرى، أن هذا الانتقال من السلوك الفطري إلى السلوك الجمعي الذي تنظمه الدولة أصبح قائما بموجب عقد اجتماعي، وليس بموجب المتحكم، يعني رواد هذه النظرية دعوا إلى وجود عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم.

بين الناس أو الشعب، ويتم تخويلهم بالسلطة الكاملة من قبل هؤلاء الأفراد المحكومين، بإدارة شؤونهم كاملة، ويخضعون إلى الالتزام بهذا العقد الاجتماعي، هذا العقد الاجتماعي يتكون في أغلب المرات بإطار دستوري وتنظيم قانوني يحكم سلوكيات أو سلطات مؤسسات الدولة، سواء كان الملك أو الامبراطور، والوزراء والقضاء.

ويحكم أيضا سلوكيات الأفراد والتزامهم بتنظيمات وقوانين أو تشريعات هذه الدولة، وفي نفس الوقت تتم مراقبة هذه السلطة من قبل الشعب، لأن ما ينظم العلاقة بين الطرفين هو العقد الاجتماعي والالتزام به هنا تراجعَ موضوع دور الكنيسة بشكل كبير في هذا الموضوع.    

توجد لدينا نظرية ثالثة أو أخرى وهي:

النظرية الثالثة: نظرية القوة.

وتؤكد هذه النظرية أن هذه الدول تكونت أو نشأت من خلال صراعات ومعارك معينة، وناس أو أقوام معينة، أو تنظيم بشري معين، يستحوذ على أراضٍ أو إقليم، أو أقاليم لتنظيمات بشرية أخرى، من خلال استخدام القوة، وكانوا يستندون إلى هذا الموضوع على المعارك في أوربا في القرون الوسطى أو حتى قبلها، إنه بفعل الاحتلال ووجود الإقليم والسيطرة على إقليم، فللحفاظ على هذه السيطرة وديمومتها، لابد من وجود تنظيم سياسي يسعى إلى تنظيم الشأن العام لإدامة هذه السيطرة في حكم هذا الإقليم الجغرافي.

وفي نفس الوقت تحقيق استدامة استخدام القوة، وتملك عنصر الخوف لدى الآخرين، بمعنى إخضاع الأقاليم الضعيفة للإمبراطوريات الكبيرة وكان هذا نوعا من نشأة الدولة. 

بعد القرن الثامن عشر حصلت انتقالة سريعة وكذلك بعد القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين بدأت التنظيمات السياسية تتطور أكثر في هذه الدول، وبدأت تتكون تصورات مؤطرة بالدولة الوطنية، لذا أصبحت الدول تؤطر نفسها بإطار معين قانوني وسياسي واجتماعي واقتصادي وأصبح هناك أنظيمة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية لهذه التنظيمات السياسية وتطورت بشكل كبير.

وإذا أتينا إلى منطقة الشرق الأوسط، مثلا بالأخص الدول العربية، أطرت أغلب الدول بالمنطقة وذلك بفعل وجود الدين الإسلامي وبفعل النزعة القومية أصبحت الأطر دينية قومية فيما يخص هذه التنظيمات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي أنتجت لنا (بعد الاستعمار طبعا) دولة وذلك بعد تخطيط وقرارات الاستعمار، انتجت لنا مجموعة من الدول في المنطقة وأصبحت تسمى بالدولة الوطنية.

نقصد بالوطنية أنها تكون قائمة على حماية المصالح الوطنية بشكل أساسي وفي نفس الوقت ضمان الأطر التشريعية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، واصبح هناك نوع من الاكتفاء والاستغناء عن الآخرين والانكفاء على الداخل والتقوقع ووجود سلطة سياسية وتنضيج هذه السلطة السياسية التي صُورت فيما بعد بإطار يمكن أن نسميه بالدولة الوطنية، وأصبحت المصالح الوطنية هي الأساس. 

العملية التسجيلية التي سيطرت عليها المرحلة الإمبريالية أو المرحلة الاستعمارية في المنطقة أوجدت نوعا من التخندقات لهذه الجماعات البشرية في أطر أقاليم جغرافية معينة مفروضة وفي حدود معينة جغرافية فُرضت على هذه التنظيمات السياسية، ولذلك أوجدت نوعا من أزمة الهوية واوجدت التعددية في هذه المجتمعات، بمعنى إن العملية التجزيئية للاستعمار ما كانت تحصر الأقاليم الجغرافية بالقوميات أو بالاثنيات أو بديانات وطوائف معينة.

بل قسمتها على معيار جغرافي وبالتالي أصبح لكل إقليم جغرافي ولكل دولة، تضم مجموعة من القوميات والطوائف والأديان والأعراق، فاصبحت هذه الدولة بهذا الإطار وهذا المضمون هي ليست نتاج لحالة داخلية ولا نتاج لأفراد هذه المنطقة باتجاه تنظيم شؤونهم السياسية، والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

على عكس الدولة في أوربا مثلا، كانت نتاج إبداع بشري في تلك المناطق باتجاه تنظيم شؤونهم، نحن في منطقة الشرق الأوسط هذه الحدود وهذه الأنظمة الموجودة فُرضت علينا من خلال العملية التجزيئية التي قادها الاستعمار، ولذلك برزت لدينا مجموعة أزمات ومجموعة تحديات، وقبل أن نبدأ بالتحدي الأساسي الذي تمثله نزعة العسكرة والصراعات الإقليمية التي سنأتي عليها، يوجد لدينا أزمات كثيرة.

الأزمة الأولى أزمة الاندماج المجتمعي

ونعني الاندماجي بين هذه الجماعات والقوميات والاثنيات والديانات والطوائف، وفي نفس الوقت جعل العامل الديني بعض القوميات وبعض الديانات وبعض الطوائف كان لديها رد فعل من هذا التنظيم السياسي الذي أوجده الخارج أو المستعمِر، في إطار عملية تجزيئية.

لذا حدثت أزمة هوية، لهذه المجتمعات في إطار وجود الدولة، وهذا ما تعاني منه أغلب دول المنطقة، ولذلك أعتقد من وجهة نظر بسيطة أو متواضعة، انه كل الأنظمة السياسية التي وُجدت في هذه المرحلة جاءت نتيجة ضعف الاندماج الاجتماعي بين القوميات والأفراد، وضعف الاندماج في إطار الدولة، في تنظيمها السياسي والقانوني وسواه، أصبحت النظم السياسية تميل إلى الاستبدادية بشكل أكبر لتحكم سلوك الناس وظروف الناس وتتحكم بكل سياقات ومسارات الدولة ومؤسساتها.

ربما يمكن أن نقرأ هذا السبب في بعض المصادر وبعض المراجع، لماذا وُجدت هذه الأنظمة السياسية الدكتاتوري أو الشمولية في المنطقة.

طبعا هناك أسباب أخرى منها تتعلق بالقبلية، وأسباب تتعلق بالديانة وأسباب تتعلق بالتوجس من الآخر، أو أن الأكثرية هي التي تحكم بغض النظر عن المكونات الأخرى، وفيما بعد أيضا، خلال القرن العشرين وجدت تحديات إضافة لهذه التحدي نزعة العسكرة والصراعات الإقليمية والذي هو تحدي المرحلة الحالية، لكن لماذا أصبح هذا التحدي بهذا الشكل من التوضيح، أو بهذا البروز وبهذا الدور الكبير الذي واجه تنظيم الدولة الوطنية في الشرق الأوسط؟

البنى الفوقية للمجتمعات وللدول أصبح الاهتمام بها بشكل كبير بغض النظر أو بعيدا عن البنى التحتية للمجتمع، والتي هي التصورات التي تتعلق بطريقة الاندماج الاجتماعي، وهوية هذا المجتمع، وفلسفة هذا المجتمع، إيمانه بالدولة، تنشئته السياسية والاجتماعية، هذه التنشئة ما عادت مهمة بقدر ما يكون تنظيم الدولة موجودا والاهتمام بالشعارات والأهداف. والهدف هو وجود الدولة بغض النظر عن البنى التحتية لهذا المجتمع.

كذلك ماذا نتج لدينا من خلال هذه العملية التجزيئية للاستعمار؟، حدث ضعف في الثقافة السياسية والثقافة الديمقراطية، وبالتالي ضعف الثقافة الحقوقية، ولا يزال الكثير من هذه المجتمعات أنها لا تستطيع أن تعبر أو تدافع عن حقوقها في منطقة الشرق الأوسط.

أيضا بالنسبة لقوة الدولة وموضوع تعددية المجتمع، لكن للأسف لم يتم تنظيم هذه التعددية الاجتماعية والسياسية باتجاه قوة الدولة، على عكس الكثير من البلدان على مستوى العالم، ونكاد أن نجزم أن كل الدول على مستوى العالم ما عدا إسرائيل هي دول تعددية.

بمعنى توجد فيها متخلف الديانات، ومختلف القوميات، ومختلف الأعراق، ومختلف الطوائف، حتى في إطار الدين الواحد، عدا إسرائيل، بل حتى إسرائيل فيها تعددية، لكن تم توظيفها لتقوية الدولة، وتم إدماجهم في إطار الدولة، ولذلك الدروز الموجودين اليوم في جنوب سوريا ينظرون بطموح للدروز الموجودين داخل اسرائيل أو في الجولان الخاضعين للسيطرة الاسرائيلية.

لكن التعددية الموجودة في دولنا بمنطقة الشرق الأوسط، أصبحت وبالا على تنظيم الدولة، وهي التي أنتجت لنا ثقافة الأكثرية، وأن سلوك وقرار الأكثرية لابد أن يسود، وهناك غياب الاجتماع السياسي بفعل غياب التنشئة الاجتماعية وغياب التنشئة السياسية.

وبالنتيجة كل هذه الأمور تبلورت وانصهرت بشكل كامل في إطار جسد هذه الأزمات والتحديات الداخلية في إطار أنظمة سياسية هي نتاج هذه التحديات، ولذلك ما يسمى بالموجة الديمقراطية الثالثة يمكن أن تُفرض بالقوة أو من خلال استراتيجيات دول كبرى، أو بطريقة الاستعمار، ما عادت يمكن أن تنفع في تأسيس ديمقراطية تعزز من الثقافة السياسية لدى الأفراد أو لدى الشعوب، وأيضا تدعم لنا الثقافة الحقوقية. هذه الأسباب التي أو صلتنا لهذه الأنظمة السياسية الحالية التي تقود نزعة العسكرة وتقود الصراعات الإقليمية.

وهناك لدينا تحديات أخرى تتعلق بالجانب الجيوسياسي، وهو يتعلق بالعلاقات الخارجية والصراعات الدولية، الموقع الجغرافي للمنطقة في الشرق الأوسط، تعتبر قلب العالم ولها أبعاد ثقافية ودينية واقتصادية لأنها تقريبا تزود العالم بحاجته من الطاقة، الأمن الطاقوي في العالم، ولا ننسى أيضا بأن هذه المجتمعات وهذه الدول تتميز (هي في الحقيقة ليست ميزة) لكن فيها خاصية معينة تختلف عن كثير من دول العالم.

هذه المنطقة دائما ما نقول يوجد فيها نتيجة أزمة الهوية ونتيجة ضعف الاندماج والتنشئة السياسية والاجتماعية ظهرت جماعات اللادولة، وهذه الجماعات اللادولة تستند تارة لأطر قومية أو أسس قومية أو دينية طائفية، وبالتالي أصبحت هذه الجماعات ترى في نفسها مسلوبة الحقوق ولابد أن يكون لها دور في إدارة هذا التنظيم السياسي والاجتماعي في دولها، وأصبح البعض يهب باتجاه أبعد من ذلك نتيجة الأسس الدينية مثل القاعدة التي ذهبت باتجاه خلق إمارة إسلامية.

أما داعش فذهبت باتجاه اوسع لخلق خلافة إسلامية في هذه المنطقة التي لها هذه التشكيلة السياسية والاجتماعية، الجانب أو الخاصية التي تتميز بها، إن بعض الأطراف أو الفواعل الإقليميين في هذه المنطقة، برزوا بسرعة كبيرة وبقوة كبيرة وأصبحوا ينافسون أدوار جيوبولتيكية عالمية مثل الدور الصيني أو الأمريكي أو الروسي، وعلى المستوى الإقليمي نقصد إيران أو تركيا أو مستقبلا السعودية وإسرائيل.

هذا نوع من الصراعات الجيوسياسية هي ميزة أساسية نتيجة لكل هذه المدخلات، لذلك بإمكاننا أن نقول بأن هذه الصراعات الإقليمية هي مخرجات لمدخلات كثيرة جدا وهذه المخلات ليست في إطار أو مرحلة زمنية معينة، بقدر ما كانت امتداد لنشأة الدولة وكانت عملية متأخرة، وفرضت من خلال العملية التجزيئية التي فرضتها الحركة الاستعمارية في المنطقة.

بهذا القدر أكتفي وأناقش مع الحاضرين الكرام، سؤالين هما:

س1: ما هو تأثير العسكرة والصراعات في الشرق الأوسط على الدولة الوطنية من حيث قوتها وضعفها، تفككها أو فشلها؟

س2: في ضوء الإجابة عن السؤال الأول كيف تنظر إلى مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط؟

المداخلات:

الأستاذ خليفة التميمي باحث وإعلامي

غياب مفهوم الدولة

جرت العادة أن نعرف المفاهيم الواردة في المحاضرة، فعندما نذكر مفهوم الدولة، بمعنى إنها إقليم وشعب وتنظيم، الإقليم معروف وهو مساحة اليابسة التي يعيشون فيها الناس أو الشعب وبينهم تنظيم أو نوع من التعاون، عادة بكون التنظيم يكون عن طريق السلطة، فأما أن تكون السلطة ديمقراطية بمشاركة الشعب، وأما أن تكون ثيوقراطية مصدرها الله سبحانه وتعالى.

لدينا في العراق بالذات، مفهوم الدولة غائب لأنه السلطات قسم منها تعتقد أن مصدرها الله سبحانه وتعالى، وهي من النوع الثيوقراطي، أما الديمقراطية لم تستطع أن تصل إلى أهدافها السامية فحاولت عسكرة المجتمع لأن الواقع الاقتصادي واقع مزري، فطريق المعيشة الوحيد هو أن تنخرط في الجيش أو في الأجهزة الأمنية أو في الداخلية، بينما يفترض أن تكون على درجة عالية من الوعي ومن النخبة، لأنه كل شيء من أجل المعركة لأنها تحمي المصالح العليا للبلد.

الجماعات الشيعية أو المذهب الشيعي الحاكم لا يعتقد بمفهوم الدولة، ولديهم الأمة هو مفهوم عابر للوطنية، فكلمة الوطنية هنا مجزّأة، وآخر اندماج للسلطات الديمقراطية والثيوقراطية التي تؤمن بالله سبحانه وتعالى تولد لنا نظام هجين غير معروف على مستوى العالم أو الأنظمة العالمية، وهو الفيدرالية المالية، وتم استخدام الديمقراطية كغطاء للوصول إلى هذا الهدف، وبالتالي لا أرى وجود مستقبل للدولة القومية أو الدولة الوطنية بالعراق.

الشيخ مرتضى معاش كاتب وباحث إسلامي

احتواء المجتمعات الغرائزية

هذا الموضوع مهم جدا، يحتاج إلى سلسلة بحوث كثيرة، حتى يمكن أن نؤسس لبعض المفاهيم المهمة، بمعنى لو قلنا بأننا نعيش في غموض عميق جدا فيما يخص قضية الدولة، فالدولة كما أتصور أمر متخيَّل، اخترعه وتخيَّله البشر، من أجل إيجاد تنظيم عقلاني يحتوي المجتمعات الغرائزية، والعادات الغرائزية للمجتمعات والجماعات، الحاجات الأساسية للمجتمع تؤدي إلى تحريك العامل الأناني، وهذا يؤدي بالإنسان إلى تغليب حاجاته الأساسية على عادات الآخرين، فهذه عادات غرائزية وليست فرصة.

