الاربعة عقود البريطانية في الاتحاد الأوروبي وأيامها الأخيرة

الاتحاد الأوربي هو محصلة لعدد من المعاهدات والاتفاقات الأوربية التي جاءت على مراحل بعد الحرب العالمية الثانية فأول نواة له تأسست في نيسان 1951 عندما اجتمعت ست دول أوروبية هي فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وإيطاليا واتفقت على تشكيل المجموعة الأوروبية للفحم والصلب والتي ستشكل نواة قيام المجموعة الاقتصادية الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبي. ثم في عام 1957 وقعت الدول اتفاقية روما التي وسعت مجالات التعاون، وأصبحت المجموعة تحمل اسم المجموعة الاقتصادية الأوروبية. وفي 1992 تم توقيع معاهدة ماستريخت في هولاندا والتي تم بمقتضاها تجميع مختلف الهيئات الأوروبية ضمن إطار واحد هو الاتحاد الأوروبي الذي أصبح التسمية الرسمية للمجموعة. إلا إن البعض يعد حلف شمال الأطلسي الذي شكل بعد الحرب العالمية الثانية شكل نواة وعامل دفع للدول الأوربية في السير على خطى تأسيسه في مجالات أخرى غير عسكرية . الهدف من تأسيس الاتحاد الأوربي كان لتحقيق الاستقرار والازدهار والرخاء لشعوب ودول أوربا ، بريطانيا تعد واحدة من الدول الفاعلة في هذا الاتحاد والتي سعت من دون شك لهذا الهدف ،بعد انقضاء أربعة عقود على قيام الشراكة مع الأوربيين وأخرها الاتحاد اليوم تشهد اليوم بريطانيا حراك شعبيا من اجل فك الارتباط بهذه الاتحاد وهذا ما جعل قياداتها السياسية في حرج أمام أشقائها الأوربيين والحليف الأمريكي، فالضغوط الشعبية على السياسيين تتزايد وآخذة منحى تصاعدي ،جولات رئيس وزرائها ديفيد كاميرون المكوكية الأخيرة في عواصم ومدن أوربا من اجل التفاوض لتعديل شروط والتزامات بلادة تجاه الاتحاد الأوربي يهدف الأخير منها الحصول على تعديل لشروط بقاء بريطانيا في الاتحاد وهي حلول وسط يهدف الوصول اليها لترضي المواطنين البريطانيين وكذلك الأوربيين والأمريكيين ، ففي الثالث والعشرين من يونيو/ حزيران المقبل يجري استفتاء في بريطانيا حول البقاء او الخروج من الاتحاد الأوربي وهو امرأ ليس بالسهل على كاميرون ولا على أوربا وأمريكا وكل نتائج والاستطلاعات في الرأي تتحدث عن أرجحيه الانفصال في نتائجه . - السؤال هو لماذا الشعب البريطاني عازم على فك الارتباط بالاتحاد الأوربي؟ الجواب: البريطانيين ينظرون إلى الاتحاد الأوربي من زاويتين : الزاوية الأولى : النتائج التي حققتها أوربا على ضوء إنشائها هذا الاتحاد، بمنظور البريطانيين إن الاتحاد الأوربي لم يأتي بتطورات سريعة وجوهرية ولم يحقق ذلك الرخاء والازدهار والاستقرار لمجتمعات القارة البيضاء ، بل إنهم يعتقدون له دور في تحجم روح المبادرة الوطنية في دول هذا القارة وجعل بعضها يعتمد على الأخر وغدا مدعاة للكسل وغيرها ، فاليونان وايطاليا وبولندة ورمانيا لم تكن أفضل حالاً اليوم مما هي عليه قبل انضمامها إليه . الزاوية الثانية : مقارنة ما تحقق من جراء قيام هذا الاتحاد في أوربا بالتطورات العالمية على الصعيد السياسي والاقتصادي وغيرها . ولكونه تكتل من اجل تحقيق السبق العالمي في التكنولوجيا والاقتصاد والمال وغيرها فان البريطانيين غير مكفوفي الأعين عن دول لم تعيش حالة الاندماج او التكتل مع غيرها وحققت الكثير وربما بعضها فاق ما كان ينشده الأوربيين من أهداف وغايات عند قيام هذا الاتحاد وعلى الرغم من إن بعض الدول العالمية كانت خطواتها فتيه قياسا بخطوات الأوربيين مثل اليابان ،كوريا الجنوبية ،ماليزيا ،الصين،سنغافورا وغيرها من الدول الصاعدة مثل روسيا الاتحادية حاليا. أمام هذه الوقائع وغيرها ماذا بمقدور صانع القرار السياسي البريطاني إن يبرر بقاء بريطانيا ضمن منظومة الاتحاد الأوربي ، وماذا يكمن في جعبة أعضاء الاتحاد الأوربي الآخرين من تبريرات لضرورة هذا الاتحاد حتى يتراجع البريطانيين في مسعاهم الانفصالي عنهم ، عامل الهجرة كان ولازال إلى أوربا هو الذي يسوق إعلاميا كـ عقدت المشكلة بين بريطانيا والأوربيين حول الاتحاد وهذا لم يكن بيت القصيد في المشكلة فهي مشاكل معقدة وجوهرية بعضها يتعلق ببنية هذا الاتحاد والأخر يتعلق بجدوى وجود الاتحاد وغيرها من المشاكل التي لم يتوصل المجتمعون الأوربيين في الاجتماعات السنوية والفصلية والتي أصبحت أخيرا يومية لكنها دون نتائج وحلول لمشاكل الاتحاد الأوربي ، فهي ترتبط إضافة إلى اشرنا إليه بعوامل أخرى يمكن إيجاز بعضها بالاتي :- 1- منذ قيام الاتحاد الأوربي 1992وما سبقه من ترتيبات أمنية وعسكرية واقتصادية وغيرها والى يومنا هذا فان الاتحاد ضم عدد من الدول إلى منظومته لأغراض سياسية جيواستراتيجية تتمثل في عدد من دول أوربا الشرقية وهذا الدول لم تكن الا حلقة زائدة وكاهل كبير على دول الاتحاد فهي أضحت استنزاف لكثير للمدخولات القومية لدول الاتحاد وبالتالي تؤثر بالنهاية على مستوى المعيشة للمواطن الأوربي لان تلك هي محصلة من ضرائب تفرض على مواطني كل دولة من دول الاتحاد . 