الأبعاد الاقتصادية للتعرفات الكمركية الأمريكية

شارك الموضوع :

تدور ورقتنا هذه حول الأبعاد الاقتصادية والسياسية للتعرفات الكمركية الأمريكية، بداية نبدأ بمقدمة بسيطة، إن هذه التعريفات الكمركية ليست جديدة، فدائما ما يلجأ الاقتصاد الأمريكي لهذه الطريقة وفق الوضع والبرنامج الاقتصادي للرئيس، في 2018 و2019 كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وضع أيضا في ولايته الأولى تعرفات كمركية كبيرة وشهدت جدلا كبيرا وتأثيرات كبيرة على النظام العالمي.

ناقش مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية (الأبعاد الاقتصادية والسياسية للتعرفات الكمركية الأمريكية)، حيث قدم الباحث الدكتور حسين السرحان من مركز الفرات ورقة بحثية حملت العنوان المذكور أعلاه، وجرت المناقشة في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام ضمن البرنامج المستمر لملتقى النبأ الأسبوعي وذلك في يوم السبت الموافق 12/4/2025، حيث شارك فيها نخبة من الكتاب والأكاديميين ومدراء المراكز البحثية وقد جاء في هذه الورقة:

تدور ورقتنا هذه حول الأبعاد الاقتصادية والسياسية للتعرفات الكمركية الأمريكية، بداية نبدأ بمقدمة بسيطة، إن هذه التعريفات الكمركية ليست جديدة، فدائما ما يلجأ الاقتصاد الأمريكي لهذه الطريقة وفق الوضع والبرنامج الاقتصادي للرئيس، في 2018 و2019 كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وضع أيضا في ولايته الأولى تعرفات كمركية كبيرة وشهدت جدلا كبيرا وتأثيرات كبيرة على النظام العالمي.

وشهدت نوعا من الحرب أو الصراع التجاري مع الصين، حققت بعض الأهداف لكنها لم تتحقق بشكل كامل، التعرفات الكمركية أو التعرفة الكمركية، نحن لدينا في الاقتصاد ثلاث سياسات أساسية وهي: سياسات مالية، سياسات نقدية وسياسات تجارية.

التعرفة الكمركية قائمة على أساس الحماية الاقتصادية، فقد نجد هنا منتجا محليا أو أي هدف كان أو تتعلق بقيمة العملة أو حجم النقل والدولار الذي يخرج، وفق نظام ميزان المدفوعات، إذن هي عبارة عن رسوم أو ضرائب، لأن الرسوم تُقدَم مقابل خدمة، الضرائب كلا، ولكن هي أقرب للضرائب، فهي ضرائب تُضرب على السلع الأجنبية المستوردة لدولة معينة، وهذه أحيانا أما للحفاظ على السلع الداخلية أو توفير المزيد منها أو توازن التضخم مع المستوى العام للأسعار وهناك أهداف كثيرة لهذا الموضوع.

هذه التعرفات الكمركية وهذه الضرائب التي تفرضها الدول وفق أنظمتها وقوانينها عبر السلطات الكمركية هي من أهداف تنظيم التجارة العالمية، لأنه بدون هذه الأداة سوف يحدث نوع من الإغراق السلبي الذي يمارس من هذه الدول، وهذا يكون عملا فوضويا.

ومثلما هي تعزيز للصناعة المحلية والإنتاج المحلي، وتتحكم بمستوى التضخم الذي يتعلق بالمستوى العام للأسعار وهذه سياسة نقدية بالدرجة الأولى، لكن السياسات المالية والنقدية والتجارية، تتعاون فيما بينها لغرض تصحيح ميزان المدفوعات وسوف نفصل ذلك بشكل كبير، فحتى نقلل من الاعتماد على الاستيرادات من الخارج نفرض هذا الشيء، حتى نحافظ على المستوى العام للأسعار. 

لأن السلع إذا انخفضت في الداخل وانتاجها قليل أو غير كفوء لا يبعث على منافسة المنتج الخارجي فيمكن التخفيف على السلع الخارجية حتى تدخل أكثر، أحيانا تكون هناك سلع يتم فرض ضريبة مئة أو مئة وخمسين بالمئة لكيلا نسمح لها بالدخول لوجود إنتاج محلي من نفس السلعة، وإذا تدخل السلعة الأجنبية سوف أحرم عمالا كثيرين من العمل.

توجد لدينا تسميات عديدة لهذ التعرفة، فتوجد تعرفة نسبية تُفرض بنسبة مئوية على قيمة السلعة، مثلا 10% من قيمة السلعة، أو 20% من قيمة السلعة، أو 150% من قيمة السلعة، وهذا يتحدد حسب نوع السلعة والكمية المستوردة.

توجد سلع وتعريفة كمركية محددة، تفرض على أساس وحدة معينة، يعني نفرض مثلا على الحليب المستورد 10 دولار على كل طن أو 50 دولارا على كل طن، مبلغ نقدي وليس نسبة مئوية، فبغض النظر عن قيمة السلع المستوردة وكميتها نفرض مثلا ضريبة 50 دولارا على كل طن حليب، فتوجد لدينا تعرفة كمركية تجمع بين النسبية والقيمة المحددة.

كذلك توجد تعرفة تعويضية وهي لها دخل بموضوع المواد الخام التي تدخل في الصناعات المحلية، نحتاج أن يكون فيها دعم لكي نعوض المنتج المحلي أو المصنّع المحلي، نعوضه عن طريق تخفيض قيمة السلع أو المواد الخام التي تدخل في هذه الصناعة.

وهناك تعرفة تسمى تعرفة الحماية، وهذه تُفرَض على السلع المستوردة بكميات كبيرة وهذه الكميات الكبيرة قد تهدد الانتاج الداخلي وتضعف المنافسة الداخلية لذلك يحتاج الأمر إلى وضع تعرفة حمائية مسبقة. فهذا المتغير الأساس في هذه الورقة.

هل يمكن أن تستخدم هذه التعرفات الكمركية كسلاح؟، الجواب نعم ممكن أن تستخدم كسلاح، إنه في حال وجود صراع أو إجبار دولة معينة على تبني موقف سياسي معين، أو تبنّي سياسة اقتصادية معينة، يمكن أن أفرض عليها التعرفة الكمركية إذا كانت هذه الورقة رابحة في هذا الاتجاه.

حاليا بالنسبة للصين مثلا من وجهة نظري البسيطة باستمرار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وهذا الضغط الكبير على إيران ممكن تحييد الجانب الصيني عن المنطقة وعن دعم إيران، بمعنى تكون بعيدا عن الدعم السياسي والعسكري أو الاستراتيجي على مستوى العالم للنظام الإيراني، فيشغلها بالتعرفة الكمركية ويتفرغ للنظام الإيراني. من الممكن أن ينعزل بهذا الاتجاه لأن الصين مصدرة بشكل كبير ولديها انتاج مصنّع بشكل كبير.

فمن الممكن إدامة الصراع معها عبر التعرفات الكمركية ومن الممكن أن تؤتي ثمارها، حاليا الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، سببها ارتفاع في الميزان التجاري وأقصد بذلك السلع وهناك ميزان آخر يخص السلع غير المنظورة، فما هي السلع غير المنظورة؟

الميزان التجاري هو سلع وخدمات، أي سلعة مادية وموجودة، ولكن هناك خدمات وسلع هي عبارة عن غير منظورة أو تسمى سلع غير منظورة مثلا خدمات الاتصالات، الإنترنيت، الحماية التهريب الشحن الاتصالات وغيرها هذه كلها خدمات غير مرئية لها كلفتها بين الدول في التعاملات بينها، فمن الممكن أن تفرض ضريبة على هذه الخدمات.

فالسلع المنظورة وغي المنظورة المصدَّرة من الصين إلى أمريكا كبيرة جدا تقارب 470 مليار دولارا، في المقابل السلع الأمريكية المصدَّرة للصين أقل من 300 مليون دولار، وهذا بالنسبة لهم يمثل عجزا تجاريا مع الصين، ولهذا نلاحظ أن التعرفات الكمركية التي فُرضت على الدول أكثر من 170 دولة، بهذا الخصوص راعت الميزان التجاري مع هذه الدول يعني وفق الميزان التجاري لهذه الدول تم فرض تعرفات كمركية.

