الحكومة العراقية بين الازمة البنيوية للنظام السياسي وتحدي العلاقات الاقليمية والدولية

التغيير السياسي بفعل العامل الخارجي في العراق عام 2003 نتج عنه بداية اعادة بناء النظام السياسي بالتحول نحو النظام الديمقراطي. وتوالت مراحل تشكيل النظام الديمقراطي بخطوات الانتقال الى الديمقراطية، الا ان الاخفاقات (الازمات المركبة) التي يعيشها ان النظام السياسي هي نتاج تراكمات من الاساسات غير العقلانية وغير المنضبطة والبعيدة عن البناء الصحيح للنظم السياسية. فانتخابات القائمة والمغلقة، وكتابة الدستور لعام 2005، وغياب العناصر الفاعلة في النظام السياسي (احزاب وسيطرتها على مؤسسات)، واعتماد المحاصصة القومية والطائفية والحزبية، والفساد وما نتج عنه من تصاعد قوة الحركات الارهابية، جميعها ساهمت بتشويه نظام الحكم في مراجل بناءه كافة، الامر الذي انعكس على النظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وغيرها. 

تشكيل الحكومة العراقية بعد مرحلة صعبة من الاحتجاجات والحكومة المؤقتة والانتخابات المبكرة، لا يعني تجاوز الازمة البنيوية في منظومة الحكم في العراق ومحركاتها (المحاصصة، وتجاهل الدستور، والاصرار على تجاهل الارادة الشعبية بعد كل انتخابات) بل هي تكريس لها. وما يظهر من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، فهي نتاج هذه الأزمة البنيوية في النظام السياسي.

وأبرز مظاهر تجذر الازمة تأكيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أنَّه رئيس وزراء حكومة الإطار التنسيقي، ولم يشِر الى شركاء الإطار في تحالف إدارة الدولة وهم الاحزاب الكردية وتحالف السيادة (الذي يضم تقدم وعزم)، وهذا يبعث برسائل خطيرة لباقي أطراف التحالف، مضمونها تفرد الإطار التنسيقي بالحكومة، وهذا قد يشكل باعث تخوف لهم ولاسيما في ظل عدم استجابة الحكومة لبعض مطالبهم كما في مطلب اقرار قانون النفط والغاز.

الحكومة الحالية ترى أنَّ توفير فرص العمل يكون عبر زيادة التوسع الوظيفي في مؤسسات الدولة وزيادة الانفاق التشغيلي، وهذه السياسة تم اعتمادها في حكومة السيد نوري المالكي الثانية (2010 -2014)، وبسبب انهيار اسعار النفط واجهت الحكومة (حكومة السيد العبادي) مأزقا كبيرا في توفير الاموال، لتمويل الانفاق التشغيلي الذي كان بالتوازي مع ضرورة زيادة الانفاق الدفاعي في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي. هذه الهزائم نحو الامام عبر التوسع في الانفاق التشغيلي لتحقيق اهداف سياسية انتخابية على المدى المتوسط، وترك جذور الازمة، ستُدخِل النظام السياسي في العراق في مأزق كبير ولن تكون اقل تداعياته الفشل في الحفاظ على هيكلية الدولة. 

أسعار النفط الحالية لا يمكن أن تستمر في ظل التغيير المستمر الذي يسود العلاقات الدولية، بعبارة اخرى، الاسباب التي دعت الى الزيادة في أسعار النفط، مثل: الحرب الاوكرانية – الروسية، وتلاشي خطورة فايروس كوفيد_19، قد تتغير باتجاه انتهاء الحرب أو ظهور وباء عالمي جديد يدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود ومن ثَمَّ انخفاض الطلب على النفط. وهذه ستدفع حتما إلى تدهور أسعار النفط ومن ثَمَّ تراجع ايرادات النفط التي تشكل أكثر من (95%) من ايرادات الموازنة العامة.

على مستوى العلاقات الخارجية، فإنَّ السعي خلف التوازن في العلاقات مع إيران والولايات المتحدة، قد لا ينجح في ظل التعارض وعدم الاتفاق بين الطرفين، وفشل الجهود الدولية لإحياء الاتفاق النووي. عليه لابد من رؤية واضحة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية تقدم مصالح العراق أولا، وهذا يستلزم حكومة وطنية ذات استقلالية في قرارها السياسي الخارجي وعلاقاتها الدولية.

التحديات كبيرة امام الحكومة العراقية الحالية ليس أقلها تحدي توفير الخدمات ومنها الطاقة الكهربائية خلال موسم الصيف القادم، وتحدي إقرار الموازنة للإيفاء بقرار تثبيت المتعاقدين مع مؤسسات الدولة لتمويل مرتباتهم، فضلا عن تحدي تدهور قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار، والتي يتضح من خلالها ان الحكومة العراقية الحالية غير قادرة على توفير متطلبات الرقابة على حوالات الدولار الى الخارج التي فرضها البنك الفيدرالي الاميركي والتي تزامن تطبيقها مع الحكومة الحالية. وهذا الامر ربما يقود الى انخفاض اكبر في قيمة العملة اذا ما فشلت المفاوضات حول الموضوع بين العراق والولايات المتحدة، واذا فرضت واشنطن عقوبات على بعض البنوك المشاركة في نافذة بيع العملة.

هذه الاشكاليات ترتب كثيرا من التحديات امام الحكومة العراقية في ترتيب علاقاتها الخارجية الاقليمية والدولية، وتتطلب العمل على معالجتها ومواجهة تداعياتها داخليا وخارجيا، قبل العمل على ملف العلاقات الاقليمية والعمل على تعزيزها. الامر الذي يستدعي إدراك وارادة سياسية وطنية تحرص على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي داخليا وخارجيا وان يكون قرار وطني يراعي المصالح الوطنية العراقية.

التعليقات