الدولة إذا ننظر لها كوجود متخيَّل وتنظيم عقلاني يريد أن يجمع الجميع تحت ظله ويحقق كل الحاجات التي تحتاجها الجماعات بمختلف أيديولوجياتها وقومياتها ومذاهبها، ولذلك نحن لا يمكن أن نقول بهذا المعنى المتخيّل الموجود لدنا، لأنه لدينا شيء اسمه دولة، وكان لدينا حكومات سلطوية، في السابق كانت امبراطوريات وكانت تعبر عن نهج الحاكم المتسلط المستبد الذي حصل على هذه السلطة بالقوة.

هؤلاء هم أمراء الحروب الذين يمتلكون قوة السيف والتسلط على الناس، أما توجهات الناس الغرائزية فتتعلق بالحاجات، فمن يلبي حاجات الإنسان ويعطيه الأمن المعيشي انتهى الأمر، وهذا هو الحاكم دون الحاجة إلى مفهوم مستقبلي شامل متخيَّل عقلاني يجمع الجميع ويلبي لهم حاجاتهم.

لذلك أتصور أننا نحتاج إلى أن نناقش مفهوم الدولة بشكل أعمّ، فمثلا أحد الأشياء التي لابد أن نناقشها، هل الوطن هو فقط لهذا الإنسان الذي يعيش فيه، أم الوطن للإنسان، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، سورة الجاثية، الآية 13. وحتى الفلاسفة والمفكرون والإعلانات والعادات تعطي الإنسان أصالة ذاتية في أي مكان يكون موجودا فيه.

لذلك نلاحظ الآن في أي مكان في العالم، حتى أشد الديمقراطيات التي تدّعي الديمقراطية تطارد الإنسان، مثل أمريكا، مثل أوربا، تطرد المهاجر، وأمريكا الآن بدأت بعملية ترحيل اللاجئين إلى جنوب السودان، وهي من أكثر الأماكن خطرا في العالم، وهذا نوع من اللاإنسانية المتوحشة، جدا، لذلك لابد علينا أن نفهم هذا الشيء، فنحن لمن نعطي الجنسية؟

الجنسية تمثل هوية الإنسان، فإذا لم تكن عنده جنسية عراقية، أو لا يمتلك جنسية سورية أو إيرانية أو كويتية، هذا ليس بإنسان، ولا توجد عنده حقوق، لا يستطيع الذهاب إلى مستوصف للعلاج، ولا يستطيع أن يسجل ابنه في المدرسة، لا يستطيع الحصول على إجازة سوق كي يقود سيارة، هناك مواطنون في الكويت، ربما هو وأبوه مولود في الكويت ومع ذلك سحبوا منه الجنسية، ودول أخرى أيضا.

هناك ناس كانوا يعيشون في سوريا هم وآباؤهم لم تعطهم الحكومة الجنسية، إذن من هو المواطن؟، وما هي الدولة، هناك أيديولوجية غرائزية موجودة عند الناس، فيقول أنا المواطن، فيقول هذه الجنسية تعود لي وحدي وليس هناك حق لأي إنسان أن يشاركني فيها، فهذا ليس عراقيا ولا لبنانيا ولا مصريا، هذه إشكالية إنسانية موجودة عند الإنسان تمنع تشكيل مفهوم الدولة المتخيَّل، وأنا في رأيي أن هذا التطور العقلاني عند الإنسان صعب جدا أن يتحقق في العقود التالية أو في القرون التالية، لأنه الحركة الغرائزية الموجودة عند البشر قوية جدا.

ونزعة العسكرة هي حركة غرائزية، وليست عقلانية، وأتصور أن هذا الأمر خطير، ونحن لابد أن لا نقع أسرى في هذه الأيديولوجيات المتوارثة. 

الآن يوجد لدينا في العراق هناك مجموعة من القوانين، أنا أسميها (أيديولوجية الدولة العميقة)، لنبتكر هذا المصطلح، فهناك قوانين موجودة في داخل العراق، ما انزل الله بها من سلطان، هذه أسمِّها فايروس الدولة، وهي تدمير للدولة في باطنها وهي تنظيم عقلاني يستطيع أن يحقق الخير والرفاه للبشر.

فهذه المشاكل موجودة، ولابد علينا نحن الاخوة الباحثون المتخصصون، أن يحاولوا الخروج من هذا الإطار الموجود في مفهوم الدولة، وينشؤون إطارا آخر، أقصد به الإطار الذي يحقق مفهوم الدولة بشكل واقعي، مثلا يوجد اليوم في العراق بكل الخطوات التي تسير فيها الدولة ومؤسساتها باتجاه تحقيق السلطوية الأمنية المطلقة الصلبة التي تؤدي إلى تحقيق نقيض الغايات الصحيحة.

دائما العسكرة هي نزعة الدولة في عملية فرض الأمن المتصلب، وفرض الأمن على الناس بالقوة، وسلب حرياتهم وحقوقهم بأية طريقة أخرى، لذلك نلاحظ الدولة الآن تخلو تدريجيا من محتواها، لتبح الانتخابات مجرد آلية فاشلة لعملية تدويل الفساد وتدويل النخب المتحكمة في السلطة، لدرجة أننا نتساءل ما هي هذه الدولة التي خلقت في داخلها وحوشا، لابد أنكم لاحظتم بعضهم يخلق شخصا يكون وحشا من الداخل.

فالدولة بأيديولوجيتها وتراثها وتاريخها خلقت وحوشا داخلية أدت إلى عملية تدمير الدولة من الداخل، وتحويل الدولة إلى دولة فاشلة ضعيفة هشة، لذلك نحن لابد أن نغير مفاهيمنا في عملية بناء الدولة، ودعونا نذهب وراء دولة الإنسان.

حتى أنا شخصيا في رأيي باعتباري رجل دين، أعتد بأن انتهاك حرية أي إنسان وحق أي إنسان في الوجود، إذا لجأ إليك أي إنسان وتقوم بتسليمه إلى دولة ثانية، ثم قاموا هناك بإعدامه، فهذا الإنسان المظلوم الذي انتهكت حقه، فيكون له آثار وضعية، الله سبحانه وتعالى يغضب على هذا المجتمع وعلى هذه الدولة، الله يغضب لهدر دماء هذا الإنسان.

لذا فالعسكرة هي نتيجة لعملية تغوّل جماعات الضغط، أو لوبيات النفوذ الموجودة في السلطة، تستفيد من نزعة العسكرة، لنذهب مثلا إلى تاريخ الدولة الرومانية، من ماذا كانت تتكون الإمبراطورية الرومانية، كانوا مجموعة من القوات وأمراء الحروب وكل منهم لديه جيش ويستخدم هذا الجيش في عمليات الغزو للجماعات الثانية واستعبادها.

جلب العبيد من تلك الدول، وكذلك سلب ثرواتها ومواردها، بالنتيجة هذه عملية كان الهدف منها، أن الهدف من نزعة العسكرة هي المزيد من الاستحواذ لحماية المكتسبات الموجودة، ونفس هذا التقليد موجود الآن عند أمراء الحروب، ولاحظ الميلشيات الموجودة، لها نفس الأهداف المبطّنة.

فهي عملية زيادة النفوذ والسلطة، بأي ثمن كان، فهذا الشيء في رأيي لابد أن نقوم بتغييره، ويجب أن نخرج من نزعة الأمن الصلب، إلى عملية الأمن الناعم، وإعطاء المزيد من التوجه للناس عبر التنمية، وعبر التعليم، وتطوير الوعي عند الناس، هذا هو المهم.

لذلك في رأيي أن مستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط غامض جدا، لأن الدولة في الشرق الأوسط تذهب إلى المزيد من الفشل، وإلى المزيد من الانهيار، فالدولة ليس لديها ضوء في آخر النفق، نلاحظ بين فترة وأخرى تتكرر الأمور لتعود الدوامة والعاطفة من جديد، خصوصا مع تزايد القطاعات الدولية الموجودة، وتغيير موازن القوى، لذلك إذا لا نعمل على هذه القضية، ربما يكون مستقبلنا ومستقبل أجيالنا سوف يكون في خطر مع تصاعد نزعة العسكرة.

