تعود اهمية تطبيق استخدام التكنولوجيا في الاعمال الحكومية او ما يسمى الحكومة الالكترونية الى ما ينتج عنها من تبسيط في الاجراءات والمعاملات الحكومية ونقلها نوعيا من الاطر اليدوية الى الاطر التقنية الالكترونية المتطورة والارتقاء بكفاءة العمل الاداري وارتفاع مستوى وجودة الاداء الحكومي وتوفير الوقت والجهد والمال على المستوى الوطني.
هذه الأهمية للحكومة الالكترونية دفعت مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الى جعل ملتقاه الشهري يوم السابع من شهر كانون الثاني الجاري يدور حول هذا الموضوع من خلال ورقة بحثية أعدها الباحث حامد عبد الحسين خضير الجبوري تحت عنوان (الحكومة الالكترونية وتحديات التطبيق في العراق)، وذلك في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وبحضور مجموعة من الأكاديميين والباحثين.
لقد بدأ الباحث كلامه متسائلا عما نقصده بالحكومة الالكترونية ومدى أهميتها والخصائص التي تتميز بها، وأبرز التجارب التي شهدتها المنطقة واهم التحديات التي تواجه هذا التطبيق في العراق، وللإجابة عن كل تلك الاستفسارات نجد ان المقصود بالحكومة الالكترونية لدى الامم المتحدة، هو استخدام تكنلوجيا المعلومات والاتصالات من مثل شبكة ربط الاتصالات الخارجية ومواقع الانترنيت ونظم الحاسب الالي بواسطة الجهات الحكومية. ويمكن تعريفها ايضا بانها عملية تغيير وتحويل العلاقات ما بين المؤسسات والمواطنين، من خلال تكنلوجيا المعلومات بهدف تقيم الافضل للمواطنين وتمكينهم من الوصول للمعلومة، هذا مما يوفر مزيدا من الشفافية ويحجم الفساد ويعظم العائد ويحقق النفقات الى جانب ذلك هي تتميز بمجموعة الخصائص الاتية:
اولا: تجميع كافة الانشطة والخدمات المعلوماتية في موضوع واحد وهو موقع الحكومة الرسمي على الانترنيت.
ثانيا: السرعة والدقة في الإنجاز والاداء بين الدوائر الرسمية من ناحية ولكل دائرة على انفراد من ناحية اخرى.
ثالثا: اتصال دائم بالمواطنين خلال(24) ساعة في اليوم و(7) ايام في الاسبوع و(365) يوم في السنة.
رابعا: تامين كافة الاحتياجات الاستعلامية والخدمية للمواطنين من دون الذهاب الى موقع الدائرة.
خامسا: تقليل الاعتماد على العمل الورقي
سادسا: الشفافية في العمل
سابعا: اذابة الحدود الجغرافية وتلك المتعلقة بالسكان.
فأهمية الحكومة الالكترونية تأتي من توفير المعلومات عن اغلب مجالات الحياة الادارية والتجارية والاقتصادية والسياسية وغيرها، والسرعة في الوصول اليها مع تخفيض التكاليف التي تبذل في ظل الحكومة التقليدية، كما تؤدي عند تطبقيها الى تقليص حجم الفساد وخصوصا المالي والاداري الذي يحصل في ظل سيادة البيروقراطية، وكثرة الاجراءات المعرقلة لإنجاز المعاملات بكافة اشكالها وانواعها.
وكذلك تؤدي الى تسهيل التعامل ما بين القطاعين العام والخاص، وذلك بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني وتحسين عملية التعامل التجاري، والذي يطلق عليه في ظل الحكومة الالكترونية بالتجارة الالكترونية ما بين الاقتصاد المحلي والدولي، كما تزيد من فاعلية التسويق والتسوق الالكترونيين من قبل الجمهور، وذلك من خلال الحصول على السلع والخدمات دون الذهاب الى موقعها، كما هو الحال في الدول المتقدمة حيث يستطيع الفرد في هذه الدول، ان يتسوق عبر شبكة الانترنيت من اي بلد شاء تتوفر فيه الحكومة الالكترونية، هذا ما يشجع على التصدير عن طريق الترويج والتسويق الالكترونيين، ومن ثم زيادة الطلب على المنتجات المحلية وفتح مصانع جديدة والتقليل من البطالة وزيادة تخصيصات الدولة فينتعش الاقتصاد،.
