الاقتصاد الإيراني ومسار العقوبات والاتفاقية النووية

 فرضت امريكا عقوبات على إيران منذ عام 1979 ارتباطا بمشكلة الرهائن التي توسطت الجزائر بحلها. فعندما سمحت الولايات المتحدة لشاه إيران دخول الولايات المتحدة للعلاج عام 1979 احاط مجموعة من الطلبة الراديكاليين بالسفارة الامريكية واحتجزوا من فيها رهائنا. ولواقعة الرهائن صلة بالذاكرة السياسية لإيران وخاصة اسقاط حكومة مصدق بالمؤامرة الأمريكية البريطانية المعروفة. وعند احتجاز الرهائن أصدر الرئيس كارتر امرا تنفيذيا برقم 12170 في تشرين الثاني، نوفمبر، 1979 بتجميد 12 مليار دولار موجودات لإيران بما فيها ودائع مصرفية وذهب وممتلكات اخرى. ولا تزال بعض تلك الموجودات لحد الآن موضوعا لدعاوى وتعلقت احكام قضائية ببعضها. وخلال حرب الثمانينات زادت امريكا من عقوباتها والمقاطعة، وفي عام 1984 ايضا صدرت عقوبات تمنع بيع السلاح الى إيران او أي شكل من المساعدات العسكرية. وللعقوبات اساس قانوني يسمى قانون العقوبات الإيرانية   The Iran Sanctions Act وهو صيغة معدلة من قانون عقوبات ليبيا وإيران في 5 آب، اوغسطس، من عام 1996. وفي عام 2006 بعد ازالة العقوبات عن ليبيا اعيدت تسميته ليقتصر على إيران.  يحظر قانون عقوبات ليبيا وإيران الاستثمار في المجال النفطي بما يزيد على عشرين مليون دولار للشركات الامريكية وللشركات غير الامريكية التي تتعامل مع إيران. وبقيت العقوبات الامريكية على إيران تخفف احيانا وتشدد احيانا اخرى، قد تقتصر على الجهات الامريكية أو تتسع لتطال الشركات غير الامريكية التي تتعامل مع إيران.

 ومن المعروف ان كثيرا من العقوبات استندت في تبريرها على دعم إيران لمنظمات معادية لأمريكا واسرائيل متهمة بتفجيرات اوقعت ضحايا من الامريكيين. وايضا صدرت احكام قضائية تطالب إيران بتعويضات للمتضررين وعوائلهم وصلت رقما خياليا 47 مليار دولار، وهو وحده يكفي للأستنتاج بان امريكا ليست بصدد الأنتهاء الى تسوية مع إيران بقدر مواصلة الضغط عليها، وعزلها سياسيا واحباط تطلعاتها الاقتصادية لحين تغيير النظام دون التورط بحرب شاملة لتغييره.

 عند نهاية الحرب العراقية الإيرانية تحركت التجارة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ولكن في آذار من عام 1995 أصدر كلينتون امرا تنفيذيا برقم 12957 مانعا العلاقات التجارية بين إيران والولايات المتحدة في الصناعة النفطية وفي ايار، مايو، 1995 أصدر كلينتون امرا آخر برقم 12959 مانعا اية تجارة بين إيران والولايات المتحدة الامريكية فورا.

 في حزيران 2005 جمد الرئيس الامريكي موجودات اشخاص مرتبطين مع البرنامج النووي الإيراني بالأمر رقم 13382 وقاطعت ولايات مثل فلوريدا ونيوجرسي التجارة مع إيران. 

 في حزيران 24 من عام 2010 أصدر الكونغرس بمجلسيه قانونا شاملا للعقوبات على إيران وأقره الرئيس بصفة قانون في الاول من تموز، وبموجبه منعت بعض الانشطة التجارية المحدودة مع إيران مثل الكافيار وما شابه. وعلى هذا المنحى أصدر الرئيس اوباما ثلاثة اوامر تنفيذية بين ايلول، سبتمبر، 2010 وتشرين الثاني، نوفمير، 2011.

