الموارد البشرية وتحديات رأس المال الاجتماعي

شارك الموضوع :

أن الاعتماد على فرق العمل التي يتم تنشئتها على الثقافة العامة للمنظمة هو الأسلوب الكفيل في المعالجة فيجب أن تتوجه إدارة الموارد البشرية إلى إيجاد رأس المال الاجتماعي والابتعاد عن التوجه الفردي، إذا علمنا بأن الحياة تتصف بالحركة المستمرة والتعقيد

في كل مجتمع تنشأ علاقات اجتماعية بين الأفراد، وطالما اختار الإنسان التجمع السكني الحضري بدلا من التجوال في الصحاري، فإن هذا الخيار فرض على الناس أن يقيموا علاقات فيما بينهم، فإذا كانت علاقات تعاون وتبادل خبرات بشكل منتظم وخطَّط له، يزدهر رأس المال الاجتماعي الذي هو حصيلة هذه العلاقات المتبادَلة. 

وقبل الدخول في صلب هذا الموضوع، لابد أن نلقي ضوءًا على مصطلح ومفهوم رأس المال الاجتماعي (بالإنجليزية: Social Capital)‏، فهو مصطلح اجتماعي يدل على قيمة وفعالية العلاقات الاجتماعية ودور التعاون والثقة في تحقيق الأهداف الاقتصادية. ويستعمل المصطلح في العديد من العلوم الاجتماعية لتحديد أهمية جوانبه المختلفة. 

وبمفهوم عام، فإن الرأس مال الاجتماعي هو الركيزة الأساسية للعلاقات الاجتماعية، ويتكون من مجموع الفوائد التي يمكن تحقيقها من خلال التعاون ما بين أفراد وجماعات مجتمع ما وتفاضلية التعامل معه. أما درجة هذا التعاون وطبيعة الثقة القائمة فإنها تنعكس على الدور الذي تؤديه الموارد البشرية للمجتمع، وهذا بالطبع مرتبط مع جودة العلاقات التي تنعكس على جودة الإنتاجية لدى الأطراف المتعاونة. 

وحول مفهوم رأس المال الاجتماعي، كما يشير المختصون، ومنهم «بوتنام» الذي يرى بأن رأس المال الاجتماعي عبارة عن علاقات أفقية بين الناس، فرأس المال الاجتماعي يتألف من شبكات اجتماعية وشبكات مشاركة مدنية، وعادات مشتركة لها تأثير على إنتاجية المجتمع. يعرف رأس المال الاجتماعي بأنه الشبكات الاجتماعية والأعراف المرتبطة بها من موثوقية متبادلة. وهذا يعني كلما تعززت هذه العلاقات وتطورت وتحسنت سوف يكون الإنتاج في أفضل حالاته.

لذا على الرغم من تنوع وتعدد التعاريف، يتضح أن رأس المال الاجتماعي له دور فعال في تحسين إنتاجية الموارد البشرية، فمع وجود تعريفات مختلفة للمصطلح، إلا أنها جميعاً تتركّز حول فكرة أساسية وهي أن للرأسمال الاجتماعي قيمة تؤثر على إنتاجية الفرد أو المجموعة.

أما جوهر موضوعنا هذا فهو يتعلق بالتحديات التي من المتوقع والممكن أن تواجه المنظّمات، ومن هذه التحديات:

أولا: العولمة

لقد سمّيَ عصرنا الحالي بعصر العولمة، نظرا للتأثير الكبير الذي أحدثته -العولمة- في أنماط السلوك والتفكير، والتأثير في طبيعة العلاقات ما بين الأفراد الذين يشكلون الموارد البشرية، وقد فتحت العولمة آفاقا كبيرة في العلاقات الاجتماعية، وأتاحت فرصا مهمة لتعزيز إمكانيات الموارد البشرية بعد التطور الكبير في التعليم والخبرات المتبادلة، وطرائق العرض والتبادل السلعي وحرية التجارة العالمية. 

ثانيا: تحديات مجتمع المعرفة

كلّما ازداد معارف المجتمع، بات إنتاجه أفضل وأكثر، وصارت الفرص المتاحة كثيرة، مما يؤدي بالنتيجة إلى تعدد الخيارات، وتنوع الفرص، ومن ثم مضاعفة الانتاجية التي تحققها الموارد البشرية بسبب تنوع وتزايد المعارف والمعلومات في مجالات العمل والعلاقات أيضا.

ثالثا: سوق العمل

إن تكاثر أسواق العمل تفتح آفاقا عديدة أمام العمالة، لاسيما الماهرة، مما يؤدي إلى تعدد وتنوع المتاح منها أمام الموارد البشرية.

رابعا: الفقر

تعدّ ظاهرة الفقر (العالمي) من التحديات الكبيرة التي تواجهها المنظمات، فالنظام الرأسمالي يذهب باتجاه العمالة الرخيصة من أجل تحقيق أرباح أكثر، وهذه العملية تحدّ من فرص تطوير العمالة، بالإضافة إلى بقاء نسبة الفقر على حالها، أو تزايدها.

خامسا: الضرائب

برزت مشكلة الضرائب بعد أن حاولت الجهات الرسمية ممثلة بالحكومات لفرض الكثير من الضرائب على المنظمات، وما تنتجه من سلع مختلفة، مما يؤدي بالنتيجة إلى مشاكل مضاعفة، بدلا من السعي لتقليل هذه المشاكل وتقديم الحلول اللازمة لها.

ومن التحديات أيضا الاستثمار، والانفتاح على الثقافات المتعددة، والتحالفات، والمشاركات، وهذه كلها تمثل تحديات لابد أن تبادر المنظمات لمعالجتها علميا وعمليا.

خلاصة ما يمكن استنتاجه حول هذا الموضوع، وبحسب المعنيين بدراسة رأس المال الاجتماعي، فإن أداء المنظمات ما زال دون المستوى إذ يمثل التحدي هو قدرة المنظمة على الدراسة الواسعة للترابط بين العاملين والثقة التي تكون بينهم والقيم المشتركة التي تربطهم، إذ من المهم جدا أن يكون أعضاء فريق العمل ملتزمين بالنشاطات التعاونية وإذا خلصنا إلى أن التحدي يتمثل في رأس المال الاجتماعي، فكيف تستطيع هذه المنظمات مواجهة هذا النوع وهي تمتلك الأعداد الهائلة من الموارد البشرية ذات الاتجاهات والقوميات والقيم المختلفة والأهداف المتنوعة، بمعنى لابد من وضع الخطط التي يحسن العلاقات بين القوى العاملة، وتطور الثقة بينهم، وتحسين علاقات التعاون حتى تكون النتائج مقبولة وضمن دائرة النجاح.

لذا يرى الخبراء المختصون (بأن الاعتماد على فرق العمل التي يتم تنشئتها على الثقافة العامة للمنظمة هو الأسلوب الكفيل في المعالجة فيجب أن تتوجه إدارة الموارد البشرية إلى إيجاد رأس المال الاجتماعي والابتعاد عن التوجه الفردي، إذا علمنا بأن الحياة تتصف بالحركة المستمرة والتعقيد). 

وعليه فإن بناء العلاقات الاجتماعية الإيجابية المتطورة في زمن سادت فيه الاتصالات التكنولوجية عالية السرعة والعولمة وهما مرحلتين مهمتين في حياة المنظمات وهو في حقيقة الأمر غاية في الصعوبة والأهمية في الوقت ذاته خاصة إذا تم الأخذ بنظر الاعتبار كثرة الموارد البشرية العاملة والذين يحملون انتماءً ضعيفا والتزاما قليلا مستنبط مما يحملون وليس مما تفرضه ثقافة منظماتهم.

اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية