وجها لوجه: التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام السعودي

شرع مجلس الشيوخ الأمريكي الثلاثاء الماضي 17 مايو 2016 تشريعا عده الكثير تحولا خطيرا في مسار العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية عموما والعائلة المالكة على وجه الخصوص، التشريع أطلق عليه اسم ( قانون العدالة ضد الإرهاب) وبمقتضاه يمكن لذوي ضحايا الإرهاب الأمريكان اقامة دعاوى قضائية ضد أركان النظام السعودي لمطالبته بدفع التعويضات لذوي ضحايا احداث 11 ايلول سبتمبر عام 2001 الذين يقدر عددهم بأكثر من 15 إلف مواطن أمريكي، مجلس الشيوخ الأمريكي بدوره تبنى هذا الإجراء التشريعي كونه يمثل احد أهم الهيئات التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية وهو احد ركني الكونغرس الأمريكي، النظام السعودي بدوره نفى أي دور له في تلك الهجمات التي ضربت برجي التجارة العالمية ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" والتي على أثرها جاء هذا التشريع بعد أكثر من عقد ونصف من حدوث تلك الكارثة التي هزت العالم وقتها. هذا الإجراء التشريعي الذي أقدم عليه مجلس الشيوخ الأمريكي ضد النظام السعودي عده كثير من المراقبين والمتابعين للعلاقات الأمريكية والسعودية في مختلف دول العالم تحولا ملفتا وخطوة جريئة تصدر من أعلى هيئة تشريعية أمريكية ضد نظام يتهمه الكثير من الدول والمؤسسات وكذلك الرأي العام العالمي بالداعم البارز والممول الرئيس للإرهاب والخزان البشري والفكري والعقائدي له وهو تحرك نوعي تؤشر عليه عدة تساؤلات منها: - 1-الخطوة مدخل لبداية تحول موضوعي للعلاقات بين البلدين بسبب إجراءات قانونية ودستورية وقيمية تشعر الولايات المتحدة بضرورة تطبيقها على المملكة السعودية، فالتحول في مسار العلاقات السعودية الأمريكية من الناحية الموضوعية أمرا لا يمكن استبعاده كون الأخيرة تقيم علاقتها مع هذا البلد وفق مبدأ تبادل المنفعة وهي حماية النظام والعائلة المالكة من التهديدات الداخلية والخارجية التي تخشاها هذه العائلة وفي المقابل العائلة تقوم بوضع كل إمكانياتها الاقتصادية تحت خدمة وتصرف الولايات المتحدة ، لذا فان العلاقة لم تكن ذات إبعاد اقتصادية متكافئة أو تلاقي فكري وأيدلوجية في بنية النظامين أو تطابق في التقاليد الدستورية بين البلدين، العلاقة يمكن توصيفها بين دولة ذات مؤسسات وأعراف وتقاليد ديمقراطية ليبرالية عصرية وبين عائلة مالكة وراثية تحكم اغنى بلد في العالم بأساليب وأعراف تقليدية مرجعها إلى العصور الوسطى، هذه العلاقة بين البلدين يبدو أنها تعيش مرحلة العد التنازلي في التفسخ والانحلال نتيجة لاختلاف هذه القيم بينهما ويمكن قراءات تشريع مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير كبادرة وبداية لهذا التحول. 2-الخطوة تمثل ضغطا سياسيا لضبط سلوك الأخيرة الأخذ بالخروج كثيرا عن الحدود المسموح له التحرك في إطارها في المنطقة والعالم، فالمملكة العربية السعودية بدأت في التطلع إلى السمو والمكانة الإقليمية كلاعب مهم في المنطقة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990 إلا إن اتضاح فعالية دورها بدأت في العام 2003 بعد إفراغ المنطقة من لاعب إقليمي هام وهو العراق ، إشغالها للدور العراقي الذي كان يلعبه سابقا في المنطقة دفع بها إلى تعظيم ترسانتها العسكرية وتطوير اذرعها الدبلوماسية وكذلك تزايد تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول عربية وأخرى إقليمية وبدأت تشعر وكما يطلق عليه خبراء الاستراتيجية بـ (فائض القوة) مستفيدة من الهيبة الدينية التي تتمتع بها في العالم الإسلامي فطرحت نفسها كمدافعة ومساندة للدول الإسلامية. الولايات المتحدة توافقت وسايرت إلى وقت قريب كل خطواتها إلا إن الأخيرة شعرت في النهاية وجدت نفسها ترعى فكرا تكفيريا يلاحق مصالحها وأهدافها ومواطنيها في كل مكان ومنها ما وقع على أراضيها المعروفة بأحداث 11 أيلول عام 2001 الذي غضت الطرف عنها واليوم عادت لتؤكد إن حليفتها هي التي تقف خلفها، كما إن السلوك الأخير للسعودية في سوريا واليمن وكذلك في العراق وحتى في مفاوضاتها مع إيران حول برنامجها النووي أزعج الولايات المتحدة كثيرا؛ لان السعودية تتحرك وفق أهداف طائفية ومذهبية وإقليمية بينما الولايات المتحدة تتحرك وفق مساومات وتبادل مصالح وامن قومي وعالمي لها ولحلفائها من الدول الكبرى. 3-جهات ونخب في الولايات المتحدة لم تستطيع الانتظار طويلا في محاكمة ومقاضاة النظام السعودي. فالولايات المتحدة كونها دولة مؤسسات وهذه المؤسسات تديرها نخب وجماعات وطنية تؤمن بمصالح وحقوق مواطنيها وتضعها في أولويات أهدافها ومتبنياتها بعيدا عن المزايدات السياسية سواء في الداخل الأمريكي أم في الخارج ، لذا يبدو إن الوقت حان لفريق من هذه النخب وهم مجلس الشيوخ لتشريع هذا القانون الذي يمكن من خلاله لذوي الضحايا مقاضاة السلطات السعودية باعتبارها شريكا أو داعما أو ممولا لإحداث 11 أيلول والتي راح ضحيتها أكثر من 4000 شخص ، هذه النخب التشريعية من المؤكد أنها متأخرة في إصدار هذا التشريع إلا إن التأخير كان بفعل الضغوط والالتماسات من الداخل الأمريكي ومن الخارج من قبل القيادة السعودية خصوصا إذا اخذ في الاعتبار إن السعودية أقدمت بعد تلك الإحداث على إغراق المصارف والبنوك الأمريكية بالودائع والأصول المالية من اجل تخفيف الضغط السياسي والشعبي الأمريكي عليها ودرئ الاتهامات التي توجهه إليها. الرئيس الأمريكي باراك اوباما رفض قرار مجلس الشيوخ ووعد باستخدام الفيتو من اجل عدم تمريره في الكونغرس وعلل رفضه للقرار بأنه يعرض المصالح الأمريكية إلى الخطر خصوصا تلك المتعلقة بالأصول والودائع والأسهم السعودية العاملة في الولايات المتحدة ، لكن مجلس الشيوخ رد على الرئيس بالمضي في تمرير القرار وذلك بضمانة حصوله على تصويت الثلثين في الكونغرس وبالتالي يضطر الرئيس إلى تنفيذه والعمل به وهذا ما يتخوف منه الرئيس الأمريكي كونه يعد توقيت القرار غير مناسب لحزبه (الديمقراطيين)؛ لأن أي تدهور اقتصادي أمريكي على اثر قطع العلاقات أو توتيرها مع النظام السعودية بفعل تطبيق هذا القرار سوف يسوق من قبل الجمهوريين كمادة دعائية انتخابية دسمه ضد غرمائهم الديمقراطيين . وفي الختام، يمكن إن نلمس في قادم الأيام وعلى اثر خطوة مجلس الشيوخ الأمريكي الأخيرة تحولا كبيرا في السياسية السعودية في المنطقة وخاصة في مناطق الصراع التي تغذيها وتديرها كاليمن وسوريا والعراق نتيجة لهذه الخطوة، فسمعة النظام السعودي العالمية سوف تتأثر كثيرا على اثر هذه الخطوة ومن المؤكد ستكون هناك خطوات مماثلة من أنظمة ومؤسسات ونقابات وأشخاص تضرروا من الإرهاب في كثير من دول العالم سوف تجد طريقها إلى النور على غرار خطوة مجلس الشيوخ الامريكي الأخيرة.
التعليقات