استراتيجية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام لمكافحة الفقر-الجزء الثاني-العمل رأس المنافع

قراءة تحليلية نقدية وفق تداعيات الاوضاع الاقتصادية التي يمر بها العراق: التقشف أنموذجا مقولة "العمل رأس المنافع" أصغر مقولة او خطبة او حكمة ان صح التعبير ، الحكمة منصوص عليها في كتاب نهج البلاغة كـحكمة من حكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ، وهي بالأصل جملةٌ تحمل عبر ثلاث كلمات تتكون منها ، برنامج اصلاحي استراتيجي شامل ، تمثل كلمة " العمل " مسار ديناميكي لابد منه لتحريك عجلة الحياة ، وتعتبر كلمة " رأس واحيانا أصل " شهادة لنيل الاولوية القصوى لهذا العنصر الفاعل ونقصد به العمل ، وتعتبر بمثابة رسالة تأكيد لضرورة اعتمادها كأساس وأصل لابد منه لدعم أي شعب من الشعوب ، أو أي دولة من الدول مهما كان الوضع الذي تمر به ، وتمثل كلمة " منافع " او منفعة طبيعة المجتمع المزدهر الذي يعيش حالة الرفاهية ، والذي طالما كان يراود مخيلة الانبياء والائمة والعلماء اثناء مسيرتهم النضالية ، وهم يحاولون كبح جماح الظلم والتمييز ، وتغيير حال المجتمع نحو الافضل . يُبرمج العمل قوانين الحياة ، ويقوم بإعادة تصحيح تشققات الواقع ، ومهما كان الـلا نظام منتشر ومسيطر على الحياة الواقعية ، يعتبر العمل اهم وأكثر العناصر قدرة على اعادة التنظيم واعادة التصحيح لانه ببساطة " عمل " يقوم على مدلولاته نظام التحريك الابتدائي لكل المتغيرات المحيطة بأي ظاهرة من الظواهر ، ففي المجال الديني يبقى العمل معيارا لمبدأ الثواب والعقاب ، وعلى مستوى السياسة العمل يوصل صاحبه الى المقبولية السياسية تحت مسمى تنضيد العمل السياسي ، وعلى مستوى الاجتماع يضع العمل الحسن صاحبه موضع احترام ومقبولية اجتماعية ، وعلى المستوى الاقتصادي يضع العمل الشعوب التي تنتج او تعمل في قمة الرفاهية ويساهم في ايصالها الى مرحلة السلم الاهلي ، والامن الاجتماعي ، كما ويساهم في رفع المستوى المعاشي للفرد ، ويهشم آفة البطالة ، ويضع حدا للفساد الاخلاقي ، ويساهم في تثبيت وتكريس العزة والكرامة والسيادة ، لأي شعب من الشعوب ، والمعنى الاستدلالي الذي يمكن التوصل اليه من خلال كلمة " رأس - المنافع " هو تلك الحالة الايجابية التي من الممكن أن يمنحنا اياها العمل ، والعكس هو الصحيح ، فالعمل يساهم في اقتلاع السلبيات التي من شأنها ان تعرقل المسيرة الاجتماعية او الاقتصادية او حتى السياسية . اذا ما أردنا ان نطبق قاعدة " العمل رأس المنافع " علينا إخضاعه لمراحل علمية دقيقة اهمها استدراج الفوائد التي من شأنها ان تصيب المجتمع جراء هذه القاعدة ، ولنأخذ على سبيل المثال الاوضاع الاقتصادية التي يمر بها العراق وما نتج عنها من تقشف ضرب حياة المواطن العراقي في الصميم فأحالها دمارا وخرابا ، وربما سيبقى الشعب يئن من جرائها لسنوات طوال ، وببساطة لان هنالك ابتعاد كبير عن عباقرة الكون ونقصد بهم الأئمة عليهم السلام الذين لم تنطق أفواههم الا نورا ومناهج وخطط استراتيجية عظيمة لبناء مجتمع مزدهر متطور مرفه ، خطط ومناهج رددها ويرددها العلماء المعاصرون وكأنهم نالوا شرف اكتشاف سر الحياة متناسين ان اهل البيت هم الفائقون الذكاء " المعصومون" ، وسوف لن يتركوا مجتمعاتهم تئن من مآسي الحياة وهمومها وآهاتها ما دامو ملتصقين بنهجهم سائرين على خطاهم . تحيلنا عملية البحث في هذا الموضوع الى اخضاع النظرية اعلاه ونقصد بـهـا نظرية " العمل رأس المنافع" لحالتين: الاولى / فكرة ، والثانية/ نقيض ، ولنجعل النقيض - العمل ليس رأس المنافع – بغية رصد حركة المجتمع في كل حالة من هذه الحالات : الاولى: العمل ليس أصلا او رأسا للمنفعة. هكذا ارتأى كل من الدولة والمجتمع في العراق ان تكون استراتيجيتهما منذ العام 1921م الى يومنا هذا ، أهملت الدولة برامج العمل ، واخذت البطالة تزداد كردة فعل على ذلك ، واستمرت تداعيات الفقر تتمدد رويدا رويدا ، وحدة وشدة الفساد تزداد من سنة الى سنة اخرى ، وتتراجع الاوضاع العامة يوما بعد آخر تراجعا كبيرا ، ويستمر نزيف الاموال وتدفق العملة الصعبة الى خارج العراق ، واعلنت بعض دول الجوار حملة هدفها الاساس إفراغ جيوب العراقيين من الاموال ، ان المدخل الاستراتيجي المتضمن في حكمة الامام علي بن ابي طالب (ع) يكمن جزء كبير منه في تراجع العمل وانخفاض مستويات الانتاج ، وهذا يعني انتفاء الزراعة ، واختفاء المواد الغذائية