العراق واتفاق القلمون ... قراءة في الاسباب، التداعيات، المتطلبات

كثر الحديث - سواء على المستوى المحلي او الاقليمي والدولي- عن اتفاق القلمون الذي تم بين حزب الله والجيش السوري واللبناني من جهة وتنظيم داعش الارهابي من جهة اخرى ، في منطقة القلمون الحدودية بين الدولتين، هذا الاتفاق الذي جاء بعد  هجوم الجيش السوري ومقاتلي حزب الله على منطقة جرود القلمون الغربي، وهجوم الجيش اللبناني على عناصر داعش في البقاع من الجانب الاخر، عندها استسلم عناصر داعش الارهابي، ضمن اتفاق يضمن نقلهم الى مدينة دير الزور شرق سوريا،  مقابل كشفهم مصير الجنود اللبنانيين الذين اختطفهم التنظيم قبل ثلاث سنوات، وتسليم اسلحتهم المتوسطة والثقيلة، وتم وقف اطلاق النار في الساعة السابعة صباح الأحد 27 اب 2017، في إطار اتفاق شامل لإنهاء المعركة بالقلمون الغربي، وذكرت بعض المصادر ان عدد عناصر داعش يقدر ب(360) عنصرا، سبق هذا الاتفاق اتفاق بين حزب الله جبهة النصرة (وفتح الشام حاليا) في جرود عرسال في 30 تموز، يقضي بخروج المسلحين التابعين للجبهة وعوائلهم الى مدينة ادلب السورية التي تسيطر عليها جبهة النصرة الارهابية وقدر عددهم مع العوائل ب(9) الاف شخص، مقابل اطلاق اربعة موقوفين من الجبهة لدى السلطات اللبنانية، والافراج عن ثلاث اسرى وخمس جثامين من حزب الله اللبناني ان الهجوم على جبهة النصرة في جرود عرسال  تم في 19 تموز 2017، وعلى داعش في القلمون الهدف منه الحرب هو إخراج الارهابيين من المنطقة التي كانت تعتبر منطقة خطر على طريق امدادات الحزب من لبنان الى سوريا.

 وقد طرحت الحكومة السورية واللبنانية وحزب الله وبعض المحللين عدة اسباب لعقد هذه الصفقة، منها:

1- قضية انسانية لكشف مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى عناصر داعش الارهابي. 

2- حاجة الحكومة السورية الى خاصرة قوية مع لبنان لمساعدتها في حربها مع الارهاب، لان تواجد المسلحين على الحدود اللبنانية السورية تشكل خطرا على الامدادات من والى سوريا، وعامل دعم لإسرائيل في حالة اي مواجهة بين حزب الله واسرائيل قد تحدث مستقبلا.

3- قطع الطريق عن اي تدخل عسكري امريكي غربي في لبنان، بحجة مواجهة عناصر داعش والنصرة في شرق البلاد، خاصة وان بعض المعلومات ذكرت عن وجود تفاهمات بين امريكية لبنانية لانزال قوات امريكية في المنطقة.

4- في ظل الاسناد الاستثنائي للحكومة السورية من قبل  روسيا وحزب الله وايران، وبعد اتمام السيطرة على خط حمص وحماة وحلب والتقدم لدير الزور، جرى تطبيق استراتيجية تطهير المناطق الجنوبية وحول دمشق باستخدام نيران جارفة وهي استراتيجية روسية معروفة، الى جانب عمليات التهدئة بتسهيل عملية نقل الجماعات المسلحة من أرياف وأحياء محددة بعيدا إلى شمال وشرق سوريا ومنها أدلب، وبذلك ازدادت المساحة التي تسيطر عليها الحكومة السورية إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه في مرحلة الخطر، وهو ما شكل انقلابا كبيرا في معادلات الحرب، خصوصا في ظل تمزق وحدة الموقف الخليجي التركي. 

