الاقتصاد العراقي ورؤية 2030 : المضمون والتحديات

شرعت الحكومة العراقية بوضع برنامج "رؤية 2030" بالتعاون مع البنك الدولي والاستفادة من خبراته في هذا الاطار. وأشار البنك الدولي في 29 تشرين الثاني 2017 في تقرير له ان "العراق استطاع خلال عامي 2016 - 2017 تنفيذ تغييرات أساسية في الإطار التنظيمي المحلي في نطاقين رئيسين هما: بدء النشاط التجاري، والحصول على الائتمان. 

وفي الوقت الذي اكد فيه ساروج كومارجها المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي التزام الاخير بدعم جهود الحكومة العراقية في تنفيذ الإصلاحات ذات الأولوية التي من شأنها تعزيز بيئة الأعمال وتحقيق نمو وفرص أفضل لجميع العراقيين، أشار في بيان أنه "كجزء من برنامج رؤية 2030، شرعت الحكومة العراقية في أجندة إصلاح أساسية تستند إلى برنامج اطار العمل الحكومي العام (2014–2018) الذي يكرّس أولوية للإصلاحات الاقتصادية المؤسسية وتطوير القطاع الخاص". 

وفي مقابلة مع السيد مستشار مجلس الورزاء للشوؤن المالية الدكتور مظهر محمد صالح اكد أن رؤية 2030 تهدف الى رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الاجمالي لتبلغ 45% او 50% عبر التنويع الاقتصادي ( تنويع ايرادات الموازنة الاتحادية والتخلي عن الاقتصاد الاحادي الجانب). ومعروف ان تلك النسبة تبلغ مستويات متدنية جدا في الوقت الحاضر. كما اكد صالح ان هناك امرين تتضمنهما الرؤية وهما:

- ضمان الامن الغذائي من الانتاج الزراعي المحلي، 

- اشاعة فلسفة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في قطاع الاعمال.

ولتحقيق هذين الامرين، اكد الدكتور مظهر محمد صالح حاجة الدولة الى ثلاثة اجراءات استراتيجية:

- ان تتحول الدولة الكبيرة (مؤسسات كثيرة مترهلة) الى دولة صغيرة بمؤسساتها واطرها التشريعية.

- خلق مؤسسات السوق ويكون ذلك عبر الشركات الصغيرة وان يتم تمويلها من عائدات النفط والشراكة في تمويل السوق بين الدولة والقطاع الخاص وان يتم انشاء صناديق تمويل صغيرة لهذا الغرض. وبامكان البنك الدولي تحويل اموال الدين الحكومي الى صندوق أئتماني.

- الامر الثالث هو الحماية الاجتماعية للسوق، وذلك عبر تعزيز شبكة الحماية الاجتماعية.

هذه الاجراءات الثلاث تحتاج الى منهج تشاركي بين الدولة والقطاع الخاص او مايسمى بـ( الشراكة التمويلية). وهذا المنهج شيء جديد على الاقتصاد العراقي كفلسفة اداء واجراء عملي بعد عقود من هيمنة الدولة على الاقتصاد لاسيما في بداية سبعينيات القرن الماضي عبر عدد من القوانين اذ سيطرت الدولة على النشاط الاقتصادي وسمحت بأن يكون القطاع الخاص شريك للقطاع العام وذلك عبر ماسمي بـ (القطاع المختلط).

ومع أن كل دولة لها اوضاعها السياسية – الامنية والاقتصادية والاجتماعية وتعمل على وضع رؤية لها وفقا لتلك الظروف، الا ان رؤية 2030 بالنسبة للعراق ليس كمثيلاتها في المنطقة. فالتحديات كبيرة ومعقدة وتحتاج الى عمل شامل يحاول التخفيف منها لتتمكن مؤسسات الدولة من اداء مهامها وفق برامج واهداف مرحلية تقود بالنتيجة الى الهدف الاستراتيجي للرؤية.

