ابتهاج أوروبا بفوز ماكرون أم بنهاية الشعبوية الأوروبية؟

بعد الضربات المتتالية التي تلقتها القارة الأوروبية، لاسيما دول الاتحاد الأوروبي في العام 2016، بدءً من الاستفتاء البريطاني الذي صوت لصالح الخروج من النادي الأوروبي، وتصاعد مخاطر تفكك الاتحاد جراء تصاعد التيارات الشعبوية المناهضة للسياسات الأوروبية وسياسات الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، فضلاً عن تصاعد مخاطر فوز الرئيس الأمريكي الحالي في الانتخابات الأمريكية على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، واتساع دائرة الخطر على مستقبل العلاقات الأوروبية- الأمريكية، ومستقبل التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية المعولمة بين القارتين، احتفلت القارة الأوروبية يوم الأحد 7آيار/مايو بفوز المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، وربما تكون فرضية الاحتفال الأوروبي لها ما يفسرها بعد هذه المقدمة، إلا أن هذا الاحتفال الأوروبي ليس احتفالاً بفوز ماكرون أبن المنظومة السياسية التقليدية "الفرنسية والأوروبية بشكل عام" فقط، وإنما هناك شيء أخر يدعوا لهذا الابتهاج؟. 

في مقال سابق كتبناه في بداية العام الحالي عن التحديات العالمية المقبلة بعنوان " العام الجديد والتحديات العالمية المقبلة" تطرقنا في بعض اجزاءه عن تحديات الوحدة الاوروبية وخطر الانتخابات الفرنسية على مستقبل الاتحاد الأوروبي، وجاء فيه بأن الانتخابات الفرنسية سيكون لهاد دور مفصلي على الانتخابات الايطالية والألمانية، من خلال ما تفرزه من احزاب في الانتخابات الرئاسية؛ لأنها سوف تعطي جرعة قوية، كتلك التي اعطاها فوز دونالد ترامب للأحزاب المتطرفة والتيارات الشعبوية في أوروبا في حال فوزها، أو بالعكس، ربما ستعطي الجرعة للأحزاب المضادة التي تريد الحفاظ على المنظومة السياسية الحالية، وتقضي على آمال الحركات السياسية والاحزاب المتطرفة التي تهدف إلى تغيير سياسة الدول الأوروبية وتفكيك وحدتها الكونفيدرالية والرجوع إلى مفهوم الدولة القومية بدل الدول المعولمة. 

بالتأكيد أن البرنامج السياسي والاقتصادي الذي رفعه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون برنامجا فرنسيا وأوروبيا ولا يتعارض مع تطلعات الدولة الفرنسية وسياساتها الأوروبية مع الاتحاد الأوروبي، وهو برنامج يحافظ على دور فرنسا في القارة الأوروبية داخل النادي الأوروبي، ويحافظ على وحدة الاتحاد الأوروبي التي راودها الشك بعد خروج بريطانيا وتصاعد التيارات الشعبوية والقومية في أوروبا وأميركا، إلا أن فرنسا وأوروبا بشكل عام كانت متخوفة من احتمالات صعود تيار اليمين المتطرف بزعامة مرشحة الجبهة الوطنية مارين لوبان وتهديدها لوحدة القارة الأوروبية وبنية الاتحاد الأوروبي بتوجهاتها السياسية والاقتصادية التي رفعتها خلال حملاتها الانتخابية، لكن فوز إيمانويل ماكرون بالانتخابات الرئاسية الفرنسية لم يعطل مشروع لوبان فقط ويحافظ على الوجود الفرنسي داخل النادي الأوروبي، وإنما اعطى مؤشرات أخرى، وهذه المؤشرات هي من دعت أوروبا للاحتفال بهذا الشكل بفوز ماكرون. 

ومن أبرز تلك المؤشرات أوروبيا، وربما حتى عالمياً، هو أن التغييرات التي توقعها البعض في بنية النظام العالمي والسياسة الدولية جراء تصاعد التيارات الشعبوية والقومية، لاسيما بعد فوز الرئيس الأمريكي الحالي برئاسة البيت الأبيض، لم تحصل بعد، أو لا يمكن حصولها أيضاً حتى على مستوى المستقبل البعيد، وأن فوز ماكرون بالانتخابات الفرنسية بأريحية كبيرة بعد المنافسة مع مرشحة اليمين المتطرف، هو مؤشر كبير جداً على تراجع التيارات الشعبوية، وربما هو نهاية لتطلعاتها السلطوية في تغيير السياسة التقليدية القائمة "الأوروبية والأمريكية". وأن فوز ماكرون ربما كشف زيف الرواج الإعلامي لصعود التيارات الشعبوية والقومية والتوقعات التي رافقتها باحتمالات التغيير في بنية النظام الدولي القائم، ولهذا فأن الفوز الذي حققه ماكرون في الانتخابات الفرنسية هو فوز فرنسي – أوروبي، وبالتأكيد سيلقي بضلاله على الانتخابات الايطالية والألمانية، وعلى مستقبل ودور الاحزاب اليمينة والتيارات الشعبوية والقومية في تلك البلدان، وأوروبا بشكل عام، وبقدر ما شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما اعطاه من دفعة قوية للأحزاب المتطرفة في تطلعاتها المستقبلية، ساهم فوز ماكرون بضربة قوية لتلك التطلعات. 

ولهذا يعد فوز ماكرون ضربة قوية للتيارات الشعبوية في تطلعاتها السياسية في القبض على السلطة، وربما هو مؤشر على نهاية أو تراجع تلك التيارات بعد فترة الانتعاش السياسي الذي عاشته بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وهذا ما دعا أوروبا التقليدية وانظمتها السياسية المحافظة للاحتفال بفوز ماكرون؛ لان دول الاتحاد الأوروبي مدركة لخطر خروج فرنسا من الاتحاد في حال تمكن اليمين المتطرف من الفوز في الانتخابات، وهو احتفال بتلاشي خطر صعود التيارات الشعبوية، على الأقل في الدول الأوروبية الفاعلة بالنادي الأوروبي. 

التعليقات