اعتداء ميونخ وهوية الإرهاب الحقيقية

وقعت أخيرا في مدينة ميونخ الألمانية عملية إرهابية أسفرت عن مقتل وجرح أكثر من عشرين مواطن، تلك العملية من المؤكد أنها ليست الأولى ولا الأخيرة وأيضا لم تكن بالغير متوقعة في مدن هذا البلد ، الأجهزة الأمنية هناك حتما ستحدد في القريب العاجل او الأبعد منه بقليل هوية من قام بتنفيذها ؛ لكن السؤال يبقى هل معرفة هوية القاتل ومن ساعده لوجستيا في ذلك تفي لتأمين ألمانيا من تكرار حدوث هكذا أعمال إرهابية مرة أخرى مشابهة ؟ في عملية إرهابية ليست ببعيدة في زمانها او مكانها عن ألمانيا وهي الحادث الإرهابي في مدينة نيس الفرنسية الذي راح ضحيته أكثر من مائتين بين قتيل وجريح ماذا كانت ردة الفعل الفرنسي عليها هناك ، ردة الفعل كانت كلاسيكية هزيلة تمثلت في توجيه ضربات جوية لعناصر داعش في كل من سوريا وليبيا . السؤال: إلى متى تبقى دول أوربا وغيرها من دول العالم غير جدية في متابعة وملاحقة هوية الإرهابيين الحقيقية وهنا نقصد هويتهم الأيدلوجية وليس تلك الأجساد التي تتحول إلى أشلاء متناثرة بعد العمليات الإرهابية ، فمن الأحرى بدول مثل ألمانيا وقبلها فرنسا وبلجيكا وغيرهم من دول أوربا إن يقوموا بتوجيه ضرباتهم إلي هوية الإرهاب الأيدلوجية ، تلك الهوية تتمثل في أيدلوجية عقائدية تقف خلفها أنظمة وجماعات سياسية معروفة لا تكلف الدول وأجهزتها الأمنية كثيرا في البحث والتقصي ووضع اليد عليها . صانع القرار الفرنسي والألماني يعرفون هذه الحقيقة لكن لا يجرؤن التطاول عليها او حتى التحدث والتصريح عنها، والسؤال يكرر هنا أيضا : ما هي الأنظمة والمؤسسات الدينية الراعية والمنتجة لأيدولوجية منفذي العمليات الإرهابية في أوربا والتي هي المعنى الحقيقي لهوية الإرهاب هناك وباقي بقاع العالم ؟ الجواب على هذا السؤال هو :- في عالمنا العربي والإسلامي معروف ويدركه الجميع فالأنظمة هي أنظمة بعض دول الخليج مثل السعودية وقطر والأخرى التي التحقت بركبها في هذا الجانب ، إما المؤسسات فهي معروف وأبرزها مؤسسة او دائرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية التي تمثل قيادة لروحية الفكر الوهابي في العالم وهي مؤسسة تمثل الركن الثاني من أركان الدولة السعودية ،والعائلة المالكة في السعودية عائلة إل سعود تمثل الحكم السياسي بتزكية منها وهي تمثل الإدارة الدينية في هذه الدولة ولها نفوذ في خارجها ، ترتبط بهذه المؤسسة الكثير من المؤسسات العالمية والمحلية والإقليمية والشخصيات ، مهامها هو دعم وتوسيع أيدلوجية هذه الفكر ، في العودة إلى السؤال هل حكومات دول أوربا لا تعلم بهذا الامر؟ هل الولايات المتحدة الأمريكية لا تعلم بهذا به كذلك؟ الجواب يعلمون بكل ذلك وربما يساعدون هذه المؤسسة في نشاطاتها في المنطقة والعالم وهذه المفارقة الكبيرة فضلا عن دعم وعسكرة النظام السعودي الواضح للعيان. أيدلوجية الإرهاب ومنابعه الحقيقية من مؤسسات ودول لا تجرأ دول أوربا سواء كانت فرنسا أم ألمانيا على التحدث به لأسباب عديدة يمكن إيجاز بعضها بـ: - - الحكومات الأوربية عبارة عن شركات تجارية في الفكر والسلوك وبالتالي تقارن تلك الحكومات بين الإرباح