وحتى قبل انسحاب امريكا من الأتفاق النووي واعادة العقوبات التي رفعتها انسجاما معه هناك عقوبات امريكية حول برنامج إيران الصاروخي وارسلت عقوبات جديدة، في عام 2013، الى الكونغرس تخص الصواريخ لكن البيت الابيض سحبها. وليس الصواريخ فحسب انما الاختلاف السياسي العميق بين امريكا وإيران بشأن سوريا وحزب الله واليمن والموقف من اسرائيل اضافة الى مناهضة إيران لأمريكا في العراق والتوترات السياسية بين إيران وبعض جيرانها من دول الخليج.

كانت المؤسسات المالية الإيرانية ممنوعة من التعامل المباشر مع الولايات المتحدة الامريكية لكن يسمح لها بالوصول الى امريكا بصورة غير مباشرة لكن في ايلول من عام 2006 فرضت الحكومة الامريكية حظر التعامل مع بنك الصادرات الإيراني حتى بصورة غير مباشرة. وفي تشرين الثاني، نوفمبر، 2007 توسعت القائمة لتشمل اربعة مصارف أخرى، وفي عام 2008 جمدت ارصدة لبنك ملي إيران في بريطانيا حوالي 1.64 مليار دولار، وفي نفس الوقت أمرت وزارة الخزانة بنك سيتي City Group تجميد ارصدة لمصارف إيرانية بحدود 2 مليار دولار. ولجأت إيران الى اعتماد الحوالات ومع ذلك صدرت اوامر اخرى في تموز 2013 لإضافة عقوبات جديدة بما فيها التعامل بالريال الإيراني

عقوبات مجلس الأمن والاتحاد الأوربي: 

 في حزيران 2006 طلب مجلس الامن من إيران ايقاف تخصيب اليورانيوم نهاية آب، اغسطس، من تلك السنة. في كانون الأول، ديسمبر، فرضت عقوبات تمنع إيران من التجارة بالمواد الحساسة النووية وتكنولوجياتها. وبناء على طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية منحت مهلة وعندما لم تستجب صدر القرار 1747 في آذار 2007 باضافة عقوبات جديدة شملت شخصيات رسمية ومقاطعة للمؤسسات المالية الإيرانية. في الواقع إيران كانت ممتثلة لإجراءات منع انتشار الاسلحة النووية وتتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في آذار من عام 2008 صدر القرار 1803 من مجلس الامن لتاكيد العقوبات السابقة. واشتد الجدل حول البرنامج النووي الإيراني عام 2009 حول التخصيب وفي نيسان ابريل من عام 2010 تحركت امريكا وحلفائها وفرنسا وبريطانيا نحو قرار جديد هو القرار 1929 بعد رفض مقترحات تركيا والبرازيل التي تسمى مبادلة الوقود النووي وصدر القرار في حزيران 2010. لكن الدول دائمة العضوية والمانيا قالوا انهم يعملون بمسارين واحد تفاوضي والآخر يضغط على إيران. وبالمختصر قرارات مجلس الأمن هي: 1992 في 9 حزيران، يونيو، 2010 ؛1835 في ايلول، سبتمبر، 2008؛ 1803 في 3 آذار، مارس، 2008؛ 1747 في 24 آذار، مارس، 2007؛ 1737 في 23 كانون الأول، ديسمبر، 2006؛ 1696 في 31 حزيران، يونيو، 2006.  

 فرض القرار 1929 عقوبات جديدة على إيران بتأييد الدول دائمة العضوية واعتراض تركيا والبرازيل وامتناع لبنان عن التصويت في حزيران، يونيو، عام 2010. والقرار يستهدف البرنامج النووي الإيراني ويمثل جولة رابعة من العقوبات ولا يقتصر على منع التخصيب بل يقيّد القدرات العسكرية الإيرانية. وجمّد القرار الموجودات المالية لأربعين كيان إيراني ومنعَ شخصيات من السفر وفرضَ إجراءات لتفتيش الشحنات البحرية، وهو أقسى قرار من مجلس الأمن ضد إيران، ووصفته البرازيل التي اعترضت عليه بانه يعطل مساعي الوصول الى حلول سلمية ويمثل سياسة العزل والتهديد، وتركيا ايضا رفضت القرار مع تأييدها لأهدافه المعلنة. واعترض لبنان على ازدواجية التعامل مع إيران وطلب تطبيق نفس المبادئ على اسرائيل وامتنع عن التصويت.  والصين وان أيدت القرار طلبت استمرار التجارة والاستثمار مع إيران دون ارباك اقتصادها، ورفعت قرارات مجلس الأمن انسجاما مع الاتفاقية النووية في كانون الثاني، يناير، عام 2016.

