تنويع الاقتصاد العراقي ... ضرورة أم خيار؟

شارك الموضوع :

ان استمرار الزيادة السكانية بالتزامن مع تخلف التعليم وتسارع التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، يجعل العراق في موعد مع أزمات حقيقية مستقبلاً، ولتلافي هذه الازمات يصبح موضوع التنويع الاقتصادي ضرورة ملحة لأجل تقوية الاقتصاد وامتصاص الأزمات

نظراً لأهمية النفط في الاقتصاد العالمي وامتلاك العراق كميات كبيرة منه، الى جانب ضعف ادارة الثروة النفطية؛ أصبح الاقتصاد العراقي احادي نفطي!

حيث يشكل القطاع النفطي أكثر 43% من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية وأكثر من 60% من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الثابتة في الفصل الثالث من عام 2024 حسب بيانات البنك المركزي.

كما شكلت الايرادات النفطية أكثر من 85% من الايرادات العامة، وكذلك الصادرات النفطية حيث شكلت أكثر من 97% من الصادرات الاجمالي في الفصل الثالث من عام 2024 (1). 

هذه النسب توضح مدى فقدان التنويع الاقتصادي واحادية الاقتصاد العراقي واعتماده بالدرجة الاساس على القطاع النفطي.

ان احادية الاقتصاد العراقي واعتماده على النفط بشكل رئيس، يعني ان العراق سيعاني بشكل كبير مستقبلاً خصوصاً مع تسارع التوجه العالمي نحو بدائل النفط، نظراً لزيادة التعداد السكاني وضعف الاقتصاد المحلي وتخلف التعليم وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة عالمياً.

- التقديرات السكانية

حيث تشير تقديرات وزارة التخطيط الى ان التعداد السكاني في العراق سيصبح أكثر من 51 مليون نسمة في عام 2030 (2)، هذا العدد المتزايد يعني زيادة الطلب المحلي ومن ثم تغذية الاقتصاد الخارجي نظراً لضعف الاقتصاد المحلي كما يتضح في النقطة اللاحقة.

- الاقتصاد المحلي 

ان الاقتصاد المحلي اقتصاد ضعيف، لأسباب عديدة منها سوء عملية التحول الاقتصادي، وزيادة الفساد وتردي البنية التحتية وغيرها؛ فأصبح غير قادر على توفير الفرص وتلبية الطلب في الوقت الحاضر مما دفع لزيادة البطالة والاستيراد، فما بالك إذا ما تحققت التقديرات السكانية أعلاه؟!

- جمود التعليم  

وما يزيد الطين بَله، هو جمود التعليم وعدم مواكبته، ففي الوقت الذي يتغير العالم والاقتصاد وزيادة الطلب على المهارات النوعية، ظل التعليم على ما هو عليه، أي ظل مُركزاً على كمية المخرجات لا نوعيتها، مما يعني ان العراق على موعد مع مزيد من البطالة بشكل عام وبطالة الخريجين بشكل خاص.

- بدائل النفط

وبخصوص بدائل النفط، توضح البيانات ان الطاقة المتجددة تسيطر على هيكل نمو الطلب على الطاقة في عام 2024 وكما موضح في الشكل أدناه.

المصدر: وكالة الطاقة الدولية: 

يتضح من هذا الشكل أن حصة النفط الخام تشكل نسبة 11% في هيكل نمو الطلب على الطاقة، مقابل 38% لحصة الطاقة المتجددة.

كما اوضحت وكالة الطاقة الدولية ان " حصة النفط من اجمالي الطلب على الطاقة انخفضت الى أقل من 30% لأول مرة على الاطلاق، بعد 50 عاماً من بلوغها ذروتها عند 46%"  (3)

ان انخفاض حصة النفط من اجمالي الطلب على الطاقة مع زيادة حصة الطاقة المتجددة في هيكل نمو الطلب على الطاقة، يعني ان اهمية النفط العالمية ستنخفض مستقبلاً وهذا ما سيجعل الاقتصادات النفطية في موقف حرج جداً.

الدولة المستوردة للنفط تقود التحول 

والأسواء بالنسبة لهذه للاقتصادات النفطية، ان أكبر الدول المستوردة للنفط الخام في العالم هي الدول الأكبر والأسرع توجًهاً نحو الطاقة المتجددة، مما يعني انها(الاقتصادات النفطية) ستكون الأسرع تأثراً بهذا التوجّه، فيستلزم الاستعداد من الآن لتلافي ذلك التأثر.