وفي هذا الصدد اشار استطلاع الامم المتحدة للحكومة الالكترونية لعام(2016)، بعنوان (الحكومة الالكترونية بدعم التنمية المستدامة) الى ان اغلب الحكومات تبني تكنلوجيا المعلومات والاتصالات، لتقديم الخدمات واشراك الناس في عملية صنع القرار في جميع مناطق العالم، ويشير ايضا الى ان هناك اتجاه عالمي ايجابي نحو مستويات اعلى من تنمية الحكومة الالكترونية. لذا اصبح من الضروري للإدارة السياسية ان تقوم في كافة انحاء الدول خصوصا النامية منها، بتطبيق الحكومة الالكترونية لمواكبة الحاجات والتغيرات الادارية والخدماتية على الصعيدين المحلي والدولي، وتحقيق اهداف الادارة والحكومة والمجتمع فالإدارة العاجزة عن الخوض في العصر الرقمي هي ادارة عاجزة عن مواكبة التطور والتقدم المعلوماتي واحتياجات مجتمعها، وبالتالي فهي ادارة فاشلة وضعيفة الفائدة والانتاجية، ولأجل مواكبة التطور الافتراضي في الدول المتقدمة ولتلبية الاحتياجات المحلية استطاعت بعض دول المنطقة ان تتقدم اشواط طويلة في تطبيق الحكومة الالكترونية، ومن ابرز هذه الدول هي البحرين والكويت والسعودية وقطر، حسب ما اشار اليه تقرير الامم المتحدة الخاص بدراسة الحكومة الالكترونية والذي يتضمن (193) دولة لعام(2016)، ويعتمد على مؤشر تطوير الحكومة الالكترونية الذي يتم بنائه على ثلاث مؤشرات:
مؤشر خدمة الانترنيت
مؤشر البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية
مؤشر راس المال البشري
حيث تقع هذه الدول ضمن المراكز الخمسين الاولى على مستوى العالم، اذ تحتل البحرين المرتبة(24) والامارات(25) والكويت(40) والسعودية(44) وقطر(48) في عام(2016)، علما ان هذا التقرير يصدر كل سنتين مرة واحدة وتتراوح النسبة المئوية لمستخدمي الانترنيت لهذه الدول من (70 الى 80%) من مجموع السكان، لاسيما وان استعمال الانترنيت يعبر عن ثلاث قضايا وهي:
_ الامية
_ مدى توفر البنى التحتية
_ الدخل
اما بالنسبة للعراق فقد تبنت الحكومة الحالية ضمن برنامجها الحكومي (2014/ 2018)، تطبيق الحكومة الالكترونية لرفع الكفاءة والانتاجية وغلق الفساد، وعلى الرغم من وجود الحكومة الالكترونية في العراق على شبكة الانترنيت حيث تسمى حكومة المواطن الالكترونية، والتي يمكن من خلالها تقديم الطلبات الى(52) جهة رسمية من وزارات ومحافظات وجهات أخرى، الا انها لا تزال غير فعالة بشكل حقيقي حيث يمكن الاطلاع على المعلومات والاجراءات، مع امكانية تنزيل الاستمارات المطلوبة من دون انجاز المعاملات الا بشكل محدود، اي انها لم تعمل كما هو الحال في البلدان المتقدمة وبعض دول المنطقة المشار اليها اعلاه، وهو ما يؤكد محدودية دور الحكومة الالكترونية في العراق هو احتلالها المرتبة(141) ضمن مؤشر تطوير الحكومة الالكترونية التابع للأمم المتحدة، وان النسبة المئوية لمستخدمي الانترنيت تتراوح من بين (20 الى 25%) من مجموع السكان.
وعليه لابد من التركيز على أبرز التحديات والحلول المطروحة لإقامة الحكومة الالكترونية في العراق من خلال طرح السؤالين التاليين:
السؤال الاول: ما أبرز التحديات التي تواجه الحكومة المحلية في العراق؟
-الدكتور حسين احمد السرحان الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية، يعتقد ان الحكومة الالكترونية هي نموذج جديد للعلاقة الافقية والعمودية، خصوصا وان العلاقة الافقية هي عبارة عن العلاقة بين الجمهور ومؤسسات الدولة، والعلاقة الافقية هي علاقة بين مؤسسات الدولة القطاع العام ومؤسسات القطاع الخاص والأهلي، فان التحدي الحقيقي يكمن في وجود ارادة نظام سياسي يسعى الى سد الفجوة بينه وبين الجمهور، ويهتم كثيرا بسهولة وشفافية وصول الجمهور لمؤسسات الدولة سيكون هناك، تحديات اخرى تتعلق بجوانب اقتصادية فالدخول في العراق لا زالت لا توجد فيها عدالة وهذا مما يؤثر بشكل كبير على استخدام الانترنيت، ايضا قضية التعليم لها دور كبير خصوصا وان ما بعد(2003) حصل تراجع كبير في هذا المجال.
