اوبك+ ودوافع الخفض الطوعي للإنتاج

فاجئ تحالف اوبك+ الاسواق والمضاربين بإجراء خفض طوعي لإنتاج مجموعة من دول التحالف كسياسة احترازية تجاه استمرار تراجع اسعار النفط الى دون معدلاتها التوازنية، خصوصا مع سياسات التشديد النقدي لمكافحة التضخم في الولايات المتحدة واوربا وعدد كبير من دول العالم، وهو ما ترجمته المؤسسات الدولية والعديد من الدراسات والتقارير، بما فيها تقارير منظمة اوبك الاخيرة، الى تباطؤ الاقتصاد العالمي وهبوط اكثر من المتوقع في معدلات النمو الاقتصادي العالمي عام 2023.

حصص الإنتاج وفقا لاتفاق نيسان 2023

قررت مجموعة دول داخل تحالف أوبك+ بقيادة السعودية إجراء تخفيضات طوعية اجمالية للإنتاج بقرابة (1.6) مليون برميل يوميًا كسياسة احترازية لدعم استقرار اسواق النفط العالمية، ويبدأ سريان الاتفاق بخفض (1.1) مليون برميل مطلع شهر ايار / مايو القادم ثم يزداد المعدل مطلع حزيران / يونيو القادم ليصل الى (1.6) مليون برميل بعد اضافة الخفض الروسي للإنتاج بمقدار (500) الف برميل يوميا. وبحسب بيان التحالف فان التعديل الطوعي تضمن خفض السعودية لإنتاجها بمقدار (500 ألف برميل يوميا) والعراق (211 ألف برميل يوميا) والإمارات (144 ألف برميل يوميا) والكويت (128 ألف برميل يوميا) وكازاخستان (78 ألف برميل يوميا) والجزائر (48 ألف برميل يوميا) وعمان (40 ألف برميل يوميا) والجابون (ثمانية آلاف برميل يوميا) بدءا من أيار /مايو القادم وحتى نهاية عام 2023. 

ويُضاف هذا الخفض الطوعي إلى تخفيض الإنتاج القائم من جانب التحالف بمقدار (2) مليون برميل يوميًا في المدّة من تشرين الثاني / نوفمبر 2022 حتى نهاية كانون الأول / ديسمبر2023. وبذلك، يرتفع المعدل الإجمالي لتخفيضات أوبك+ إلى (3.6) مليون برميل يوميًا خلال عام 2023، وهو ما يعادل نحو (3.7%) من الطلب العالمي على النفط. 

لماذا اقدمت اوبك+ على خفض الانتاج؟

اجمعت معظم التوقعات على عدم اجراء تغيرات ملموسة في انتاج اوبك+ ضمن اجتماعها المقرر مطلع الشهر الحالي نظرا لعدم تراجع الاسعار بشكل كبير يستدعي التدخل، وضعف افاق النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة واوربا والعديد من دول العالم بشكل يحتم الحفاظ على اسعار النفط ضمن المديات الدنيا لدعم النمو وكبح الضغوط التضخمية التي يعود جزء كبير منها لارتفاع اسعار الطاقة عالميا بحسب بعض التحليلات والدراسات. مع ذلك، فاجئ التحالف، الاسواق والمضاربين، بإجراء خفض جديد في معدلات الانتاج، ارتفع على اثرها سعر نفط خام برنت من (72) دولار للبرميل الى اكثر من (85) دولار للبرميل. ويمكن رصد بعض الاسباب التي دفعت تحالف اوبك+ لتقليص امدادات النفط الى الاسواق وكما يلي:

1- استمرار سياسة التشديد النقدي المتبعة من قبل الفيدرالي والامريكي وبعض البنوك المركزية العالمية لمكافحة الضغوط التضخمية، وخشية دول اوبك+ من تباطؤ الاقتصاد العالمي وانحسار معدلات الطلب على النفط وتراجع الاسعار في الاسواق النفطية. 

2- تُفسر سياسة تقليص الانتاج كإجراء احترازي لتوخي عواقب ازمة المصارف اذا ما تفاقمت عالميا واثرت على معدلات الطلب على النفط، مما يوجب ضبط الامدادات للحفاظ على توازن الاسواق عند السعر العادل لبرميل النفط، والذي يجب ان يتأرجح حول (80) دولار للبرميل كمتوسط. 

3- كسر الاتجاه النزولي لأسعار النفط في اسواق العقود الآجلة جراء اشتداد حمى المضاربة على النفط بعيدا عن اساسيات الاسواق والاقتصاد العالمي. فقد تراجع عدد مراكز الشراء المراهنة على الصعود مقارنة بارتفاع عدد مراكز البيع على المكشوف المراهنة على النزول، مما زاد من التوقعات التشاؤمية واللايقين في الاسواق وعمق من تراجع الاسعار.

4- التدخل في ديناميكيات الاسواق النفطية من قبل الولايات المتحدة والغرب للضغط على الاسعار، خصوصا بعد السقف الذي فرضته بعض الدول على أسعار النفط الروسي.

5- تأكيد مستوى التوحد والانسجام لدول التحالف والمرونة التامة في التحكم بإمدادات النفط العالمية لتحقيق استقرار أسواق النفط اتساقا مع مختلف معدلات الطلب العالمي على النفط.

6- يهدف تحالف أوبك+ من خلال الحفاظ على اسعار النفط ضمن مديات (80-100) دولار للبرميل تعزيز الاستثمارات النفطية وضمان إنعاش المشاريع الجديدة بما يضمن استدامة أمن الإمدادات النفطية الى الاسواق على المدى الطويل.

ورغم تتنوع الدوافع الكامنة خلف قرار تحالف اوبك+ المفاجئ بإجراء خفض طوعي جديد لمعدلات الانتاج كإجراء احترازي، لكن لا يخلو القرار من دلالات سياسية أبرزها تضارب المصالح بين الولايات المتحدة ودول كبرى داخل التحالف، خصوصا بعد تحول مجرى الصادرات النفطية صوب الاسواق الاسيوية، ومحاولة الولايات المتحدة الضغط باتجاه اغراق الاسواق وخفض الاسعار بشكل كبير لاعتبارات مزدوجة (سياسية واقتصادية). من جانب اخر، فان تراجع توقعات النمو الاقتصادي وفقا لصندوق النقد الدولي وتقارير اوبك الشهرية يعني تراجعا متوقعا في معدلات الطلب على النفط في الاسواق العالمية بدءا من عام 2023 نتيجة سياسات التشديد النقدي المستمرة لاستيعاب الضغوط التضخمية في الولايات المتحدة واوربا وعدد كبير من دول العالم، مما يحتم الحفاظ على الاسواق من التخمة النفطية. واخيرا رغبة اوبك+ في الحد من نشاط المضاربات في اسواق النفط نظرا لما خلفته حمى المضاربات من تأثير سلبي على أساسيات الاسواق، في الوقت الذي يكافح فيه التحالف من اجل ارساء التوازن السعري وفقا لأساسيات العرض والطلب في اسواق النفط العالمية.

التعليقات