لأنه مع المزيد من الفشل، تطغى نزعة العسكرة، وتتحول إلى أيديولوجية متجددة، وعندما تصبح نزعة العسكرة ثقافة اجتماعية، في نتيجة لرد فعل لفشل الدول، وبالنتيجة هذا أمر خطير جدا عندما يصبح ثقافة اجتماعية عامة، زتسليح العشائر وهذه موجود لحد الآن، وتسليح الجماعات مثال على ذلك.

الدكتور عقيل الحسناوي أكاديمي وباحث

هل يمكن إقامة دولة الإنسان؟

قبل أن نبدأ لديّ نقطتان، حول موضوع عديم الجنسية، فهذا الشيء محرّم في القانون الدولي، وجميع الدول متفقة فيما بينها، لا يجوز إخراج أو طرد الشخص عديم الجنسية، لكن هذا الشيء أين يحدث؟، تجده في الدول التي تقودها أنظمة العسكرة، فأية دولة يوجد فيها قانون وملتزمة به، لا يوجد فيها شخص بلا جنسية أو تُسقّط جنسيته، هذا الأمر مستحيل يحدث.

هذه ليست دول بل عسكر، لأن الدولة تنظر لأي شخص على أنه مواطن، مثلا أمريكا التي ذكرنا بأنها تطرد المهاجرين، لكن إذا وُلد طفل في طائرة أمريكية يحصل على الجنسية الأمريكية، ولكن هناك كلام يؤكد أن المحكمة العليا أوقفت هذا الإجراء، القصد يوجد قانون.

بالنسبة لدولة الإنسان، نستطيع أن نفعل ذلك، لكن نحن نتكلم حول الواقع، يمكن أن تطبق دولة الإنسان في بلدك، وتستقبل العدد الذي يمكن أن تستقبله، وهناك نقطة مهمة جدا ذكرها الدكتور المحاضر وقال بالنسبة لهذا النظام السياسي صنعته لنا الدول الاستعمارية، وتاتشر رئيسة وزراء بريطانيا سابقا، قالت في إحدى المرات، العراق دولة متشكلة، كلامها صحيح تقصد التشكل من باب سياسي.

دائما يحدث لنا في هذه المناطق تدمير للنظام السياسي، لأن هذا الأمر ليس من الحقوق المكتسبة التي خلقها الشعب، فالشعب أو الشعوب إذا كسبت حق من الحقوق تحافظ عليه وهذه قاعدة في كل العالم، ونظام الحكم السياسي ليس من مكتسباتنا، وليس من إنجازنا، لذلك يمكن أن نعطيه (نضحي به)، بسهولة فالشعب لا ينتمي له لا يتمسك به.

أما كل التأثيرات التي ذّكرت فهي فعلية، لأن العسكرة ماذا تفعل؟، بمعنى بدلا من أن يكون الجش للحماية سوف يسيطر على الحكم، فإذا أخذ الجيش الحكم بعدها لا توجد شرعية، لا القضاء، ولا المؤسسات المدنية، فقد تخلى عن وظيفته الأساسية وهي الدفاع، حوّل الأجهزة الأمنية إلى الحكم، لذا لا توجد شرعية بعد ذلك.

ماذا سيحدث بعد ذلك، بدلا من أن يكون القانون هو الذي يقول الجانب التنفيذي، يصبح العسكر والقوة هي الأداة للحكم والشرعية وليس القانون، لماذا لأن الحكم عسكري، وما هي أداة العسكري إنها القوة، وطالما موجودة القوة سوف تحدث النزاعات، وهذه من المؤكد سوف تُضعف الدولة وتؤدي أيضا إلى تفكك المجتمع.

التأثيرات الإقليمية التي تسبب بالتكتلات والميلشيات، نحن الآن لا توجد لدينا دولة وطنية، نحن دول فيها تقاسم للسلطة، العراق دولة فيدرالية، التي تمثل وسيلة لتجميع عدة دول، لا يوجد في العالم دولة موحدة يتم تقسيمها فدراليا، الآن النموذج الأمريكي الأمور السيادية كلها بيد السلطة المركزية، حتى ترامب نفسه تعرض للاعتقال، إذا لا توجد مركزية لا توجد دولة.

نأتي إلى القوى الإقليمية، مثلا لدينا إيران هي تمثل قوة في المنطقة، تقوم استراتيجيتها على المقاومة، ولدينا تركيا أيضا ومشروعها في سوريا، كذلك تقوم تركيا بدعم مجاميع مسلحة، الأمريكان الآن يعتمدون سياسة إدارة الفوضى، وليس القضاء عليها، لديهم مبدأ الاستفادة من كل شيء، اترك الفوضى كما هي لكن المهم الاستفادة منها.

حتى إسرائيل تريد الآن السلام مقابل التطبيع، ولا تريد حل الدولتين، ولذلك لا توجد لدينا دولة والدول العربية الآن هي أكثر صهيونية من إسرائيل، والسبب طائفي، ويتم إعلانه أحيانا، ونجح الغرب في هذا الأمر نجاحا كبيرا جدا، قبل أيام أحد المسؤولين الأمريكيين يقول انتهت معاهدة سايكس بيكو، وسوف يكون هناك تقسيم جديد. 

أما نحن بالنسبة لنا نحن أدوات ومن المستحيل أن نفعل شيئا، فنحن أدوات فقط. وكما اعتقد نحن لسنا متشائمين، في إحدى المرات أجريت دراسة عن الوضع العراقي بعد السقوط مباشرة، فانتهت الدراسة إلى القول يوجد 10% من الفاسدين لو أعطيتهم راتبا بمقدار مليار دينار في الشهر يبقى يسرق المال العام، وهناك 10% لو أعطيتهم راتبا مقداره دينارا واحدا لن يسرق، ونسبة 80% من الشعب مع الطرف الغالب. لذلك نلاحظ الآن هذا الفساد الهائل في البلد كله، ونأمل أن تتغير الأمور نحو الأفضل.

الدكتور علاء الحسيني أكاديمي وباحث في مركز آدم للدفاع عن الحوق والحريات

الرجل الحربي لا يمتلك قيمة أو مبدأ

حقيقة في العودة إلى الجذور في الشرق الأوسط، نلاحظ أن حالة العسكرة في المنطقة ليست بالجديدة وإنما هي منذ مئات أو لعله منذ آلاف السنين، منذ نشأت بذرة الدولة في هذه المنطقة، مثلا في المنطقة العربية والإسلامية، نشأت الدول في بدايتها بدءا بالدولة الإسلامية، وقادها النبي صلى الله عليه وآله والخلافة الراشدة حي كانت توجد قيم إلى حد ما، ونوع من الاستقرار ونوع من الرؤية لدى الحاكم، في تلك الفترة.

لكن حين أعقبتها الدولة الأموية فهي قامت بالحرب، وانتهت بالحرب، الدولة العباسية قامت بحرب وانتهت بحرب، فهذه كانت دولا عسكرية، حتى لو رجعنا إلى مدن في العراق، نشأت دول عدة مثلا في الكوفة وسامراء وأيضا كان الأتراك موجودين هناك، مما اضطر الخليفة أن يبعدهم من بغداد، فبذرة الدولة أو عاصمة الدولة هي معسكر، فكيف ستكون السمة الغالبة في الدولة، السمة الغالبة هي عسكرية.

حتى الشعب الذي كان موجودا هو عسكر أو عبارة عن جنود، لذلك نحن لا نفاجأ من عبيد الله بن زياد عندما أراد أن يجمع مجموعة من الناس لكي يحاربوا فهذا أمر معتاد لأن هؤلاء أناس عسكريون، فمن يدفع له يذهب معه، هو عسكري وفي مصطلحات اليوم نسميه مرتزَق، لكن يسمونه عسكري، ليس لديه مشكلة من يدفع له يذهب معه.