مثلا العجز التجاري مع العراق كم؟، ومع الكويت ومع السعودية، فيفرض بما يصحح هذا الميزان التجاري، نسبة وتناسب، بمواجهة هذه السلع المصدرة للصين التي كانت مدعومة من الداخل بتخفيض قيمة العملة وزيادة القدرة على التصدير وأصبحت السلع الصينية تبدو في الخارج أسهل وأرخص للحصول عليها قياسا بالسلع الأمريكية وغيرها، فصار هناك نوع من الخلل في الميزان التجاري. وهذا ليس بجديد، بمعنى قبل ترامب عندما بدأت الصين تدخل إلى نادي المنتجين العالميين تمكنت أن تنجح بشكل كبير في هذا الموضوع.

من جانب آخر هناك استراتيجية اقتصادية صينية في 2017 والتي تسمى الوثيقة 79 في سنة 22 لما فرضت عقوبات على شركة هواوي الصين تبنوا هذه الوثيقة، وهذه الوثيقة الاستراتيجية في عام 2027 لا يتم الاعتماد على أي تقنيات أو تكنولوجيا من خارج الصين بل يتم الاعتماد على التكنولوجيا المصنعة في الصين، وضمن الاختراعات الموجودة في الصين، قمة أساس السلع المستوردة والمصدرة في التبادل التجاري بين الصين وأمريكا هي التكنولوجيا والاتصالات والاكتشافات الأخرى.

الصين تسعى خلال عام في سنة 2027 أن لا يكون هناك استيراد للتكنولوجيا من الغرب، وكل الاعتماد يكون على التكنولوجيا الموجودة في الداخل، ويجب أن تكون متفوقة، ولذلك نظروا إلى موضوع الذكاء الاصطناعي يجب تحقيق تقدم كبير فيما يخص هذا الجانب.

وقد اجتمع الرئيس الصيني قبل يومين مع كل شركات القطاع الخاص بما فيهم أحد المعارضين وقد كان مبعدا أصلا وحضر الاجتماع بخصوص التكنولوجيا وأن الدولة تدعم وتستمر بدعم التطورات التكنولوجية في داخل الصين وصولا لهذا الهدف.

فالأمريكان يدركون حقيقة هذه الاستراتيجية ويفهمونها، إضافة إلى (الدليت أي) وهو اسم آخر عند الصينيين للوثيقة 27، أي مسح أمريكا فيما يخص السوق التكنولوجية.

سوف نركز على الصين والولايات المتحدة باعتبار أنهما أكبر اقتصادين في العالم، والنظام التجاري الدولي يتأثر بحركة البضائع والسلع بين هاتين الدولتين، لأنهما أكبر مصدر وأكبر مستورد أحدهما للآخر، بعد فرض التعرفات الأمريكية ردت الصين وهذا الصراع أثر على التبادل التجاري على مستوى العالم وحركة التجارة على مستوى العالم.

أيضا أثرت على قيمة الدولار الأمريكي وهذا أحد الأسلحة التي تستخدمها الصين فيما يخص قيمة الدولار الأمريكي، لأن الطلب الصيني يؤثر في السوق العالمية، فحين زاد الطلب على الذهب تزداد قيمته، وعندما يزيد الطلب على الدولار تزداد قيمته، فحاليا وفق القرارات الصينية تخفيض الطلب وانهاء الطلب والحصول على الدولار الامريكي من البنوك الوطنية وقد يشمل في المستقبل البنوك الخاصة فهذا قد يضعف قيمة الدولار.

في نفس الوقت هذا السبب هو أيضا محفز لترامب، وللأمريكان، لأنه انخفاض قيمة العملة صحيح يؤجل عدم التضخم أو يساهم في ارتفاع مستوى التضخم بالداخل الأمريكي، لكن في نفس الوقت يزيد القدرة على التوفير، فمن الممكن أن يصحح في الميزان التجاري لذلك فإن الصين من غير الممكن أن تتبنى قرار بالمطلق أنه لا نشتري الدولار، أو لا نتعامل به في البنوك الوطنية الحكومية والخاصة.

فهذا قد يعد في المستقبل أن هذه التعريفات الكمركية إذا ما وجدت بعض الدول أن تتحالف ضد هذه التعرفات الكمركية، فقد تتحالف بهذا الاتجاه، لكن نلاحظ الدول الأوربية مثلما فرض ترامب تعريفات هم أيضا فرضوا بالمقابل تعريفات، وفي نفس الوقت عندما تريث ترامب وعلق العمل بالتعريفات الكمركية 90 يوما هم أيضا علقوا التعرفات الكمركية 90 يوما.

يشكو ترامب كثيرا من قضية السيارات الألمانية الموجودة في أمريكا (المارسيدس وبي أم دبليو)، لكن في نفس الوقت السيارات الأمريكية لا تتواجد في المانيا نتيجة التعرفة الكمركية المرتفعة جدا.

نحن في العراق مثلا لا نلاحظ سلعا أمريكية عادية منزلية أو غيرها موجودة في السوق، لماذا لأن التعرفة الكمركية التي نفرضها عالية وهي 78% لذا يقتصر الموضوع على السيارات والأجهزة الطبية، في المقابل توجد لدينا تعرفة منخفضة جدا على الصين وعلى تركيا وعلى إيران، لذا حين تدخل السلع الأمريكية للعراق فهي غالية الثمن جدا، مثلا جهاز الآيفون يصل إلى 2000 دولار، أو سعر السيارة يصل إلى 70 أو 80 ألف دولار. نحن موجودة لدينا هذه المشكلة، حيث يوجد عجز في الميزان التجاري مع العراق لماذا، لأنه في سنة 2024، نحن صدرنا نفط لأمريكا بمبلغ 6 مليار و 643 مليون دولار، وتوجد سلع أخرى كالجلود والنسيج.

نحن لدينا أكثر من أربعين سلعة نقوم بتصديرها إلى السوق الأمريكية، ولكن كم هي قيمتها؟، قد تكون عشرة آلاف دولار أو عشرين ألفا أو ثلاثين ألف دولار، هذا يعني أن تاجرا بسيطا يأتي في زيارة للعراق يأخذها معه بسبب قلّتها، يشحنها ويخرج بها، ولكن بالمجمل في سنة 2024 صدر العراق ما يقارب 7 آلاف و600 مليون دولارا قيمة سلع للولايات المتحدة، مع ثمن النفط العراقي المصدَّر إلى أمريكا.

لذا يحاول ترامب أن يصحح الميزان التجاري مع كل الدول، فقام بفرض هذه التعرفات الكمركية، الدول حاليا كما قال ترامب أن 90 تجاول التواصل معنا بخصوص التفاوض حول التعرفة الكمركية، فقال ترامب استطعنا أن نحصل على 2 مليار دولار وهو رقم بسيط جدا بالنسبة لهم كإيرادات للخزينة.

الدوافع الأخرى الانتخابية أن موضوع التعاملات التجارية غير العادلة يحاول أن يقوم بتصحيحها، ويقصد التجارة بين أمريكا والعالم، ويعتقد أن هذه التعرفة الكمركية قد تكون أداة سياسية تساعد على ممارسة أقصى الضغط على الدول الأخرى لاجبارها للجلوس على طاولة المفاوضات فيما يخص الأهداف السياسية أو الاقتصادية، يعني في المستقبل نحن لا نستغرب إذا سمعنا خبرا خلال يومين أو ثلاث بأن أحد الاوراق المطروحة على الصين أن تتخلى عن النفط الإيراني وتتركه ولا تستورده، أو تتخلى سياسيا مع إيران فيما يخص مشاكل الشرق الأوسط. 

تبقى عندنا ميزان المدفوعات، لكي نعرف ما هو؟، وكيف نتواصل مع الدول ونحدد سياساتها، اقتصاديا وعلاقاتنا الاقتصادية معها أو تجرية وغير تجارية، قروض أو اقتراض، أو تسديد مدفوعات الديون أو غيرها، تدفعنا للتعامل وفق هذا الميزان، كونه مهم جدا، فعلى أساس هذا الميزان نعرف قوة الدولة ونعرف وضعها الاقتصادي بشكل كامل.

