أربعة أسباب تقف خلف نجاح الوساطة الصينية بين إيران والسعودية

على الرغم من الدور الذي بذله كل من العراق وسلطنة عمان في اذابة الجليد بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية في السنين الماضيتين، الا أن طهران والرياض اكتفتا بشكرهما فقط عندما اختارتا بكين لتكون مكان الاعلان الرسمي عن تطبيع العلاقات بينهما، وذلك في يوم الجمعة الموافق للعاشر من شهر آذار-مارس الجاري، بعد أربعة أيام من التفاوض بين وفدين رفيعين مثلا الطرفين.                   

ان اختيار الصين لإنهاء القطيعة بين الخصمين الإقليميين اللدودين، لا يمكن فهمه فقط على انه نتيجة لمبادرة السلام التي عرضها عليهما مؤخرا الرئيس الصيني شي جين بينغ، بل انه ينطوي ايضا على أربعة دلالات مهمة أخرى لا يمكن اغفالها، وهي:

1-في الصراعات بين القوى الإقليمية الرئيسة يمكن للقوى غير المؤثرة ان تلعب دورا في مبادرات الوساطة والمساعي الحميدة بينها، ولكنها لا تمثل مكانا مناسبا للإعلان عن الاتفاقات النهائية، لاسيما عندما تصبح في نظر جيرانها مكانا رخوا يتم اللجوء اليه عند الضرورة لتصفية الحسابات واستعراض العضلات. ولذا لا تكون هكذا دول أطرافا ضامنة لأي حل نهائي، على خلاف الامر مع الصين، فهي قوة كبرى صاعدة تتمتع بالجاذبية والقبول ولديها القدرة على تقديم الضمانات اللازمة للطرفين. فالصين في نظر طهران والرياض ليست مجرد طاولة للتفاوض والحوار كما هو الحال مع بغداد وعمان، بل هي قوة دولية مشرفة على الاتفاقات ومراقبة لالتزام كل طرف فيها.

2-يكشف الحدث عن حجم الاختراق الصيني للمصالح الامريكية في العالم، فلم تعد بكين تكتفي بالمشاكسات عبر الاتفاقيات التجارية والبحرية والعسكرية وغيرها، بل انها تجاوزت ذلك الى ان تكون صانعة للأحداث غير المتوقعة، لذا استطاعت اقناع أكبر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، أي الرياض للتحرك –ربما-بخلاف ما تهواه وتريده، مما يجعل ترنح السياسات الامريكية في العالم لا يختلف كثيرا عن الترنح الذي ظهر على الرئيس بايدن لمرات عدة خلال مدة رئاسته. فنجاح الوساطة الصينية في الشرق الاوسط ليس فقط بصقة سعودية في وجه السياسات الامريكية-الإسرائيلية في المنطقة، كما عبرت عنه بعض وسائل الاعلام الإسرائيلية، بل هو صفعة في القفا لواشنطن، ودليل اضافي على فشلها وعجزها في قيادة جهود السلام في منطقة مهمة جدا للمصالح الغربية والأمريكية.

3-تراجع الدور الأمريكي في المنطقة، والذي ظهر منذ ولاية الرئيس أوباما سنة 2009، وفسره البعض على انه رغبة أمريكية للتفرغ لمواجهة التحديات الجيواستراتيجية في جنوب شرق اسيا والمحيط الهادئ، وفي منطقة أوروبا الشرقية فيما بعد، أي مواجهة التحدي الذي تشكله كل من الصين وروسيا، ربما يكون اكثر من مجرد ترتيب للأولويات الاستراتيجية، بمعنى انه مؤشر على تراجع استراتيجي حقيقي ومستمر للقيادة الامريكية في العالم، فواشنطن التي لا يستطيع احد ان يقول لها لا انتهى زمنها او بدأ بالأفول، وعلى العالم ان يستعد لعصر ما بعد أمريكا، حيث تعدد الأقطاب او المحاور الدولية، وربما يفسح ذلك المجال للدول للمناورة بين هذه الأقطاب والمحاور بحرية اكبر في بعض الاحيان، ولعل ذلك ما فهمه صناع القرار في ايران والسعودية، مما شجعهما على المضي باتجاه تطبيع علاقاتهما في بكين.

4-اعلان الطرفين (الإيراني والسعودي) التطبيع بينهما في هذا التوقيت قد يكون مرده الى توصلهما الى قناعة بأن الصراع بينهما غير مناسب لمصالحهما العليا، فالسعودية تهيأ نفسها لخلافة ملكها الحالي كبير السن (الملك سلمان) بولده الشاب (الأمير محمد) وهي تحتاج الى ان تعيش حالة من الاستقرار والدعة والتفرغ لإنجاح خطط الأمير الطموح ورؤيته للمملكة سنة 2030، وفشلها في ذلك بسبب المغامرات الخارجية او الاضطرابات الداخلية يعني تقوية جبهة خصومه في العائلة المالكة والمجتمع وتعريض مستقبله في تولي العرش الى خطر كبير. اما ايران، من جانبها، فليست أفضل حالا، فمرشدها الأعلى السيد علي خامنئي، على الرغم من كبر سنه، فانه يمر منذ مدة بوضع صحي حرج، والصراع الداخلي بين اجنحة السلطة يتصاعد بشكل مستمر، فضلا عن تزايد الاضطرابات الشعبية الناجم عن اختلاف التوجهات الفكرية والسياسية للمجتمع بين جيل الكبار الذي عاصر الثورة الإسلامية، ولا زال يعتقد بخطابها، وجيل الشباب الذي يشعر بالتحلل من هذا الخطاب وعدم الاستعداد للإيمان به، وقد ساهمت العقوبات الغربية، وتورط ايران في ملفات المنطقة بزيادة الفجوة بين اجنحة السلطة نفسها، وبينها وبين القاعدة الشعبية، وفي ظل هكذا وضع هش وغير مستقر يشكل اختفاء المرشد الأعلى نذير شؤم على السلطة، وربما يضعها في سيناريوهات صعبة للغاية. ما نقصده، هو ان الوضع الداخلي في المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يمر في مفترق طرق مفصلي، وهما بحاجة ملحة الى التفرغ لترتيب بيتهما الداخلي، لتمر الأمور بسلام، وهذا شجعهما على اتخاذ هذه الخطوة المهمة في علاقاتهما، فالمكاسب المنتظرة من السلام أكبر بكثير من المخاطر الناجمة عن استمرار العداء بينهما.

التعليقات