من هذه التحديات، هو ان الدولة العراقية - وبعد عقود من المنهجية الشمولية المركزية في الاداء – اصبحت على ابواب مرحلة جديدة وانماط جديدة من الاداء لم تعهدها من قبل. وهنا نشير الى ماذكره المستشار المالي للحكومة بأن الدولة العراقية بمؤسساتها تستقطب مايقارب من (4,5 ) او ( 5 ) مليون موظف من اصل 10 مليون من القوى العاملة ، ولضمان رواتبهم اضطرت الحكومة الى الاقتراض مما زاد من الدين العام الداخلي ليكون (50) ترليون دينار عراقي. ولهذا فأن المرحلة الجديدة تحتاج الى اطر قانونية تيسيرية تواكب انماط الاداء الجديدة وهذا الامر بدوره يتطلب فهم عميق من مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية لتعزز التنسيق فيما بينها لوضع تلك الاطر القانونية. 

 تحدي اخر يتمثل بالفساد وسيطرة الدولة على كامل اقليمها. ونقصد بتلك السيطرة هو قوة انفاذ القانون على كامل اقليمها وبدون تلك القوة لايمكنها حل مشكلة الفساد ومشاكل اخرى تعيق تنفيذ الاجراءات الاقتصادية ومنها السياسات التجارية والجمركية وغيرها.

تحدي مهم اخر هو تحدي اعادة الاستقرار والسلم الاهلي والامن المجتمعي. وتجاوز ذلك التحدي يحتاج الى اعادة البنى التحتية التي دمرتها الجماعات الارهابية والتي بلغت خسارتها اكثر من 45 مليار دولار وفقا لما ادلى به الدكتور مظهر محمد صالح.

على صعيد النظام المصرفي، وعلى الرغم من تأكيد السيد كومارجها " ان العراق عمل على تحسين الوصول الى معلومات الائتمان من خلال إطلاق سجل ائتمانات يدار من قبل البنك المركزي العراقي. وابتداءاً من الاول من كانون الثاني 2017، شمل هذا السجل 234,967 عميلاً و4,877 مقترضاً تجارياً، وتضمن معلومات عن تاريخهم الاقتراضي خلال السنوات الخمس الماضية"، والعمل الجاري على توطين المعاشات والرواتب، وعلى الرغم من العمل الجاري على هيكلة مصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين، الا انه لايزال النظام المصرفي في العراق مثبط لاي نشاط اقتصادي لاسيما للقطاع الخاص.

وفيما يخص تنويع ايرادات الموازنة العامة وعدم الاعتماد على ايرادات النفط، لازالت القطاعات الرئيسة تعمل وبمؤشرات خطيرة. واكد صالح ان القطاع الزراعي الذي يستوعب الان 21% من القوى العاملة، يساهم بما نسبته 4% من الناتج المحلي الاجمالي، وكذلك قطاع الصناعات التحويلية الذي يضم 16% من القوى العاملة، يساهم بما نسبته 1% من الناتج المحلي الاجمالي. كذلك الحال في القطاع النفطي الذي يضم 4% من القوى العاملة يساهم بما نسبته اكثر من 50% من الناتج المحلي الاجمالي. وهذه المؤشرات تعكس اشكالية عميقة يعاني منها الاقتصاد العراقي. 

كل هذه التحديات تؤطر بأطار مناخ الاعمال وسهولة ممارسة الاعمال في العراق. ومع التقدم المحدود جدا في هذا الاطار، الا ان المناخ الحالي يؤشر صعوبة في ممارسة الاعمال مما وضع البلاد في اسفل القائمة من حيث تحسين مناخ الاعمال. 

لذلك نرى بأهمية استمرار التواصل مع المنظمات الاقتصادية الدولية والاستعانة بخبراتها في هذا الاطار منها البنك الدولي الذي وفر الكثير من الجهود والخبرة لدعم العراق في جهودة الاصلاحية وفي السياسات الاقتصادية. 

التعليقات