الخلاف الخليجي مع قطر تعديل مسار ام اقصاء سياسي

الخلافات بين السعودية والامارات من جهة وقطر من جهة اخرى اشبه بـ(حرب مفتوحة) ، فقد بدأت بنبش ملفات الماضي، وتؤسّس على تصريح منسوب لأمير قطر (تميم بن حمد ال ثاني)، لصب حقدهم على الدوحة بوصفها (شوكة في خاصرة العرب)، وتهديدها بأنها ستدفع ثمن خيانتها، فصل أشد ضراوة من صراع قطري ــ خليجي لم تغلق ملفاته يوما بقدر ما تم ترحيلها ودفنها تحت الرمال المتحركة، فصل لا يبدو معزولاً عن زيارة الرئيس الامريكي  (دونالد ترامب)، للسعودية وعقد قمة عربية اسلامية غير مسبوقة.

أن سياسة الكراهية او الاقصاء هي اسوأ الأمراض التي يمكن أن يعاني منها مجتمع من المجتمعات او دولة من الدول، وهي مشاعر يصاحبها نفور وعداوة نحو شخص ما او ظاهرة معينة، وهي تهدف الى عزل او تدمير الشيء المكروه، وهذا الكره مبني على الخوف من غرض معين او ماضي سلبي او شخص معين، وهي نفي الاخر ومحاولة انهاء وجوده، والكراهية ايضا لفظة لوصف حكم مسبق او اجحاف، تعصب او ادانة تجاه فئة او مجموعة او طبقة او حتى دولة، والتي ليست بالضرورة محصورة في النطاق الداخلي، بل يمكن أن يتسع نطاقها كي تشمل الدائرة الخارجية لذلك المجتمع، فقد عرف التاريخ المعاصر حالات كثيرة، فخلال مرحلة الحركة الاستعمارية الأوروبية، سعت أثناءها بعض الشعوب في دول محددة الى محاولة اعلان سمو وعلو جنسه على باقي الشعوب من خلال نفي الاخرين، وهناك عدة انواع للإقصاء منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، والإقصاء، أو التهميش عادات لبعض المجتمعات البشرية أو ميولها الصريحة في التخلص من غير المرغوب بهم أو الذين تراهم بلا منفعة، أو استثنائهم (تهميشهم) من أنظمة الحماية، والتفاعل السائدة في المجتمع، ومن ثم تقليص فرصهم ومواردهم المالية التي تعينهم على البقاء، وتتفاوت مظاهر الإقصاء والدائرة التي تغطيها والسلوك الذي تعبر عنه، والان نرى هذه السياسة بدأت تطبقها بعض الدول العربية بعضها ضد البعض الاخر، فالسياسة الحقيقية بين الدول هي الاخذ العطاء والتفاوض والمساومة، بل حتى كسب الطرف الاضعف من خلال الاغراءات التي تقدم له. 