5- اسباب عسكرية ولوجستية عديدة:

أ‌- ان منطقة دير الزور منطقة سهلية مفتوحة وهي مركز تواجد داعش في سوريا بعد الرقة، ومحاصرة من كل الجبهات من الجنوب والغرب القوات السورية وحزب الله وروسيا ومن الشرق والشمال قوات سوريا الديمقراطية المدعومة امريكيا، اضافة الى القوات العراقية قرب حدود سوريا، لهذا فهي تعد منطقة ساقطة عسكريا وامكانية انهائهم تتم بسهولة

ب‌- هذه الاستراتيجية ستشكل عامل ضغط ثقيل على الدور الأميركي والكردي والتركي في الشمال وتزيد فرص التصادم بين هذه المجموعات المختلفة وتعرضها ايضا لثقل ناري، خاصة وان هناك تقارير تؤكد عن هجوم قريب لقوات سوريا الديمقراطية بدعم امريكي على دير الزور، لما تشكله هذه المدينة من اهمية كبيرة لضمها العديد من حقول النفط والغاز، اضافة الى ان من يسيطر على دير الزور سوف يسيطر على كل حوض الفرات الى الحدود العراقية.

ت‌- الحفاظ وتامين على مدن مهمة في سوريا مثل مدن وسط سوريا والعاصمة دمشق والحدود مع لبنان، لما تشكله من اهمية استراتيجية في الحرب الجارية هناك، اي اعطاء بعض المدن اهمية على حساب مدن اخرى.

ث‌- ان مرابطة الاف الجنود السورين ومقاتلي حزب الله على الحدود السورية اللبنانية وفي مناطق وعرة تعد استنزاف مستمر لها، لهذا فات تامين الحدود سوف يعزز الجبهات الاخرى من خلال نقل المقاتلين من الحدود الى الجبهات الشرقية والشمالية.

ج‌- تقليل الخسائر بين مقاتلي حزب الله والقوات السورية، لان المعركة الاساسية القادمة هي في شرق سوريا، لهذا فان من اساسياتها حشد قوات كبيرة لمواجهة المجموعات المسلحة في الشرق.  

ح‌- ان نقلهم الى شرق سوريا سوف يمنع وصول اي امدادات إليهم، لان نقل عناصر داعش الى شمال حلب قرب تركيا او الى حدود الاردن، سيسهل دعمهم وتسليحهم، لهذا جاءت الخطة بنقلهم الى دير الزور.

   ان نقل عناصر داعش الى شرق سوريا له تداعيات وتحديات كبيرة على العراق، خاصة وان نقلهم تم الى مناطق قريبة من الحدود العراقية، وهنا ظهر اتجاهان حول هذا الموضوع:

الاول، يرى ان هناك خطورة حقيقة على الامن الوطني العراقي من وجود عناصر داعش الارهابي في شرق سوريا قرب الحدود العراقية، ويطرح عدة اسباب، منها:

1- ان هذا الاتفاق سيعزز من القوة البشرية والقتالية لعناصر داعش الارهابية في البو كمال، وبالرغم من تنفيذ القوة الجوية العراقية والاستخبارات العراقية ضربات موجعة لتجمعات وقيادات داعش في البو كمال من اجل كسر قواهم كوقاية من هجمات مضادة للداخل العراقي، الا ان هذه الضربات ستكون هواء في شبك بعد تعزيز قوات داعش في هذه المنطقة التي كانت في وقت ماضي البوابة لهجمات داعش ودخوله الى محافظة الانبار العراقية، خاصة وان دخول الارهاب للعراق منذ 2003 لغاية دخول عناصر داعش لغرب العراق واحتلال عدة مدن مهمة عام 2014، جاء عن طريق سوريا ومن حدودها الصحراوية مع العراق، اذ ان اغلب عناصر داعش المتواجدين في مدن مثل القائم وعنة وراوه في الانبار تتم تنقلاتهم  من سوريا عن طريق مدينة البو كمال السورية التي تعد مركز اساسي لداعش قرب الحدود.

2- ان تواجدهم قرب الحدود مع العراق قد يعطي الذرائع لبعض الدول الاقليمية التي استاءت من استعادة العراق لأغلب مدنه من داعش الارهابي، وقد تقوم هذه الجهات بتقديم دعم عسكري ولوجستي لمجموعات مسلحة داخل العراق ورمي بالتهمة على تسلل عناصر داعش عبر الحدود مع العراق، والاتفاق اعطى الاعداء مسوغا لنفث سمومهم على المقاومة الاسلامية في العراق وسوريا، وأحدث ثغرات في الاسلوب التقليدي مكافحة الارهاب، وهو ما قد يقود الى صراع جديد ويدخل البلاد في دوامة العنف مرة اخرى.

3- جر العراق الى دخول الازمة السورية والمواجهة مع المجموعات الارهابية فيها، كذلك يتطلب منع تسلل الارهابيين الى داخل العراق مرابطة قوات كبيرة على الحدود مع سوريا مما يضعف الجهد العسكري في مناطق اخرى لازالت مغتصبة من تنظيم داعش مثل الحويجة وغرب الانبار، وان تواجد عناصر ارهابية قرب الحدود سوف يقود الى حرب استنزاف ضد القوات العراقية المرابطة.

4-  أحدث الاتفاق خلافات بين القوى السياسية العراقية بين مؤيد ومعارض له، واضاف ملف خلاف جديد في العراق قد تشغله عن ملفاته الاصلية والمهمة، كما ان بعض فصائل المقاومة هي الاخرى اختلفت نظرتها للاتفاق، وهو ما يعد عامل ضعف للجبهة الداخلية العراقية، ونحن بأمس الحاجة لرصد الصفوف والوقوف بوجه الارهاب. 

5- يرى البعض ان موافقة الحكومة اللبنانية على اتفاق حزب الله والحكومة السورية بنقل عناصر داعش الارهابي من الحدود مع سوريا الى شرق شرقها هو لأبعاد الخطر عن لبنان وان حزب الله فضل قتال المجموعات المسلحة الارهابية خارج لبنان حتى لا يثير ازمة داخلية في البلاد، وهو ما يشبه الاستراتيجية الايرانية بإبعاد الارهاب عن حدودها الى ابعد مسافة ممكنة، وقتالهم خارج اراضيها، لهذا فان هذا الاتفاق اولا واخيرا يصب في مصلحة لبنان وابعاد خطر الدمار والحرب عن مدنه ومواطنيه.

6- يرى البعض ان هذا الاتفاق يخالف قواعد القانون الدولي وعلاقات حسن الجوار، لان عقد اتفاق مع عناصر داعش والنصرة والتي تعد عناصر ارهابية على المستوى الدولي يعد مخالف للاتفاقات الدولية الخاصة بمكافحة الارهاب. 

الاتجاه الاخر يرى ان انتقال بضع مئات من الإرهابيين إلى مناطق يتواجد فيها مئات الالاف من المسلحين من مختلف الجهات لن يشكل تهديدا حقيقيا للعراق مع ضرورة ضبط الحدود، وطرحوا عدة اسباب، منها:

1- ليس من مصلحة الحكومة والشعب العراقي الظهور بمظهر الضعف المعنوي، خاصة وان العراق قد حقق نصرا عسكريا ساحقا على عناصر داعش في اغلب مدن العراق ولم يتبقى منهم سوى عناصر قليلة في مناطق محاصرة ومعزولة، كما ان الخطر وحسب اغلب التحليلات من خلايا داعش النائمة في العراق، والحواضن التي تسهل عملها، كذلك هروب أكثر من 1300 عنصر من داعش الارهابي من تلعفر سلموا أنفسهم الى اقليم كردستان العراق، وهو ما يشكل الخطر الاكبر على الجهد العسكري العراقي.

2- وجود اتفاقية عسكرية بين الدولتين تسمح للعراق بملاحقة المجموعات المسلحة الارهابية داخل سوريا وضربها، لهذا فان بإمكان العراق باستهداف اي تواجد للإرهابين قرب الحدود.