ميزان المدفوعات عبارة عن بيان حسابي، يعني عبارة عن تقرير إحصائي، أرقام بمنهجية علمية واضحة، بسيطة ويتضمن أبوابا، ثلاثة أبواب أساسية، وهي الحساب الجاري، وتحويلات أحادية الجانب، وحساب رأس المال، وهذه فيها ميزان، نقد أو عملة صعبة، دولار عملة دولية أو نقد دولي يطلع، ونقد دولي يخرج.

فما هي الأبواب لهذا الميزان؟، يوجد لدينا بالحساب الجاري رقم واحد قيمة الميزان التجاري، الميزان التجاري يخص السلع المنظورة، والتي هي سلع مادية، عندما نصدر سلعة تدخل لنا نقد أجنبي، ولما نستوردها تخرج منا نقدا أجنبي، ميزان التجارة غير المنظورة هي تجارة الخدمات، مثل التأمين والشحن والإنترنيت والاتصالات، والترددات وكل الخدمات غير المنظورة تعتبر ميزان تجارة غير منظورة. فعندما نصدرها تدخل لنا نقدا، ولما نستوردها نحن نصرف النقد، دائن ومدين. 

لدينا أيضا تحويلات أحادية الجانب، فنحن عندما نحصل من الخارج على هبات ومنح وعطايا أو مساعدات وغيرها، بشكل رسمي أو غير رسمي، حتى على مستوى الأفراد المقيمين بالداخل أو الخارج، فهو بيان حسابي يتضمن خروج ودخول النقد الأجنبي بين المقيمين بالداخل والمقيمين بالخارج، هذا يقاس عادة على مستوى ربع سنوي أو نصف سنوي أو على أساس سنوي.

وفق هذا الأساس إذا حصلنا على مبلغ أجنبي فهو دائن وإذا خرج منا النقد الأجنبي فهو مدين، ولدينا دفعات للخارج مثلا الهبة وتحويلات العمال إلى الخارج وسواها أيضا إذا نحصل على نقد فهو دائن وإذا يخرج النقد فهو مدين.

كيف يتم حساب رأس المال، لدينا قروض الأجل المدفوع والمستلمة والمدفوعة، والاستثمار الأجنبي الوافد، واستثمار أجنبي مباشر وغير مباشر، المباشر هو الذي يتضمن الاستثمار بالمحافظ المالية، ويمكن يحدث الاستثمار بالسلع الرأسمالية، أو بالأصول، يعني مثل أصول المعامل، والمصانع، والشركات، أو غيرها ولدينا أيضا الديون، فكل الدول مديونة طبعا، فأقساط الديون المستحقة التي ندفعها والتي تعود إلينا.

قبل فترة تنازلت الحكومة العراقية عن ديونها على دولة زمبابوي، الكل اعترض على هذه الخطوة، وهي ديون قديمة جدا من ثمانينات القرن الماذي في ظل النظام السابق، فهي قليلة جدا أي أقل من مليون و400 ألف دولار تقريبا، العراق لم يتنازل عنها لغرض الإحسان لتلك الدولة، وإنما كلفة استحصالها ستكون أكثر من قيمتها، وهذه تسمى ديون ميتة، وهذه الديون الميتة تتنازل عنها، فتحصل على سمعة جيدة لدولتك فيما يخص الاقتصاد.

ولدينا أيضا حساب رأس المال قصير الأجل وهو الذي يشترى فيه أسهم وسندات قصيرة الأجل، كأن أكون عراقيا أستثمر في السوق الصينية، أو أشتري سندات خزانة أمريكية، وهي على الأكثر أسهم شركات، أما السندات فتخدم جهة حكومية لأن هذا السند هو ورقة مليون دولارا أو ورقة مليوني دولارا، فهو عملة نقدية مثل الـ 100 دولار والخمسين دولار.

الحكومة العراقية مثلا دائما تطرح سندات للبيع، فهي تريد عملة لكي تسدد الرواتب، ماذا تعمل، تبيع سندات خزينة، هذا السندات قسم منها أمده سنة، يعني أنا أبيع هذا السند بمليار دينار، وعليه قيمة فائدة 6% بعد مرور سنة، لذلك تسمى بالدين الداخلي.

ولدينا أيضا سندات يبيعها البنك المركزي، طبعا وزارة المالية يشتري منها التجار، حتى البنك المركزي يشتري من وزارة المالية سندات خزينة، ومن الممكن إذا احتاج هو إلى عملة دولية أو نقدا محليا، يمكنه أن يطرح سندات للبيع خاصة بالبنوك المركزية.

لدينا حركة الودائع مثلا أنا عراقي أو صيني أضع وديعة في أمريكا، فالودائع المستلمة تدخل في الدائن، والمدفوعة تدخل في المدين، الإدخال الأجنبي إذا وافد بالدائن، وإذا خارج بالمدين، لذلك ترامب اليوم في موضوع الاستثمارات الأجنبية الخارجية، هو يشكو من هذا الموضوع، يمكن ملاحظة ميزان المدفوعات الأمريكي في هذا الخصوص، فهو يقول أحدا أهدافي أن أعيد التصنيع إلى داخل أمريكا، لماذا لأن الاستثمار الأجنبي الموجود بالخارج بالهند والبصين أكثر، فلماذا وجود هذه المشكلة؟

أقساط الديون المستحقة نحن لدينا الدين العام دين داخلي وآخر خارجي، الداخلي سندات خزينة في الغالب، والدين الخارجي هو قروض واقتراض حسب مدتها، الذي أحصل عليه يأتيني سواء كان قرضا يأتيني من الخارج أو فوائد مدفوعات دين أستحقه، تأتي فأقوم بإدخالها في الدائن، السندات والأسهم، فأنا عراقي أو صيني أشتري سندات خزانة أمريكية، سواء كنت حكومة أو بنك أو تاجر أو غير ذلك، 

أرصدة البنوك الوطنية من الودائع الأجنبية إذا دخلت لنا فهي زيادة، وإذا نقصت تكون في جانب المدين، (مشهد مصوَّر عن ميزان المدفوعات الأمريكي بالأرقام)، حيث يوجد مليار دولار عجز في الميزان التجاري، ونأتي إلى الحساب الجاري الذي يتضمن جزءا منه سلع وخدمات منظورة وسلع وخدمات غير منظورة.

بالنسبة للنتاج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة كبير جدا، يقارب 19 ترليون دولار، مثلا لدينا ولاية كاليفورنيا فقط النتاج المحلي لها يساوي تقريبا ثلاثة ترليون و100 مليار دولار هذا في ولاية واحدة فقط، وهي رابع اقتصاد في العالم، أما نسبة الحساب الجاري للناتج المحلي فهو مهم جدا، الناتج الإجمالي يساوي 19 ترليون دولار أمريكي لما تكحون النسبة 3.9 يعني يصل إلى حد ناقص 6 لحد كانون الأول 2024، هذا مؤشر خطير جدا.

نأتي إلى الصادرات والواردات، طبعا هذا الجدول بشكل عام لو نقارن الأمر مع الصين فالفرق يكون كبير جدا، الصادرات الأمريكية 287 مليار دولار والواردات 400 وواحد مليار دولار، لا حظ الفرق بين هذين الرقمين، لذلك نلاحظ العجز تقريبا 123 مليار دولار. هذه الإحصائية الأخيرة ومصدرها وكالة التجارة الدولية تأخذ إحصاءاتها من وزارة التجارة العراقية فنحن كباحثين حين نحتاج إلى معلومات نرجع لها، لأنه قبل فترة احتجنا إلى أرقام من وزارة التجارة وحصلنا عليها علكن كيف نتأكد من صحة هذه الأرقام؟، دخلنا على القائمة الأمريكية للتجارة الدولية وجدنا أن تلك الأرقام متطابقة ووجدناها نفسها، فتأكدنا بأن الأرقام الآتية من هذه الوكالة للأمم المتحدة تأتي من الحكومات والوزارات المختصة.

