مثل كل تجارب الحياة الاخرى، تتطور التجارب السياسية، وتتراكم لدى اصحابها الخبرات الكافية لتحديد مساراتهم وطريقة تعاملهم مع اللعبة السياسية الجارية في بلدانهم .
فالرشد والعقلانية التي يتحلى بها السياسي في الدول المتقدمة لم تأتي الا بعد عشرات الاخفاقات والاخطاء المدمرة، التي جلبت للشعوب الحروب والازمات بشتى انواعها وعلى رأسها الاقتصادية، وحروب عالمية لازالت اثارها شاخصة الى يومنا الحاضر .
وبقدر تعلق الامر بالعراق بعد عام 2003، فللتجارب وقعها القاسي على القوى السياسية العراقية التي تسود المشهد السياسي، اذ ان النتائج التي ترتبت على اداء اربعة عشر سنة التي تلت التغيير تكاد ان تكون سلبية في الكثير من جوانبها، وكان اكثرها خطورة عندما تعرضت البلاد لاحتلال جماعات ارهابية مستغلة ضعف الدولة وتشتت قواها السياسية، فضلا عن دعوات الانفصال التي تطلقها القوى السياسية الكردية بين الآونة والاخرى، وظاهرة الفساد المالي والاداري التي تنتشر في الكثير من مؤسسات الدولة .
هذه السلبيات لم تكن مخفية عن القوى السياسية وبالأخص ذات الاطر الدينية منها، لكن ثمة معوقات تحول بينها وبين اتخاذ اي خطوات عملية من شأنها ان تساهم في حل مثل هذه المعضلات الكبرى التي تواجه البلاد، ولعل من اهمها الاتي:
1 – الموروث الديني :
البعض من القوى السياسية مدينة للرموز الدينية التي ساهمت في تأسيسها ومدها بالحضور الرمزي والقبول الشرعي، وهذه القوى تخشى ان تتهم بالتراجع عن الارث السياسي والديني القديم فيما لو اقدمت على خطوات جديدة ، حتى لو كانت هذه الخطوات مفيدة لتغيير الواقع السياسي في العراق .
2 – القاعدة الشعبية والرمز الديني:
لا احد يستطيع ان ينكر المكانة المهمة التي يحتلها البعض من الساسة العراقيين ورجال الدين الذين ساهموا في تأسيس التنظيمات السياسية، وبالتالي فأن اي سياسي يريد ان يجري اي تغيير في نهج تنظيمه السياسي سيواجه مخاطر تتمثل في رفض الشارع العراقي لهذا النهج الجديد، ومقارنته مع النهج القديم، ومن الممكن ان يؤدي هذا التناقض الذي يفترضه الشارع الى حرمان التنظيم السياسي من قدر كبير من اصوات الناخبين .
الا ان هذه المعوقات لم تعد كافية بالنسبة للبعض من الساسة الشباب، ومن بينهم السيد عمار الحكيم، وباتت هناك اسباب مهمة اخرى تدفعهم للسير باتجاه اخر دون التخلي عن الثوابت الاسلامية المتفق عليها والمتوارثة من نهج الاباء والاجداد، ومن تلك العوامل، الاتي:
1 – الرغبة في احداث تغيير حقيقي :
هذه الرغبة في التغيير وتسجيل الانجازات الشخصية، هي رغبة موجودة لدى كل الساسة والقادة في العالم، لذلك فان السيد عمار الحكيم يريد من خلال التيار الجديد ان يكون له منجزه الشخصي بعيدا عن الاسماء السياسية والدينية الكبيرة في المجلس الاعلى الاسلامي.
2 – الصراع بين وجهات النظر المختلفة:
وهي الاخرى سمة عامة تنتاب العمل السياسي، فالتعارض ما بين افكار الجماعات المنتمية الى تنظيم سياسي معين، بالأخص عندما يضم التنظيم فئات مختلفة الاعمار ومختلفة التجربة، حيث يريد الشباب الاسراع في الانجاز والتغيير بينما يفضل الشيوخ المحافظة والحكمة، الامر الذي يخلق نوع من عدم الانسجام في العمل، فيذهب البعض منهم الى خيارات اخرى من بينها تشكيل تنظيمات سياسية جديدة .
اما عن الانعكاسات الايجابية التي ستترتب على تشكيل تيار الحكمة الوطني، فمن الممكن تناولها بالشكل الاتي :
1 – ولادة نخبة سياسية جديدة :
قد يتيح التيار الجديد الفرصة لظهور ساسة جدد، من الشباب العراقي الذي عايش مرحلة ما بعد عام 2003 ، بكل حيثياتها ولم يكن له اي دور في المرحلة التي سبقت هذا التاريخ، على الاخص وان السيد عمار الحكيم يحيط نفسه بكادر جله من الشباب الحاصل على الشهادات العليا.
2 – يزيد من فعالية القوى السياسية التقليدية:
من ناحية اخرى فقد يدق هذا الانشقاق ناقوس الخطر في ذهن القوى السياسية التقليدية ، ويحذرها من احتمالية ان تتكرر الحالة في كل التنظيمات السياسية الاخرى، وبالتالي لابد من ان يعاد النظر في طريقة عملها بحيث توائم ما بين الثوابت والمتغيرات، ولا بد ان تستمع للنخب الشابة وتسمح لها بأخذ دورها في العمل السياسي .
3 – يزيد من الخيارات امام الناخب العراقي:
ومن الانعكاسات الايجابية الاخرى التي ستترتب على ولادة تيار الحكمة الوطني، انه سيزيد من الخيارات المتاحة امام المواطن العراقي في الانتخابات، خاصة اذا ما تم طرح اسماء جديدة قد يتم زجها في الانتخابات القادمة الممثلة لهذا التيار .
4 – تجاوز الانتماءات الفرعية :
في حال تمكن السيد عمار الحكيم، ان يجعل من التيار الجديد مؤتمرا سياسيا عابرا للهويات الفرعية، عبر انفتاحه على كل اطياف المجتمع العراقي، و وجد الاستجابة المقبولة من الرأي العام، فأن تياره سيكون بداية الاصلاح السياسي الحقيقي الذي عبره تنتهي المحاصصة والتكتلات السياسية التي تستند الى المذهب والمنطقة .
5 – الكشف عن مواضع الخلل السياسي :
عندما تتكتل القوى السياسية العراقية في ائتلافات وتحالفات كبيرة، يعجز الشارع العراقي عن تمييز الاداء السياسي الناجح من الفاشل، بمعنى لا يمكن تشخيص الخلل، هل هو من هذا المكون السياسي ام من ذاك، كون المسئولية تضامنية وجماعية ومتداخلة، اما في حالة حدوث انشقاقات ستصبح عملية رصد الاخطاء وتشخيص السياسي الناجح من الفاشل عملية سهلة، تساعد الناخب على وضع صوته في الخانة الصحيحة.
اذن، قد تكون للتيار السياسي الجديد ايجابيات كثيرة حاولنا ان نبين البعض منها، لكنها تبقى مشروطة بطريقة اداء التيار الجديد وكيفية تعامله مع البيئة الداخلية والاقليمية والدولية .