3- ان نقل عناصر داعش تم على ارض سوريا وبموافقة حكومتها، كما ان المنطقة الشرقية لسوريا هي منطقة محاصرة من كل الجبهات، سواء من قبل قوات الحكومة السورية وحلفاءها او قوات سوريا الديمقراطية المدعومة امريكيا، وحدثت تسويات كثيرة في سوريا قبل هذا الاتفاق، بين الحكومة السورية والمجموعات المسلحة سوى النصرة او داعش، وتم نقل اعداد كبيرة منهم وعوائلهم الى مناطق مختلفة في سوريا، وتلك التسويات السابقة لم تغير من المعادلة العسكرية السورية او العراقية شيئا.

4- ان الاتفاق لم يكن يتم بدون موافقة كل الاطراف في سوريا بما فيهم امريكا وروسيا، خاصة وان خط نقلهم هو من غرب سوريا الى شرقها هو ضمن مرمى الطيران الامريكي والروسي. 

خلاصة القول ان الحدود العراقية غير مؤمنة بشكل جيد منذ 2003، وذلك بسبب الطبيعة الصحراوية لهذه الحدود، وان بعضها يخضع لحكومة اقليم كردستان وليس للسلطة الاتحادية رقابة عليها، لهذا فان على العراق تامين امنه الداخلي من خلال:

1- حكومة قوية وسياسة فاعلة لمواجهة الارهاب، وضبط الحدود بقوات ذات معنية وكفاءة عالية، وتحت رقابة قوية من الحكومة الاتحادية وعلى كل الحدود.

2- انهاء جيوب داعش والحواضن التي توفر الدعم له مهمة جدا، اذ ان اغلب هجمات داعش في العراق ان لم نقل كلها تنفذ على يد اشخاص عراقيون.

3- التنسيق والتعاون مع سوريا والمقامة الاسلامية فيما يخص الحرب ضد الارهاب، لأن سوريا والعراق على خط واحد في هذه الحرب، وان لا نترك امر سوريا لروسيا وإيران، بل يجب تكثيف الزيارات والتعاون العسكري، واشعار الجانب السوري ان العراق يقف مع الجيش السوري في مواجهة الارهاب. 

4- توحيد الصف الوطني في مجابهة الارهاب، واعتبار امن العراق خط احمر لا يمكن التساهل معه، وعلى كافة الاطراف العراقية التعاون في ضبط الحدود وانهاء مقومات الارهاب في العراق، ليكون العراق شريك قوي وذات مصداقية في تعامله مع الاخرين.

5- ان يكون للعراق الحق في المشاركة في اية تسويات عسكرية ومفاوضات في سوريا وخاصة في شرقها، لأنهم على خط مواجهة واحد.

على الرغم من كل الضجة التي احدثها اتفاق القلمون، وعملية نقل عناصر داعش الى شرق سوريا، والتهويل من خطرها على العراق والمنطقة، الا ان الهدف الاساس منها كان هو اضعاف محمور المقاومة واظهاره بمظهر الضعيف امام العدو، ولكن الحقيقية ان الاتفاق جاء لأسباب عسكرية لوجستية، وان استسلام عناصر داعش للجيش السوري وحزب الله كشف زيف ادعاء القنوات الفضائية، لان الاتفاق تم بعد استسلام عناصر داعش ووقوعهم في الاسر، كما ان الاتفاق كان بعلم وموافقة كل الاطراف المشاركة في الصراع السوري، لان نقل هذه الاعداد وبالحافلات وامام انظار طيران التحالف الامريكي والروسي والتركي والايراني يعني ضمنا موافقة هذه الاطراف على الصفقة، وان حزب الله طرف من ضمن مجموعة اطراف مشاركة، ولكن في نفس الوقت علينا ان لا نقلل من الخطورة التي قد يحدثها تسلل هذه العناصر الى داخل العراق وخاصة في مناطق مثل القائم وراوه وعنه، لان هذه المناطق لا تزال ساقطة عسكريا، ويتواجد فيها اعداد كبيرة من داعش، وان اي دعم لهم قد يقود الى توسعهم في مناطق رخوة مثل الرطبة والفلوجة، لهذا فان ضبط الحدود بقوات عسكرية ذات كفاءة عالية واجهزة واسلحة متطورة هو امر ملح ومهم لاستقرار الامن في العراق.  

التعليقات