لأنه لا يمتلك مبدأً أو قيمة فهو رجل حربي، هذه بذور ولا يمكن التخلص منها، مثلا هولاكو والمغول، هؤلاء أيضا قريبون من الشرق الأوسط، فهي دول عسكرية قامت بالسيوف وبالحروب، كذلك الحروب الصليبية أتت إلى الشام وفلسطين وسوريا، فالمنطقة هي عبارة عن صراعات عسكرية وهذا الكلام قبل آلاف السنين. 

وبعدها جاءت الدولة العثمانية التي انتهت بالمدافع الفرنسية والبريطانية بالحرب العالمية الأولى، وهكذا استمرت العسكرية، فهي دول قائمة على ثقافة العسكرة، ولا يمكن أن تغادر هذه الثقافة بسهولة، رغم مرور عشرات السنين نلاحظ اليوم نحن في المجتمع العراقي غير قادرين على مغادرة الأنظمة العسكرية.

النظام البائد أيضا حاول في سنواته الأخيرة على أقل تقدير، أن يعسكر المجتمع بشكل فضيع، تشكيلات عسكرية لا حصر لها أعطاها أسماء كثير مثل جيش القدس والجيش الشعبي وغير ذلك، واستمرت العسكرة حتى يومنا هذا، هل يمكننا اليوم أن نضع القوات المسلحة تحت الأمرة المدنية، وزير الدفاع ظاهرا مدني، لكن هل هو فعلا مدني، وهل هو قادر على إدارة القوات المسلحة بالأساليب المدنية؟

الظروف حتمت عليك أن توجد قوات رديفة للقوات المسلحة العراقية، مثل الجيش الاحتياطي الذي يستدعونه بشكل متكرر، بحسب الظروف.

إذن هي دول قائمة على العسكر، وثقافتها هي ثقافة عسكرية تامة، وثقافة شعوبها ثقافة عسكرية، هل يمكن أن تقنع شخصا في سوريا أو في الأردن أو في العراق أو في اليمن بأن يتخلى عن البندقية الخاصة به، اليمني مثل هل يمكنك أن تقول له تخلَّ عن البندقية؟

هذه مسألة ثقافة مجتمع، وهكذا هو مجتمعنا الآن يوجد أناس في كربلاء، يسكن بالقرب من الإمام الحسين لكن إذا دخلت إلى بيته تجده عبارة عن مشجب للسلاح، لماذا؟، هل يخشى من السارق مثلا؟، هذه خزعبلات، إذن أنت في اللاشعور عسكري، أو سائر باتجاه العسكرية، هذه ثقافة مجتمع، ربما يمن أن نجد المدنيين فقط وهم قلة لديهم الثقافة البعيدة عن العسكرة.

وهذا يحدث نتيجة لفشل العقد الاجتماعي بين الأفراد، قبل أن يأتي الحاكم وقبل نشأة الدولة، فهناك مشكلة توجد في المجتمع نفسه، أو العقد الاجتماعي الموجود بين الناس، فهم كأناس توجد لديهم حب الغلبة، ولديهم الهيمنة والتملك على حساب الآخر، موجود في اللاشعور عند جميع أفراد المجتمع، فكيف يمكن أن ننظر إلى مستقبل الدولة المدنية في السرق الأوسط؟

لا يمكن أن ننظر بتفاؤل إلى هذا المستقبل، وسوف تبقى هذه المنطقة منطقة صراع، والدول الكبرى تحاول أن تدير هذا الصراع وتستفيد منه فقط لا أكثر ولا أقل.

الدكتور منتصر العوادي أستاذ أكاديمي وإعلامي

من هو الذي يدعم فكرة العسكرة؟

هذه الورقة البحثية مهمة ولدي تعقيب قبل أن أدخل في صلب الموضوع، فيما يخص علاقة الدين بالسياسة التي تطرق إليها الباحث، ذكر ان الكنيسة كانت لها سلطة على مجال السياسة ومجال الدين، التي تبارك تنصيبهم أو توافق او تعترض على ذلك، وهذا يعود إلى سلطة الكنيسة التي كانت حاكمة في وقت غير بعيد عن عصرنا هذا، وهذا الأمر له امتداده طبعا في الأمم السابقة. يعني ليس فيما يخص الكنيسة وانما في الأمم السابقة ومعروف لديكم مثلا سلطة الكهنة، كانت هناك سلطة للكهنة في مصر، كانت لهم السلطة العظمى، فيما يخص أمور السياسة وإدارتها وأيضا ما يتعلق بعلاقتها مع الحاكم وكانوا هم الحاكمون فعليا في إدارة شؤون البلد واستمرت هذه السلطة إلى عهد النبي صلى الله عليه وآله.

فكان النبي هو الحاكم، يعني هو رجل الدين وهو القائد السياسي، ثم بدأت نظرة إلى علاقة الدين بالسياسة تتباعد بحجة أن الدين يخالف السياسة، أو أن السياسة ليس لها علاقة بالدين، وهناك من بث الفرقة بين هذين الطرفين، إلى درجة ظهرت دعوات تدعو إلى فصل الدين عن السياسة، الدين له شأنه والسياسيون لهم شأنهم ولا علاقة بينهما.

في حين إن هذا الأمر متناقض مع ما نؤمن به نحن على الأقل، مثل قيام الدولة المهدوية مثلا، فالدولة المهدوية هي سلطة دينية وسياسية كما كان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هو رجل دين وسياسي، لذا أقصد إن هذه المصطلحات يتم التلاعب بها مثل التلاعب بعول الناس وأذهانهم وتوجهاتهم.

فيما يخص مستقبل الدولة الوطنية، هناك مرادفات لمصطلح الدولة الوطنية، مثلا الدولة اللاوطنية، أو الدولة الاستعمارية، أو الدولة العميقة، أو اللادولة، فكلها مصطلحات تشير إلى معان مختلفة، الغاية منها بث فكرة معينة، وزرعها لدى الناس كي يؤمنوا بها، سابقا كما يذكر التاريخ إن العالم كله كان عبارة عن قارة واحدة.

وكانت الغابات متصلة ثم تدخلت قوى معينة أو أفكار معينة إلى ترسيم الحدود وفصلها، فكل دولة لها مكانها وحدودها وفق اتفاقيات معينة، وكان الوطن العربي يُقال إنه كان عبارة عن دولة واحدة، والدليل إنه عندما تحدث قضية معينة كما حدث في حرب الجولان مثلا، أ في حرب مصر، حرب أكتوبر، نلاحظ أن الدول كلها تضامنت في سبيل درء الخطر، مع العلم إنه ليس خطرا مباشرا على الدولة المعنية.

مثلا العراق ذهب للدفاع عن سوريا، في قضية الجولان، العراق ليس له مصلحة في الدفاع عن سوريا مثلا، لكنه من باب إن الوطن العربي هو دولة واحدة، فامتدت فيه الفكرة القومية إلى أمد غير بعيد عن هذا الوقت، بمعنى إن الوطن العربي كله أمة واحدة، مصالحه مشتركة وعدوه الدول الباقية.

هذه الفكرة أُلغيت عندما تدخل العدو في زرع أن كل إنسان له مصالحه وأفكاره وله استقلاليته عن غيره من الدول، ونجد الآن في الوقت الحاضر مثلا، ما تتعرض له فلسطين وأبناء غزة مثلا نرى أن الدول العربية كلها تلتزم تقريبا جانب الحياد، بمعنى قلوبنا معك وسيوفنا عليك مع العلم إن ما يحصل في غزة ربما يحصل في أنفس الذين التزموا الحياد، وهذه كلها مغذيات استعمارية، كلها مغذيات لمن يريد أن يزرع الفرقة والفتنة والصراعات ويزرع العسكرة بين أبناء الوطن الواحد.

وغايته هي إلحاق الأذى بك، لأنك عندما تزرع الفتنة والصراعات وتخلق المشاكل وتدعم فكرة العسكرة، كما فعلت دول غربية عندما دفعت دول أخرى كي يتبنوا فكرة التحصينات، لذلك نلاحظ مثلا الإمارات أو السعودية أو غيرها من الدول تميل إلى اتخاذ الاحتياطات العسكرية مع العلم إنها محمية، بغطاء غربي وسواه، ومع ذلك هناك أشبه ما يكون بالتسابق للتسلح وإلى فكرة زيادة التحصينات العسكرية.

وهذا يجعل المنطقة كأنها ثكنات عسكرية، وبالتالي من يستفيد من هذه الثكنة العسكرية ليس الدولة لأن السلاح مواد قابلة للاستهلاك، تُشترى مقابل أموال أو بيع النفط أو سواه، وعندما يحين وقت السقوط تتحول هذه المعدات والآليات إلى من باعها إليه مثل أمريكا أو الكيان الصهيوني، مثلما حدث في سوريا مثلا أو في غيرها من الدول.

بمعنى إن العدو يجهزك بأسلحة وبأنظمة ومعدات، وبالتالي سوف يأخذها منك شئت أم أبيت، فهذه الفكرة، فكرة العسكرية والصراعات لها مغذيات، كالدول الغربية التي دفعت إلى هذه الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط تحديدا.

الدكتور لطيف القصاب أكاديمي وكاتب في مؤسسة النبأ

ما الغاية من التسليح؟

هذا الموضوع يفرض نفسه بحكم الواقع، بقدر ما يتعلق الأمر بالورقة أنا فهمت كأنما هناك نقطتان مركزيتان، الأولى وجود الدولة الوطنية، في مقابلها الدولة العسكرية، وأتصور أن الأقرب للواقع أن يُقال الدولة في القانون بصرف النظر عن كونها وطنية أو عسكرية، ودولة الاستبداد، فإذا كان لدينا دولة القانون تكون الأمور مستقيمة.

ومن الطبيعي أن تكون أي دولة عسكرية، فأنا ضد فكرة وجوب تسليم السلاح للدولة، أنا شخصيا كان لدي سلاح واضطررت في وقت ما لبيعه، وأردت أن أستشهد بالواقع الأمريكي التي تعد من الدول الأولى في التسلح، حيث يمكن وجود قطعة أو قطعتين أو كثر من السلاح في البيت الواحد، مثلا ما حدث الآن في سوريا أنا متأكد لو أن العلويين كانوا قد حافظوا على سلاحهم لا تطالهم هذه المذابح، وقد لاحظنا النموذج الدرزي يختلف عن النموذج العلوي.

مع العلم أن العلويين أكثر من الناحية السكانية، ولو أننا رجعنا إلى الأصول ولا نريد أن نعود إلى الإمبراطورية الرومانية، ولكن بقدر ما يتعلق الأمر بالواقع الإسلامي أو الدولة الإسلامية بعد النبي صلى الله عليه وآله، لاحظنا نموذجا مستبدا، وممكن ترى ذلك في شخصية عثمان بن عفان مثلا، فقد طولب بترك الخلافة فقال، لا أنزع قميصا ألبسه لي الله مثلا، في حين الإمام علي عليه السلام حدث كلام من هذا القبيل فقال لو لا قيام الحجة (مضمون الحديث الشريف) لاتقيت آخرها بأولها، فهذا المناط هو مناط القانون.

فنحن لدينا دولة القانون بصرف النظر عن كونها دولة وطنية دولة قومية دولة أممية، لو كان القانون قانونا سليما وقانونا إنسانيا، طبعا كل دولة لها قوانين لا إنسانية، والنخب الموجودة في العراق وأصحاب الفكر عليهم أن يفتشوا في تفاصيل هذه القوانين التي أبعد ما تكون عن الإنسانية، وأنتم خبراء في هذا الموضوع.

فالقانون غير الإنساني وغير العادل لا يعد من القوانين بصرف النظر عن وجود صياغة وديباجة، وقد ذكر الأخوة المشاركون في النقاش إن الجانب العسكري موجود في الشخصية العربية والشرق أوسطية، نعم هناك أمثلة متطرفة، هناك شخصيات متقلبة تميل مع مصالحها، أما أن تحمي نفسك وتمتلك قطعة سلاح فأرى أن هذا الأمر ضروري جدا، وليس له علاقة بالدولة العسكرية بل في دولة القانون يمكن أن أحصل على رخصة للسلاح أدافع به عن نفسي.

قبل أيام قرأت مقالا حول باكستان عن إدارة المخاطر من إيران ومن أمريكا، في تفاصيل المقال، يقول صاحب المقال بأن باكستان أوفدت أقوى شخصية في باكستان مارشال عسكري اسمه (منير) وهو شخصية عسكرية كان له دور في الحرب الأخيرة على حدود باكستان، فدولة القانون سواء كانت في الشرق الأوسط أو سواه، ولو أننا الآن دققنا في حركات ترامب نجد أن أمريكا ليست دولة قانون، مثلا ضيوف يدعوهم ترامب بنفسه الأفارقة ويسخر منهم لذلك أتوقع بأن أمريكا سوف تنهار إذا بقي ترامب رئيسا لها لأنه رجل غير منظّم وغير منضبط.

عموما إذا حدث ذلك في دولة قانون فهذا ممكن، ولماذا نكون متشائمين، من الممكن أن تتغير المعادلات، ومن ثم هناك إرادة إلهية ويوجد تخطيط إلهي، لعله سرعان ما تتغير هذه الأمور، من كان يتوقع زوال صدام؟ وقد تأتي لنا نخبة غير هؤلاء، ونتمنى أن يعم الخير كل المنطقة، لأنه إذا جارك بخير أنت بخير، لهذا أريد سوريا ترتاح وأريد إيران ترتاح وأريد حتى الخليج يرتاح حتى أنا أيضا أرتاح.

فإذا كانت القضية باتجاه تفعيل القوانين الإنسانية الصحيحة السليمة فنحن في خير وبركة، أما إذا لا يوجد قانون، فلن يوجد أي خير، ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن الأمور تأتي لصالح القانون ونتخلص من هذه الورطة العالمية الآن، علما أن الناس العقلاء قلة، والناس المفكرون وأهل الحل والعقد قلّة، يوجد الآن انبهار بشخصية ترامب في العراق ربما أكثر من أمريكا، فهذا سوف يؤثر على مركز القرار العالمي ويجعل المنطقة تغلي في كل مكان.

ووجود هذا الرجل سبب من أسباب الأزمة العالمية، ووجود هذا الشخص سبب من أسباب النكبة التي تحل بدولة القانون، واستشراء العسكرة وأي شيء ضار في الحياة.

الأستاذ حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

التقارب بين النزعة العسكرية والاستبداد

مبدئيا هناك سؤال يُطرَح للنقاش، ما هي أسباب النزعة العسكرية التي أشار لها أغلب الأخوة المتداخلون؟، في تقديري هناك مجموعة أسباب، منها ما يتعلق بالحقبة الاستعمارية وما يتعلق بآثارها، كذلك المسألة الاستبدادية بحكم الأنظمة التي نشرت طباع القوة داخل المجتمع، ومنها ما ظهر في مرحلة لاحقة، أيضا هنالك أسباب دينية خصوصا نشر أو تصدير الثورة كما معروف لدى إيران.

هذا أيضا خلق هذه النزعة العسكرية، والمسألة التي تم الإشارة لها، عمل عليها حزب البعث الذي نشر القومية وشعاره وحدة حرية اشتراكية، أيضا غذى هذا الجانب، إذن هناك أسباب ولدت هذه النزعة العسكرية، وكذلك ولدت الثقافة العسكرية التي أشار لها الدكتور علاء الحسيني، والمقصود بالنزعة العسكرية أين توجه الدولة المجتمع، هل باتجاه سلمي أم باتجاه عسكري؟

إذن هناك مجموعة أسباب أدت إلى نشوء الدولة أو النزعة العسكرية والجانب السياسي باتجاه توظيف الموارد بشكل عام، وتوجد هناك علاقة قوية بين النزعة العسكرية، والاستبداد السياسي، والاقتصاد الريعي، يعني حين يوجد الاقتصاد الريعي هذا يعني هناك قوة متزايدة بخصوص النزعة العسكرية، دائما جهات الدولة سوف تنمو أكثر وتترعرع أكثر ويتزايد دورها في الدول التي يكون اقتصادها ريعيا.  

