علاقة الحرية الاقتصادية بالفساد والنمو الاقتصادي

هناك علاقة وثيقة بين الحرية الاقتصادية والفساد من جانب والحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي من جانب آخر.

الحرية الاقتصادية والفساد

تتمثل العلاقة بين الحرية الاقتصادية والفساد بالعلاقة العكسية، كلما تزداد الحرية الاقتصادية يقل الفساد والعكس صحيح، كلما تقل الحرية الاقتصادية كلما يزداد الفساد.

ترتبط العلاقة العكسية بين الحرية الاقتصادية والفساد بدور الدولة في الاقتصاد والقطاع الخاص، ففي الوقت الذي يرتبط الفساد بالدولة حينما تتدخل بالاقتصاد وتهيمن عليه وتُقصي القطاع الخاص، تعني الحرية الاقتصادي تقليص تدخل الدولة مع زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد.

 لذا يصبح الفساد في أقصى ذروته حينما تتدخل الدولة وتهيمن على الاقتصاد، ويصبح في أدنى نقطة له حينما يتم تقليص دور الدولة في الاقتصاد ويكون القطاع الخاص المحرك الرئيس فيه.

والتجارب الواقعية خير مثال على ذلك، ففي الوقت الذي تقع كل من سنغافورة ونيوزيلندا وسويسرا في مقدمة الدول في مؤشر الحرية الاقتصادية تحتل هذه الدول مراتب متأخرة في مؤشر مدركات الفساد العالمي في عام 2020.

وفي المقابل نجد إن الدول التي تحتل مراتب متأخرة في مؤشر الحرية الاقتصادية مثل جمهورية الكنغو الديمقراطية وتركمانستان والسودان وفنزويلا هي ذاتها تحتل مراتب متقدمة في مؤشر مدركات الفساد للعام ذاته.

الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي

كما وتتمثل العلاقة بين الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي بالعلاقة الطردية، كلما تزداد الحرية الاقتصادية يزداد النمو الاقتصادي والعكس صحيح، كلما تقل الحرية الاقتصادية يقل النمو الاقتصادي.

إذ إن النمو الاقتصادي ينطلق ويتوسع ويكون أكثر متانةً واستدامةً إذا ما كان مدفوعاً بالقطاع الخاص بالتزامن مع إشراف الدولة على مسيرة الأخير لضمان سيره في الطريق السليم الذي يخدم الاقتصاد والمجتمع بعيداً عن الانحرافات التي تعود بنتائج عكسية على الاقتصاد والمجتمع إذا ما ترك بشكل مطلق دون أي إشراف.

إن توفر الحرية الاقتصادية بالتزامن مع تطبيق مبادئ اقتصاد السوق بشكل سليم سيضمن قيام القطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي انطلاقاً من الملكية الخاصة وذلك من أجل تحقيق الأرباح، ونظراً لتطبيق مبادئ اقتصاد السوق بشكل سليم ستنخفض الأسعار وترتفع الجودة وهذا ما يزيد من الإنتاج والنمو واتصافه بالمتانة والاستدامة.

وتجب الإشارة إلى إن النمو الاقتصادي في ظل الحرية الاقتصادية وسيادة اقتصاد السوق إذا لم يكُن في زيادة متنامية فهو لا محالة أكثر متانةً واستدامةً وذلك بفعل المنافسة بين المنتجين على تخفيض تكاليف وأسعار منتجاهم بالتزامن مع تحسين نوعيتها باستمرار من أجل الحفاظ على بقائهم في السوق.

الحرية الاقتصادية والفساد والنمو الاقتصادي

حيث تسهم الحرية الاقتصادية في سهولة بيئة الإعمال التي من شأنها اختصار الوقت وتجنب التكاليف وسرعة الانجاز التي دائماً ما يبحث عنها القطاع الخاص، بينما إلغاءها يعني فرض القيود وتعقيد بيئة الأعمال فيظهر الفساد الكابح لنشاط القطاع الخاص ومن ثم تقويض النمو الاقتصادي.

إذ إن البيئة المعقدة تدفع برجال الأعمال إلى سلوك طريق الفساد لتمشية إجراءات مشاريعهم الاستثمارية والذي يؤدي بلا محالة لارتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم الأسعار أو البيع بسعر الكلفة أو الخسارة وهذا ما يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي برمته.

وعليه، فالحرية الاقتصادية تمتلك علاقة عكسية وطردية في الوقت ذاته، فحينما تتصاعد درجات الحرية الاقتصادية يتناقص حجم الفساد، وكلما يتناقص هذا الأخير بفعل تصاعد الحرية الاقتصادية يزداد النمو الاقتصادي ولكن في بعض الاحيان لم يزداد لكن يكون أكثر متانةً واستدامةً.

فيما يخص العراق

تبنى العراق نظام السوق الذي يقوم على حياد الدولة بدلاً من التخطيط الذي يقوم على تدخل الدولة بعد عام 2003، ولكن هذا التبني لم يكُن مبني على دراسة موضوعية بل كان بشكل عشوائي فكانت النتائج سيئة للغاية.

وكما ذكرنا آنفاً، إن الحرية الاقتصادية (حياد الدولة) تعمل بشكل تلقائي على تقليص الفساد بحكم سهولة وسلاسة بيئة الأعمال وزيادة النمو الاقتصادي وتجعل الأخير أكثر متانةً واستدامةً، لكن مع تبني العراق لنظام السوق القائم على الحرية الاقتصادية وحياد الدولة لم تحصل هذه النتائج بل العكس صار الفساد أكثر انتشاراً والنمو الاقتصادي أقل متانةً وأكثر هشاشة وأقل استدامةً حتى وإن كان ينمو بشكل متزايد.

تفاقم الفساد وهشاشة النمو الاقتصادي

حيث يحتل العراق المرتبة 160 من أصل 179 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية عام 2020 والذي تسبب في تعقيد بيئة الأعمال واحتلال العراق المرتبة 172 من أصل 190 دولة في مؤشر سهولة أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي لذات العام.

ونظراً لاعتماد الاقتصاد العراقي في أغلب مؤشراته -الناتج المحلي، التجارة الخارجية، المالية العامة-على النفط بشكل كبير وتبعية القطاعات الإنتاجية لقطاع الصناعة الاستخراجية من جانب، ونظراً لعدم استدامة النفط كميةً وأهميةً على مستوى الاقتصاد العالمي من جانب آخر، أصبح النمو الاقتصادي في العراق يفتقر للمتانة والاستدامة، بحكم ارتباطه بشكل طردي مع النفط المتذبذب.

إن انتشار الفساد وانخفاض النمو الاقتصادي وافتقاره للمتانة والاستدامة أصبحا مؤشران على غياب أو ضعف الحرية الاقتصادية في العراق.

ترسيخ الحرية الاقتصادية

ولغرض ترسيخ الحرية الاقتصادية لتنعكس بشكل حقيقي على الفساد من حيث تخفيضه والنمو الاقتصادي من حيث زيادته ومتانته واستدامته يفترض العمل على الآتي:

أولاً: تخلي الدولة عن الأرض لصالح القطاع الخاص من أفراد وشركات، ورهن ملكيتها بالاستثمار لا الملكية فحسب.

ثانياً: محاربة الفساد ومكافحته من أجل اختصار الوقت وتخفيض التكاليف وسرعة الانجاز وهذا ما يشجع المستثمرين على الاستثمار. 

ثالثاً: العمل على جعل بيئة الأعمال سهلة وجاذبة من خلال تبسيط الإجراءات وتوفير الضمانات وزيادة الاعفاءات.

رابعاً: مشاركة القطاع الخاص في بناء البنية التحتية التي تمثل حجر الأساس للنشاط والنمو الاقتصادي.

خامساً: إيجاد صندوق سيادي توضع فيه الإيرادات النفطية لحماية الاقتصاد وامتصاص الأزمات وضمان حقوق الأجيال القادمة.

سادساً: تقوم الدولة بالمهام الآتية:

الأولى، العمل على تحقيق الوظائف التقليدية كالأمن والدفاع والعدالة. 

الثانية، الأشراف على مسيرة الاقتصاد وفق قواعد السوق لضمان عدم انحرافه وديمومة نشاطه.

الثالثة، القيام بالأنشطة التي لا يقدم القطاع الخاص عليها.

التعليقات