يعد قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 أول قانون اختص بمعالجة حقوق الرجل والمراة ضمن إطار العائلة، والزواج والإرث والقضايا الأخرى المتعلقة بها، حيث يتناول القانون وتعديلاته قانون الاسرة في العديد من مواده، كالخطبة والزواج في المواد (3-11) والزيجات المحرمة غير المشروعة والزواج من اهل الكتاب (اتباع الديانات الموحدة) في المواد (12-18)، والحقوق والواجبات الزوجية في المواد (19-33)، وفسخ عقد الزواج في المواد من (34-46) وفترة العدة في المواد من (47-50) والولادة ومايتبعها في المواد (51-63)، والوصايا في المواد (64-85) والميراث في المواد (86-91).
إن ما ورد في هذا القانون أعلاه هو تجميع للمذهبين السني والشيعي، حيث انه اخذ احكامه من مذهب الاحناف (مدرسة الإمام أبو حنيفة النعمان) ومذهب الإمام أبو جعفر الصادق (ع)، وخاصة بالنسبة لإرث البنت وحجبها للوراثة للاخرين من غير الزوج والاب والام والطلاق المقترن لفظا وإشارة حيث لا يقع إلا مره واحدة.
كما تضمن هذا القانون المذاهب الأخرى أي انه في حقيقة الامر قانونا متضمنا كل المذاهب حيث اخضع هذا القانون جميع المسلمين في العراق الى معايير موحدة من القوانين المتعلقة بالاسرة والزواج بعد أن تم تعديل الاحكام الواردة فيه المغايرة لمبادئ الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والتي تم تنظيمها من قبل العقيد عبد الكريم قاسم كالمساواة بين الذكر والانثى في مسائل الميراث وقد تم تعديله من قبل نظام البعث المنحل لعام 1963، بعدم المساواة بين الذكر والانثى في مسائل الميراث.
أما قواعد الأحوال الشخصية الأخرى فقد توزعت في عدة قوانين اخرى منها القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 النافذ حاليا كالأحكام الخاصة بالأهلية بالمادتين 11و18 وشروط صحة الزواج إذا كان هناك طرف اجنبي ومسائل الوصايا والقوامة والميراث والوصية بالمواد (11،6-12) وكذلك وردت بعض قواعد الاحوال الشخصية في قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983، وقانون رعاية القاصرين رقم 78 لسنة 1980، كالقواعد المتعلقة باستحداث مجلس محاسبة للاولياء والاوصياء وكذلك مايتعلق باموال القاصرين إضافة إلى التشريعات الأخرى وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل.
وبعد سقوط نظام البعث في عام 2003، بدأت الجهود الساعية الى استبدال قانون الاحوال الشخصية لعام 1959 بحكم الشريعة، وقد كرست ذلك في المادة (41) من الدستور الدائم لعام 2005 حيث نصت (العراقيون احرار في الالتزام باحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون).
إن الأخذ بالمادة 41 من الدستور في صيغتها الحالية تؤدي الى ترك المسائل المتعلقة بالاحوال الشخصية الى رجال الدين وتجعل القاضي مجتهدا لا مطبقا للقانون لعدم وجود نص يرجع اليه وانما عليه الرجوع الى المذاهب المختلفة وان يتعمق في دراسته وبالتالي يصبح فقيها وليس قاضيا، وتصبح لدينا ثلاث محاكم (محاكم شيعية وسنية ومحاكم غير إسلامية) دون وجود قانون واحد يحكمها جميعا.
ومما يؤخذ على هذه المادة أيضا إنها تترك الخيارات الى الشخص للجوء الى مختلف المحاكم بغض النظر عن نوعها وعن طائفته أو عدم اللجوء اصلا اي انه يفض النزاع باللجوء الى رجال الدين قبل اللجوء الى المحاكم.
كما انه يضع الحواجز والعراقيل امام الزواج المختلط مما يعزز الطائفية ويكرسها في وقت فيه البلاد بامس الحاجة الى تقوية الاواصر والروابط بين ابنائه ونزع فتيل الطائفية لامزيد من الانقسام الاجتماعي.
كما انه إذا ترك الأمر إلى رجال الدين فانه سيكون هناك خلاف في بعض المسائل، كما في حالة تحديد سن الزواج فبعد ان كان قانون الاحوال الشخصية قد حددها بثمانية عشر سنة فانه في ضوء المادة 41 من الدستور فانها تتراوح بين السابعة وحتى التاسعة. وكذا الأمر بالنسبة لعقد الزواج حيث وفقا للمذهب السني يجب ان يكون وصي ذكر ليمثلها خلال مراسيم الزواج في حين يجوز للمراة الشيعية ان توقع على عقد زواجها بنفسها وكذلك الاختلاف في سن نقل الوصاية من الام الى الاب بحسب المذهب وغيرها من الامور الاخرى المختلف فيها
ومما يجدر ذكره انه لاتوجد اختلافات بين المذاهب المختلفة في مسائل الطلاق. إن هذه الاختلافات قد تكون بسيطة في نظر البعض وانه تعطي حقوقا اكبر بالنسبة للشخص بان تكون احواله الشخصية منظمة وفقا للمذهب الذي يعتنقه، إلا انه في حقيقة الامر الموضوع في غاية التعقيد ويؤدي الى اختلافات واشتباكات داخل الاسرة الواحدة نحن في غنى عنها. حيث إن القانون عادة ينظم احكامه وفقا لما يناسب مختلف المذاهب والطوائف دون الوقوف عند احدها.
إن بعض مؤيدي المادة 41 من الدستور يرون بان قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 غير ملائم وان اهم انتقاد وجه له بتعريفه للطلاق في المادة 34 بانه (رفع قيد الزواج بايقاع من الزوج اومن الزوجة...).
حيث انه يصف الزواج بانه قيد.. ويمكن الرد على هذا الانتقاد بأنه كما هو معروف لدى القانونيين بان عقد الزواج شانه شان باقي العقود القانونية الاخرى فانه يرتب حقوق والتزامات متبادلة بين طرفي العقد (الزوجين) وبالتالي فانه في حالة الطلاق اي انهاء هذا العقد بين الزوجين وبالتالي انهاء للالتزامات بين طرفيه اي انه في حقيقة امره رفع للقيود التي رتبها هذا العقد على طرفيه بحيث يتحلل كل واحد منهما من التزاماته
وهذا ما قصده المشرع العراقي من قوله (رفع قيد).
وبعد إن أوضحنا بعض سلبيات المادة 41 من الدستور فانه ينبغي على المشرع العراقي ان يعيد النظر في هذه المادة ان كان يهمه وحدة العراق وشعبه وابناء اسرته وان يصار الى الغاء هذه المادة لانها تؤدي الى الرجوع الى الوراء وتكرس الطائفية وتزيد الدماء.
كما يجب تفعيل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، وتعديل بعض نصوصه التي تكرس التمييز بين الرجل والمراة وان تتخذ التدابير اللازمة لانهاءه.