ان الحقد والكراهية بين الدول العربية ليس جديدا على الساحة السياسية بل هو قديم قدم تأسيس الدول العربية ذاتها، فقد وصل التنافس بين بعض دولها الى محاولة نفي الاخر، ومقاطعته، بل والتعاون مع المحتل في تدميره وقتل شعبه، فقد عانت الثورة الجزائرية ما عانت من الاستعمار الفرنسي ولكن ما عانته من تعاون بعض الدول العربية ضدها اكبر من ذلك، وبعدها كيف وقف العرب ضد مصر عام 1979 بعد معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل، ومحاولة عزلها دون النظر للظروف التي اجبرت مصر على عقد الاتفاقية، وبعدها جاء دور العراق ومحاولة اقصاءه بكل قوة بل والتعاون مع امريكا لاحتلاله ومحاولة تمزيقه ودعم المجموعات الارهابية لقتل شعبه، واليمن الذي تحالف عليه العرب ليمحو اقدم حضارة عربية ومنبع العرب الاول، واخرها جاء دور قطر، وخلال ازمة العلاقات بين الدول العربية وخاصة الدول الخليجية، نرى ان هذه الدول تبدا بالتصعيد بشكل كبير جدا وبسقف مطالب تعجيزية، بل تفرض شروط على بعضها البعض تتعدى السيادة الداخلية لهذه الدول وتتحكم في سياستها الخارجية بما يشبه الوصاية عليها، فلال الازمة بين قطر وكلا من السعودية والامارات، نرى ان مطالب الدولتين تجاه قطر تعدت كل الاطر السياسية المتعارف عليها ووصلت الى حد محاولة رسم خطوط للسياسة القطرية في المنطقة بل تعدته الى جهات اخرى ومحاولة فرض اراء ومواقف ليس فقط تتعارض مع القانون بل حتى مع المبادئ الانسانية وحرية الشعوب في العيش والامن، فقد فرضت كلا من السعودية والامارات حصارا مطبقا على قطر جويا وبحريا وبريا، وقطعت كل طرق للتجارة معها علما ان قطر كانت تستورد اغلب سلعها الغذائية من السعودية والامارات، كما ان الطريق البري الوحيد لها هو مع السعودية والذي ينقل اغلب البضائع ذات الحجم الكبير والذي تحتاجه المنشأة الرياضية التي ستقام عليها كاس العالم 2022، كما ان اغلب خطوط النقل الجوي القطرية تمر عبر السعودية والامارات وخاصة المتجهة الى اوروبا وافريقيا وامريكا باعتبارها اقصر الطرق، هذه السياسات الخليجية ضد قطر تتعارض مع القانون الدولي والانساني لان الاتفاقات الدولية بين لدول ملزمة للطرفين وخاصة المتعلقة بالقضايا الانسانية، كما ان محاولة فرض اجندات سياسية من قبل دولة ما على اخرى هو الاخر مرفوض دوليا، لان الدولة حرة في علاقات الخارجية على ان لا تسبب ضررا على الدول الاخرى، لهذا فان حجج مثل الارهاب والعلاقات مع ايران ودعم منظمة حماس الفلسطينية والاخوان المسلمين واعتبارهما منظمات ارهابية، لا يستند الى أي دليل مادي، اذ ان المنظمات الفلسطينية وحسب القانون الدولي هي منظمات تدافع عن ارضها ومواطنيها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي الذي يحتل الارض الفلسطينية منذ عام 1948، وان اعتبار حماس ارهابية وعدوا يعني ضمنا الوقوف الى جانب اسرائيل في مواجهة الفلسطينيين وسلب حقهم، هنا يطرح السؤال حول مغزى اعتبار حماس منظمة ارهابية في الوقت الذي لم تقوم باي عملية ارهابية ضد دول الخليج العربية، بل ان اغلب قادتها موجودين في هذه الدول، وهي كذلك تتبع ذات الخط الفكري والديني الموجود في جزيرة العرب، كما ان دعم الفلسطينيين لا يتوقف على دولة بعينها بل يشمل اغلب دول العالم الاسلامية ومنها ايران، فتحرير القدس من الاحتلال هو مهمة كل المسلمين ولا يتوقف على المساعدات المالية فقط بل العدة والعدد، كما ن اقامة قطر لعلاقات مع ايران هو امر طبيعي ايضا وضمن القوانين الدولية، فخناك علاقات للسعودية مع ايران قطعت عام 2015  بعد احداث الحج في منى، كما ان للأمارات علاقات اقتصادية مع ايران تفوق العلاقات الاقتصادية للدول العربية مع ايران، من خلال الشركات في الدولتين كذلك العلاقات الدبلوماسية، كما ان عمان هي الاخرى لها علاقات سياسية واقتصادية مع ايران وتعاون دفاعي مشترك، يفوق اغلب دول العالم الاخرى، كما ان قطع البحرين علاقاتها مع قطر لم يكن موفقا في نظر الكثير من المحليين، لان حجة تدخل قطر في احداث البحرين بعيد عن الواقع الموجود، بل ان اندفاع البحرين هو محابات السعودية والخضوع لها خوفا من سحب قواتها من البحرين والتي تحمي النظم الحاكم هناك، حتى ان اندفاع عدد من دول العالم في قطع العلاقات مع قطر لم يأتي على اساس تضررها من قطر او قناعة بالحجج السعودية بل من اجل كسب المزيد من الاموال السعودية، لقد كانت هناك كراهية واحقاد سعودية ضد مصر ايام حكم الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر)، وكيف وقفت السعودية مع الاخوان ضده، كذلك وقوف السعودية ضد العراق ومحاولة تدميره بكل الطرق، بدأ من الوقوف مع امريكا في حصار وتدمير العراق عام 1990، الى المساعدة على الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، ثم بعد ذلك دفع الارهاب للعراق لتدمير بنيته الداخلية، واخرها التغريدات السعودية الداعمة للأكراد في الانفصال عن العراق، وكلها تصب في خانة الكراهية والحقد السعودي الوهابي الدفين على العرب وقوتهم وتقدمهم، بل وصل الامر الى عملية ترحيل الرعاة القطريين من السعودية مع قطعانهم من الغم والابل التي تعد بالألاف من اجل زيادة الضغط على الدوحة واخضاعها بكل السبل.   

ان سياسة الكراهية والاقصاء التي تقوم بها السعودية ضد الدول العربية هي قديمة ولها جذور في المنطقة، فقد تحالف كلا من ابن سعود والوهابية على التعاون بينهما من اجل تثبيت حكم الاول في الجزيرة العربية ونشر الفكر الوهابي في المنطقة، وقد قام ال سعود وبالتعاون مع فتاوى التكفير في المنطقة بالعديد من الغزوات لأجزاء من العراق وبلاد الشام واليمن وقتل الالاف من السكان وسبي النساء وتهديم الاضرحة، أي القيام بعمليات تطهير ممنهج لسكان هذه المنطق ومع كل من يخالفهم الراي، اما الذين بقوا على قيد الحياة فقد كان عليهم اتباع افكار الوهابية القائمة على الكراهية واقصاء الاخر.

    سواء كانت التصريحات المنسوبة إلى أمير قطر حقيقية على طريقة السياسيين العرب في جس النبض واستكشاف النيات (يسهل بعد التسريب نفي الكلام ونسبه إلى قرصنة)، أو مكذوبة بفعل فاعل، فإن الاجراءات المتخذة قد تجاوزت الخطوط الحمر، والأجواء التي سادت خلال الأيام الماضية خط الدوحة ــ الرياض تُنبئ بأن صفحة (المصالحة الخليجية) ستطوى، لتفتح بعدها صفحة من الصراع البيني الذي قد لا يقف على حدود ما شهدته السنوات الفائتة، صراع لا ستبعد أن تكون بوادره المتسارعة اليوم توطئة لتفاعلات زيارة الرئيس الامريكي ( ترامب) للمنطقة، والتي يظهر أن من ضمنها محاولة حسم ملف النزاع مع الإخوان المسلمين ودولة قطر، على قاعدة ترتيب أوراق البيت الداخلي، وفي مقدمها الملف المذكور إلى جانب الملف البحريني، قبل التفرغ للملفات الأكثر خطورة، وفي انتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة، تبدو مفيدة مراقبة الساحة اليمنية، لا لكونها المختبر المنتظر لجدية وعود (ترامب) للسعودية فقط، بل باعتبارها أيضاً المعمل لمختلف وجوه الصراعات الخليجية، وعلى مستوى الصراع مع قطر، فإن التعامل السعودي، مستقبلاً، مع حزب (التجمع اليمني للإصلاح) وهو فرع من الإخوان المسلمين في اليمن وأذرعه العسكرية، هو ما سيكون ذا دلالة بالغة.

خلاصة القول، هذه الكراهية من الممكن ان تسبب - لم يتم تجاوزها والخلاص منها- تدمير للبشر والحضارة، خاصة اذا اصبحت الكراهية في القلوب، وهي مرض لو استحوذ على القلب لحطمه واذهب العقل واصبح الحكم بالعواطف، وهناك امثلة عديدة لأفعال الكراهية بين الامم والشعوب وكيف قادت الى دمار الحضارات الكبيرة مثل تدمير الحضارة المصرية وحضارة شرق المتوسط على يد الرومان، وتدمير حضارة الهنود الحمر على يد الاستعمار الاوربي، وتدمير الحضارة الاسلامية في الاندلس، والان ما يفعله الارهابيون في العراق وسوريا وليبيا واليمن من دمار وقتل للمواطنين وتدمير اقدم حضارة في العالم الاشورية في نينوى وتدمر في سوريا،  وغيرها الكثير. 

التعليقات