جدول يوضح أكبر الدول المستوردة للنفط والاسرع توجهاً نحو الطاقة المتجددة( السيارات الكهربائية مثالاً)

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

ان أكبر الدول استيراداً للنفط الخام في العالم هي ذاتها الاسرع تحولاً نحو الطاقة المتجددة، كما اتضح في الجدول أعلاه؛ حيث يتضح ارتفاع توقعات مبيعات السيارات في عام 2030 مقارنة بعام 2023.

ونظراً لهيمنة قطاع النقل على الاستهلاك، النفط الخام والمنتجات النفطية، فارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية سيؤدي لانخفاض اسعار النفط العالمية ومن ثم الايرادات النفطية للدولة التي تعتمد على النفط بشكل كبير مما يؤثر على اعداد الموازنة العامة والنفقات بشكل عام والاستثمارية بشكل خاص لأنه في العادة الاخيرة أسيرة للإيرادات النفطية (4). 

العراق الأسرع تأثراً

وإذا ما نظرنا لصادرات النفط الخام العراقي سنجد ان الدول أعلاه باستثناء الولايات المتحدة الامريكية هي ذاتها الدول المستوردة للنفط العراقي وكما موضحة في الجدول أدناه.

جدول يوضح صادرات النفط الخام العراقي حسب الوجهة لعام 2023

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

هذا ما يعني ان العراق سيكون في طليعة الدول التي ستتأثر بانخفاض اسعار النفط، ومن ثم اقتصاده؛ لان الدول المستحوذة على الحصة الأكبر من صادرات العراق هي الدول الأسرع توجّهاً نحو الطاقة المتجددة كما اتضح في الجدول السابق، مما يتطلب التفكير والعمل لتجنب تأثر الاقتصاد العراقي بانخفاض اسعار النفط واثاره.

التنويع لا مفر منه

ان تركيز الاقتصاد العراقي على النفط بشكل كبير، إلى جانب التوقع بزيادة التعداد السكاني وسط استمرار ضعف الاقتصاد المحلي وتخلف التعليم يعني ان العراق سيواجه أزمات كبيرة خصوصاً مع التحولات المتسارعة نحو الطاقة المتجددة التي ستقلل من اهمية النفط بشكل كبير مما يجعل من التوجه نحو التنويع الاقتصادي أمر لا مفر منه.

يستلزم التوجه نحو التنويع الاقتصادي العديد من الامور يمكن الاشارة لبعضها أدناه.

اعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد بشكل واضح، والابتعاد عن دور رصد التخصيصات وتوزيعها لأغراض سياسية بحتة تخلو من الاهداف التنموية.

تفعيل اقتصاد السوق وفتح الباب امام القطاع الخاص ليكون اقتصاداً قادراً على خلق فرص العمل وامتصاص البطالة.

العمل على تهيئة بيئة الاعمال لتكون بيئة جاذبة من خلال انخفاض التكاليف وسرعة الاستجابة، مما يشجع القطاع الخاص على مباشرة اعماله في الاقتصاد.

تحديث التعليم، أي اعادة النظر بالتعليم ليكون تركيزه على النوعية والكمية معاً حتى تكون مخرجاته مرغوبة ومطلوبة مما يعزز من فاعلية اقتصاد العمل وانخفاض البطالة وبطالة الخريجين بشكل خاص.

محاربة الفساد ومكافحته، لان الفساد يعني كلفة والكلفة يعني انخفاض الارباح مما يسهم في طرد الاستثمار فمحاربة الفساد يعني جذب الاستثمار.

خلاصة القول، ان استمرار الزيادة السكانية بالتزامن مع تخلف التعليم وتسارع التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة، يجعل العراق في موعد مع أزمات حقيقية مستقبلاً، ولتلافي هذه الازمات يصبح موضوع التنويع الاقتصادي ضرورة ملحة لأجل تقوية الاقتصاد وامتصاص الأزمات.


مصادر تم الاعتماد عليها:

1- البنك المركزي العراقي، التقرير الاقتصادي العراقي، ص2، 4، 19، 23. متاح على الرابط

https://cbi.iq/static/uploads/up/file-17430603103469.pdf 

2 - وزارة التخطيط، الجهاز المركزي للإحصاء، متاح على الرابط أدناه: 

https://cosit.gov.iq/ar/?option=com_content&view=article&layout=edit&id=174&jsn_setmobile=no 

3 - وكالة الطاقة الدولية، تقرير مراجعة الطاقة العالمية 2025، متاح على الرابط أدناه: 

https://www.iea.org/reports/global-energy-review-2025 

4 - حامد عبد الحسين خضير، النفقات الاستثمارية اسيرة الايرادات النفطية، مقال منشور على موقع شبكة النبأ المعلوماتية، متاح على الرابط أدناه:

https://annabaa.org/arabic/referenceshirazi/30499 


اضافةتعليق


جميع الحقوق محفوظة © 2023, مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية