زيارة الاربعين : الحشود المليونية والتحديات الآنية

لا شك ان الزيارة الاربعينية في العراق، تعد حدثا مهما من جميع النواحي، عدا ان المناسبة التي تجتمع الناس لها حزينة على قلب كل مسلم في العالم.

لكن هناك جوانب اخرى ينبغي الانتباه لها وتركيز الضوء عليها، وهي بمجملها تشكل مجموعة تحديات متعددة الجوانب ينأى بثقلها القائمين على الحدث الكربلائي بجميع تفاصيله، ومن جملتها: 

التحدي الارهابي:

والذي يعد من اشد التهديدات واكثرها جدية وخطورة وضراوة في نفس الوقت.ومن الامور التي تحسب في صالح الاشرار ان طريق الزوار طويل جدا، اي ان ساحة المواجهة عريضة. وكذلك اعداد القادمين على الاقدام كبيرة مما يسهل أيذائهم باي وسيلة ارهابية وان كانت بدائية. ولغرض مواجهة ذلك تنشر الحكومة العراقية الالاف من العناصر الامنية والاستخبارية على الطرق الخارجية لتأمين الزيارة، وتأمل السلطات ان يحول ذلك دون تكرار التفجيرات الدموية التي أودت بحياة مئات الزوار خلال الاعوام الماضية، لا سيما عبر الهجمات الانتحارية.  

التحدي الصحي:

ان تواجد اعداد ضخمة من البشر سوية في مكان واحد، يؤدي بالضرورة الى نشوء بيئة غير صحية. بالاضافة الى القادمين من دول اخرى، الذي يحملون انواع من الامراض والاوبئة غير المعروفة في بلادنا، والتي لا تعرف كيف تواجهها كريات دمنا البيضاء ونظامنا الدفاعي الداخلي. وهولاء بالتاكيد دخلوا البلد دون اي فحص طبي او غيرها من الاجراءات التي تقوم بها الدول، عادة، في منافذها الحدودية ومطاراتها. ومن الملاحظات السريعة على عدم التحرز الصحي في منع العدوى وانتشار الامراض، غياب الاكواب البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد عن خزانات الماء الصالح للشرب قرب ضريح الامام، واعتماد الاكواب المعدنية المربوطة بالسلاسل بدلا عنها. فما بالك بالقضايا الاكبر منها، كالوقاية والاستعداد لمواجهة أي طارئ صحي يصيب المئات قد يحصل بالصدفة او نتيجة فعل فاعل.

التحدي الاجتماعي:

لكل جماعة بشرية ترابط نسيجي ناتج عن تشابه القيم والمعتقدات والاخلاق التي يحملونها، وأي عنصر دخيل على تلك البيئة المنسجمة، سيحاول اما ان يغير او يتغير، وهنا سيولد صراع فكري تكون فيه الغلبة للمجموعة المتفوقة والمنتصرة على تلك المتخلفة والمنهزمة.كما حصل حين تأثرت المجتمعات العربية بالمحتلين لبلدانهم سواء كانوا فرنسيين او بريطانيين وغيرهم. 

التحدي الخدمي:

اذ تسبب قدوم ملايين الزوار ومن مختلف الجنسيات والاعراق الى ضغط كبير على البنية التحتية في كربلاء. إذ كشف عضو مجلس محافظة كربلاء، ماجد المالكي، عن انهيار كبير للبنى التحتية ومشاريع الاعمار المتوقفة منذ عدة سنوات في المحافظة لعدم ارسال الحكومة العراقية الاموال التي تم تخصيصها من ميزانية الدولة للمحافظة وكثرة المناسبات الدينية وتوافد الملايين إليها. وفي تصريح لرئيس لجنة خدمات البلدية في مجلس محافظة كربلاء اشار فيه الى ان الإضرار بالمال العام من قبل بعض المواطنين أثناء الزيارة الاربعينية يتسبب بخسارة المليارات. 

قدسية المناسبة والمكان والمكين يجب ان لا يمنع من تقصي السلبيات ومحاولة معالجتها، لما فيه مصلحة الوطن وسلامة العتبات المقدسة واستمرارية الطقوس بسلاسة ودون منغصات او معوقات. ومن التوصيات التي يخرج بها المقال الى اصحاب القرار:

اولا: ايلاء الجانب الامني اهمية كبيرة وعدم التراخي في اي مفصل من مفاصل الاجراءات الامنية لحماية زيارة الاربعين، والاخيرة كحدث سنوي يُفترض ان تكون الاستعدادات له متكاملة. والتهاون مع بعض الجنسيات ظنا ً انهم جميعا مسالمون وليسوا من المتطرفين خطأ فادح قد يؤدي الى خلل أمني خطير.

ثانيا: على الجانب العراقي، توقيع اتفاقيات دولية مع دول الجوار التي يأتي منها الزوار بغية تنظيم الجهد المشترك، والتحكم الدقيق بأعداد الوافدين وعدم تهديدهم للامن الوطني العراقي. ومن بعض الامثلة المشجعة على ذلك، أعلن امين اللجنة المركزية لمراسم الاربعين الحسيني مجيد اقابابائي أنه سيتم توقيع مذكرة تفاهم حول مراسم الاربعين بين وزيري داخلية العراق وإيران. 

ثالثا: الاهتمام البالغ من جانب الحكومة المحلية والمركزية بالخدمات العامة والبنى التحتية لمدينة كربلاء، باعتبارها واجهة سياحية على اقل تقدير، وتستقبل سنويا، رغم مساحتها الصغيرة، ملايين الزوار. مما يستوجب عناية فائقة وصيانة مستمرة لخدمات الماء والكهرباء والطرق وغيرها.

رابعا: تفعيل دور الشرطة المحلية والاستخبارات وكافة الاجهزة الامنية، واعطائهم صلاحيات واسعة في التفتيش والرقابة والمتابعة، ورفدهم بمختلف الاجهزة والمعدات المتقدمة والتي تعزز من عملهم وتزيده جودة واتقان. ليكونوا العين الساهرة واليد الضاربة بوجه كل من تسول له نفسه الاخلال بالطقوس الدينية، من امثال تجار المخدرات وعصابات الجريمة المنظمة وغيرها من الانشطة الاجرامية المنتشرة في العالم اليوم.

خامسا: توعية المواطن الكربلائي بضرورة المشاركة الفعالة في انجاح الزيارة الاربعينية، وذلك من خلال الاهتمام بالمنشأت العامة وعكس صورة حضارية عن العراق بلد الحضارات، وفي نفس الوقت نبذ التصرفات السلبية والوقوف بوجه من يقوم بها وردعه، سواء كان من المواطنين المحليين او من الوافدين. 

التعليقات