2- الدور الأمريكي في الاتحاد الأوربي. نتائج وحدة الأوربيين في هذا الاتحاد عادت بالنفع إلى غيرهم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها العالمية الكونية فهي التي ساعدت وعضدت قيامة واستمراره من اجل إن تضمن بقاء أوربا مستقرة موحدة حتى تتفرغ هي أكثر في مناطق العالم الأخرى في أسيا ، أفريقيا وغيرها من الدول وهذا يمكن استدلاله من التوجس والهلع الأمريكي المتخوف من فك عقدة الاتحاد الأوربي على اثر تهديد بريطانيا بالانسحاب منه . البريطانيون بدخولهم لمنظومة الاتحاد الأوربي وكما ذكرنا كانت لضرورات ملحة فرضتها وقائع وقتها لا مفر منها ، هذه المنظومة "الاتحاد الأوربي" فلسفة إقامتها في بادئ الامر عبارة عن أحلاف عسكرية لازالت قائمة مثل حلف شمال الأطلسيNATO وغيرها والى إن وصلت مرحلة الاندماج الكونفدرالي هي من اجل الوقوف بوجه المد الفكري والعسكري القادم من الشرق الممثل وقتها في الاتحاد السوفيتي فما أريد من أوربا وقتها الا إن تكون العصا الثانية للأمركة الكونية وهذا ما يفسر اضطراب السياسة الأمريكية اتجاه هذه التطور الأوربي والذي وصل إلى حد إن الرئيس الأمريكي بارك اوباما وكـ سابقة دبلوماسية غير معهودة إن يقوم بزيارة بريطانيا وإثناء زيارته في لندن يطلب من البريطانيين التصويت في الاستفتاء لصالح البقاء في الاتحاد الأوربي وهذه يعد تدخل في شؤون داخلية لدول من قبل رئيس دولة أخرى زائر لها ، اليوم وفي ضل هذه الظروف الممثلة في زوال الخطر السوفيتي العسكري والفكري وتزايد الأزمات المالية والاقتصادية في دول الاتحاد الأوربي ومحاولة انضمام عدد من الدول إليه بدوافع الحصول على الدعم العسكري والاقتصادية مثل تركيا كل هذه الوقائع أثرت على المجتمع ألبريطاني صاحب النزعة المحافظة وجعلت منه ضغط على صناع القرار السياسي هناك من تبني خيار الانسحاب من الاتحاد الأوربي ، المواطن البريطاني بات يستشعر إن ثمن البقاء في الاتحاد الأوربي كلفه كثيرا وهذا الثمن لم يكن متعلق بتحجيم دور بريطانيا الريادي في العالم بل انه حجم فرص العمل وكذلك خلق زيادة في دفع الضرائب لتذهب إلى دول أخرى في هذه دول ومواطنين آخرين ، بالنهاية وجدوا أنفسهم اليوم غير مضطرين إلى تحمل كل هذا العبء وتحت مبررات ودواعي لم تعد موجودة بل أدركوا أنهم يضحون بمستقبلهم إما إرادة خارجية تريد منهم إن يكون هكذا. • الآثار المترتبة على مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوربي . - هناك تخوف أمريكي من إن يؤثر انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي على قدرة واستعداد الأخير على العمل ككيان موحد على الساحة العالمية، وستكون النتيجة إضعاف أوروبا في وقت تحتاج فيه الولايات المتحدة إلى اتحاد أوروبي أقوى يعوض وينوب عنها في الكثير من المهام بالعالم وأوربا . - في حال صوت الشعب البريطاني لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوربي فان ذلك حتما سيؤدي إلى خطوات أخرى من شعوب مماثله لها في ظروفها وهي ليست بحاجة إلى الاتحاد مع بعضها من دول أوربا مثل دول الأراضي المنخفضة في أوربا هولندا ، سويسرا وغيرها. - هناك تخوف أمريكي من إن تستغل روسيا الاتحادية الصاعدة سياسيا وعسكريا في العالم دور بريطانيا في حال انفصالها أو في حال تفتت عقدت هذا الاتحاد وبالتالي تقوم هي بتنظيم تكتل أوربي يتناغم مع مصالحها وأهدافها ويتقاطع مع رؤية وإستراتيجية ودور الولايات المتحدة في أوربا. وفي النهاية فان البريطانيين لم يكونوا يوما ما ومنذ عام 1992 متحمسين لفكرة وواقع الانضمام إلى الاتحاد الأوربي فكانوا ولازالوا يعيشون جدليه البقاء أو الخروج منه وفقا لمبدأ الربح والخسارة والمرجح أنهم استشعروا الخسارة وهاهم اليوم يستنفذوا كل وسائل الصبر التي ساعدتهم على البقاء مع حلفائهم الأوربيين ، فهم شعب جزر ميالين إلى الانعزال والإدارة والتحكم بذاتهم دون شروط تملى عليهم من خارج أوطانهم حتى وان كان من نظرائهم في الثقافة أو اللغة أو القيم .
التعليقات