العسكر والاقتصاد .. مَن يقود مَن؟

تحتل المؤسسة العسكرية مكانة مهم في أي بلد في العالم، لأهميتها في تحقيق الأمن والسيادة، لكن ما علاقتها بالاقتصاد؟

بالتأكيد، هناك علاقة تكاملية، حيث الاقتصاد القوي يسهم في تقوية المؤسسة العسكرية وفي المقابل تسهم الأخيرة في حماية الاقتصاد وضمان عدم تعرضه للمخاطر واستمرار مسيرته.

السؤال الأهم، هل يجب أن تقود المؤسسة العسكرية الاقتصاد، لضمان قوتها وحماية الاقتصاد أم يُفترض أن تكون ساندة للاقتصاد من خلال توفير البيئة الأمنة التي يعمل فيها؟

 

المؤسسة العسكرية وآلية السوق

تختلف آلية السوق عن المؤسسة العسكرية في قيادة الاقتصاد، من حيث ثلاثة نقاط مهمة وهي الملكية والآلية والدافع.

 

الملكية، عندما تقود المؤسسة العسكرية يعني ان الملكية لعناصر الانتاج ستكون للدولة، بينما تكون الملكية للأفراد عندما تسود آلية السوق.

الآلية، آلية عمل الاقتصاد في ظل سيادة المؤسسة العسكرية هي ادارية، وتكون تفاعلية عندما تسود آلية السوق.

الدافع، أي يكون دافع المؤسسة العسكرية اجتماعي انتاج سلع وخدمات للمجتمع ، في حين يكون هدف الافراد هو تحقيق الربح المادي عندما سيادة آلية السوق.

أيهما افضل اقتصادياً

في ضوء النقاط الثلاثة أعلاه، يمكن تحديد ثلاثة عناصرأدناه لتبيان أيهما(السوق أم المؤسسة العسكرية) أفضل انعكاساً على الاقتصاد.

1 - الكلفة، ان المؤسسة العسكرية تعطي الاولوية للانتاج لا للكلفة، والعكس بالنسبة للسوق حيث يتنافس المنتجون فيما بينهم على ضغط التكلفة والاسعار للحصول على حصة أكبر في السوق.

2 - النوعية، تبرز نوعية المنتجات بشكل أكبر في ظل سيادة السوق لا المؤسسة العسكرية، حيث يتنافس المنتجون فيما بينهم للحصول على حصة أكبر في السوق ايضاً.

3 - الفاعلية، السوق يجعل أفراد المجتمع أكثر فاعلية في الاقتصاد من المؤسسة العسكرية، لان الأفراد في ظل السوق يأخذون قراراتهم الاقتصادية بشكل ذاتي حر، بينما في ظل المؤسسة العسكرية يكونوا مرغمين بفعل الاوامر الادارية.

نظراً لانخفاض تكاليف الانتاج، وزيادة نوعية الانتاج، فضلاً عن إشراك أغلب افراد المجتمع في الاقتصاد؛ في ظل قيادة السوق للاقتصاد لا المؤسسة العسكرية التي لاتأخذ بعين الاعتبار الكلفة والنوعية والفاعلية، إذن آلية السوق افضل للاقتصاد من المؤسسة العسكرية.

بمعنى آخر، ان الاقتصاد يكون أقوى في ظل سيادة آلية السوق لا المؤسسة العسكرية والنتيجة يجب أن لا تقود الاخيرة الاقتصاد وتقتصر على الدور الساند للاقتصاد، والوظيفة الأساسية التي ان وجدت لأجلها.

الوظيفة الاساسية للمؤسسة العسكرية

حيث ان المهمة الاساسية التي وجدت المؤسسة العسكرية لأجلها هي تحقيق الامن والدفاع عن سيادة الدولة ومنع الاعتداءات عليها وبالمقابل لا تقبل الهجوم على الدول الاخرى وحسب بل معها لتحقيق الأمن والسلم الوطني والاقليمي والدولي.

وان تجاوز المؤسسة العسكرية لدورها الساند نحو التدخل المباشر في الاقتصاد وقيادته سيؤدي لنتيجتين الاولى ضعف الاقتصاد نتيجة لفقدانه عناصر القوة الذاتية والثانية فقدان تركيزها على تحقيق وظيفتها الاساسية والنتيجة غياب أو ضعف البيئة الأمنة التي تمثل الوسط التي يتحرك في ظلها الاقتصاد.

ان دور المؤسسة العسكرية الساند للاقتصاد لا يقل أهمية عن دور السوق في قيادة الاقتصاد، حيث ان غياب دورها يعني عدم وجود بيئة آمنة وتعرض الاقتصاد للمخاطر وتعثر مسيرته وارتفاع تكاليف الانتاج والنتيجة انتفاء مزايا السوق التي اتضحت أعلاه(الكلفة، النوعية، الفاعلية).

إذن، حصر المؤسسة العسكرية في تحقيق وظيفتها الاساسية في تحقيق البيئة الأمنة تمثل دور مهماً للاقتصاد بالتزامن مع ترك قيادة الاخير للسوق الذي لايمكن أن يحقق مزاياه دون وجود البيئة الآمنة التي تضطلع بها المؤسسة العسكرية.

نظام الحكم والمؤسسة العسكرية والاقتصاد

تربط قيادة الاقتصاد، من قبل السوق أو المؤسسة العسكرية؛ بنظام الحكم والمؤسسات، أي اذا كان نظام الحكم ديمقراطي والمؤسسات قوية، سيكون السوق قائداً للاقتصاد، وتقتصر المؤسسة العسكرية على الدور الساند في الاقتصاد والعكس صحيح.

أي اذا كان نظام الحكم استبدادي والمؤسسات ادوات بيده، ستكون المؤسسة العسكرية قائداً ومسانداً للاقتصاد وغياب أو ضعف دور السوف في الاقتصاد.

في الوقت الذي من شأن الديمقراطية والمؤسسات القوية أن تحد من توظيف المؤسسة العسكرية لصالح الرئيس ولا تقبل بتمددها على بقية المؤسسات والمجالات بما فيها الاقتصاد وستحاسبها إذا أخلت بوظيفتها الاساسية.

يسمح الاستبداد بتضخم المؤسسة العسكرية وتمددها على جميع المؤسسات والمجالات بما فيها الاقتصاد وبهذا يصبح دور المؤسسة العسكرية قائداً ومسانداً في الاقتصاد وحرمان الاقتصاد من عناصر القوة الذاتية كما اتضحت آنفاً.

إذن، نظام الحكم والمؤسسات لها دور كبير في تحديد وتقرير الادوار بين المؤسسة العسكرية والسوق في الاقتصاد.

تجارب الدول

وإذا ما نظرنا لتجارب الدول بهذا الخصوص، سنجد ان الدول التي تمتلك ديمقراطية راسخة ومؤسسات قوية بحكم استقلاليتها وسيادة آلية السوق واقتصار المؤسسة العسكرية على الوظيفتها الاساسية، تكون اقتصاداتها مستقرة والأمثلة كثيرة مثل كالولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والمانيا واليابان وكندا وكوريا الجنوبية وسنغافورة وغيرها.

بينما الدول التي تفتقد للديمقراطية الراسخة ويقودها الاستبداد ولاتمتلك مؤسسات مستقلة وتديرها المؤسسات العسكرية، في العادة ان اقتصاداتها غير مستقرة والامثلة عديدة ايضاً كوريا الشمالية ومصر وايران وباكستان وغيرها.

وفي ضوء ما سبق، يُفترض بالدول التي تمر في مرحلة انتقالية كالعراق، أن تسير وفق رؤية واضحة من شأنها تنضيج الديمقراطية وتقوية المؤسسات وحصر المؤسسة العسكرية على تحقيق الوظيفة الاساسية بالتزامن مع التعاون الاقليمي والدولي.

وتترك المساحة الأخرى لآلية السوق ليسير الاقتصاد وفقها لضمان نموه وقوته وبما يسهم في تطلبة حاجة المجتمع باسعار معقولة ونوعية جيدة، وفي النتيجة ضمان فاعلية كل من المؤسسة العسكرية والاقتصاد كلً في مجاله وفق منهجية تكامل الادوار.

التعليقات