ما المقصود من تدفقات رأس المال؟، المقصود هي الأموال التي تأتي سواء من الداخل أو الخارج، فتدخل في الحسابات المالية، أما الأموال طويلة الأجل، فهي أما قروض طويلة الأجل، أو استثمار أجنبي مباشر أو غير مباشر. هذه الأرقام لكي نفهم لماذا قام ترامب بتصعيد التعرفة الكمركية، هذه الأرقام أحضرتها معي لكي نتأكد هل كانت هذه التعرفات اقتصادية؟، الجواب نعم كانت اقتصادية.

هل تخلو من جوانب سياسية؟، كلا لا تخلو من جوانب سياسية، فكل التعرفات الكمركية، وكل السياسيات النقدية التي تتم نتيجة لتحولات النظام الاقتصادي العالمي المترابط والمتشابك، قد نحقق منه هدفا سياسيا، وقد يكون الهدف سياسي في المرحلة الحالية بالنسبة للصين وهو لإبعادها عن إيران وعن تأييدها لها، وقد تُجبَر في المستقبل على موضوع استيراد النفط الإيراني فهي أكبر مستورد له.

عندما نفرض تعرفة كبيرة عليها، هذا يعني أن قدرتها على الإنتاج تقل، يعني طلبها على النفط يقل، يعني النفط العالمي يقل سعره، وهذا أيضا يعيد سعر النفط إلى مستوى التوازن، كان محددا بـ 60 دولارا تقريبا سعر النفط على المستوى العالمي.

العراق أين من هذا الوضع؟

أولا: الميزان التجاري العراقي مع الولايات المتحدة بصالحنا، لماذا؟، فنحن نصدر لهم نفطا أكثر مما نستورد منهم، فالنفط سلعة أيضا، لا توجد لدينا مشكلة معهم، لذلك لا نتأثر كثيرا بهذه القيمة. 

ثانيا: النفط بحد ذاته ومنتجات التقطير والتكرير وكل المنتجات النفطية التي فرضها الأمريكان، أول 10% غير مشمول بها النفط، وهذا شيء جيد بالنسبة للعراق، فقد فرض ترامب على العراق تعرفة قيمتها 39% من قيمة السلعة، أول عشرة معفية، فقيمتها على النفط فقط قيمتها 29%، ولذلك عندما قالوا إن النفط العراقي معفي حاولت أدقق في الأمر ووجدت أن العراق غير معفي وإنما أول 10% معفية. فنحن في العراق وضعنا جيد كما أننا لا نصدر الكثير من النفط لأمريكا وإنما نسبة ضئيلة جدا.

نأتي الآن إلى قيمة الدولار، كيف نتأثر بهذا الموضوع؟، نحن نتأثر بأسعار النفط، عندما يحدث نوع من الفوضى أو الارتباك أو التراجع في النظام التجاري الدولي نحن نتأذى، أين؟، نحن لسنا تجار، نعم نستورد ونأكل لكن لا نصدّر شيئا، لذا ليس لدينا مشكلة في النظام التجاري الدولي سوى النفط فقط لذلك نتأثر بقيمة النفط فقط، فإذا تراجعت الأسعار يقل الطلب على النفط وتنخفض قيمة النفط أو سعره.

لذلك فإن موازنة 23، 24، 25، في العراق يكون معدل السعر المقدر لبرميل النفط 70 دولارا، وحاليا سعر النفط 64 دولارا، طبعا في العراق ربما السعر أقل من ذلك، ربما أقل من 64 دولارا حسب النظافة وحسب نسبة الشوائب وأشياء أخرى، يعني يكون السعر أقل من 60 دولارا، بحسب الطلب والعرض.

كذلك نتأثر بالجانب الثاني بقيمة الاحتياطات، فقد وصلت الاحتياطات العراقية إلى 110 مليار دولار تقريبا، وهذه الاحتياطات من العملة الصعبة بالدولار، فهذه القيمة عندما تتعطل سلاسل التوريد العالمية تنخفض قيمة الدولار، يعني قيمة احتياطاتنا تنخفض أيضا وهذه نتأثر بها قليلا، ولكن لن يكون التأثير بشكل آني وكبير.

كيف يتعامل النظام الدولي مع هذا الأمر؟، وما هي تداعياته السياسية والاقتصادية على النظام الدولي؟، هذه التداعيات ممكن تدفع بالدول المناوئة لأمريكا للتكتل أو للتحالف فيما يخص مواجهة هذه التعرفات الكمركية، وبما يخص التعامل مع الدولار.

بمعنى يمكن للصين ستذهب أكثر مع روسيا ومع دول أخرى في موضوع البريكس، ثانيا نحن خلال فترة التسعينات وآخر ثلاثين أو أربعين سنة الأخيرة، صار نوع من النظام التجاري الدولي التشبيك فيه بدرجة كبيرة، نتيجة العولمة، فهذا أيضا يحاول أن يعيدنا إلى الدول فيما يخص سياساتها الاقتصادية.

ثالثا، ربما سيكون هناك تغيير في الفلسفة الاقتصادية للدولة، كيف؟، نحن في اقتصاد السوق مثلا الاقتصاد الأمريكي يوجد عرض وطلب لكل السلع، دولار أو نفط أي كان، هذا العرض والطلب باقتصاد السوق يوجب على الدولة ثلاثة نقاط أساسية: أولا حماية من الخارج، النظام والأمن الداخلي، وتفرض تشريعات لسياسات اقتصادية مشجعة لآلية السوق، حاليا من الممكن يحدث نوع من التغيير يعني ما معناه أن قواعد منظمة التجارة العالمية فيما يخص التعرفات الكمركية سوف تتحيّد قليلا نتيجة لسياسات دول يمكن أن تتمادى في قراراتها أكثر مما اتفقت عليه في إطار منظمة التجارة العالمية.

ولكي نغني الحوار ومضمون هذه الحلقة أكثر، يوجد لدينا سؤالان نطرحهما على المشاركين في هذه الحلقة النقاشية وهما:

س1: ما هي الدوافع السياسية والاقتصادية التي أدت إلى فرض التعرفات الكمركية الجديدة؟

س2: كيف تقرأ تداعيات هذا الفرض مستقبل التجارة الدولي، والاقتصادات المحلية، وتحولات النظام الدولي العالمي؟  

المداخلات:

الدكتور علاء الحسيني باحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات

زيادة في المعروض وندرة في الطلب

الحقيقة التحديات كبيرة بل وكبيرة جدا حتى نكاد نلمسها فيما يحصل خلال هذه الأيام من بعض التداعيات على مستوى قيمة الدولار، وبعض الأسعار العالمية التي بدأت تتذبذب ومن ضمنها أسعار النفط التي بدأت نوعما في حالة من الركود والنزول التدريجي شيء فشيء، وهذا سوف يعكس ظلاله على جميع الدول حقيقة، الدول المصدّرة والمستوردة.

لأنه يكون هناك زيادة في المعروض من النفط وندرة في الطلب، قياسا مع الأسعار المنخفضة نسبيا الآن، مقارنة بالأيام الماضية، لذلك هناك تداعيات كبيرة يمكن أن نلمسها قريبا في قادم الأيام، ولكن يبدو أن ترامب وظف هذه الأداة الاقتصادية سياسيا بشكل كبير جدا، للضغط حتى على الحلفاء باتجاه زيادة الإنفاق. 

ومن ضمنهم حلف شمال الأطلسي والحلفاء الأوربيين كي يتجهوا نحو زيادة الإنفاق والمساهمة في الدور الذي كانت تقوده أمريكا بشكل تقريبا منفرد، باعتبارها الشرطي العالمي الوحيد حيث كانت تتدخل في مختلف الأماكن والمناسبات.

لذلك هو يريد أن يزيد من تدخل هذه الدول وإنفاقها وعدم تخصيص نسبة من إنفاقها أو ناتجها المحلي لاقتصادها المحلي، وإنما يوجَّه إلى القضايا العالمية والدولية بشكل أكبر، ولذلك هو بدأ يقطع بمسألة الوكالات التي كانت تمولها الولايات المتحدة ومن ضمنها بعض الوكالات التابعة للأمم المتحدة، الأونروا وغيرها ومنظمة الصحة العالمية.

