قراءة في مضامين الثورة الحسينية

لقد فجر الأمام الحسين ( ع ) ثورته الخالدة في يوم عاشوراء بعد أن عرف بضرورة قيامها وكان ذلك بأمر الهي اضطره إلى أحلال أحرامه وخروجه من مكة المكرمة وكان ذلك لعدة أسباب منها : (1) الدفاع عن الدين وصيانته من التدنيس . (2) أصلاح ألأمة بعد أن وصلت إلى مرحلة خطيرة من الفساد في تعامل الحكام مع الرعيـة . (3) تلبيته لأوامر الله عز وجل وبذل الغالي والنفيس من اجل أعلاء كلمة الحق . ومن الجدير بنا ونحن نعيش في هذه الأيام ذكرى استشهاد الأمام الحسين ( ع ) ، فلابد أن نستفيد من هذه الثورة العظيمة ، ونستلهم من مجرياتها العبر ، ومن مضامينها الموعظة العملية لتطبيقها في حياتنا ، وان نحب الحسين ( ع ) بالعمل لا بالقول ، حيث لا يخفى أن لكل ثورة أصلاحية وثورية كالثورة الحسينية مضامينها الخاصة بها ، وعليه فان هذه الثورة تحوي في طياتها عددا من المضامين التي يجب معرفتها والاقتداء بها والسعي إلى تطبيقها على ارض الواقع ، ومن ابرز هذه المضامين ما يلي :- 1-المضمون الروحي . يتجلى هذا المضمون من خلال تمسك الأمام ( ع ) بقيمة الإنسانية ، فقد مثلت ثورته مسرحا للعطاء الروحي والمعنوي ، وان المتتبع لقضية كربلاء يلاحظ بروز معاني الصبر والتضحية وعدم التردد والحيرة والرضا والتسليم بأمر الله عز وجل ، وبهذا الصدد يقول الشيخ مرتضى مطهري – مفكر الثورة الإسلامية - : ( من خلالها – أي الثورة الحسينية - يستطيع الإنسان أن يدرك عظمة القدرة الأخلاقية والروحية والمعنوية للبشر ، كما يستطيع أن يفهم ويستوعب حجم المقدرة البشرية على العطاء والتضحية والظهور بمظهر التحرر والدفاع عن الحق وعبادة الحق تعالى رب العالمين ) . 2-المضمون العقائدي . تمتلك الثورة الحسينية مضمونا عقائديا رائعا يتجسد في تلبية الأمام ( ع ) لأمر الله سبحانه وتعالى وخروجه الثوري من اجل الحفاظ على العقيدة الإسلامية، وتمسكه بها والتضحية من اجلها ، وعمله على الحفاظ على حرمة الإسلام من خلال تقديم نفسه الزكية في سبيل الله مع علمه مسبقا بأنه سيقتل لا محالة لرفضه مبايعة السلطة الفاسدة آنذاك والمتمثلة بدولة يزيد ابن معاوية ، بسبب فسق الأخير وفجوره ، وظلمه واستبداده. 3-المضمون الأخلاقي . تمثل هذا المضمون في أخلاق الأمام الحسين (ع ) نفسها من خلال تعامله الإنساني الشريف حتى مع أعدائه ، فتراه مثلا عندما رأى الحر ألرياحي ومن معه وقد شارفوا على الهلاك من شدة العطش، أنقذهم من موت محتوم فسقاهم الماء مع علمه أنهم جاءوا للإحاطة به ومنعه من دخول الكوفة ، ومقاتلته فيما بعد ، كما يتضح هذا المضمون في بكائه عليه السلام على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بسببه ، وفي علاقته مع أهل بيته وأنصاره رضوان الله عليهم. 4-المضمون الإصلاحي . ويتبين هذا المضمون من خلال تضحية الأمام الحسين ( ع ) بالغالي والنفيس من اجل أعلاء كلمة الله والحق بوجه الظالمين والمفسدين ، فخروج الأمام ( ع ) وقيامه بثورته الإصلاحية الهادفة إلى تطبيق قاعدة (( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) وهذا ما نجده في قوله المشهور : (( لم اخرج أشرا ولا بطرا ، ولا ظالما ولا مفسدا ، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي ، أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )) . وأصبح الأمام ( ع ) بمنهجه هذا من أعظم المصلحين ليس في العالم الإسلامي فقط بل في العالم اجمع ، ومهما ذكر المفكرون والأدباء بحق هذه الشخصية الإصلاحية العظيمة فهو قليل وتعجز الأقلام عن إيفائه حقه كاملا ، لكونه ( ع ) ضحى بالأهل والأولاد وكل شيء في سبيل الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد عزز أهمية المنهج الإصلاحي في عيون المؤمنين في وقت توقف فيه الجميع عن تطبيقه بحجة منع الضرر الشخصي . ومن الجدير بالذكر إن رواد المنبر الحسيني غالبا ما يقومون بعرض تراجيدي ومأساوي للقضية الحسينية – وهي فعلا مأساة بما تحويه الكلمة من معنى – ولكن يفترض أبراز أيضا التأكيد مضامين الثورة الحسينية المذكورة أعلاه من اجل السعي إلى توظيف بعضها أن لم نقل جميعها في حياتنا من اجل الخروج من الحالة التي وصل إليها المجتمع الإسلامي في هذه الأيام ، أضف إلى ذلك اقتباس الجوانب العظيمة والمشرقة التي سطرها الأمام الحسين وأهل بيته ( ع ) بدمهم الشريف والسعي قدما للنهوض بالأمة وإصلاحها عن طريق تطبيق الأصل المنسي والمتجسد بقاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإسلامية. ختاما يقول ( الدلاي لاما ) زعيم الطائفة البوذية في التبت : ( لو كانت لدينا نحن البوذ شخصيات مثل الأمام علي والأمام الحسين ، ولو كان لنا نهج البلاغة وكربلاء فانه لن يبقى في العالم احد ألا ويعتنق العقيدة البوذية ، نحن نفخر ونعتز بهاتين الشخصيتين الإسلاميتين ) .
التعليقات