هناك قدرة عند الحكومة باتجاه توظيف الموارد تجاه تنمية المجتمع تربويا أو صحيا أو علميا، فالاقتصاد الريعي بالإضافة إلى سلبياته الأخرى، فإنه سوف يغذي النزعة العسكرية، فكلما نشتغل على تقليص الأسباب، فأكيد سوف تقل النزعة العسكرية.

أنهي هذه المداخلة بسؤال، هل من الممكن أن تكون الدولة بعيدا عن النزاعات الشخصية هل يمكن أن تكون الدولة مجردة وبعيدة عن الأيديولوجيا سواء كانت دينية أو عرقية أو قومية، يعني تعمل باتجاه تحقيق الأمن فقط، أو العدالة أو الدفاع، والنتيجة كل الأمور تكون موكَلة للناس والمجتمع، بما أن الدولة هي التي تحقق العدالة والدفاع عن المجتمع؟

الأستاذ باسم الزيدي مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

دولة العقد الاجتماعي

الحقيقة لو أننا نرجع إلى صلب الموضوع، الذي يتعلق بمستقبل الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، في ظل نزاعات العسكرة والصراعات الإقليمية، طبعا تأثير النزعة العسكرية والصراعات الإقليمية على الدولة الوطنية، وتراجع الهدف من وراء إنشاء هذه الدولة الوطنية، وانحرافها أو ضعفها عن الدور المفروض أن تؤديه، هذا الأمر تسبب في إيجاد مجموعة من العوامل التي يمكن أن نضعها على شكل نقاط للسهولة.

أولا: كيانات اللا دولة

هذا التأثير ولَّد كيانات اللا دولة التي تتمثل بالميلشيات المسلحة وعناصرها، والتي ترفض بقوة الوقوف إلى جانب الدولة الوطنية، بل في بعض الأمور تفرض آراءها وترفض رأي الدولة الوطنية وقد تحرّف هذا الأمر.  

ثانيا: تعدّد الهويات الفرعية

أدى ذلك إلى توليد ظاهرة خطيرة قد نجدها في الدول الوطنية فقط بالشرق الأوسط، وهي تعدد الهويات الفرعية وهذه للأسف في بعض الأحيان تطغى على الهوية الوطنية، أو الدولة الوطنية أو الهوية الرئيسة التي من المفترض أن تكون عليها الدولة الوطنية.

طبعا هذا الشيء ليس بروز فقط، بل نلاحظ أيضا في بعض الدول الوطنية في الشرق الأوسط توجد فيها عدة هويات وطنية فرعية، وقد تكون الهوية الفرعية بارزة أو طاغية على الهوية الرئيسة وهذه مشكل تحتاج إلى تصحيح. طبعا الكلام حول الهويات الفرعية أدى إلى السبب الثالث وهو:

ثالثا: الفشل في بناء الهوية الوطنية الجامعة

وغالبا ما نسأل ما هي الهوية الوطنية أو الجامعة التي تنضوي تحتها كل القوميات والأديان والمذاهب، ونادرا ما تجد هناك دولة وطنية في الشرق الأوسط لديها هوية وطنية جامعة مانعة، بغض النظر عن اسمها أو شعارها سواء كانت دينية أو قومية أو وطنية أو مبتكرة مثلا، المهم هناك هوية جامعة مانعة لها وهذا نادرا ما نعثر عليه.

رابعا: دولة العقد الاجتماعي

إحدى النظريات لنشوء الدولة الوطنية هي العقد الاجتماعي، فعندما ازدادت العسكرة والصراعات الدولية وفشلت الدولة الوطنية في تأدية واجباتها، هذا الأمر أضعف العقد الاجتماعي، يعني هناك أخلَّ أحد الأطراف أو كلاهما بالعقد الاجتماعي، وبالتالي انتفى، وإذا انتفى وجود العقد الاجتماعي، انتفت الدولة الوطنية، وهذا بحد ذاته ظاهرة خطيرة، لذلك نجد أن العلاقة بين الدولة والشعب أو بين الحاكم والمحكوم في هذه الدول ضعيفة، بسبب ضعف العقد الاجتماعي أو منتهي في حكم الواقع.

خامسا: الضغط على الدولة الوطنية

يمكن أن يعتمد على مجموع الأسباب السابقة لأن هذه الأسباب بمجموعها ولّدت ضغطا على الدولة الوطنية التي هي هشة وضعيفة في الأساس، وغير قادرة على القيام بمهامها، والعديد من الدول الوطنية تصنَّف ضمن البند الدولي بالفاشلة.

هذا الضغط ولّد إما أو، لا يوجد خيار وسطي، في الدول الوطنية الموجودة في الشرق الأوسط، فأما أن تكون دول استبدادية، حتى تحافظ على ما تبقى من الدولة أو تحافظ على واجهة اسمها الدولة، فيرجح الحاكم كفة الاستبداد والضغط والظلم حتى يحافظ على بقاء الدولة أو تكون دولة متفككة تحكمها الهويات الفرعية وتميل إلى الفوضى بعنوان الديمقراطية مثلا، أو بعنوان الحكم الذاتي، إذن أما أو ولا توجد أمور وسطية.

أما الجواب عن السؤال الثاني، أعتقد إن مستقبل الدولة الوطنية يعتمد على أربع عوامل رئيسية، هذه العوامل من الممكن أن تكون سيف ذا حدين، وممكن أن تكون عوامل نجاح أو عوامل فشل بحسب تأثيرها. 

العامل الأول: الجيل الشاب 

ونقصد به هذا الجيل الصاعد الذي يعيش في ظل هذه التناقضات، وشاهد دولته وهي في هذا الانحدار. فمن الممكن أن يسعى إلى التغيير أو يكون عاملا مساهم في الفشل.

العامل الثاني: التعليم والإعلام أيضا.

العامل الثالث: هو التدخل الخارجي حيث يلعب دورا مهما في هذا المجال.

العامل الرابع: المؤسسة الدينية 

من الممكن أن تكون عامل نجاح في حال سعت إلى الإصلاح والتغيير، وإن كان خطابها معتدلا وينسجم مع بناء دولة محترمة وترعى شعبها، ومن الممكن أن تكون عاملا مسيئا إذا نهجت النهج الطائفي أو التمييز الطائفي وغيرها من هذه الأمور. 

الدكتور خالد الأسدي أكاديمي وباحث في مركز الإمام الشيرازي

عوامل خارجية وداخلية لتأجيج الفتن

هنالك سبب رئيس في هذه الدوامة، وهي بناء الدولة، السبب الرئيس هو افتعال الأزمات ومن خلال ذلك إنشاء تخوف بين أفراد المجتمع، هذا كما أعتقد هو السبب الرئيس لعسكرة المجتمع، هنالك من الحكام من يقوم هو بذاته بافتعال هذه الأزمات من باب فرق تسد، حتى يسيطر على جميع أفراد المجتمع.

على سبيل المثال في الدول الإسلامية، الدولة الأموية والدولة العباسية، المتوكل لا يخفى عليكم بأنه حدث نوع من الاستقرار في مجموعة من الأيام للدولة في وقته، افتعل أزمة خلق القرآن، وقال للناس هل القرآن مخلوق أم لا، وجراء ذلك قُتِل 28 ألف شخصا بسبب هذا السؤال، مجموعة قالت خُلق القرآن، ومجموعة أخرى نفت ذلك، ومنهم من قال غير ذلك، فحدث صراع كبير جدا، هذا من باب.

