هل سيتفوق الاقتصاد الصيني على الاقتصاد الامريكي؟

هناك سباق حاد بين امريكا والصين على التفوق الاقتصادي، والحصول على أكبر وزن في الاقتصاد العالمي. ففي الوقت الذي تتصدر فيه أمريكا وتتربع على عرش الاقتصاد العالمي، في الوقت الحالي؛ تحاول الصين أزاحتها والاحلال محلها مستقبلاً.هل الصين قادرة على إزاحة الولايات المتحدة من عرش الاقتصاد العالمي والاحلال محلها؟

لا يمكن إطلاق حكم قاطع بشكل عشوائي بناءً على الرغبة والميول بعيداً التحليل العلمي المُدعم بالأدلة والبراهين.

يتطلب الأمر اولاً معرفة وزن الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي، وبعض المؤشرات الاقتصادية المهمة، ثم يمكن إصدار حكم ولو بشكل نسبي بمدى قدرة الصين على إزاحة الصين والاحلال محلها.

ان معرفة وزن الاقتصاد الامريكي والاقتصاد الصيني في نقطة معينة (سنة معينة) يمكن أن يعطي صورة آنية واضحة عن تفوق أحدهما على الآخر في هذه السنة بالتحديد، ولكن هل يعطي (وزن الاقتصادات المقارنة في سنة محددة) قدرة تنبؤية؟

ان معرفة وزن الاقتصادات في نقطة معينة (سنة معينة) لا يمكن ان يعطي صورة واضحة عن مسيرة الاقتصاد ومن ثم لا يمكن ان تكون هناك قدرة كافية للتنبؤ ما إذا كان هذا الاقتصاد قادر في التفوق على اقتصاد الآخر أم لا.

لذلك ومن أجل خلق قدرة تنبؤية عالية بمدى قدرة بعض الاقتصادات في التفوق على البعض الآخر، لابُد من أخذ السلسلة الزمنية (المنظور التاريخي) لكل منهما (وزن الاقتصادين) بعين الاعتبار وهكذا بالنسبة للمؤشرات الأخرى.

يمكن معرفة وزن الاقتصادات في الاقتصاد العالمي من خلال عدّة مؤشرات اقتصادية يمكن تناول أبرزها في الاتي:

أولاً: اجمالي الناتج المحلي

في الوقت الذي يبلغ وزن اجمالي الناتج المحلي الامريكي ما نسبته 23.95% من اجمالي الناتج المحلي العالمي، يبلغ وزن اجمالي الناتج المحلي الصيني ما نسبته 17.74% من اجمالي الناتج المحلي العالمي عام 2021.

يبدو للوهلة الأولى، وحسب هذا المؤشر وهذه النسب؛ ان الاقتصاد الامريكي متفوق على الاقتصاد الصيني ولكن إذا ما أخذنا هذه النسب وفق السلسلة الزمنية رُبما ستكون النتيجة مختلفة.

حيث كان وزن إجمالي الناتج المحلي الامريكي عام 1970 ما نسبته 52.62% ثم انخفض إلى 23.5% من اجمالي الناتج المحلي العالمي عام 2021.

وفي المُقابل، كان وزن إجمالي الناتج المحلي الصيني عام 1970 ما نسبته 5.67% ثم ارتفع إلى 17.74% من إجمالي الناتج المحلي العالمي عام 2021.

يتضح من هذه النسب الأخيرة، وحسب هذا المؤشر ووفق المنظور التاريخي، إن الاقتصاد الصيني آخذ بالتمدد والتوسع على حساب الاقتصاد الامريكي.

ثانياً: التضخم

شكّل التضخم (الاسعار التي يدفعها المستهلكون) في الولايات المتحدة ما نسبته 4.70%، وشكّل في الصين ما نسبته 7.20% عام 2021.

هذه النسب تعطي صورتين مختلفتين عن الاقتصادين، إيجابية عن الاقتصاد الامريكي وسلبية عن الاقتصاد الصيني، ولكن إذا ما أخذنا المنظور التاريخي بعين الاعتبار ستتغير الصورة ايضاَ كما اتضح في المؤشر الأول.

حيث شكّل التضخم في الولايات المتحدة ما نسيته 3.70% عام 1982 ثم ارتفع إلى 4.70% عام 2021، بمعنى إن الاتجاه العام للتضخم سائر نحو الارتفاع.

وفي المُقابل، شكّل التضخم في الصين نسبة عالية 7.20% عام 1982 ثم انخفض إلى 1.00% عام 2021، بمعنى ان الاتجاه العام للتضخم سائر نحو الانخفاض.

هنا اختلفت الصورة بشكل كبير عن الاقتصادين، حيث أصبحت ايجابية بالنسبة للاقتصاد الصيني بحكم الانخفاض الكبير في نسبة التضخم، وسلبية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي لان التضخم ارتفع بدلاً من أن ينخفض، والمشكلة ليست في حجم الارتفاع بقدر ما يتعلق بالاتجاه العام له، لان هذا التضخم مع الارتفاع هو نسبة معقولة نوعاً ما.

ثالثاً: البطالة

في الوقت الذي تشكل نسبة البطالة في الولايات المتحدة ما نسبته 5.46% من اجمالي القوى العاملة، تشكّل ما نسبته 4.80% في الصين عام 2021.

وإذا ما نظرنا للسلسة التاريخية لكلا البلدين، سنجد ان البطالة كانت تشكل ما نسبته6.80% من إجمالي القوى العاملة في الولايات المتحدة عام 1991 ثم انخفضت لتشكّل ما نسبته 5.46% عام 2021.

وفي المقابل، في الصين تشكّل نسبة البطالة ما نسبته 2.40% من إجمالي القوى العاملة عام 1991 ثم ارتفعت لتشكّل ما نسبته 4.80% عام 2021.

هذه النسب تعطي صورة مختلفة عن المؤشرات السابقة، حيث تظهر ان الاقتصاد الامريكي أفضل من الاقتصاد الصيني، لان البطالة ارتفعت في الاقتصاد الصيني بشكل كبير وانخفضت في الاقتصاد الامريكي.

رابعاً: الميزان الخارجي على السلع والخدمات

يبلغ وزن الميزان الخارجي للسلع والخدمات الامريكي ما نسبته سالب 3.10% من إجمالي الناتج المحلي الامريكي، ويبلغ بالنسبة للصين ما نسبته 2.60% من إجمالي الناتج المحلي الصيني عام 2021.

وعلى مستوى المنظور التاريخي، فقد كان وزن الميزان الخارجي الامريكي يشكل ما نسبته 0.40% من اجمالي الناتج المحلي الامريكي عام 1970 ثم انخفض ليشكل ما نسبته سالب 3.10% منه عام 2021.

وفي المُقابل، نجد ان الميزان الخارجي للصين كان يشكل ما نسبته صفر% من اجمالي الناتج المحلي الصيني عام 1970، ثم ارتفع ليشكل ما نسبته 2.60% منه عام 2021.

يتضح من خلال هذا المؤشر وحسب النسب الأخيرة ووفق المنظور التاريخي، أن الاتجاه العام للميزان الخارجي للسلع والخدمات يميل لصالح الصين على حساب الولايات المتحدة.

 بمعنى آخر، ان الاقتصاد العالمي يعتمد على الاقتصاد الصيني أكثر من اعتماد الأخير على الأول، والعكس صحيح بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، حيث يعتمد على الاقتصاد العالمي أكثر من اعتماده عليه. 

الخلاصة

 يمكن القول بناءً على ما تقدم، أن الاقتصاد الصيني وإذا ما استمر على هذا المنوال في نسب المؤشرات أعلاه، باستثناء مؤشر البطالة، مع بقاء نسب مؤشرات الاقتصاد الامريكي كما هي، فإنه سيتفوق على الاقتصاد الامريكي بكل جدارة مالم تنعكس المؤشرات اعلاه لصالح الاقتصاد الامريكي.

التعليقات