من الاسواق ، وتدهور الصناعات ، وتوقف التجارة الى اشعار آخر ، وهذا الامر سوف يؤدي الى افراغ خزينة البلد من الاموال التي يتم انفاقها على عمليات استيرادية ضخمة ، وحينها سوف تضطرب الاوضاع العامة وربما الوصول الى حالة التقشف التي تعيشها البلاد كان امرا ناتج عن سياسة فوضوية ، فظهر التقشف وهي حالة اعلنت عن توقف كل شيء في البلاد ، وكشفت عن حجم الدمار الهائل المتمثل بارتفاع مستوى خط الفقر الى 68 % ، فضلا عن تفشي البطالة بنسبة 63 % من الفئة الشابة ، يضاف الى ذلك ارتفاع في مستوى واعداد الامراض والمشاكل الاجتماعية ، ابتداءا بضعف مستوى دخل الفرد العراقي ، مرورا بالفساد وتنازل الضمير عن اداء مهامه ، وغيرها من تشعبات تخلي الانسان او الاسرة او المجتمع او الدولة عن العمل بمختلف أشكاله ، ويمكن تحديد شكل الاوضاع العامة ، اذا تم اهمال العمل كأصل من اصول المنفعة بالشكل الآتي : شكل توضيحي - 1 يؤدي انخفاض مستوى العمل والانتاج الى توسع وانتعاش الامراض والآفات الاجتماعية كالفر والفساد والبطالة وغيرها من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الثانية: العمل رأس او أصل المنافع. البناء الاستراتيجي الذي كان مقصودا في مبدأ "العمل أصل المنافع " او رأس المنافع يهدف لبناء قاعدة عنوانها العمل أصل وأس في أي بناء اجتماعي وسياسي واقتصادي وحتى ديني او ثقافي. شكل توضيحي - 2 كلما ارتفع خط بيانات العمل وتحولت الدولة الى الانتاج انخفضت مستويات الظواهر السلبية في المجتمع، ويتم قتل البطالة، وتنخفض حدة الفقر، وتتراجع أشكال الفساد، وتبدأ عملية الرفاه الاجتماعي. على سبيل المثال اذا ما تحول المجتمع العراقي اليوم الى مجتمع منتج سوف يقوم بتوفير او تعزيز حالة الاكتفاء الذاتي وربما التصدير وهذا الامر نحلم بصيرورته ، لانه يعني تدفق العملة الصعبة ، او ايصال المجتمع لحالة الادخار الجماعي ، التي تعني احتفاظ العراقيين بأموالهم في جيوبهم ، والحيلولة دون تدفقها خارج العراق بفعل عمليات الاستيراد ، وهذا يعني ايجاد حالة من الترفيه والازدهار الاقتصادي الداخلي الذي سوف ينتج عنه معالجة دقيقة للأمراض الاجتماعية التي يعاني منها الشعب ، كالبطالة والفقر والفساد وغيرها من الامراض التي تقض مضاجع العراقيين وتسعى الى جعل الحياة جحيما يصب فوق رؤوسهم ، فوقف عملية الاستيراد لا يتم الا من خلال العمل والانتاج ، والعمل والانتاج يقضي على البطالة ، ومعالجة البطالة يعني تفعيل الزواج لدى الشباب ، والسعي للزواج يخفف من حدة انتشار الفساد في مجتمعاتنا ، والعمل والانتاج يفتح مرحلة جديدة من مراحل التصدير ، والتصدير يوقف عملية الاستيراد ووقف الاستيراد ، يعني تحقق الاكتفاء الذاتي ، وتحقيق الاكتفاء الذاتي يعني انخفاض في حدة الاسعار ، وانخفاض حدة الاسعار يعني استقرار نفسي ورفاه اجتماعي ، والرفاه الاجتماعي يعني تخفيف حدة الجهل ، ووقف عمالة الاطفال وهكذا تُحل المشاكل والامراض الواحدة تلو الاخرى ، وهذا هو البعد الاستراتيجي الذي اراده لنا أميرنا علي بن ابي طالب " عليه السلام" كان يحلم لنا بحياة حرة كريمة خالية تماما من المشاكل والهموم والآفات والامراض الاجتماعية المدمرة ، وهنا تكمن رؤيته الستراتيجية عليه الصلاة والسلام ، فالحياة بمنظوره (ع) سلسلة ديناميكيتها ومحوريتها العمل المعنوي والمادي ، فالمعنوي المتمثل بالعبادة والعمل الصالح والسعي لفعل الخير ووقف التهام الشر له ، مما يحقق الاتزان المعرفي المعنوي ويمهد الطريق امام السلم الاجتماعي الذي طالما حلمت به الشعوب التي تدعي التمدن اليوم ، اما العمل المادي والانتاج والتحرك بقوة لإثبات وجودنا على الارض فانه يمهد الطريق امامنا للسيطرة على الواقع ، والسيطرة على الواقع تجنبنا الحاجة لغيرنا في سد احتياجاتنا او توفير الرفاه لنا ، وعدم الاحتياج لغيرنا يعني اننا الوحيدين نتحكم بمستقبلنا ، ونحن من يرسم سياسة شعوبنا نحو التقدم والارتقاء ، فكيف تكون السيادة ، وكيف يكون الرفاه ، وكيف يكون الاستقلال ، وكيف تكون المنفعة ، وكيف تكون الكرامة اذا لم تكن متأتية من العمل ، فالعمل رأس المنافع واستبعاده عن أي رؤية استراتيجية ، يعني تدمير وتخريب منظومات المجتمع والسياسة والاقتصاد والثقافة والفكر ويحال كل شيء في البلاد ركاماَ كما هو الآن بسبب ابتعادنا عن مناهج وتحليلات واستراتيجيات امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) .
التعليقات