_ الدكتور حيدر ال طعمة التدريسي في كلية الادارة والاقتصاد والباحث في مركز الفرات رأى: إذا ما اردنا تطبيق هذا النظام وان نوجد حكومة الكترونية، يجب ان يكون هناك اسس لتطبيق هذا النظام، ومن ابرز هذه الاسس توفر البنى التحتية من الجانب التقني والمعلوماتي، لاسيما ونحن نلاحظ ان البنى التحتية الخاصة بالطاقة الكهربائية غير متوفرة والانترنيت هو الاخر ضعيف، بالإضافة الى ذلك الثقافة الاقتصادية وهي تحتاج لفترة من الزمن وان تبدأ بدوائر معينة ومن ثمة تنطلق الى دوائر اخرى.
-الشيخ مرتضى معاش رئيس مجلس إدارة مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام، يذهب الى ان التحدي الاكبر الذي يقف امام الحكومة الالكترونية، هو النظام البيروقراطي المعمول به في العراق وهو الحائل الحقيقي امام تشكل تلك الحكومة، فعلى سبيل المثال البطاقة الوطنية اصدار حكومي لكن النظام المعمول به في الدولة يرفض التعاطي مع هذا النموذج الجديد، ويسعى ايضا الى محاولة التشبث بمشروع جلب المستمسكات الرسمية الاربعة، لذا لابد من الذهاب نحو الدولة الرشيقة والمرنة، وان لا نكون اسرى للدولة الجامدة التي من طبيعتها العمل على ضرب مصالح الناس، وهي بطبيعة الحال دولة غير منتجة فالحكومة الالكترونية حكومة تهتم بالناس وتهتم بالوقت، وهي تسعى الى المزيد من الانتاجية وتستثمر الوقت، وكذلك لابد من الاعتماد على ثقافة الناس وعلى تطور القطاع الخاص في البلد والحصول على الارباح.
_ الشيخ عزيز جفات الطرفي الحاصل على شهادة البكالوريوس من جامعة اهل البيت(ع) ومؤلف في مجال التاريخ والتراث، يعتقد ان معوقات تطبيق النظام الالكتروني في العراق تعتمد على محورين محاور: المحور الاول هو البيئة والتشكيلة السياسية في العراق وأثرها على الوضع في حاليا، لاسيما وان من اهم مفاصل الانترنيت هو عدم وجود الكهرباء، ثانيا ثقافة الشعب العراقي وهي تحتاج لبرامج معينة قد تستغرق فترات زمنية لاحقة خصوصا وان العراق هو في عداد المستهلك لكل شيء وغير مصدر.
_الدكتور قحطان حسين الباحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، يرى ان نظام الحكومة الالكترونية هو نظام مرتبطة بدرجة اساس، بمستوى التطور الذي يوجد في مؤسسات الدولة والمؤسسات الخاصة على حد سواء، فاذا ما تم تقييم درجة التطور الموجودة في هذه المؤسسات نجدها بدرجة محدودة وهي لا تضاهي التقدم الحاصل في بعض الدول المجاورة، لذلك لا جدوى من تطبيق نظام الحكومة الالكترونية في ظل التخلف وبطأ التطور الذي تشهده مؤسسات الدولة، ناهيك عن نشاطات القطاعات الأخرى وهي ما زالت تعاني في الكثير من مفاصلها تخلفا في الوسائل والاليات، وبالتالي هناك تحدي اخر يواجه تطبيق الحكومة الالكترونية هو غياب البنى التحتية وقلة الكوادر المتخصصة في ادارة نظام حكومي الكتروني ناجح في العراق، ايضا المعوق الثالث هو الثقافة الاستهلاكية للفرد العراقي وغياب ثقة المواطن بالوسائل الحديثة هذا مما جعله عازفا عن اللجوء الى مثل هذه الانظمة، الشيء الاخر يبدو ان نظام الحكومة الالكترونية بما يتميز به من اليات يصل الى درجة عالية من الشافية مما يجعل كل اعمال الحكومة مكشوفة امام المواطنين لذلك هذه الارادة السياسية الحالية تعمل بالضد من وجود النظام الإلكتروني.
_ الدكتور علاء الحسيني التدريسي وأستاذ القانون الإداري في جامعة كربلاء-كلية القانون والباحث في مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات يعتقد بوجود معوقات عدة تقف بالضد من تطبيق الحكومة الالكترونية في العراق، خصوصا وان هناك محاولات متعددة من قبل الحكومة للتحول نحو الحكومة الالكترونية، الا ان هناك اسباب حالت دون ذلك، اهم تلك الاسباب وجود النظام القانوني الذي عفى عليه الزمن، هذا النظام في الكثير من مفاصله يقف بالضد من الانتقال الى الحكومة الالكترونية، فعلى سبيل المثال عندما تريد انجاز معاملة يطلب منك جلب عدة وثائق، ومن ثمة تقوم بتصويرها واستنساخها لإكمال معاملة بسيطة، هذا الامر يحتاج الى اعادة النظر بسلة القوانين التي تحكم الوزارات العراقية جميعا، وايضا الجهات غير المرتبطة بوزارة اضف الى ذلك هناك مسالة اعتاد عليها المسؤول الاداري في العراق، وهي محاولة تاليه المسؤول الاداري والوقوف امام مكتبه ومحاولة الثناء عليه من اجل تمشية معاملاتهم، وهو غير معتاد على تقبل ثقافة عدم وجود المحسوبية، ايضا هناك سبب اخر يتعلق بتخلف القوانين خاصة قانون الاستثمار هذا القانون نفسه هو احد معوقات الاستثمار في العراق. لأنه ينص مثلا على وجود النافذة الواحدة فما الغاية من وجود هذا النص، وبالمقابل ليس هناك من ربط بين سلطة اتخاذ قرار رخصة المشروع الاستثماري، ان هناك عامل اخر وهو الحدود الفاصلة ما بين الخدمات التي تقدمها المحافظة والتي تقدمها الوزارات، البنى التحية غير جاهزة وهناك الازمة المالية التي نمر بها، ثقافة المواطن هي الاخرى ليست مع اعتماد الاسلوب الالكتروني وايضا لابد من اصلاح النظام المصرفي كي نسدد الرسوم والاجور التي تطلبها الحكومة.
السؤال الثاني: ما هي الحلول الممكن اتخاذها لمعالجة تلك التحديات والسير قدما لتطبيق الحكومة الالكترونية؟
_ الدكتور حسين احمد السرحان، يرى ان اهم اسس تقدم الحكومة الالكتروني هو ان تتوفر خدمة الانترنيت العالي، وايضا ان تستخدم نسبة عالية من الناس الانترنيت وان يكون هناك تطور في رسم الاتصالات السلكية واللاسلكية، والغريب ان العراق أطلق حكومة المواطن الالكترونية من دون يوفر كل تلك الاساس.
_ الدكتور حيدر الى طعمه يتمنى على الدولة ان توفر كوادر بشرية وان توفر وسائل الاتصال الحديثة وتثقيف المواطن.
_الشيخ مرتضى معاش يتساءل هل توجد احصائيات دقيقة عن عدد مستخدمي الانترنيت في العراق، اما بخصوص المشكلة الاساسية التي تعيق تطبيق الحكومة الالكترونية، فهي الفساد المالي والاداري الموجود في الحكومة فلابد من مواجهته، وايضا لابد من تحرير الاقتصاد ووضع الضوابط المناسبة، وان تكون لدينا تجارب شعبية لتدعيم واقع النظم الالكترونية وان تبدا الحركة من الناس وليس من الحكومة.
_ الشيخ عزيز جفات الطرفي، يجد التحديات التي تواجه العمل بالحكومة الالكترونية مرتبطة بالنظام السياسي القائم اليوم.
_ الدكتور قحطان حسين متفائل في تطبيق النموذج الحكومي الالكتروني خصوصا وان هناك ثمة حلقات معينة تتعاطى معها الحكومة العراقية الحالية وهي تصب في خدمة هذا النموذج.
_الدكتور علاء الحسيني يدعو الى سن قانون يسمى قانون المواطن، وهو يتضمن إلزام جميع الدوائر ان تنتقل الى الوضع الالكتروني، ثانيا ان تحدد مدة لإنجاز المعاملة والرد على المواطن بالسلب او الايجاب، وان يناقش هذا القانون على مستوى المراكز البحثية قبل الذهاب للحكومة وحتى لا ينحرف عن مساره وكي نجعل من الحكومة عنوان لخدمة المواطن وليس العكس.