الحرية الاقتصادية في العراق

صدر مؤخرا تقرير مؤشر الحرية الاقتصادية (Index of Economic Freedom 2023) وهو دليل سنوي تنشره مؤسسة (The Heritage Foundation) وهي من المؤسسات البحثية الرائدة وتصنف على انها الاول في واشنطن، وفيه تم قياس مبادي الحرية الاقتصادية، ويغطي المؤشر 12 حرية -من حقوق الملكية الى الحرية المالية -في 184 دولة. والاصدار التاسع والعشرون لمؤشر الحرية الاقتصادية 2023 يشمل:

1/ نتائج الحرية الاقتصادية المحدثة وبيانات الاقتصاد الكلي لـ 184 اقتصادًا.

2/ مقارنات سهلة القراءة عبر البلاد تسلط الضوء على أهمية الحرية الاقتصادية.

يمكن فهم الحرية الاقتصادية على انها حق أساس لكل إنسان في التحكم في عمله وممتلكاته. وفي المجتمع الحر اقتصاديًا، يتمتع الأفراد بحرية العمل والإنتاج والاستهلاك والاستثمار بأي طريقة يحلو لهم. كذلك في المجتمعات الحرة اقتصاديًا، تسمح الحكومات للعمالة ورأس المال والسلع بالتحرك بحرية، والامتناع عن إكراه أو تقييد الحرية بما يتجاوز الحد الضروري لحماية الحرية نفسها والحفاظ عليها.

يمكن الاستفادة من الحرية الاقتصادية انها تجلب المزيد من الازدهار. يوثق مؤشر الحرية الاقتصادية العلاقة الإيجابية بين الحرية الاقتصادية ومجموعة متنوعة من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية الإيجابية. وترتبط قيم الحرية الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا بالمجتمعات الأكثر صحة، والبيئات النظيفة، وزيادة نصيب الفرد من الثروة، والتنمية البشرية، والديمقراطية، والقضاء على الفقر. 

تُقاس الحرية الاقتصادية بناءً على 12 مؤشرا فرعيا كميًا ونوعيًا، مُجمّعة في أربع فئات، وهي:

1/ سيادة القانون (حقوق الملكية، نزاهة الحكومة، فعالية القضاء).

2/ حجم الحكومة (الإنفاق الحكومي، العبء الضريبي، الرخاء المالي).

3/ الكفاءة التنظيمية (حرية بيئة الاعمال، حرية العمل، الحرية النقدية).

4/ الأسواق المفتوحة (حرية التجارة، حرية الاستثمار، الحرية المالية).

منذ عام 2002 والعراق خارج مؤشر الحرية الاقتصادية، وحصل حينها على درجة (15.6)، ولايزال خارج التصنيف في مؤشر 2023 بسبب عدم وجود بيانات موثوقة بما فيه الكفاية حول الحرية الاقتصادية داخل البلاد، والتي تواجه توترات سياسية وامنية وعرقية وطائفية مستمرة. مع ذلك اورد المؤشر مجموعة من الحقائق:

- عدد السكان (41.2) مليون نسمة.

- الناتج المحلي الاجمالي: (-0.5%) نمو سنوي مركب لمدة 5 سنوات.

- (10.702) دولار للفرد الواحد.

- البطالة (13.0%).

- التضخم (المستوى العام للاسعار) (6.0%).

- الدين العام (59.1%) من الناتج المحلي الاجمالي.

اورد التقرير " ان النمو الاقتصادي في العراق يتسم بدرجة عالية من التقلب، كما أن إعادة إعماره الاقتصادي المستمر كانت هشة في أحسن الأحوال. ويستمر عدم الاستقرار السياسي وتفشي الفساد في تقويض التقدم المحدود الذي تم إحرازه نسبيا. كما ان الاقتصاد يعمل بأقل بكثير من الإمكانات، ويفتقر الى السياسات النقدية والمالية الفعالة. ولهذا يحتاج العراق بشكل خاص الى تحسين الأمن واستعادة سيادة القانون بشكل كامل". 