وإعلان نيته في الانسحاب من اتفاقية باريس الإطارية وغيرها من الخطوات الكبيرة التي أتصور أنه هو في ذهنه يوجه صدمة للاقتصاد العالمي، لإعادة ترتيب أوراق الاقتصاد بشكل علم في مختلف دول العالم وليس فقط في أمريكا، وهو نجح إلى حد كبير في هذا الموضوع، لأنه جعل الدول ومن ضمنها العراق يفكر مليًّا بالمستقبل.

وهذه مناسبة جيدة إذا السياسي العراقي يفكر بكيفية قراءته ليوم غد، بالنسبة للتعرفات التي فرضها ترامب وأثرها على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية بالعالم، أتصور أيضا أن التداعيات على مستقبل التجارة الدولية والاقتصاد الدولي والمحلي كبيرة جدا مثلما ذكرت قبل قليل، ونحتاج حقيقة كعراقيين على أقل تقدير فعلا أن نعيد النظر في سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وبناء اقتصاد عراقي أكثر إنتاجية، اعتما على التنوع وأكثر حداثة.

وكذلك أكثر قدرة على الاستجابة للمتغيرات التي تحصل على المستوى العالمي والمستوى المحلي، وأكثر قدرة أيضا على التعامل مع مثل هذه الخدمات.

الدكتور لطيف القصاب: أكاديمي وكاتب في شبكة النبأ المعلوماتية

محاولات الابتزاز السياسي

ما نحضره هنا هو مطبخ فكري لذا فالاختلاف وارد، طبعا هذه التصرفات (الترامبية)، هناك من يقرأها على أنها في محلها، وهناك من يرى فيها التخبط، هؤلاء المتابعون للشأن السياسي، ونحن نستمع ونحلل ونقارن، على المستوى الشخصي أجد هذه التعرفة الكمركية بمنطق ترامب ليست هي ضرائب وليست هي رسوم وإنما هي إتاوات، وأنا أصر على هذا الموضوع، وقضية الإتاوات موجودة في كل حقب التاريخ.

ابتداءً من الحضارة الآشورية والبابلية، نزولا إلى الفترة العباسية، وهارون الرشيد يخاطب السحاب ويقول أينما نزل المطر سيأتيني خراجه، إلى آخره، يعني هذه القضية وأعني قضية الإتاوات موجودة في كل تاريخ العالم وعادة الإنسان القوي هو الذي يفعل ذلك، فهي إذن أتاوة، حتى أن جناب الدكتور يقول إن (الصفقة السابقة) بين أمريكا والسعودية لم تضر بالاقتصاد السعودي.

طبعا إذا ذهبت إلى الوزارات السعودية والرسميين السعوديين، ستجد تبريرا وإلا فإن محمد بن سلمان كان مخطئا، عندما ابتزه ترامب في ملف خاشقجي وأخذ منه 450 مليار دولارا، ولكن إلى أين تذهب، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود تذهب إلى المعارضة، وأي معارضة؟، المعارضة الرصينة، المعارضة الحقيقية وليس النقد من أجل النقد.

يعني لنبسط الأمر، كم تحتاج سنويا من الملابس، تحتاج مثلا أربع بدلات، فعندما يجبرك شخص ما على أن تشتري 40 بدلة أين ستذهب بها؟، ونستطيع أن نتحدث في هذا المضمار إلى عشرة أيام قادمة، فالقرار متخبط جدا وواضح حتى البيت الأمريكي يقول ذلك، لاحظوا هذا القول 120 دولة قبَّلت مؤخرتي، أليس ترامب هو الذي قال هذا الكلام؟، خرج علينا وزير التجارة وقال كلا هي 90 دولة وليس 120.

فأي تخبط أكثر من هذا؟، يعطي للدول 90 يوما هذا لا يفيد بشيء، توجد لدينا مؤثرات اقتصادية، هذا الأمر واضح حتى لمن لا يعرف الاقتصاد، يقول الدكتور المحاضر مثلا أختلف معك تماما لكن هذه ليست سياسة مالية أو نقدية أو تجارية، بل هذه مضاربات، وسوق مضاربات.

خرج علينا تاجر كبير في اليابان وهو مؤلف اقتصادي كبير، قال في مقابلة على البي بي سي أو سي أن أن، المذيع يقول اكتشفت فيه شخصية أخرى قال له أنت رجل تتحدث الآن بطريقة منطقية وتعطينا دروس في الاقتصاد وفي الأخلاق الاقتصادية أيضا، فقال له هناك مضارب باحث عن الفلس الزائد، أنا أريد السيطرة على العالم، أنا أبحث عن الربح، أنا أريد أن اخدع الآخرين ولكن عندما أجلس وأخاطب الشعب الياباني سأكون أمينا معهم وإلا سأكون خائنا لوطني، فهذا الذي يحدث، فهي مجرد مظاهر استعمارية.

بماذا تذكرنا هذه القضية؟، تذكرنا بفك ارتباط الدولار وهي تعي هيمنة استعمارية امريكية على العالم، وإلا تاريخ العالم كله يرجع إلى الذهب والفضة أليس كذلك؟، هذا هو حكم الغالب على المغلوب، جناب الدكتور أشار إلى نقطة مهمة وقال هذه القضية ليست داخلة في السياسة المالية، هذا صحيح، وليست داخلة في السياسة النقدية صحيح مئة%.

الشيخ مرتضى معاش كاتب وباحث والمشرف العام على مؤسسة النبأ المعلوماتية

إعادة التوازن لميزان المدفوعات الأمريكي

ما يحدث في الواقع حرب تجارية فيها مضامين سياسية كبيرة، ويمكن معرفة ذلك فيما بعد من خلال بناء التحالفات السياسية والاقتصادية، مثلا نلاحظ أن الحلفاء الأقربين إلى أمريكا تقريبا كانت الضرائب المفروضة عليهم قليلة، ولكن كلما تزداد الدول بعدا عن التحالفات تزداد الضرائب إلى أن تصل إلى ضريبة الصين العالية مثلا، وهذه هي دعوة إلى التحالف السياسي والاقتصادي.

القضية الأساسية في الاقتصاد الأمريكي إنه أي اقتصاد في العالم اليوم (والتجربة البريطانية حاضرة) يقود الاقتصاد العالمي يتحمل ضرائب وتكاليف باهظة جدا، لأن عملته تصبح مستباحة في كل دول العالم، وهذا يؤثر تأثيرا كبيرا على الداخل، أي في داخل أمريكا، نحن نتصور أن أمريكا مستفيدة، لكنها كما هي مستفيدة من عملتها كدولار في قيادة النظام العالمي، وإثبات وجودها، فهي أيضا متضررة في الداخل الأمريكي من هذه العملة.

والدليل على ذلك بريطانيا، فالجنيه الاسترليني كان هو يقود العالم، وبعد الحرب العالمية، ولسباب كثيرة ومن ضمنها أن الجنيه الاسترليني كان هو الذي يقود العالم أدى ذلك إلى اضمحلال وضعف الاقتصاد البريطاني إلى حد كبير جدا، والأزمة البريطانية معروفة في الستينات والسبعينات والحركات العمالية، وإلى حد مجيء تاتشر ذات القبضة الحديدية التي أدت إلى تغيير الاقتصاد البريطاني من جديد، والآن هناك أيضا تراجع في الاقتصاد البريطاني.

فاليوم أي دولة بالعالم مستعدة أن تقود العملات العالمية، هل الصين مستعدة لذلك؟، أوربا على عظمتها وقوتها لم تستطع ذلك، حتى بريطانيا انفصلت عن الاتحاد الأوربي لأنها تعف بأن كل دولة إذا تريد أن تتحمل العملة العالمية لابد أن تضحي بشعبها، وليس هناك أي مسؤول أو أي حزب مستعد أن يضحي بشعبه ويضحي بأصوات الناخبين.

