التنظير في العلاقات الدولية

 أن مفهوم النظرية في السياسة الدولية يستلزم دراستها من حيث البناء النظري، ومن حيث تطورها التاريخي والمراحل التي مرت بها وما هو موجود على ارض الواقع من نظريات يتم الاعتماد عليها.

 فالنظرية العامة في العلاقات الدولية تعني وحدة من المعلومات الشاملة والواضحة والمتماسكة والذاتية التصحيح، تساعد على الفهم والتنبؤ والتقييم ومراقبة علاقات الدول والتعامل مع البيئة الدولية، كما يمكن أن تعرف النظرية: بأنها تفسير شامل لظاهرة، أو مجموعة ظواهر محددة في عناصرها تساعد على معرفة حقيقة الشيء وواقعه.

 وبالنسبة للتطور التاريخي فإن الأصول التاريخية للتنظير في العلاقات الدولية بدأت في العصور القديمة في الهند والصين واليونان. أن دراسة المؤرخ اليوناني ثيوكيديدس التي تناولت تاريخ الحروب البوبونزية تمثل بحثاً كلاسيكياً لدارس العلاقات الدولية، فضلاً عن كتاب الأمير لميكافيلي الذي يعد بداية البحث في تحليل القوة، ومن ثم فوجود هذهِ الدراسات الكلاسيكية لا يعني أن العلاقات الدولية عرفت تطوراً منتظماً قبل الحرب العالمية الأولى؛ فمعظمها كانت تمثل دعوة لتحقيق السلام، ولم يتبلور عن هذهِ الاهتمامات الضيقة نسبياً سوى نظريتين هما نظرية توازن القوى، والنظرية التي حاولت تفسير الظاهرة الامبريالية.

 كما أن إيجاد نظرية في العلاقات الدولية يتطلب توافر اركان معينة تتمثل بالمعلومات، والأدوات، والاهداف، وطرق البحث، لذلك فأن جيمس دورتي وروبرت بالستغراف يعتقدون بأن للنظرية في العلوم الاجتماعية عامة، وفي العلاقات الدولية خاصة وظيفيتين رئيسيتين هما:- 

أولاً:- توفير أفضل وسيلة منهجية من أجل تدوين ما هو معروف سابقاً.

ثانياً:- توفير الأساس الذي منه يمكن الانطلاق للحصول على مزيد من المعرفة وتدوينها.

 إلا أن توفر هذهِ الأركان خلق جدل وخلاف بين القائلين بوجود نظرية في العلاقات الدولية والرافضين لوجودها ولكل له حجته. ففي مجال التوظيف للنظرية بعض المحللين بالسياسة الدولية يرجحون الإفادة منها عندما تعنى النظرية بالطرف الفاعل وهو الفرد، بينما يرى البعض الاخر أن النظرية يستحسن أن تنصرف إلى المجتمعات والدولة كطرف فاعل في السياسة الدولية، في حين بعض المنظرين يؤكدون على أن مجال النظرية هو البنية الأوسع التي تجري في ميادينها العلاقات بين الدول.

 وانطلاقاً مما ذكر نرى انه إذا ما أخذنا مفهوم النظرية في العلاقات الدولية كجزء من العلوم الاجتماعية، فأنه يمكننا القول بأن هناك أنواع كثيرة من النظريات وكل نظرية تنقسم إلى أنواع فرعية، وكل هذه الأنواع تعود الى الاختلافات الموجودة للتوصل الى تفسير ظاهرة معينة في العلاقات الدولية، لاسيّما في ظل غياب الاتفاق بالرأي بين الباحثين في العلوم الاجتماعية. وهذا ما يفسر العدد الكبير للنظريات المتنافسة، أي أنه يبدو أن كل نظرية تحاول تفسير بعد معين من أبعاد الظاهرة؛ وبالتالي فأن التعدد في هذه الحالة ظاهرة إيجابية لأن للنظريات أبعادها السياسية.

التعليقات