السلوك الاستهلاكي العشوائي للفرد العراقي

  يبدو لأول وهلة ان الدول الهشة ذات الإنماء المتناقص يلعب الاقتصاد الجزئي دوره في التأثير بمتغيرات الاقتصاد الكلي وبجميع مفاصل الإقتصاد، إذ أن الاستهلاك كمتغير مستقل يمكنه التأثير على بعض المتغيرات التابعة وهذا ما يتضح في سلوك المستهلك . 

 ولان المستهلك احوج الى إشباع رغباته فإنه يخضع لتفضيلات متعددة من السلع والخدمات ضمن حدود دخله الثابت، الذي يرغب في الوصول الى أكبر منفعة حدية من كل وحدة نقدية منفقة على السلع المختلفة مقابل ذلك هناك انخفاض في المعروض من السلع والبضائع واتجاه المنتجين الى رفع اسعار السلع في ظل سوق المنافسة الاحتكارية . إذ في أدبيات الاقتصاد ان زيادة الطلب على السلع في ظل قلة المعروض السلعي يؤدي الى اتجاه الاسعار نحو الارتفاع مع حدوث موجات تضخمية . 

  لذا تبرز أهمية دراسة سلوك المستهلك لمعرفة الكيفية التي يقوم بها الفرد بإتخاذ قراراته تجاه توزيع وإنفاق المبالغ المتاحة لديه على سلع تتعلق بالاستهلاك من السلع والخدمات. ولا نهدف هنا من دراسة سلوك المستهلك قياس السلوك الفعلي فقط بل فهم العوامل التي أثرت على ذلك السلوك والتعرف على المؤثرات الداخلية والخارجية التي تحكم سلوكه. وهو ما يجعلنا خيارات تتمثل في دراسة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المحيطة بالفرد العراقي من اجل فهم سلوكه ورغباته تجاه استهلاك السلع المختلفة بالنوعية وغير المتناظرة في المقدار.

  وقد أسبغت النظريات الاقتصادية في تحليل سلوك المستهلك ، اذ أن النظرية الكلاسيكية أعتبرت المستهلك شخص رشيد وعقلاني وحذر يسعى لتحقيق اعلى ربحية ممكنة في حدود امكانياته ، فيما أوغلت النظرية الكنزية في نظرتها للمستهلك من خلال دراستها للحوافز الفردية للانتاج والاستهلاك بناءاً على متغيرات كلية شاملة على الصعيد الوطني . ولان الواقع غالباً ما يخالف آسس النظريات الاقتصادية ، لذا نجد أن المستهلك يسعى للنفع وأشباع رغباته بإسراف وهذا السلوك ينطبق على سلوك بعض الفئات ذات السلوك الاستهلاكي غير الرشيد التي لاتتقبل جدلاً بفرضيات ثبات الدخل أو تقلبات الأسعار مما جعل شرائح اجتماعية تزداد غناً وشرائح أخرى تزداد فقراً .

  وقد درج الاقتصاد العراقي على ذلك السلوك الاستهلاكي غير المنتظم للفرد العراقي فنجده مندفع نحو الاستهلاك العشوائي وغير المنضبط ، ويبرز ذلك بشكل واضح في الاشهر الروحانية كشهر محرم ورمضان وفترات الاعياد التي تشهد رواجاً واقبالاً كبيراً على السلع المختلفة لاسيما السلع الكمالية ذات المرونة المرتفعة ، يتعزز ذلك السلوك في فترات الازمات التي تصاحبها أقبال على اقتناء السلع وتخزينها كفرصة لاستهلاكها في الفترات اللاحقة، فضلاً عن التوسع في الاستهلاك تماشياً مع المغريات السلعية نتيجة طرح سلعة جديدة ومحاكاة تقليد طبقات المجتمع الغنية في اقتناء السلع الكمالية وسلع المباهاة ، ناهيك عما تؤديه حرب التوقعات السعرية من دوركبير في زيادة الاستهلاك ، ذلك السلوك الاستهلاكي النهم غالباً ما يواجه ضعف في مرونة الجهاز الانتاجي بالاقتصاد العراقي ، مما يؤدي الى تغذية ذلك الطلب المتزايد من خلال الاستيراد من الدول الاخرى والذي يفضي الى تزايد معدلات التضخم المستورد.

  ونلاحظ وفق معطيات المشهد العام للاقتصاد العراقي في الفترة المقبلة ، انه سوف يبقى أسير تقلبات الأسعار في ظل تذبذب أسعار النفط المتوقع هبوطها خلال النصف الثاني من السنة القادمة ، واعداد الموازنة العامة لثلاث سنوات التي يقع اثرها على الموجات التضخمية على الرغم من سير منحنى سعر الصرف نحو الانخفاض .

  وفق ما مطروح سلفاً ، نرتأي تغير النمط الاستهلاكي من خلال دراسة تفضيلات المستهلك بالإعتماد على بيانات ميزانية الاسرة التي تعد دليل احصائي للانفاق الاسري على السلع والبضائع المنتقاة من اجل تجاوز تزايد الرقم القياسي لاسعار المستهلك الذي " يقيس التغير  النسبي في اسعار السلع والخدمات الضرورية للمستهلك عبر الزمن" ، من أجل تمكين الجهات المعنية من تحديد الفجوة الاستهلاكية المراد اشباعها امام بدائل الشراء المختلفة كمحاولة لردمها مستقبلاً بالامكانات المتاحة. عليه يستوجب التوجه نحو محاولة تقييد سلوك المستهلك بتوفير المستلزمات الغذائية بشكل اكبر عن طريق زيادة مفردات السلة الغذائية للأفراد بما يسمح بتقليل السيطرة الاحتكارية من قبل المنتجين والتحكم بالاسعار في السوق . في الوقت ذاته نؤيد فتح الاستيراد بشكل جزئي لمكافحة الغلاء على ان يكون ضمن سياسة كمركية مشددة ، من اجل أن يؤدي ذلك الى تقارب سعر المنتج المحلي والمستورد وبذلك يتم حماية المنتج والمستهلك في الوقت نفسه.

التعليقات