والخسائر في اي خطوة تحاول إن تقوم بها على ضرب منابع او مؤسسات او دول الإرهاب وبالتالي هي تتعامل وفق نظام فائض القيمة الاقتصادية الذي تتحرك على ضوئه ، مثلا فرنسا قبل حادثت مدينة نيس بأسبوع تقريبا عقدت صفقة عسكرية مع السعودية بقيمة مليار دولار ، فرنسا هنا تقارن بين العوائد الاقتصادية لهذه الصفقة مع حادثة في نيس فهل تذهب لضرب النظام الحاكم والمؤسسة الدينية في السعودية أم تفقد الصفقة أم أنها تأخذ بالصفقة وتترك السعودية ؟ وهكذا المانيا لكن إلى متى يبق التعامل مع السعودية وغيرها وفق هذه الإلية النفعية. - الولايات المتحدة الأمريكية راعية لمشروع الإسلام السياسي في المنطقة وتدفع بوصوله إلى السلطة من اجل غايات تعتقد أنها تتحقق بوجوده وهي التمزيق والتشرذم لوحدة المجتمعات في دول المنطقة التي اقتحمت الأخيرة ترى انه يساعدها وساعدها على تدخلها أكثر في شؤون دول المنطقة وأيضا يساعدها في تحقيق عوائد مالية كبيرة من تصدير أسلحتها إلى دولة التي تتقاتل في ما بينها بين فريق مؤيد لحكمة وأخر معارض له ، هنا الإسلام السياسي مشروع اقتصادي أمريكي وعليه كيف نتوقع تقوم الأخيرة بضربه وهي راعية ومستثمرة فيه او تسمح لأوربا في الاقتراب منه . - إسرائيل أيضا حقق لها الإرهاب وخاصة منابعه والدول الراعية له حلمها بدون اي جهد يكلفها تحقيقه، حلمها هو السيادة المطلقة على كل ما موجود في المنطقة العربية وبالتالي الإرهاب بمنابعه وأفكاره حقق لها هذا الحلم، جعل من كان معاند او مرابط أمامها بالأمس ضعيف ومقسم اليوم على ذاته بل ومتناثر إلى أشلاء أمامها ،هذا ماحدث في سوريا والعراق وربما المستقبل في غيرهما ، وهنا هل تسمح إسرائيل بنفوذها وعناصر التأثير لديها في أوربا من لوبيات وغيرها من إن يجرئ احد في دك معاقل الإرهاب الفكرية والمؤسسية . هذه بعض الحقائق تقف وراء الإرهاب في ألمانيا أخيرا وقبلها فرنسا فما يحدث هناك هو نتيجة لهذه الأسباب ، يوهم الإعلام وكذلك صانع القرار الغربي المجتمعات هناك ببعض الإجراءات مثل تشديد الرقابة الأمنية في دولهم او مراقبة المهاجرين الجدد او غلق بعض الجوامع او تعديلات دستورية تجيز للسلطات القيام ببعض الإجراءات الاستباقية لمنع حدث أعمال إرهابية ، برأينا كل هذه الإجراءات هي محاولات لامتصاص غضب الجماهير هناك ، فالإرهاب عبارة عن فكر والفكر لا يمكن مواجهته من خلال إجراءات فعل وردة الفعل وإنما من خلال الوقوف على حقيقية هذا الفكر والقضاء على تلك المؤسسات التي تغذيه والأنظمة التي ترعاه ، فأوروبا يمكن إن تعيش قضية التسويف والمماطلة بين كل من صانع القرار السياسي فيها من جهة وبين جمهورها المستهدف من الإرهاب من جهة أخرى حول حقيقية وواقع الإرهاب وكيفية الخلاص منه من خلال التحرك على تلك الأسباب التي تشكل حقيقة له وفي ذات الوقت تشكل موانع اقتصادية وسياسية من الاقتراب منه ، لذلك هذا التسويف لاشك أنه سيصل إلى مرحلة ما ينتهي عندها أوكله ويصبح دون جدوى بفعل الضغط الشعبي هناك وتصبح تلك الحكومات مضطرة إلى فسخ عقد تبادل المنفعة بينها وبين مؤسسات ودول الإرهاب في العالم وهي الوهابية بمؤسساتها والسعودية بملوكها وأمرائها.
التعليقات