في عالم يتسم بالتغيرات والتحولات بما في ذلك التحولات الرقمية والذكاء الاصطناعي والتحولات الديموغرافية، وفي سياق التحديات الكبيرة التي واجهها الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية من جائحة كورونا وأزمة التغير المناخي وانعدام الامن الغذائي الى التوترات الجارية والتوترات الجيوسياسية (الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها)، والتي زادت من حالة عدم اليقين والضبابية في الاقتصادي العالمي مما أدى الى ضعف النمو الاقتصادي وزيادة حدة تفاقم عدم المساواة والحرمان والانكشاف إزاء المخاطر الصحية والاجتماعية والتعليمية والحقوق الأساسية، أصبحت هناك حاجة ملحة لتبني سياسات اقتصادية جديدة لدفع عجلة للتنمية المستدامة.
وعليه، فقد برزت خلال السنوات القليلة الماضية توجهات نحو الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بوصفه أحد أهم الأدوات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي ومساهماته المتنامية في الناتج المحلي الإجمالي وتحفيزه لتوليد فرص العمل وتعزيز التمكين الاقتصادي(1).
ويشمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التعاونيات والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات والمشاريع التعاضدية وكيانات أخرى تعمل وفقاً لقيم ومبادئ اجتماعية وتضامنية، ويشكل هذا الاقتصاد حلقة وصل بين القطاعين (النظامي وغير النظامي) ويعزز التماسك الاجتماعي من خلال التركيز على قيم الانصاف والتعاون والمعاملة بالمثل والتضامن والديمقراطية(2).
ويتضمن الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مجموعة واسعة من الكيانات التي تجمعها مبادئ مشتركة للتعاون الطوعي، والمساعدة المتبادلة، والحوكمة الديمقراطية والتشاركية، والاستقلالية، وأولوية الأفراد.
مخطط (1) دور الاقتصاد التضامني والاجتماعي
{img_1}
المخطط من عمل الباحث
وقد احتل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني مكانة بارزة في منظومة الأمم المتحدة مع انشاء مجموعة عمل الأمم المتحدة بين الوكالات بشأن الاقتصاد التضامني، وترتبط العديد من المصطلحات ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد التضامني مثل الاقتصاد الاجتماعي والقطاع الثالث والمنشأة الاجتماعية والقطاع غير الهادف للربح والاقتصاد البديل والاقتصاد الشعبي، ومنذ مطلع القرن الحالي اعتمد أكثر من 20 بلداً تشريعات بشأن الاقتصاد التضامني وتعكف العديد من الدول على اعداد سياسات وطنية بشأنه(3).
ويؤدي هذا الاقتصاد دوراً مهماً في تعزيز الإدماج الاجتماعي للناس، لا سيما الأكثر تهميشا، من خلال توفير النفاذ المستدام إلى سوق العمل فضلاً عن التعليم والصحة والسكن.
ويمكن للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يلعب دوراً هاماً في التنمية المستقبلية بخاصةً عندما يتم تقديم فوائده بشكل صحيح، نظراً لأن الاقتصاد الاجتماعي والقائم على التضامن يشجع العدالة الاجتماعية لأنه يمكّن المستبعدين من سماع أصواتهم، ويسمح بالتوزيع العادل للثروة، ويعزز وصول الجميع إلى الخدمات الأساسية
مخطط (2) قيم الاقتصادي التضامني التي تميزه عن سائر فروع الاقتصاد
{img_2}
المخطط من عمل الباحث بالاستناد الى منظمة العمل الدولية، العمل اللائق والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مؤتمر العمل الدولي، الدورة 110، التقرير السادس، جنيف، 2022، ص12.
واعترافاً بالدور المحوري للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، تضمنت الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للجنة الأمم المتحدة للتنمية الاجتماعية ولأول مرة عقد المؤتمر الدولي حول التعاونيات والاقتصاد الاجتماعي والتضامني شارك فيها العديد من المختصين وأصحاب المصلحة لمناقشة تعزيز التضامن والتماسك الاجتماعي والاقتصادي من خلال الاقتصاد التضامني بوصفه مسار لتحقيق اهداف التنمية المستدامة. وقد أكد المشاركون على الدور المهم الذي يلعبه هذا الاقتصاد في مواجهة التحديات العالمية وتعزيز التنمية المستدامة، كما ناقش ممثلو الحكومات وأصحاب المصلحة وضع استراتيجيات عملية، مثل وضع أطر قانونية داعمة، وتعزيز إحصاءات شاملة وقابلة للمقارنة دوليًا للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ودمج مبادئ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في المناهج التعليمية وأجندات البحث، وتعزيز مشاركة الجهات الفاعلة في هذا الاقتصاد في صنع السياسات الوطنية والعالمية(4).
وتُعدّ التعاونيات أكبر الكيانات في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، إذ تُسهم إسهامات كبيرة في الاقتصاد الوطني من خلال معالجة إخفاقات السوق، وتمكين الفئات المهمشة، وخلق فرص العمل، ودعم التنمية المستدامة، وعلى الصعيد العالمي يوجد حوالي 3 ملايين تعاونية، و10% من العمال حول العالم إما موظفون في تعاونيات أو مالكون لها، وتدر أكبر 300 تعاونية في العالم إيرادات تزيد عن 2.1 تريليون دولار، مع توفير العديد من السلع والخدمات الأساسية.
أما في الدول العربية شهد القطاع التعاوني على مدار العقدين الماضيين نمواً كبيراً في الحجم والفعالية، إذ بلغ عدد التعاونيات نحو 27262 تعاونية وارتفع عدد أعضائها الى 563.776 ألف عضو في عام 2019 بالمقارنة مع 1163 تعاونية توفر 24719 وظيفة في عام 2008، وقد شكلت التعاونيات المخصصة للنساء 12.6% تضم 22400 عضوة(5) .
ختاماً، إن الاقتصاد التضامني والاجتماعي محوره الانسان ويتمثل الهدف الأساسي له في تلبية احتياجات الناس وليس لتحقيق الحد الأقصى من الأرباح، وهو يختلف عن النماذج الاقتصادية القائمة على الربح، فهو يُسخر الإمكانات الاقتصادية لخدمة غايات اجتماعية وتحقيق الرفاه والعدالة والمساواة والنمو المستدام، كما يركز على مؤسسات اقتصادية لخدمة الناس وليس الأسواق، وينتج سلعاً لتحقيق الرعاية الاجتماعية وليس الربح.
المصادر:
1- الاقتصاد الاجتماعي والتضامني: خطوة الى الامام للقضاء على الفقر في تونس، البنك الدولي، متوفر على الرابط،
2- الاسكوا، الاقتصاد الاجتماعي والتضامني محركاً للإدماج الاجتماعي والاقتصادي، الأمم المتحدة، بيروت، 2024، ص2
3- منظمة العمل الدولية، العمل اللائق والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مؤتمر العمل الدولي، الدورة 110، التقرير السادس، جنيف، 2022، ص12.
4- التعاونيات والاقتصاد الاجتماعي والتضامني: آفاق جديدة في لجنة التنمية الاجتماعية، متوفر على الرابط، https://2025.coop/ar/2025/03/17/sse-milestone-csod/
5- الاسكوا، المصدر السابق، ص3.


التعليقات (0)
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!