لذلك يرى ترامب بأن أمريكا دفعت ثمنا كبيرا والآخرون ركبوا قطار العولمة مجانا، مثل الصين التي جاءت وحصلت على كل شيء جاهزا مسبقا، واستفادت من هذا النظام العالمي الجديد العولمة الجديد فهي التي ربحت وأمريكا هي التي خسرت، والآخرون أيضا ربما ربحوا في هذه المسألة، لذا فإن ترامب يريد أن يعيد عملية تنظيم الاقتصاد العالمي بما يحمي المصالح الأمريكية ومصالح الناخبين الذين وعدهم بإعادة التوازن لميزان المدفوعات.

النقطة الأخرى هي عقلنة الاستهلاك العالمي، لأن هذه القضية لا يزال الاقتصاديون يتحدثون حولها لحد الآن، إن كورونا أدت إلى استهلاك عالمي مفرط، في جميع الجهات، فلو أنك اليوم تقرأ المؤشرات الاستهلاكية، أو مؤشرات الاستهلاك بعد كورنا، مثلا في السفر الزائد، لذلك لازالت أزمة التضخم في العالم مستمرة إلى الآن بسبب الاستهلاك المفرط، حيث تغيرت عادات الناس فاعتادوا على السفر الكثير.

واعتادوا على الاستهلاك الكبير، والآن ازدادت أعداد المطاعم بشكل كبير، والنموذج العراقي الآن واضح، فالعراق قبل كورونا كيف كان والآن كيف أصبح وضعه من حي الاستهلاك، فهذه القضايا موجودة في كل العالم، في إيران تلاحظ ذلك، وفي تركيا أيضا وفي كل دول العالم تراها، ونقصد بذلك قضية الاستهلاك المفرط التي هي تسبب قضية التضخم بحيث لا يستطيعون حلّها إلى الآن.

فهذه القضية سوف تؤدي بالنتيجة إلى ارتفاع السلع، لذلك فإن ارتفاع تكاليفها سوف يؤدي إلى تقليل الاستهلاك، وربما يرون في ذلك حلا لأزمة التضخم، فيضطر المواطن بدلا من أن يشتري له حذائين فيشتري حذاءً واحدا، وبدلا من أن يشتري سيارتين أو ثلاثا، فإنه يشتري سيارة واحدة، فهذا سوف يساعد في عملية بناء الاقتصاد بناء عقلانيا دون وجود ظاهرة الصرف أكثر مما يحتاجه الإنسان فتحدث حالة احتواء التضخم.

أيضا التضخم يعد مشكلة كبيرة ويؤدي إلى سقوط الحكومة، فكل الحكومات تسقط بسبب التضخم، يمكن أن نلاحظ ذلك في أي مكان، الحكومات الأمريكية أو سواها، لنذهب اليوم إلى تركيا التي يوجد فيها تضخم كبير، فالحكومة مهدَّدة بالسقوط.

شيء آخر أجاب عنه الدكتور الباحث، في قضية الأسهم، يقول الاقتصاديون اليوم أن العالم الآن فيه فقاعات للبورصات والأسهم، فهناك فقاعة كبيرة لابد أن تنفجر، ولابد أن تُفقع هذه الفقاعات، هناك وقت معين، لأن هذه الفقاعات كلها كاذبة، فهي مضاربات كاذبة على قيم كاذبة، ولابد أن ترجع الحكومات كلها إلى عملية الاستثمار الحقيقي.

مثلا لدينا شركة أبل، سعرها 3 أو 4 ترليون دولار أو سعر مايكروسوفت، من أين جاء هذا السعر؟، لابد أنها جاءت من المضاربات على الأسهم، فكل الأموال تذهب إلى هناك، فمجرد أن تُفقع هذه الفقاعات الكاذبة، ترجع الأموال إلى الاستثمار الحقيقي وبالنتيجة يؤدي هذا إلى تحريك التصنيع وإعادة إبداعات الصناعة في أمريكا وهذا مطلب أساسي للجمهوريين وللديمقراطيين وليس فقط للجمهوريين. اعادة انبعاث الصناعة، وبالنتيجة تشغيل الأيدي العاملة الكثيرة الموجودة في أمريكا.

النقطة الأخيرة حول التداعيات على مستقبل التجارة العالمي والاقتصاد المحلي، العالم سوف يضطر لأن يسير خلف أمريكا، لماذا؟، لأن التجارب التي حدثت سابقا أثبتت أن أي مشكلة تحدث في الاقتصاد الأمريكي يؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي، يعني انهيار الاقتصاد في أوربا في الصن يؤذي كل دول العالم، وأقل تكلفة في الانهيار هي أمريكا.

سنة 1008 أمريكا استطاعت أن تعيد بناء اقتصادها، لكن أوربا لحد الآن تعاني من المشاكل، وهناك دول كثيرة في العالم لا زالت تعاني من أزمة 2008، اليابان كذلك، والصين أيضا وهي لا تستطيع أن تتحمل انهيار الاقتصاد الأمريكي، فتبقى تلعب الصين مع ترامب إلى حد أن لا ينهار الاقتصاد الأمريكي، فهو يعرف الخطر ومن هو الخسران في هذا الصراع، وترامب يعرف أن الصين لن تلعب معه لحد الوصول إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي وافتعال حرب حقيقية عالمية، قد يصل الأمر إلى هذه المرحلة.

لذلك أتصور أن التداعيات معروفة حتى من قبل الصينيين، الذين سيضطرون التعامل مع ترامب، إلا إذا انسحب لأسباب داخلية، أو يتكرر ما حدث في اندلاع أزمة كورونا. 

 الأستاذ علاء الدين الجنابي 

النظر لترامب كشخصية تجارية

 لم يترك لنا الباحث ما نقوله إلا القليل، بداية أرى أن التعرفات الكمركية لابد أن تُبحَث ضمن سياق، يعني السياسة العامة لإدارة ترامب، كشخصية تجارية، وفي نفس الوقت عنده جنون العظمة، وهذا يدفع به لأن يستخدم كل الوسائل وكل الظروف لإعادة أمريكا بحسب تعبيره إلى الصدارة، أو محاولة الإبقاء عليها في الصدارة. لذلك أعتقد أن التعريفات الكمركية يجب أن يتم بحثها ضمن السياق.

طبعا إصلاحات ترامب الاقتصادية التي يدعيها بنفسه، مثل إلغاء مساعدة المنظمات، وبعض مؤسسات التعليم، ومنظمة التجارة الدولية، وهذا وفر لهم حسبما يقول 2 ترليون دولار، إضافة إلى ذلك سياسته الخارجية وهو فعلا هناك شغل حقيقي، لكن في نفس الوقت توجد في هذا ضرائب، يجب أن يتحملها ويدفعها إضافة إلى سياسته الخارجية.

في تصوري ترامب رغم أن بعض الأمور التي يقوم بها هي إصلاحية فعلا، لكنه إصلاح لا يطاق، لأنه سوف يسرع أولا في إنهائه، وثانيا في إنهاء الامبراطورية الأمريكية وسوف نوضح هذا بعد قليل في الإجابة عن السؤال الثاني.

السياسة الخارجية، أولا مع أوكرانيا التي استحوذ على الغنائم الموجودة لديهم، إضافة إلى ذلك رفع يده عن الناتو، وترك أوربا مكشوفة أمام روسيا، لأن أوربا لا تمتلك لا سلاح ولا تمتلك عتادا ولا جيشا وفي كل شيء صفر تقريبا، امام روسيا.

إضافة إلى سياسته مع منظمة التجارة العالمية وحربه مع الصين، طبعا الصعود الاقتصادي يعطي نفوذ سياسي ونفوذ عسكري وعلى كل الأبعاد، فصراعه مع الصين من أجل خط التجارة العالمي، الصين تريد طريق الحرير، أمريكا تريد خط التجارة العالمي عن طريق الهند ثم إسرائيل ثم ينتقل إلى إيطاليا ثم إلى أوربا. وهذا أيضا هو الذي سيجمع العرب في تحدٍ أمام ترامب.

أعتقد أن هذه السياسات التي يقوم باستخدامها ترامب سوف تعود بالضرر عليه ولن تكون معه، لماذا لأنها أولا ما نراه الآن أن أوربا بدأت تصحو من قضية أنهم ربطوا مصيرهم مع الشخص الخطأ، ترامب من الممكن أن يذهب بعد أربع سنوات ولكن حسب ما أسمع أنهم يقولون الآن بأنهم لا يصح أن يربطوا سياستهم بالمزاد الأمريكي، فكلما جاء رئيس جديد تتغير سياستنا معه وهذا ليس صحيحا لذلك هم يعيدون أولوياتهم وأوضاعهم.

إضافة إلى ذلك حتى العرب في قضية تهجير الفلسطينيين من غزة، مصر بدأت ترى أن هذا الأمر يهدد أمنها القومي، لأن قناة السويس سوف تموت فتمس قضية الأموال إضافة للأمن القومي، الأردن كذلك نفس الشيء، اتحاد أوربا من جهة واتحاد العرب أيضا رأينا بعضه يتجسد على الأرض فقد تعترف فرنسا في الأسبوع المقبل بدولة فلسطينية.

ترامب رجل خبرة في السوق، منذ طفولته ولم يعتمد على أبيه، لذا لديه خبرة اقتصادية متراكمة اعتقد إن حركاته صحيحة ولكن العالم لا يتحملها، ولا الداخل يتحملها، لذلك هذه السياسات سوف تنقلب بالضد عليه.

الأستاذ باسم الزيدي مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث 

ترامب ومحاولة إعادة الأمور لنصابها

لدي ملاحظة بسيطة، ترامب كقائد قد نختلف مع السياسة التي ينتهجها أو نتفق، لكن من وجهة نظر سياسية واقتصادية هو من حقه كرئيس أن يحمي أكبر دولة بالعالم، يحمي اقتصادها وسياستها وفق رؤية هو وحزبه ينتهجانها، ونعرف أن الحزب الجمهوري والديمقراطي مثل السياسة والاقتصاد اللذين هما وجهان لعملة واحدة. فالمهم عند هذين الحزبين بقاء أمريكا تتربع على عرش العالم، هذا أولا.

ثانيا الحرب بين أمريكا وباقي دول العالم وحسب الترتيب ابتداء من الصين نزولا وحسب قوة الدولة، تدور حول الدائرة الفكرية، يعني دائما ما تصنع أمريكا وتكتشف وتقدم للعالم خدمات سواء في التجارة والسلع والخدمات وغيرها، والآخرون هم الذين يستفادون منها، على مستوى التكنولوجيا يمكن أن نضرب المثال التالي: 

يعني أول حاسبة في العالم مثلا ظهرت في أمريكا، وأول لابتوب، وأول موبايل، وأول رقاقة إلكترونية هذه كلها ظهرت في أمريكا أولا، وهكذا قس على الأمور الأخرى، فالحرب هي حرب ملكية فكرية، فأمريكا تصنع هذه البضائع والآخرون هم الذين يستفيدون منها، لذا فإن ترامب لديه هذه الفكرة بحيث يحاول أن يضغط على بقية الدول، وكيف يحصل على حقوق من هذه الملكية الفكرية.

هذا الأمر شبيه بالنهضة التي قامت بها أمريكا في الخمسينات كما أظن وهي الحلم الأمريكي، وانطلق منها عالم جديد أو ثورة علمية، فما يقوم به ترامب هو ليجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، وهو يحاول أن يعيد الأمور إلى نصابها.  

الأستاذ محمد الصافي باحث في مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

اكتشاف الدول الموالية لأمريكا

هناك جزء مما أراد أن يوصله ترامب للعالم، هو أنه يريد أن يبين من هي الدول التي لا زالت على علاقات قوية مع أمريكا، من خلال قرار الضرائب الذي اتخذه على الرغم من أنه تراجع عن التوقيت فجمده لمدة 90 يوما، باستثناء الصين التي عزز الضريبة عليها إلى 125%.

بالأمس قرأت خبرا أن ترامب أخذ يبني على الدول التي لم ترد على الإجراءات التي قام بها، عندما أعلن بأنه سوف يستخدم هذه السياسة الجديدة برفع الرسوم الكمركية عليها، مثلا إذا كانت هناك دولة في أوربا أو غيرها لم ترد بالمثل، فاعتبر أن هذا سلوك جيد وكأنه كان يلوّح بورقة تهديد، ولا ينوي تطبيق هذه الرسوم بشكل حقيقي.

فأراد أن يكتشف من هي الدولة التي لا تزال تدين بالولاء لأمريكا، أو ربما مستشاروه هم من أشاروا عليه بذلك، أو ربما هناك قوى داخل الولايات المتحدة أجبرته على أن يتراجع عن سياسة التعرفة الكمركية، لأنه بالأساس لا أذكر كان من ضمن برنامجه الانتخابي رفع التعرفة الكمركية على الدول.

في حالة إنه رفع التعرفات الكمركية، وهو باقي له ثلاث سنوات في الحكم، لا أعتقد أنه يستطيع أن يكون التوجه إلى داخل الولايات المتحدة لأن إعادة المصانع والنشاط الاقتصادي داخل أمريكا أعتقد يحتاج إلى سنوات طويلة، وليس إلى أشهر، فقضية الاعتماد على الداخل الأمريكي يحتاج إلى برنامج طويل الأمد، ولا يمكن أن يتحقق بخطوة واحدة هي رفع التعرفة الكمركية.

كذلك الركود العالمي سوف يؤثر على الاقتصاد الأمريكي، وعلى المدى البعيد بحكم تحايل الصين على منظمة التجارة العالمية والقوانين الدولية وعلاقاتها غير الرسمية مع كثير من الدول وخصوصا مع الدول النامية، والدول الصغيرة. 

فالصين من الممكن أن تكسب هذه الحرب، كذلك فإن تأثير الدولة الصينية على الشركات الموجودة في داخل الصين، يمكن تعزيز ذلك بسبب العلاقات الكثيرة للصين مع دول متورطة، ودول فاسدة، ممكن أن تتحايل على نظام التجارة العالمي، بالنتيجة من الممكن للصين أن تمول شركاتها من خلال هذه الشبكة غير الرسمية والنتيجة هي أن الصين سوف تتفوق في نهاية المطاف على الولايات المتحدة في السباق التنافسي الاقتصادي.

وأعتقد أنه بداية لاتفاق جديد مع دول أخرى، الآن مع إيران، لاحقا مع روسيا، وحل الأزمة الأوكرانية بدا قريبا، ولاحقا من الممكن مع الصين، وهذا هو الهدف من التصعيد الذي يمارسه حاليا ترامب كونه يريد أتفاقا جديدا مع الصين لأنه سابقا في دورته الأولى وفترة الأربع سنوات الأولى. 

والآن وهو في الفترة الثانية للرئاسة كان دائما يأتي بالصين في خطاباته، باعتبار انه يعتبر الصين المنافس الوحيد والأكبر للولايات المتحدة على مستوى العالم.

الأستاذ حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية

معالجة مشكلة الاختلال التجاري

بالتأكيد هنالك مجموعة دوافع في قضية فرض ضرائب كمركية على أغلب دول العالم، لكن ممكن الإشارة إلى بعض الدوافع الاقتصادية، التي تتمثل بتآكل حصة الاقتصاد الأمريكي من الاقتصاد العالمي، في سنة 1960 كانت مساهمة الاقتصاد الأمريكي في الاقتصاد العالمي هي 40% عام 2023 أصبحت 27%، يعني من 40 إلى 27.

بالمقابل كانت نسبة اقتصاد الصين في سنة 1960 هي 5% في سنة 2023 أصبحت 18%، لاحظ هذه العملية حدث صعود للصين وانخفاض لأمريكا، فالتركيز اليوم على العملاق الصين القادم، هناك من يتوقع في 2050 الاقتصاد الصيني هو الذي يقود الاقتصاد العالمي.

المسألة الثانية تتعلق بالاختلال التجاري الذي أشار له البحث مقدم الورقة، عام 2023 كان 741 مليار دولارا حجم الاختلال، ويعبر عنه بصافي التجارة الخارجية، من حيث السلع والخدمات، يعني الولايات المتحدة تستورد أكثر مما تصدر بـمبلغ 741 مليار دولار، وهذا هو مقدار العجز السنوي، الصين تقريبا من 625 إلى 80، كذلك مسألة الموازنة أيضا لها علاقة بعجز الموازنة.

بالنسبة للتداعيات هذا الأمر سوف يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي، ومن ثم إلى تفاقم مسألة البطالة، على مستوى العالم، لأنه كلما ترتفع الأسعار سوف يقل الطلب ثم يقل النمو الاقتصادي، فمسألة الدوافع هي دوافع اقتصادية.

الأستاذ أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع الحقوق والحريات

إعادة الهيمنة الأمريكية على العالم 

أحاول أن اختصر المداخلة في نقطتين، النقطة الثانية تتعلق بشخصية ترامب نفسه، النقطة الأولى تاريخية تقريبا، وهي كما لاحظنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت بريطانيا هي المتزعمة للعالم من خلال مستعمراتها وجيوشها وهيمنتها وقوة الجنيه الاسترليني، بعد ذلك شهدت تراجعا كبيرا نتيجة تدخل أمريكا التي لم تكن استعمارية بل هي دولة خلف البحار كما كانوا يطلقون عليها وكان اقتصادها ينمو سريعا في داخل امريكا.

وبعد أن تدخلت أمريكا في الحرب العالمية الثانية، وبدأت هيمنتها تظهر للعيان، بدأ أيضا نفوذها الاقتصادي وأذرعها الاقتصادية، حتى أن أول خطوة اتخذتها اسرائيل ورؤوس الأموال اليهودية والإسرائيلية أن ترحل من بريطانيا ودول أوربا إلى أمريكا بمساندة لوبيات قوية.

لا اعتقد أن أمريكا في تلك الفترة كانت تخشى الصين، في منافستها الاقتصادية، كان أمامها الاتحاد السوفيتي فقط آنذاك، ودخلوا في حرب باردة وصراعات مختلفة، إلى أن وصلوا إلى مرحلة معينة انهار الاتحاد السوفيتي وأصبحت أمريكا هي المتزعمة الوحيدة.

ربما لم يتوقعوا خلال عقود قليلة يمكن أن تصل الصين إلى منافسة الولايات المتحدة اقتصاديا وليس عسكريا، الآن الولايات المتحدة أكيد تريد أن تعيد هيمنتها وسطوتها، لكنها وجدت منافسا شديدا لها، دول العالم متفرقة كل في اتجاه، والسياسة دخلت مع الاقتصاد، وهما متلازمان مع بعضهما طبعا.

هنا تأتي شخصية السيد ترامب، فهو يمتلك شخصيتين، شخصية أمام الإعلام، وأخرى خلف الكواليس، حينما يجتمع مع مستشاريه، والقادة، ورؤساء المؤسسات الخاصة، شخصيته أمام الإعلام استعراضية، فمن يتنبّه إلى حركاته، كأنه شخص قادم إلى حلبة مصارعة فيستعرض قوته بطرق عديدة، ويمكن أن الذي شجعه على هذه القضية هي دول الخليج في ولايته9 الأولى، حيث كانوا قد صنعوا له هالة كبيرة بحيث أنه كل ما يريده يأخذه.

ترامب الأن حتى لو يحصل على جزء بسيط مما يعلن عنه، يعتبره جيد، مثلا ضغط اقتصاديا على إيران، فهي اليوم أتت إلى المفاوضات، فحتى إذا لم يحقق شيئا من المفاوضات يعتبر نفسه أنه حقق شيئا ما من دون أن يحصل على مكاسب معينة، مجرد القول إنه رفض الاتفاق الأول وأتى بهم مرة أخرى إلى المفاوضات.

حتى لو عادوا إلى الاتفاق الأول ليس عنده مشكلة في ذلك، بحسب تصوري، كذلك مع دول أخرى حتى الصين الآن إذا حصل منهم مكاسب بسيطة أو شيء آخر حتى يثبت أن خطوته لم تذهب سدى، وهكذا لديه دورة انتخابية انتهت منها سنة وبقيت له ثلاث سنوات يقضيها بهذه الاستعراضات بالإضافة إلى أنه يحافظ على وضعه وشركاته ويريد أن يدخل اسمه في التاريخ مثل بقية العظماء وهذا هو الذي ينقصه كشخصية بمعنى تنقصه العظمة فقط.

الأستاذ عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية

ترامب شخصية مثيرة للجدل

بالطبع لست مختصا في الاقتصاد ولكن يقال إن العراقيين مختصون بكل شيء، أنا باعتقادي إن الموضوع واضح جدا، ترامب هو شخصية مثيرة للجدل وعادة يحاول أن يخرق كل القوانين التي تحكم القواعد الرئاسية والسياسية، مثلا طريقة تعامله مع رئيس أوكرانيا، والشخصيات التي التقى بها وبعض الإنجازات التي تحققت، في قضية الضرائب وغيرها.

هو يحاول بأن يرسل رسالة بأنه سوف يجعل من أمريكا عظيمة أو عظمى مرة أخرى، على أنه دائما يصف الرئيس بايدن بالغبي، ويعتبر أن أمريكا وصلت إلى أضعف حالاتها في هذا الجانب، وهناك فرصة في خطاب انتخابي، لكنه كل هذه الأمور لا تخلو من مصالح شخصية له، سياسة أو اقتصادية كما ذكر باحث الورقة، لكن إذا صحت المقارنة والمقاربة فإن ترامب أشبه بالشخصية (الشقاوات)، فلما يرى أن التجارة بدأ تخسر فإنه يهدّم كل قواعد اللعبة حتى يعيدها من جديد حتى يرتب قواعد اللعبة مرة ثانية.

هناك بعض الشركات أو بعض الشقاوات عندما يلاحظ أن التجارة بدأت تخرج من يده، فإنه (يخربط) كل الغزل حتى يعاد ترتيب القواعد الجديدة، في هذه الفترة يريد أن يشكل قواعد جديدة وفق رؤيته هو، وهنا استذكر شيئا لأحد الأخوان من جامعة بابل كان يقدم رسالة الدكتوراه في قضية استخدام النوى في قضية العازل في المحركات.

فسأله الدكتور وقال له: أنت أين استخدمت هذه النظرية؟، فأجابه بالقول: إنني طبقتها على الأجواء الأمريكية. فقال له الدكتور: وما علاقتنا نحن بالأجواء الأمريكية؟

نحن اليوم كل الذي نلاحظه أن ترامب شخصية دكتاتورية يضغط على الدول ويأخذ ما يريد بالقوة كما تعامل مع دول الخليج ويتعامل مع دول العالم بقوة ويحاول ترتيب العالم بحسب وجهة نظره، لكن عندما نأتي لموضوع العراق، فنحن متى استطعنا أن ندخل في قضية اقتصادية مثيرة للجدل ونعيد ترتيب أوراقها، ومتى يخرج لنا شخص يقول أنا أريد أن أعيد العراق إلى المرتبة الأولى التقدمة؟، وأريد أن أعمل كذا وكذا.

ومتى نستطيع نحن أن نحدث الصدمة، وليس نتلقى الصدمات ونتكيف معها؟، نحن في بلدنا ليس لدينا مشكلة، نناقش الحالات لكن في مساحاتنا الحقيقية التي نشتغل عليها وليس لنا علاقة بالقضايا التي لا تعنينا، هل يدخل الجنة أم يدخل النار، يحلب الخليج يحلب أوكرانيا، يقوم بتخويف أوربا، هذا لا يهمني، نحن الآن ننتظر المفاوضات في عمان، إذا لم تنجح فقدنا الغاز الإيراني، وفقدنا الكهرباء، ولكن إلى متى نبقى نجمع كرات من خلف الهدف؟

لماذا لا نكون لاعبين في الساحة، فعلا نحن نحتاج أن نكون لاعب حقيقي في قضية العالم، ولا أعتقد أن قطر هي دولة تستحق أن تكون لاعبا عالميا، وهي اليوم أصبحت هكذا، لا تأريخها ولا جغرافيتها ولا كل شيء يدل على قوتها، لكنها الآن أصبحت لاعبا في الساحة السياسية، ولكن نحن متى نصبح (لاعبا) ويكون لنا رقم في هذا الجانب.


اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية