الريع النفطي عقبة الديمقراطية في العراق

من المعروف ان الاقتصاد العراقي اقتصاد ريعي بامتياز، أي انه يعتمد على الريع النفطي بشكل كبير وذلك بحكم امتلاكه ثروة نفطية هائلة، جعلته يحتل المرتبة الخامسة عالمياً في الاحتياطي المؤكد، بعد كل من فنزويلا والسعودية وكندا وإيران. 

كان العراق يحتل مراتب أكثر تقدماً في حجم الاحتياطي النفطي المؤكد ولكن بسبب استمرار الدول وبالخصوص النفطية في عمليات التنقيب والاستكشاف عن النفط رغبة لزيادة احتياطياتها من جانب وتعثر تلك العمليات في العراق نتيجة لغياب الاستقرار الداخلي من جانب آخر، كلا الجانبين أسهما في تراجع مرتبة العراق عالمياً في الاحتياطي المؤكد.

يسهم الريع النفطي في تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وسياسي عند توفر الادارة الكفوءة ذات الارادة الجادة وصاحبة الرؤيا الاستراتيجية للريع النفطي بشكل خاص وللاقتصاد بشكل عام والعكس صحيح عند غياب تلك الادارة سيؤدي إلى التخلف الاقتصادي والتراجع الاجتماعي وعرقلة الجانب السياسي خصوصاً في بداية التحول في بلد كالعراق.

خصائص الريع النفطي

يتصف الريع النفطي بخصائص معينة لا يمكن أدارته بالشكل السليم دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الخصائص المتمثلة 

بالنضوب، ان الريع النفطي مرهون بالاحتياطي النفطي فمتى ما نفذ الاحتياطي النفطي سينفذ تباعاً الريع النفطي. ومسألة النضوب مرتبطة بحجم الضغط عليه ومدى توفر البدائل.

والعمومية، أي ان الثروة النفطية هي ثروة وطنية عامة لجميع الأجيال لا تقتصر لجيل دون آخر ولا لفرد او مجموعة ضمن الجيل الواحد على حساب الآخرين.

والتذبذب، الريع النفطي لا يتسم بالاستقرار لان اسعار النفط متذبذبة لأسباب قد تكون سياسية او اقتصادية او مناخية.

الدولية، أي سلعة النفط سلعة دولية تتحدد أسعارها في الأسواق الدولية ولاتستطيع الدول المنتجة له التحكم بأسعاره، وهذا ما يجعل الريع النفطي برهون الأحداث الدولية التي يصعب تنبؤها.

ونظراً لأغفال مسألة النضوب وعدم التفكير بها والاستمرار في استخراج النفط وتوظيف عائداته نحو الجانب الاستهلاكي دون النظر للمستقبل من ناحية وعدم مراعاة العدالة الاجتماعية لعموم المجتمع حالاً ومستقبلاً من ناحية ثانية المتمثلة في توزيع ايراداته بين الاجيال من جانب وبين أفراد الجيل من جانب آخر، بالتزامن مع تذبذبه كنتيجة لتذبذب اسعار النفط في الاسواق الدولية لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية أو مناخية، سيفضي إلى ظهور المشاكل الاجتماعية والاختلالات الاقتصادية التي تنعكس بشكل سلبي على النظام السياسي كما حصل في العراق. 

الريع النفطي ادامة للوضع السابق

ان المشكلة في العراق لا تتعلق بالريع النفطي وخصائصه فحسب بل تتعلق بإدارة الاقتصاد بشكل عام ومدى ارتباطها بالنظام السياسي قبل عام 2003 وافرازاتهما الاجتماعية على الصعيد السياسي والاقتصادي، وما كان للريع النفطي بعد السقوط إلا إدامة للوضع السابق فأصبح عقبة ترسيخ الديمقراطية بشكل حقيقي بعيداً عن الشكلية والتسطيح.

حيث كان النظام السائد قبل عام 2003 يتبنى النظام الشمولي سياسياً والنظام الاشتراكي اقتصادياً، ولمدة ليست بالقليلة مما نجم عنهما ولادة ثقافة اجتماعية متمثلة في ثقافة الاستبداد والخضوع والتبعية للنظام الشمولي وعدم المطالبة بالحقوق السياسية سواء من حيث المصدر أي من هو مصدر السلطة الشعب أم الحزب؟ أو من حيث الممارسة الحقيقية كالانتخابات والمظاهرات والاحتجاجات والمراقبة والمحاسبة وعدم فصل السلطات وغباب التداول السلمي للسلطة فالحاكم السياسي كان يشرع وينفذ ويحاكم ويحاسب...!

وسيادة ثقافة الاتكالية على النظام الاشتراكي حيث كانت الدولة تسيطر على الاقتصاد وتملك وسائل الانتاج وتقوم بالعمليات الاقتصادية ولأغلب القطاعات الاقتصادية مما نجم عنه غياب الثقافة الفردية وفقدان المبادرة لإقامة المشاريع والاعمال الخاصة وانعدام المنافسة بين المنتجين لان المنتج هو منتج واحد وهو الدولة المهيمنة على الاقتصاد، هذه الثقافة(الاتكالية) استمرت حتى بعد اعلان التحول عام 2003 من خلال ادامتها بالريع النفطي الذي أصبح عقبة أمام التحول الحقيقي للديمقراطية في العراق.

كيف يكون الريع النفطي عقبة الديمقراطية في العراق؟

ان انسحاب الدولة المتعثر من الاقتصاد بشكل عام والنشاطات الاقتصادي المولدة لفرص العمل بشكل خاص، من جانب، وضعف القطاع الخاص، من جانب آخر كونه لم يمتلك الخبرة الكافية او يعاني من وضآلة رؤوس الأموال، وغياب البيئة الاستثمارية المناسبة لجذب الاستثمار الأجنبي بل اسهمت في هروب رؤوس الأموال المحلية نحو الخارج من جانب ثالث، هذه الجوانب أسهمت في ارتفاع نسب البطالة من 10% الى 40% حسب مصار متعددة وزيادة حجم الفقر الى 22.5% حسب ما أشارت اليه وزارة التخطيط.

كما ان استمرار سيطرة الدولة على الريع النفطي وتوظيفه بالشكل السياسي لا الاقتصادي، أسهم في شل عملية الديمقراطية من السير بالاتجاه الصحيح، إذ ان انخفاض الوعي السياسي وارتفاع درجة المحرومية لدى المجتمع بسبب النظام السابق، بالتزامن مع سيادة ثقافة الاستبداد المتوارثة لدى الحاكم وثقافة الخضوع والتبعية المتوارثة لدى المحكوم، هذه الامور كانت بيئة مناسبة لتقوم الجهات السياسية بتحقيق مصالحها السياسية بواسطة الريع النفطي بعيدا عن المصالح العليا للبلد، فأصبح الناخبون ينظرون للمصلحة الخاصة الفردية التي يحصلون عليها من المرشح بعد فوزه، بعيداً عن أهليته وجدارته ومدى اهتمامه في تحقيق متطلبات الشعب وطموحه عموماً.

وبالمقابل ان السياسي ينظر للناخبين على انهم الرصيد السياسي بعيداً عن التفكير بالريع النفطي وخصائصه المذكورة آنفاً، فيفتح باب التوظيف السياسي ليزيد من رصيده السياسي والفوز في بالمناصب مجددا، على حساب التوظيف الاقتصادي القائم على الحاجة الفعلية، وعلى حساب حقوق الآخرين من الريع النفطي، في الوقت الذي اعلنت الدولة انسحابها من الاقتصاد وان اقتصاد السوق هو الذي يقوم بخلق فرص العمل، بالتزامن مع زيادة النمو السكاني الذي يعد من أعلى المعدلات في العالم حيث يصل الى 3%. فزيادة البطالة والفقر وزيادة النمو السكاني مع انخفاض الوعي السياسي والاقتصادي هذه النتائج اسهمت في نشوء بيئة صالحة لزيادة الرصيد السياسي للسياسيين عبر الوعود الكاذبة او على حساب الريع النفطي الذي ينبغي أن يُدار بشكل سليم لأجل الشعب عموما لا لأجل المصالح والارادات السياسية الضيقة.

فالناخب والسياسي كلاهما لا يملكان الرؤية التي من خلالها يمكن أن يصلا إلى بر الأمان فكما يفكر المواطن بمصلحته الخاصة الفردية المتمثلة في التعيين التي يستطيع أن يحصل عليه من السياسي يفكر هذا الأخير في مصلحته الخاصة أيضاً المتمثلة في زيادة رصيده السياسي على حساب الريع النفطي وحقوق الآخرين، وهذا ما يمثل عين الفساد في الدولة بناءاً على تعريف البنك الدولي" استخدام المناصب الحكومية لتحقيق مصالح خاصة" 

جانب آخر مهم يجعل الريع النفطي عقبة امام الديمقراطية وهو امكانية استخدام الريع النفطي من قبل الحكومة لكسب السلطة التشريعية والقضائية بطريقة وأخرى كي تسير الحكومة بطريق آمن لا يعترضها مراقب وقضائي وسيكون كل شيء شكلياً لإسكات الجماهير ان افاقت من نومتها الطويلة.  

ان أبرز الأسباب التي دفعت ليكون الريع النفطي عقبة الديمقراطية في العراق هو خطأ عملية التحول في العراق فبعد ان كان يتبنى النظام الشمولي سياسياً والنظام الاشتراكي اقتصادياً ولمدة ليست بالقصيرة وما تمخض عنهما من ثقافة اجتماعية ثقافة الاستبداد والخضوع والتبعية للنظام الشمولي وثقافة الاتكالية على الدولة في تلبية الجانب الاقتصادي، أصبح يتبنى الديمقراطية واقتصاد السوق بشكل مفاجئ ومزدوج دون العمل على تغيير ثقافة المجتمع بما يتناسب مع هذا التبني الجديد، بالتزامن مع انسحاب الدولة من الأنشطة المولدة لفرص العمل مما نجم عنه زيادة البطالة والفقر وفي ذات الوقت بقاء هيمنتها على الريع النفطي فأصبح اداة لأعاقه بناء الديمقراطية بالشكل الحقيقي.

التعليقات