وفيما يرتبط بالوضع الاقتصادي، اكد التقرير " ان العراق يتعافى ببطء من حرب مؤلمة ضد تنظيم داعش الارهابي، الذي استولى على مساحات كبيرة من الأراضي في عام 2014 ولا يزال يمثل تهديدًا إرهابيًا. وفي انتخابات 2021 فاز حزب مقتدى الصدر بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية، لكن الأحزاب المدعومة من إيران منعته من تشكيل ائتلاف حاكم. ثم دعا أتباعه الى الاستقالة، مما عجل بحصول أزمة سياسية استمرت لأكثر من سنة دون تشكيل حكومة. كما ان القطاع النفطي يقود الاقتصاد العراقي الذي تهيمن عليه الدولة، والذي يوفر ما يقرب من 85 في المائة من الإيرادات الحكومية. والاقتصاد العراقي تضرر من تفشي الفساد واضرار البنية التحتية نتيجة بالحرب". 

مؤشر حكم القانون هو الابرز في مؤشر الحرية الاقتصادية، وجاء في التقرير " أن سيادة القانون بشكل عام في العراق ضعيفة، ودرجة حقوق الملكية للبلد أقل من المتوسط العالمي، كما ان درجة فعالية القضاء، ودرجة نزاهة الحكومة أقل من المتوسط العالمي".

مؤشرات اقتصادية اوردها التقرير وهي " ان العراق شهد أعلى معدلات ضرائب الأفراد والشركات هي: 15٪ و35٪ على التوالي. والعبء الضريبي يساوي 2.0٪ من الناتج المحلي الإجمالي. والدين العام يساوي 59.1٪ من الناتج المحلي الإجمالي".

 فيما يرتبط ببيئة الاعمال، اشار التقرير " على الرغم من بعض التحسن في بيئة الأعمال، لا تزال هناك عوائق كبيرة أمام نشاط ريادة الأعمال. كما إن تطبيق اللوائح التجارية غير متسق وفيه افراط في الاجراءات الروتينية، ولم يتم تطوير سوق العمل الرسمي بشكل كامل، ومعظم وظائف القطاع الخاص قصيرة الأجل وغير رسمية، فضلا عن ان الاستقرار النقدي ضعيف". 

واما عن التحديات الامنية وعدم الاستقرار السياسي واثاره الاقتصادية، اشار التقرير " ان التحديات الأمنية وأوجه القصور المؤسسية تستمر في إعاقة التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. كما ان عدم الاستقرار السياسي يقوض الاقتصاد القائم على النقد، والاقتصاد العراقي يفتقر الى البنية التحتية لنظام مالي يعمل بكامل طاقته. كذلك إن أطر التنظيم المصرفي ليست قوية بما يكفي لتعميق الوساطات المالية".

كل ما اورده واشار اليه التقرير يكاد يكون معروفا ومدركا لدى الباحثين والمتابعين والمهتمين والمتخصصين، فضلا عن المسؤولين في القطاع العام والخاص، الا ان التراجع الحاد في المؤشرات وعدم توافر بيانات، وصعوبة او استحالة الوصول الى بعض المعلومات حول معايير المؤشر، جعل العراق خارج التصنيف.

الركون الى النفط والتغني بالثروة النفطية وحجم الصادرات النفطية لا يعزز درجة الموثوقية بالاقتصاد، بل المؤشر اعلاه وباقي التقارير والمؤشرات الاقتصادية لها تأثيرها في درجة الموثوقية بالاقتصاد، والسياسات الاقتصادية وبالتالي بيئة الاعمال، حتى في درجة التصنيف الائتماني للبلاد والتي تُحدد جزء كبير من قدرته على الاقتراض الخارجي. كما يعد المؤشر مقياسًا مفيدًا يمكن لصانعي السياسات من خلاله قياس التقدم المحرز في بناء مؤسسات وبرامج فعالة وكفؤة.

على الرغم من التقدم النسبي في توافر وتحديث بعض المعلومات والبيانات الاقتصادية والاجتماعية كما في الجهاز المركزي للاحصاء والبنك المركزي العراقي، الا ان تقادم بعض تلك البيانات وعدم تحديثها، وعدم توافر بعض البيانات المالية والنقدية يُربك صنع السياسات وبالتالي اتخاذ القرارات، فضلا عن تزعزع الموثوقية بالاقتصاد.

التعليقات