اتخذ الاتحاد الاوربي، اضافة الى قرارات الامم المتحدة التي التزم بها، في مطلع عام 2012 قرارا بمقاطعة النفط الإيراني، وتجميد ارصدة البنك المركزي الإيراني، ومنع إيران من استخدام وسائل التراسل الالكتروني للتحويلات المالية. ورفعت هذه كلها في كانون الثاني، يناير، عام 2016.

الاتفاق النووي مع إيران:

    في 14 تموز 2015 توصل الأعضاء الخمسة الدائميين في مجلس الامن مع المانيا والاتحاد الاوربي مع إيران الى اتفاقية خطة العمل المشتركة الشاملة JCPOA حول المشكلات التي اثيرت حول البرنامج النووي. وعينت الاتفاقية موعدا لرفع العقوبات استنادا الى التحقق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتأكد من تطبيق إيران للاتفاق لتبقى جميع المواد والانشطة الذرية ضمن الحدود السلمية، وعند اخفاق إيران في الوفاء بالتزاماتها تعاد العقوبات.

     في 20 من تموز، يوليو، 2015 أصدر مجلس الامن قراره 2231 باعتماد الاتفاقية وايضا االمصادقة على ازالة العقوبات تبعا لتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية. بعد الاتفاق النووي ازالت الامم المتحدة جميع القرارات المتخذة لمعاقبة إيران التي اتخذتها بين عامي 2006 و2015.

 اعدت المنظمة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الذي يبين التزام إيران بالشروط المتفق عليها مع الدول الست والاتحاد الاوربي. ولذلك الغت امريكا عقوبات كانت متعلقة بالبرنامج النووي وكذلك اوربا. لأن مفاعل آراك قد اغلق واليورانيوم المخصب نقل الى الخارج وجرى تخفيض اجهزة الطرد المركزي جذريا حسب بنود الاتفاقية.  في 17 ايار، مايو، 2018 أعلن الاتحاد الأوربي عن نيته تطبيق قانون اعاقة العقوبات لعام 1996 باعتبار العقوبات الامريكية على إيران باطلة ولا أثر لها ومنع الشركات الاوربية والافراد من الامتثال لها. وايضا دعت المفوضية الاوربية بنك الاستثمار الاوربي تسهيل الاستثمارات في إيران.

  كانت الاحتياطيات الدولية لإيران مجمدة في مصارف الصين واليابان وكوريا الجنوبية ولكن نصف تلك المبالغ ذهبت اصلا الى ديون متراكمة. أي ان إيران كانت تمول مستوردات على حساب تلك الارصدة المجمدة. ومن نتائج الاتفاقية استعاد اقتصاد إيران مطلع عام 2016 صلاته الأقتصادية الأعتيادية مع العالم، باستثناء امريكا وجزئيا معها، وتحرير موجوداته المالية المجمدة واستئناف تصدير النفط الى اوربا

  مع ذلك لم تأتي الاتفاقية بالنتائج المتوخاة خاصة بعد هبوط حاد في سعر النفط، حينها، مع اقتراب المفاوضات من تسوية مرضية وربما جاء الانخفاض نتيجة التوقعات بان عودة إيران الى الاسواق دون قيود يؤدي الى فائض عرض في اسواق النفط، لكن من المستبعد انفراد هذا العامل بما حصل، انما زيادة في العرض الفعلي من مصادر عدة بما فيها دول منظمة الاقطار المصدرة للنفط اوبك ومن غير دول اوبك.  المهم في الامر هبوط قيمة العملة الإيرانية كثيرا مع هبوط اسعار النفط. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاقية واعادت العقوبات تفاقمت ازمة سوق الصرف وانخفضت قيمة العملة الإيرانية رغم انخفاض معدل التضخم كثيرا دون وتائره في سنوات العقوبات. لكن من جهة اخرى لازالت طاقة انتاج النفط الخام في إيران محدودة، وهذه بسبب العقوبات ايضا وتحتاج سنوات للارتفاع بطاقة الاستخراج جذريا. وارتفعت اسعار النفط وتجاوز نفط برنت 70 دولار ويتجه نحو 80 دولار وأكثر حسب مزاج السوق والعرض الفعلي للنفط، بيد ان إيران لا تنتفع كثيرا من هذه الزيادة بسبب العقوبات الأمريكية كما سيتضح. 

لقد اعاد الأتحاد الاوربي الى العمل قانون اعاقة العقوبات، الذي اصدره عام 1996 لمواجهة العقوبات الامريكية على كوبا، لتقليل فاعلية العقوبات الأمريكية الثانوية على التعامل مع إيران. وعلى الأرجح ستحاول الصين وروسيا ودول اخرى الحفاظ، قدر الامكان، على تجارتها مع إيران. لقد ارتفعت التجارة بين إيران وأوروبا الى 25 مليار دولار سنة 2017 بالانتفاع من رفع العقوبات، بعد ان كانت اقل من 10 مليار دولار عام 2015.

انسحاب الولايات المتحدة من الأتفاقية النووية:

  أعلن الرئيس الامريكي في 8 أيار، مايو، 2018 ان الولايات المتحدة تنسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA بين إيران والدول دائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا والاتحاد الاوربي حول البرنامج النووي الإيراني والتي اتفق عليها في تموز 2015 بعد سنتين من المفاوضات المعقدة. وبدأت الولايات المتحدة اعادة فرض العقوبات التي كانت قبل الاتفاق النووي وعلى وجه الخصوص في مجالات الطاقة والبتروكيمياويات والعلاقات المالية الدولية بما فيها عملة الدولار والقنوات المصرفية. ولا تقتصر المقاطعة الامريكية على شركات الولايات المتحدة واسواقها بل اعلنت الحكومة الامريكية عن عزمها تشديد العقوبات الثانوية ومفادها معاقبة الشركات غير الامريكية التي تتعامل مع إيران وشمولها بالمقاطعة، ما يعني ان الولايات المتحدة وضعت الاجهزة المصرفية وشركات الاعمال امام الاختيار بين امريكا وإيران " من ليس معنا ضدنا". ومعلوم ان التجارة الخارجية لإيران لا تتجاوز 5 بالمائة من حجم التجارة الدولية الامريكية وهكذا أصبح الاقتصاد الإيراني، كما يفهم من نصوص القرارات ولغة التصريحات، في مأزق الأستخدام الأمريكي المفرط والشامل للقوة الاقتصادية لإرغام إيران على الاستسلام دون الحاجة الى حرب الصواريخ والطائرات المدعومة بالردع النووي.

   لقد رفعت اوربا عقوباتها عن إيران في كانون الثاني، يناير، من عام 2016، اما الولايات المتحدة الأمريكية فلم ترفع العقوبات الأساسية التي تمنع شركات الولايات المتحدة والأشخاص الامريكان من الأنخراط في علاقات مع انشطة الأعمال الإيرانية. العقوبات التي رفعتها امريكا في كانون الثاني من عام 2016 واعادتها بعد نقض الأتفاق هي التي تسمى ثانوية والتي تلزم الشركات والكيانات المالية التي تتعامل مع السوق الأمريكية بالأمتناع عن المبادلات مع إيران وبخلافه تفرض عليهم العقوبات ذاتها. ويبدو ان الأهتمام الأول في سياسة الرئيس الأمريكي تجاه إيران ليس البرنامج النووي، عند الأخذ بالأعتبار تقارير منظمة الطاقة الذرية التي بينت التزام إيران بضوابط الاتفاقية ولا تنفي الادارة الأمريكية ذلك. لقد الغت الادارة الامريكية الاجازات التي منحتها سابقا لبيع طائرات ركاب الى إيران مع قطع غيار وخدمات واستيراد السجاد والغذاء.  

وحسب النصائح التي نشرتها شركة المحاماة HFW فإن جميع الالتزامات والمدفوعات بين الشركات ألأمريكية وإيران يجب ان تنتهي في او قبل 6 آب، اغسطس، للحزمة الاولى من المبادلات وانشطة الاعمال، وفي او قبل تشرين الثاني، نوفمبر، للحزمة الثانية عدا استثناءات بينتها شروط التعاقد. اهم ما تشمله الحزمة الأولى للمقاطعة: شراء الحكومة الإيرانية لعملة الدولار والمتاجرة بالذهب والمعادن النفيسة الأخرى، وشراء او بيع مقادير ذات اهمية من الريال الإيراني او الاحتفاظ بها او حسابات مصرفية بالريال خارج إيران؛ اوراق الدين الإيراني السيادي؛ بيع وتجهيز وتحويل المعادن الخام او شبه المصنعة مثل الألمنيوم والحديد والفحم، وبرمجيات العمليات الصناعية؛ مستلزمات قطاع السيارات.

 أما مفردات الحزمة الثانية والتي تنفذ من 5 تشرين الثاني، نوفمبر، فهي: الموانئ والنقل البحري وبناء السفن؛ النفط والمنتجات النفطية والبتروكيمياويات؛ التعامل والمراسلات مع البنك المركزي الإيراني والمؤسسات المالية الإيرانية الأخرى. تلك هي العقوبات الأساسية التي على الشركات الا الأمريكية والأشخاص الأمريكان الالتزام بها.

  وتطال العقوبات الثانوية Secondary Sanctions الشركات والجهات غير الأمريكية التي تزاول انشطة في إيران من تلك المبينة بعد التاريخين المشار اليهما آنفا. ويتضح ان المقاطعة المالية والمصرفية هي الأشد على إيران اما التجارة بذاتها، من وإلى إيران، فمن الصعب السيطرة عليها حسب مفردات قرار المقاطعة الأمريكية. 

     وتحاول إيران، كما هو متوقع منطقيا، الأنتفاع من القنوات المالية الدولية بعملات من غير الدولار، لكن اغلب المصارف وشركات التحويل المالي لها علاقات بالجهاز المصرفي الامريكي مباشرة او عبر البنوك المركزية، بيد ان مثل هذه الفرص لا تنعدم تماما

سوق العملة الاجنبية وسعر الصرف وميزان المدفوعات: 

 حسب الكتاب السنوي لصندوق النقد الدولي حول ترتيبات وانظمة سعر الصرف تصنف إيران بانها تعتمد تعددية اسعار الصرف وأقرب الى الثنائية، مع بعض التقييد على التحويلات الجارية والاستثمار في الخارج. 

حتى عام 2002 يعتمد سعر الصرف الإيراني على التعددية حيث تستفيد الدوائر الرسمية وشبه الرسمية من السعر التفضيلي 1750 ريال للدولار. لكن القطاع الخاص يدفع سعر السوق، ويطبق السعر التفضيلي على موارد صادرات النفط والغاز لاستيراد الضروريات، ودفع الدين الخارجي. وفي عام 1998 اعتمد البنك المركزي نظام شهادات العملة ويسمح للمصدرين المتاجرة بها في سوق طهران للاوراق المالية. وصل سعر الصرف الى 8500 ريال للدولار في عام 2002 وأصبح هو السعر الموحد وهو سعر سوق طهران للاوراق المالية وبقي موحدا حتى عام 2010. لكن بسبب ضغط العقوبات منذ عام 2011 تعددت اسعار الصرف الى: سعر الصرف الرسمي؛ سعر الصرف في المنطقة الحرة؛ سعر الصرف التفضيلي؛ سعر السوق السوداء، ثم اخذ الفرق بين السعر الرسمي والاسعار الموازية بالاتساع. 

وصل سعر صرف الدولار الى 140000 ريال بيعا   و 138500 ريال شراء في السوق الحرة في الخامس من ايلول، سبتمبر، بينما السعر الرسمي  قريب من 43000 ريال للدولار، وآخر اقل منه لأستيراد الضروريات والسلع الوسيطة والمواد الأولية. واغلب موارد الصادرات غير النفطية للقطاع الخاص حيث يبيع العملة الاجنبية للمستوردين باسعار صرف عائمة في سوق طهران للاوراق المالية او مكاتب صرف حرة. وينتفع المصدرون من ريع تعددية اسعار الصرف حيث تمول مستورداتهم من المواد الاولية والوسيطة باسعار مدعومة، بينما يتعاملون باسعار الصرف في السوق الموازية لبيع مواردهم من العملة الاجنبية. لا زالت اسعار الوقود شبه مجانية في إيران واسعار النقل كذلك والخبز اسعاره منخفضة وخدمات تجهزها الدولة باسعار واطئة او مجانا. وهذه السياسة السعرية تساعد ذوي الدخل المنخفض في تحمل صعوبات العيش وفي نفس الوقت تقدّم للجميع فترهق الموازنة العامة.

الفرق بين السعر الموازي والرسمي 25.5 بالمائة في الربع الأول من عام 2015 و18 بالمائة في الربع الاول من عام 2016 حسب تقرير بنك سامان حول سوق الصرف في حزيران 2016. بمعنى ان التفاوت بين السعرين في النصف الثاني من عام 2018 تجاوز الانماط المعروفة. وقد حاولت إيران توحيد سعر الصرف وكررت المحاولة عام 2018 لكنها لم تتمكن. وفي الواقع يضطرها استمرار الضغوط التضخمية، والمقاطعة الأمريكية، الى القبول برفع سعر الصرف في السوق الموازية. علما ان ميزان المدفوعات، ورغم العقوبات، كان في توازن ويحقق فوائض بعد عام 2010.

كان سعر الصرف الرسمي 1755 ريال للدولار في تموز عام 2000 وكذلك عام 2001 ثم ارتفع الى 7925 ريال للدولار عام 2002، وهي قفزة استثنائية نتيجة التخلي عن سعر الصرف الرسمي آنذاك واعتماد سعر صرف موحد يتعين حرا في سوق طهران للأوراق المالية. وفي سنة 2012 أصبح السعر 12260 ريال للدولار وفي عام 2013 ونتيجة للعقوبات قفز الى 24755 ريال، ونهاية عام 2017 ازداد الى 35304 ريال ومطلع ايلول عام 2018 وصل الى 43163 ريال للدولار. وبذلك يفهم ان سعر الصرف يستجيب للعقوبات وتغير التوقعات. ويلاحظ ومنذ عام 2011 عاد سعر الصرف الى التعدد واخذ الفرق بين السعر الرسمي وسعر السوق بالتزايد. كان متوسط معدل التضخم السنوي بين عامي 2000 و2018 في اسعار المستهلك 16 بالمائة بينما تغير سعر الصرف الرسمي (ريالات للدولار الواحد) بمتوسط سنوي 19.4 يالمائة أي ان قيمة العملة اسميا تنخفض بمعدل يزيد على التضخم المحلي، وعند اخذ التضخم الخارجي بالاعتبار وعلى فرض 3 بالمائة سنويا يكون سعر الصرف الحقيقي للريال الإيراني ينخفض سنويا بأكثر من 6 بالمائة. ومن المتوقع، نظريا على الأقل، ان ينعكس هذا في تطوير قدرات إيران على التصدير لأن الكلفة النسبية للصادرات الإيرانية تتناقص بأكثر من 6 بالمائة سنويا. نعم لقد حصل تطور في الصادرات لكنه لا يتناسب مع انخفاض سعر الصرف الحقيقي للعملة الإيرانية.  ونلاحظ ايضا ان معدل التضخم يرتبط بالعقوبات والصدمات الخارجية: في عامي 2008 و2009 كان 18.4 بالمائة ثم 25.4 بالمائة على إثر الأنخفاض الحاد باسعار النفط؛ وللسنوات 2012 الى 2014 كانت معدلات التضخم السنوية بالمائة 21.5؛ و30.5؛ و34.7 على التوالي وهي مدة العقوبات التي سبقت الاتفاقية النووية. وفي عام 2015 وهي سنة عقوبات ايضا لكن التوقعات تحسنت فانخفض التضخم الى 15.6 بالمائة؛ ثم 11.9 عام 2016 واقل من 10 بالمائة سنويا لعامي 2017 و2018 وهي سنوات رفع العقوبات الدولية والأوربية. 

وتركز العقوبات الأمريكية عموما على النفط ويلاحظ ان ايرادات النفط تسهم بحوالي 37 بالمائة من ايرادات الموازنة عام 2015 بينما في العراق بحوالي 90 بالمائة.  وايضا لا تعتمد إيران كليا على النفط في موارد العملة الاجنبية كما هو حال العراق لأن هناك موارد من غير النفط الخام لا يستهان بها، وبهذا تؤثر العقوبات لكنها لا تصل الى حد تعطيل الاقتصاد الإيراني حد الانهيار الا إذا اجتمعت عوامل اخرى.

 كما ان التجارة الخارجية لإيران اتجهت نحو آسيا ومع الدول المجاورة اولا ومع اوربا على نحو اقل بكثير، اي تحاول إيران تقليل التعرض للأسواق والقنوات حيث يشتد الألتزام بالعقوبات الأمريكية.

 استيرادات إيران من آسيا بنسبة 77 بالمائة واوربا 21 بالمائة وبقية العالم 2 بالمائة. وشركاء إيران في المستوردات: الصين اولا والأمارات العربية ثانيا وعلى التوالي بنسب 25 بالمائة و19 بالمائة من مجموع المستوردات عام 2015 و24 بالمائة و23 بالمائة عام 2014. ثم كوريا الجنوبية وتركيا وسويسرا والمانيا وايطاليا ... ودول اخرى. اما الصادرات فتتركز في آسيا بنسبة 92 بالمائة عام 2015. وفي عام 2014 وهو عام عقوبات كانت الصين الشريك الاول ثم العراق والأمارات العربية والهند وافغانستان وتركيا وتركمانستان ... ودول أخرى. 

 لقد اثرت العقوبات في السنوات 2012-2015 التي فرضت عام 2011 وضاعت على الصناعة فرصة النمو بل اصبحت عام 2015 أدنى مما كانت عليه عام 2011، وكذلك نشاط البناء والتشييد اقل في سنة 2015 مما كان عليه في 2011 بنسبة 28 بالمائة تقريبا، وايضا انخفض النفط الخام لأرتباطه الأشد بالعقوبات. لكن الزراعة لم تتأثر بل ازداد الانتاج الزراعة بنسبة 22 بالمائة في سنة 2015 مقارنة بسنة 2011.

سوف تؤثر جملة عوامل في اداء الاقتصاد الإيراني الذي يتعرض لضغط العقوبات الأمريكية منها: مدى تشدد الولايات المتحدة في العقوبات الثانوية، على طرف ثالث، لمحاصرة إيران، ويرتبط مدى التشدد بتنازلات إيران لخدمة سياسات امريكا وهيمنتها في الشرق الأوسط؛ لكن هذا المسار يتأثر الى حد كبير بموقف الأتحاد الأوربي ودوله لمساعدة إيران في المناورة على العقوبات الأمريكية؛ وعلى نحو أكبر سيكون لسياسة الصين الدور الحاسم لأيجاد فسحة اقتصادية دولية لإيران اضافة الى العراق وتركيا وروسيا. 

 والمسألة لا تنتهي عند حدود الأقتصاد والتجارة بل ان الدول الكبرى امام اختيار صعب بين عالم القطب الواحد وتعددية مراكز القوى. 

التعليقات