ومن باب ثان حتى في المجتمع الواحد، حتى في المذهب الواحد، واحدة من هذه الأمور ربما تصدمكم هل أن الشيعة أصولية أم إخبارية، هذا الافتعال وضعه العباسيون حتى يفرقوا بين الشيعة، ولإثبات ذلك فإن زعيم المذهب الأصولي الشيخ الطوسي، هو من أسس المذهب الأصولي والتهذيب والاستبصار هما كتابان مهمان في الإخبارية للشيخ الطوسي، لا يوجد هنالك فرق قط، لا في الأصولية ولا في الإخبارية.

ولكن كم قُتل من الفريقين، من الأصوليين ومن الإخباريين، بسبب إنشاء هذه النزعة، فكان الحاكم إذا حدث استقرار في الدولة هو الذي يُنشئ هذا الصراع بين مكونات المجتمع كي يسيطر على الجميع.

هذا أولا وثانيا هنالك عوامل خارجية ممكن الاستعمار هو الذي يفرض هذا الشيء حتى يسيطر على المجتمع، على سبيل المثال في زمن غاندي حصل استقرار في المجتمع الهندي وانتشرت الحريات فالمسلم يتعبد كما يريد والسيخ والبوذي كل على دينه، في يوم من الأيام أحد القصابين الهنود المسلمين ذبح بقرة وعرض لحمها للبيع، في هذه الأثناء مر أحد الجنرالات الإنكليز، حركة الناس كانت طبيعية، قام الجنرال بصبغ وجهه بدماء البقرة، فقُتل في هذه الحادثة أكر من 1000 هندي، لأنه أعطى إشارة إلى أن هذا القصاب ذبح ربّ الهنود فحدث صراع.

من الممكن أن تكون هناك صراعات يفتعلها الخارجي، ويمكن أن تكون الافتعالات داخلية، السبب الرئيس هو التخوف بين أفراد المجتمع، لذلك تذهب الناس إلى العسكرة وشراء السلاح لأنه يوجد تخوف في ذاتها.

أما الإجابة عن السؤال الثاني، إذا رفعنا هذا الخوف عن الناس من الممكن أن نؤسس دولة وطنية منزوعة السلاح، ويمكن أن يكون السلاح تحت تصرف الدولة بشرط أن يتم نزع التخوف عن الناس.

الأستاذ محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي

إفشال التجربة السياسية في العراق

إن التهديدات التي تعاني منها دول الشرق الأوسط، هو التحدي الأكبر الذي يواجه الدول في المنطقة، بالإضافة إلى التهديدات الخارجية، أما الداخلية فإن المنطقة لم تشهد تجربة ناجحة بين الدول، مثلا كان يعوَّل على تجربة العراق بعد 2003 باعتبار أنها ستكون مختلفة عن أنظمة شمولية أو دكتاتورية أو قومية أو طائفية، لذا ستكون تجربة العراق نموذجا بحيث يعول عليها لبناء تجارب مغايرة، لذلك كانوا يعولون على التجربة العراقية، حيث تم إفشالها حتى لا تصدر نموذجا لدول المنطقة.

تم إفشال هذه التجربة من الدول المحيطة بالعراق بشكل خاص، إذ لا يُعقل أن الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص جاءوا عبر المحيطات وأسقطوا نظام صدام وخسروا آلاف المليارات من الدولارات، في سبيل يصنعون بلد بتجربة فاشلة وينسحبون منها، هذا الشيء لا يمكن للعقل أن يتقبله.

حتى ترامب رغم أننا يمكن أن نتفق أو نختلف، ذكر هذا الموضوع وقال إن احتلال العراق كان خطأ، والخروج من العراق كان خطأ أكبر، لماذا اعتبر خطأ، هو يقول لأن النظام كان دكتاتوريا وممكن التوافق معه، أو نفرض عليه شروط لحماية الأقليات مثلا، والحصول على امتيازات وتأمين ما يخص تهديد إسرائيل أو غير ذلك.

أفضل من الفوضى التي حدثت ودخلت مخابرات كل دول المنطقة في الساحة العراقية وفعلت ما فعلت، بالنتيجة اليوم أية دولة من الدول سوريا أو لبنا أو غيرها، عندما يقال لهم خذوا تجربة شبيهة بالعراق يرفضون ذلك، لذلك فشل العملية الديمقراطية التي قاموا ببنائها وحاولوا أن يسوقوها حتى تكون ناجحة للتغيير مثلا في تونس أو ليبيا في اليمن في دول الخليج في سوريا نفسها لم تنجح وفي إيران كذلك. 

حتى الإيرانيون كانوا متخوفين من نجاح التجربة العراقية من الناحية الديمقراطية لأنه بلد كان في قبضة نظام دكتاتوري وعليه حصار وعقوبات وكثير من المشتركات بينه وبين النظام الإيراني وفجأة قيام نظام ديمقراطي بالعراق منفتح فيصبح مصدر تهديد لدول المنطقة الخليج أيضا عارضت هذا التغيير، خصوصا أن هذا النظام أعطى استحقاقات الشيعة التي فقدوها لأكثر من 80 أو 90 سنة من خلال الحكومات التي تعاقبت بعد تأسيس الدولة العراقية.

بالنتيجة كان إفشال التجربة العراقية هو الشغل الشاغل لهذه الدول ونجحت في ذلك، واليوم عدم استقرار هذه الدول تدفع ثمن إفشال التجربة العراقية لأنه أغلب الصراعات التي غذتها طوال 15 سنة انقلبت ضدها، كما لاحظنا سقوط النظام في سوريا، حتى دول الخليج عانت أيضا من هذا موضوع الاضطرابات السياسية.

كذلك توجد إشكالية أرى أننا لم نركز عليها، الشعوب في المنطقة تقريبا تتشابه في بعض الصفات، صفات الدكتاتورية والسيطرة على الآخر موجودة في كل شعوب المنطقة بما فيها حتى الأقليات وهذه مفارقة كبيرة جدا، نلاحظ حتى في حالة أقلية معينة حين تسيطر على الحكم في منطقة معينة نجدها تفرض رأيها بقوة وسطوة السلاح على الآخرين، مثلا هناك شيء غير منطقي وهو العلويون في سوريا، الذين فرضوا رأي الأقلية على الأكثرية، ومجرد أن انهار هذا النظام ظهرت الصراعات على حقيقتها.

مثلما لدينا في العراق ظهر المجتمع على حقيقته، هذه الأنظمة الدكتاتورية التي كانت مدعومة من الغرب أو من المجتمع الدولي، مجرد أن أطيح بها ظهرت الصراعات على حقيقتها، كما حصل في ليبيا وفي سوريا وفي العراق، واي دولة حتى السعودية والإمارات إذا أزيل النظام الحاكم الذي يفرض سيطرته على المجتمع سوف تحدث صراعات ونزاعات واقتتال ممكن أسوأ حتى مما حصل في العراق.

بالنتيجة عدم الثقة وسيطرة الأقلية على الأغلبية، تمنع العسكرة، وقد تكون مطلبا اجتماعيا، وليس فقط مطلبا سياسيا، على سبيل المثال في النظام السابق كان يسيطر أمنيا، لماذا كانت تحدث ضده عمليا تمرد من داخل العراق ومن خارجه؟، رغم قوته الهائلة واستخباراته الكبيرة، السبب هو أسلوب الحكم المتعسف. 

لا يمكن أن يستمر النظام التعسفي من دون مقاومة، ممكن لمدة أشهر أو سنة وسنتين، لكن لا يمكن أن تستمر هذه العملية إلى الأبد، وهذا الشيء من سابع المستحيلات وبالنتيجة يجعل المجتمعات خصوصا الشعبية تحتفظ بالسلاح وتعتبره جزءا من عملية الدفاع عن نفسها كما حدث عندنا بالنسبة للأكراد، وكذلك مجتمعات الوسط والجنوب وهذا موجود لحد اليوم. 

الناس ليس لديها ثقة تامة بالدولة ولم تر أن النظام قوي وفارض القانون على الجميع لكي تتخلى عن سلاحها، وهذا الشيء من أكبر وأبرز التحديات التي عسكرة المجتمع وقيام الدولة الوطنية.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية